المرأة والرجل في التصور الإسلامي مساواة واختلاف وتكامل لا دونية ولا تماثل

0

naciriدة. فاطمة الزهراء الناصري: لقد نشأ حول قضية المرأة خطابان متطرفان كلاهما،

يسم الأول المرأة بالدونية وأنها أدنى مرتبة من الرجل، بينما يأخذ الثاني طابعا دفاعيا يؤول به إلى القول بمماثلتها للرجل، وفي الخطابين معا تشعر المرأة بالاستضعاف والظلم والقهر، والحقيقة أن الموقفين يقومان على مغالطات كبيرة؛ حيث ينطلق الأول من أن مجرد الاختلاف بين الذكورة والأنوثة مؤشر على دونية الأنثى، وهو تصور ينقض نفسه بنفسه؛ لأنه لو كان الأمر كذلك لصح العكس.

       أما الموقف الثاني فتتجلى مغالطته في الخلط بين المساواة والتماثل؛ فبينما هو يدعو إلى التماثل يسمي ذلك بالمساواة، والتي ليست إلا امتلاك كلا الطرفين لنفس القدر من الحقوق، والقيام بنفس القدر من الواجبات، يعني أن يتمتع كل طرف بقدر ما يتمتع الآخر قيمة وكما، وليس بالضرورة نوعا، وذلك تابع للاختلاف النفسي والفسيولوجي بين الجنسين.
       فالتصور الإسلامي المعتدل القائم على الفطرة والعلم، ينطلق من أن الله تعالى منح للرجل امتيازات وفرض عليه مسؤوليات، ومنح المرأة امتيازات أخرى فأوجب عليها من ثمة واجبات أخرى، هي من حيث القيمة والكم تساوي امتيازات ومسؤوليات الرجل ولكنها لا تماثلها من حيث النوع وهذا معنى قوله سبحانه: “بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ “[1].
الوجود الكوني يقوم على الاختلاف والتنوع
       يقوم النظام الكوني بأسره على التنوع، ولا يكون هناك توالد وتكاثر إلا على أساس الثنائية التي تقوم على الاختلاف، في الإنسان والحيوان والنبات والجمادات حيث يتكون قلب الذرة من إلكترونات موجبة وأخرى سالبة، فهل نقول إن النظام الكوني غير عادل لأن الإلكترونات السالبة أدنى مرتبة من الموجبة؟ وهل سنجد تعليلا لذلك سوى القول لسبب واحد هو أنها تختلف عنها؟ فالأنوثة ليست أدنى من الذكورة وإن كانت مختلفة عنها، هذه الفكرة التي تخالف منطق العلم ماتزال سائدة في الكثير من بقاع الدنيا، خصوصا في البوادي حيث الجهل المطبق، رغم أن كل الطبيعة حولهم دليل صارخ ينبأ بضرورة الثنائية من أجل الحياة.
       فالكون كله بنية عضوية واحدة تقوم على اختلاف العناصر وتكامل الأدوار، كذلك أراد الله تعالى للأسرة كبنية اجتماعية داخل هذا الكون الفسيح أن تقوم على اختلاف عنصريها ذكر وأنثى، من أجل تكامل وظيفي وذلك من أجل حياة إنسانية تقوم على السلم، لأن التماثل في الأدوار يؤدي إلى الصدام والتنازع،وقديما تحدث النحويون في باب “الإعمال” عن قانون “التنازع” الذي يحدث عندما يتعلق عاملان أو أكثر(أي الفعل وشبهه) بمعمول واحد أي محل واحد….
الفطرة الإنسانية تقر الاختلاف والتنوع
       عندما نضع لعبتين الأولى سيارة والثانية دمية أمام طفلين صغيرين الأول ذكر والثانية أنثى، سيقع اختيار الصغيرة عفويا بدافع غريزة الأمومة على الدمية فتمشط شعرها وتدفئها وتهدهدها…، بينما نجد الطفل يتوجه بجرأة إلى السيارة فيدفعها بكل قوة مقلدا ذوي محرك السيارة بصوته معلنا رجولته واستعداده الفطري لتحمل مسؤوليات تتطلب القوة والصلابة والخشونة أحيانا…فلا أحد يستطيع إنكار اختلاف النشاط اللعبي للأنثى التي تفضل الألعاب الهادئة بالأدوات المنزلية المصغرة والتلوين والرسم والعرائس… عن النشاط اللعبي للذكر الذي يقوم على القوة والجرأة، ويظهر هذا التباين كما أثبتت الدراسات في سن مبكر في جميع المجتمعات وفي جميع البيئات، فمن يا ترى أخبر الطفلة أن بنيتها الفسيولوجية صالحة لرعاية الأطفال والأمومة والاحتضان؟ ومن أعلم الطفل أن بنيته مستعدة لتحمل الأعباء؟ إنه نداء الفطرة المتأصل في الوجدان الإنساني، فلماذا يتمرد الإنسان أحيانا ولا يلبي النداء؟ 
المنطق العقلي والنظام الاجتماعي يفترض وحدة القيادة
