على هامش تغيير مناهج مادة التربية الإسلامية في المدرسة المغربية

0

بوشعيب بلامين

أعلنت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني المغربية على عزمها تغيير مناهج التربية الإسلامية .
وأرى ان هذا التغيير يستجيب لمطالب سياسية أكثر منه استجابة لبحث علمي ومطلب بيداغوجي خاص بالمادة، إضافة إلى الى اعتماده مرجعيات غير المرجعية الإسلامية أصلا حيث أصبح مطلوبا من المادة ان تستجيب لمقتضيات من خارج المنظومة الإسلامية حسب المذكرة 163-16 بتاريخ 3يونيو2016 :
فموضوعها هو : ” مراجعة الكتب المدرسية للتربية الدينية ” وبذلك نكون قد انتقلنا من التربية الإسلامية إلى ” التربية الدينية “والسؤال: – ما معنى هذا الانتقال؟
” إعطاء أهمية للتربية على القيم الإسلامية السمحة ” وبمفهوم المخالفة عند المناطقة والأصوليين فإن المناهج السابقة لم تكن تعطي أهمية للقيم الإسلامية السمحة، أي لربما كانت تربي على الكراهية (التعبير الذي يستعمله الصهاينة لمحاربة خصومهم) ثم هذه الدعوة الى ان يكون الإسلام سمحا. مع من؟ وتجاه من؟ وهل مناهجنا تنشر العداوة؟ وهل مناهجنا تفضح من ينشرون العداوة والبغضاء والكراهية ضد الإنسانية وليس فقط ضد الاسلام؟ وهذه الدعوة تذكرني بمهرجان أكادير الغنائي للتسامح ؛ و مهرجان الاغنية الروحية في فاس الذي يستضيف فرق غنائية من الكيان الصهيوني ،نتسامح معها رغم انها وأهلها أيديهم ملطخة بدماء أطفال فلسطين.. وان يتسامح المغربة مع اليهود المغاربة الذين هاجروا لدعم الكيان الصهيوني وعندما يعودون الى المغرب كسواح نرحب بهم دائما تحت شعار التسامح…التسامح نعم، لكن ليس مطلوبا من جهة واحدة. وليس مع القتلة؟ وليس مع الإرهابيين مسلمين كانوا او غير ذلك. وهكذا سارت المذكرة المؤطرة لبناء المناهج الجديدة.
المذكرة تنص على ان المطلوب ليس التربية الإسلامية لكن التربية على” المذهب المالكي ” وهنا يفهم معنى التربية الدينية التي تتحدث عنها المذكرة. اذ كان المطلوب ان نحافظ على التربية الإسلامية في سعتها أوّلا ثم كجزء منها او كإطار اختاره المغرب ” المذهب المالكي”) وذلك التزاما بالدستور والميثاق الوطني للتربية والتكوين اللذان ينصان على تثبيت قيم التربية الإسلامية والعقيدة الإسلامية ولا يتحدثان عن التربية الدينية.. في الوقت الذي تحيل المذكرة على التربية على ” أديان ” كأنك في مجال علم الأديان المقارن..
” التعايش مع مختلف الثقافات” وحيث انه وفي ديننا لا خلاف في ذلك اذ ان الله خلقنا ” من ذكر وانثى” وجعلنا ” شعوبا وقبائل ” لنتعارف. ونص القرآن على ان الاختلاف سنة الهية ” وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ ولذلك خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) سورة هود. لكن السؤال هو نفسه: هل في المناهج الحالية ما يدعوا الى هذا التوجس؟ ام هل نريد ان نفصل اسلاما وتربية إسلامية على هوانا؟ و ما هو معنى ” التعايش مع مختلف الثقافات و الحضارات الإنسانية”؟ أي ما حدود التربية على المذهب المالكي والتربية الدينية و ما هي حدود الثقافات الاخرى و الحضارات الأخرى التي يمكن ان نتعايش معها ؟
