الحقل الديني بالمغرب: من يحقق الأمن؟ الوسطية أم التطرف؟

0

احمد الجبلي

من الملاحظ أن جل من أصبح يكتب في شأن الحقل الديني بالمغرب لا علاقة لهم به لا من قريب ولا من بعيد، أي إن الأقلام التي كتبت عن الحقل الديني أكثر أصحابها ليسوا من أهل العلم ولا الوعظ ولا الإرشاد ولا هم أعضاء في المجالس العلمية ولا المندوبيات الجهوية أو الإقليمية التابعة لوزارة الأوقاف. لأن في الغالب الأعم أن أهل التخصص هم الأكثر أهلا للحديث بدقة وموضوعية في موضوع يعنيهم ويشغل بالهم، وقد دأبوا على التفكير والانشغال بكيفية تطويره وتجويده بعد تقييمه وتقويمه. ولكن للأسف الشديد أن هذه الفئة المؤهلة أكثر للكتابة والحديث عن حقلها الذي هو ديدنها ومجال اشتغالها لا تكتب ولا تتحدث في الموضوع.

وعدم حديثها أو كتابتها تركت فراغا أو مكانا شاغرا استغله أعداء الدين والقيم وأطلقوا العنان لأقلامهم المأجورة من أجل إظهار التدين في البلاد على أنه هزيل ويقتصر على مجموعات صغيرة محافظة هنا وهناك، وأن الحقل الديني ملغوم بالإرهاب والتطرف، وهو مجال يعشش فيه الإسلام السياسي الذي يستغل المنابر للدعايات الانتخابية وغرس فكر التطرف والكراهية.

ونظرا للفراغ الذي تعاني منه الكتابة في هذا الشأن ارتأينا أن نعمل على تبصير المغاربة بأهمية الشأن الديني والأدوار الطلائعية التي يقوم بها حماية للوطن وأمنه وحماية له على الخصوص من أن تتشكل فيه طائفية مقيتة، أو حركات تكفيرية تنشر التطرف والفكر الأحادي ولسان حالها يقول: ( ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد).

وسنبدأ بالحديث عن علاقة الدين بالأمن ليعلم كل المعادين للدين والذين يجعلون منه فوبيا يخوفون بها الناس كفزاعة مرعبة بأنهم فقط ينعمون في هذه البلاد بالأمن والطمأنينة لأنها بلاد إسلامية تغلغل الإسلام فيها منذ القرن الثاني الهجري،فما علاقة الأمن بالدين إذن؟
يعتبر الأمن أهم ركيزة أساس في بناء المجتمعات، فلا أمن بدون استقرار، ولا حضارة بلا أمن، ولا يتحقق هذا الأمن إلا في حالة شعور الفرد والجماعة بالطمأنينة والسكينة وأنه لا يوجد شيء ما يهدد هذا الاستقرار وهذا الأمن.

وحفاظا على حياة الناس وأمنهم عملت جميع المجتمعات على رعاية قواعد السلوك العام لدى الناس في المجتمع، ونلاحظ أن الدين هو الوحيد الذي يستطيع ضبط السلوك العام وتوفير مناخ موحد تسري عليه نفس القواعد وتضبطه نفس القوانين التي يقبل عليها الإنسان حبا وكرامة ورغبة، لعلمه أن من خلال هذا الانضباط السلوكي فهو يتقرب إلى الله وأن له أجرا على ذلك. و أصل الأصول في هذا السلوك أو المنهج هو أن الإسلام لا يكره الناس على الإيمان أي يطمح ليكون اعتناق الإنسان لتعاليمه مؤسسا عن قناعة ويقين دون إكراه أو إجبار، وهذا يحقق إلى أبعد حد الارتباط بالنظام العام الذي يشرعه الإسلام، ولا اختلاف في ذلك بين السر والعلن، بين الخلوة وأمام الملأ.

إن كل القيم المجتمعية التي تحقق الأمن يؤصل لها الإسلام تأصيلا شرعيا واضحا، كقيمة التعاون على البر والتقوى وعدم التعاون على الإثم والعدوان، فالتعاون على البر والتقوى يشكل مساحة عريضة تشمل كل ما من شأنه أن يوفر الرخاء ويقوي الاقتصاد وينشر التسامح وحب الخير ومساعدة الآخرين والعناية بالفقير واليتيم والمعدم والصدق في القول والإخلاص في العمل، وإصلاح ذات البين والإبداع في كل الصيغ التي تحقق التقوى والبر وهي مجال واسع لا حد له. وفي المقابل يشكل الأمر بعدم التعاون على الإثم والعدوان مساحة إضافية تحدد الخطوط الحمراء التي لا يحق بأي وجه من الوجوه تخطيها حتى لا يفتح أي باب يمكن أن يكون مدخلا لما يخل بالأمن والاستقرار الذي يعيشه المجتمع.

وتحقيقا لهذه الأبعاد نجد أي شعيرة من شعائر الإسلام وإلا وتعمل على تحقيق مقاصد جمة كلها تصب في بوثقة واحدة وهي تقوية الصلة بالله والخوف منه مما يعطي البعد الإيماني التعبدي الرحب الذي يحقق المجتمع الذي يستحق التنعم بخيرات الله ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لأنزلنا عليهم بركات من السماء والأرض) و المحمي من الخوف والجوع، والمنعم والمكرم بنعمة الأمن والاستقرار ( ضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون).

فلا مناص إذن أمام المجتمع الذي يطمح ليعم فيه الأمن والرخاء من أن يعمل على إعطاء القيمة الحقيقية للدين وللحقل الديني لكونه الضامن الأساس في ضبط الناس وإفشاء السلم والقيم الحقيقية التي من شأنها أن تشكل صمام الأمان والحزام الوقائي الذي يحمي المجتمع من أن تقع فيه انفلاتات أو يتفشى فيه فكر متطرف إرهابي.

وإذا كان الدين عاما ومشاعا في جميع الدول الإسلامية، فإن ما يميز الحقل الديني في المغرب هو كونه يعتمد على منهج خاص وفريد في نوعه، وهو الاعتماد على مذهب فقهي عقدي واحد وهو المذهب المالكي والأشعري، والذي بفضله تم القضاء على جميع التيارات الفكرية والطائفية المتطرفة كالشيعة والمعتزلة وغيرهما، كما تم القضاء والقطيعة نهائيا مع البدع. وقد ظل المغرب هكذا إلى اليوم، وبالتالي من نتائج هذا البعد الديني المغربي أنه أمن البلاد ووحدها على منهج عقدي واحد ولا يقتتل الناس فيه بسبب اختلاف العقائد أو التوجهات الطائفية التي هي سبب في اقتتال الناس في دول إسلامية كثيرة.

إذن إن كل الذين يتحدثون عن الحقل الديني في المغرب ويسمونه بكونه يؤسس للإرهاب أو يعرف انفلاتات أو يستغل لتمرير التطرف ونشره فإنهم للأسف الشديد يعملون على خلق فتنة، البلاد في غنى عنها، ويزرعون فكرا متطرفا دخيلا قد يؤدي في آخر المطاف إلى أن يتحول إلى فكر طائفي إذا ما وجد من يؤمنون به، فيكون أشد على البلاد من الفرق الأولى التي حاربها المغاربة من خلال تمسكهم بعقيدتهم التي تميزت بالوسطية والاعتدال ونبذ العنف والتطرف.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.