       من منطلق الاختلاف الفسيولوجي والنفسي بين الذكر والأنثى جاء في القرآن الكريم مفهوم هام جدا هو مفهوم “القوامة” “الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ[2] حيث يكون الذكر هو قائد ذلك المجتمع الصغير الأسرة، فالأسرة لا تستطيع الاستمرار دون قوامة، لأن وحدة القيادة أمر وارد في جميع القوانين: فالقانون المنطقي ملخص في قوله تعالى:”لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا“[3]، قال المفسرون أي لاختل نظام الكون وعمت الفوضى والاضطراب؛ حيث يقرر كل إله غير ما يقرره الآخر من ظواهر طبيعية وغيرها؛ فبينما يرى الأول إرسال أشعة الشمس يقر الثاني نزول المطر، وقد يرسل أحدهم ملك الموت لقبض روح فلان ويرى الثاني أن أجله لم يحن بعد…، وإذا كان هذا قانونا منطقيا فجميع القوانين تبع له؛ ففي مجال السياسة مثلا، لا يمكن أن يكون للدولة رئيسان، ولذلك قالوا: “السفينة لا يقودها ربانان”، وقالوا كذلك: “لا يجتمع أسدان في أجمة”، فلابد من مدبر مسير ومستشار يشارك القائد في اتخاذ القرارات وحسم المواقف، لأن وحدة القيادة يعني النظام وتعددها يعني الفوضى والحيصبيص والتنازع وبالتالي الفساد.
القوامة اختيار للمرأة
       فالقوامة في القرآن الكريم ليست تسلطا أو استبدادا أو قمعا…، إنما هي مسؤولية ومبادرة وحسم للقرارات بعد الاستشارة، وهذا كله مبني على اقتناع مسبق بين الطرفين بهذا القانون، يعني أن المرأة في الإسلام من حقها أن ترفض من لا تستطيع أن تسلم له بزمام القوامة عليها، ومن تراه غير كفء للاضطلاع بهذه المهمة، ومن ثمة كان قرار الحسم في الزواج قبولا أو رفضا عائدا إليها هي لا إلى ولي الأمر، كما في الحديث الصحيح: “لا تنكح الأيّم حتى تستأمر ولا تزوج البكر حتى تستأذن قالوا: يا رسول الله كيف إذنها؟ قال: أن تسكت”[4]،ولذلك لم يختلف الفقهاء المسلمون في أن الفتاة البالغة العاقلة لا يجوز إجبارها على الزواج بشخص تعرفه ولا ترغب في الزواج به، لحديث “المرأة التي جاءت إلى النبي عليه الصلاة والسلام تقول: “يا رسول الله إن أبي يريد أن يزوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته، فجعل النبي عليه الصلاة والسلام الأمر إليها فقالت: أجزت ما فعل أبي، ولكن أردت أن تعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء”[5]، فالمرأة هي من يقرر من يقوم عليها، ثم إن الأمر بالنسبة للرجل مسؤولية وليس امتيازا. 
حقوق وواجبات خاصة من منطلق الاختلاف النفسي والفسيولوجي
       فالذكورة والأنوثة من حيث هي كذلك في المنظور الإسلامي ليست معيارا للتفاضل مطلقا، ولكن لأن هناك اختلافا فسيولوجيا ونفسيا بين الجنسين، كان هناك اختلاف في بعض الحقوق وبعض الواجبات تبعا لذلك، لأنه لا يعقل أن نقر الاختلاف الطبيعي وننكر الاختلاف الوظيفي فهذا تابع لذاك، ولا يستقيم منطقا كذلك أن نقر الاختلاف في الطبيعة وننكره في الأحكام، فإذا كان الله تعالى لم يكلف المرأة بالنبوة، وكان المسلمون قد أجمعوا على عدم تقليدها منصب الإمامة الكبرى لقوله :صلى الله عليه وسلم “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”  (أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب كتاب النبي  إلى كسرى وقيصر، رقم الحديث 4163)،فيجب أن يفهم ذلك بكل موضوعية في ضوء طبيعتها الفسيولوجية والنفسية، لا من منطلق الدونية والإقصاء، وإلا فلماذا نقر ذلك عندما يتعلق الأمر بسقوط الجهاد السيفي عنها، وعدم وجوب الصلاة في المسجد عليها؟ الأمر بكل بساطة هو أن الوضع النفسي والفسيولوجي والوظيفي(الأمومة) الذي لا يسمح بالصلوات الخمس في المسجد، ولا يقوى على خوض المعارك، هو نفسه لا يقوى على أعباء النبوة وما تتطلبه من صلابة وتحمل الأذى، ولا يقوى كذلك على مشاق النهوض بالإمامة الكبرى مثلا، فلا يبقى وراء هذا إلا منطق الكيل بمكيالين، حيث يستعمل منطق الاختلاف بين الجنسين عندما يتعلق الأمر بالجهاد والأعمال الشاقة، ويستعمل منطق آخر عندما يتعلق الأمر بمنصب الإمامة الكبرى وإمامة الرجال في الصلاة وخطبة الجمعة…وغير ذلك من المهام التي أعفى منها الإسلام المرأة لطبيعتها ومسؤولياتها الأخرى، لكن الكثيرين فهموا هذا الأمرعلى غير وجههبأنظارهم القاصرة وأفهامهم الموجهة بفلسفات بعيدة عن روح الدين الذي هوفِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ.”[6]



 النساء/34  [1]

 النساء/34[2]

 الأنبياء/22[3]

 أخرجه البخاري، كتاب النكاح، بَاب لَا يُنْكِحُ الْأَبُ وَغَيْرُهُ الْبِكْرَ وَالثَّيِّبَ إِلَّا بِرِضَاهَا، حديث رقم5136[4]

 أخرجه ابن ماجة كتاب النكاح، باب من زوج ابنته وهي كارهة، حديث رقم 1874والنسائي وابن أبي شيبة بألفاظ متقاربة.[5]

 الروم/30[6]

 

                            

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.