صحيح أن مناهج المدرسة يجب ان تستجيب لحاجات المتعلم وحاجات المجتمع لكن ما هي حاجات المجتمع و المتعلم في التغييرات الجديدة التي تركز على التسامح مع الثقافات الأخرى ؟ فهل هذا اشكال مجتمعي حقيقي اليوم ونحن نرى ان المغاربة يتسامحون مع الثقافات الأخرى اكثر من تسامحهم مع ذواتهم وثقافتهم و مع انفسهم ؟ أي اننا امام إشكال وهمي..أي هل هذه هي حاجة مجتمعنا و تلاميذنا من المدرسة و من المادة ؟
إن جوانب الإضاءة في ديننا كثيرة : فالمطلوب إضافة الى ما تدعوا اليه المذكرة مع تحفظنا عن سياقه ان نبرز جوانب حضارتنا و أسس استنهاض همم أطفالنا وشبابنا إلى حب العمل و الابداع و الابتكار و التجاوب والانسجام مع السنن الكونية و عمارة الأرض بالخير و بناء مجتمع فاضل على أسس قيم إنسانية رفيعة أساسها الكرامة : ” ولقد كرمنا بني آدم ” و تزكية النفس و السمو بها و رفع تحديات الأمم الأخرى حتى يكون دين الله بما هو دين للناس كافة فوق الأديان او المعبودات الأخرى ” هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون”.
نعم لأي تغيير في المناهج لكن ان يكون سببه ومبرره بيداغوجي و مجتمعي يتماشى مع سياق و تحولات العصر بما يخدم الانسان و بما يرفع من مستوى الفرد والمواطن المغربي ليؤدي دوره المواطن و الإنساني.
مازالت وزارتنا تعمل بمنطق التعتيم والتعيينات: فلا حديث عن طبيعة اللجنة المكلفة بإعادة صياغة هذه المناهج؟ ولا ذكر لأسمائها؟ ولا عن كيفية فرزها ؟ ولا وضوح في مدى مساهمة أساتذة ومفتشي المادة في ذلك وهم اول المعنيين بموضوع مناهج المادة ؟ وعلى الأقلّ ماهو مصير ملاحظات اسلتذة المادة و مفتشيها التي ترفع الى الوزارة عن الضعف الحصة الزمنية المخصص للمادة والمعامل المهين لها (1)؟و هل طالبت هذه التقارير بالتركيز على التسامح وتغيير التربية الإسلامية بالتربية الدينية ؟ صحيح ان كتب المادة قد تتطلب حذف بعض الدروس تخفيفا على المتعلم او لعدم مناسبتها لعمره السيكلوجي ، مراجعة بعض الكتب خاصة في الثانوي التأهيلي نظرا لكثافة المادة العلمية بها او عدم مناسبة بعض الوحدات أصلا لحاجيات المتعلم و تخصصه ( جزء من دروس الإرث مثلا..).
ان خطاب المذكرة خطاب يستعمل ذات المصطلحات السياسية بدل ان يتحدث بمرجعيات تربوية و”إسلامية” لنقول : ابعدوا السياسة عن المدرسة “.و إلا فإن تغييراتكم و “إصلاحاتكم” لمناهج مادة التربية الإسلامية ستجعل من هذه المادة شيئا آخر غير التربية الإسلامية او الدينية ؛بل ستحولها الى مادة أيديلوجية توظف الدين والنص الديني لصياغة الفرد التي تريد السياسة المتحركة والمتغيرة حسب المصالح.
إن دستور 2011 و الميثاق الوطني للتربية والتكوين وثيقتان مرجعيتان في هذا المجال وبه وجب الالتزام الى حين الرقي بدستورنا وميثاقنا الى ما هو ارقى وافضل وانسب ، ” والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون “.

ذ. بوشعيب بلامين

سراج.نت

……………………………………………………………………..
المقال يعبر عن راي صاحبه

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.