مجلة شؤون الزكاة :دور الزكاة في التوزيع العادل للثروة

0

أرجع المفكر المغربي إدريس الكتاني الفكرة السائدة اليوم عند عموم المثقفين وأعلام الفكر والسياسة في المجتمع –العربي-الإسلامي عن عدم أهمية نظام الزكاة إلى عدم الفهم الصحيح لماهية الزكاة ونظامها بالأساس. واعتبر الباحث أسباب تراجع الزكاة وجمودها في ثلاث عوامل رئيسية:

أولا: ظهور نوع من فقدان الشعور بالحاجة إلى الزكاة إبان انتشار الرخاء والترف في عصور ازدهار الحضارة الإسلامية.

ثانيا تضعضع الأجهزة الإدارية للدولة الإسلامية، وعجزها عن الاستمرار في تطبيق قانون الزكاة بما يتطلبه من كفاءة وحزم ونزاهة، سواء في جباياتها أو في توزيعها.

الثالث: فقدان ثقة الشعوب الإسلامية، وخاصة العلماء بصلاحية أجهزة الدولة للقيام بهذه المهمة على الوجه الإسلامي المطلوب للأسباب الآنفة الذكر.

واعتبر أحد مؤسسي رابطة علماء المغرب في الستينات أن “الدين الإسلامي هو الدين الوحيد في العالم، وفي الحضارات التاريخية والمعاصرة الذي لم يجعل الإحسان إلى الفقراء والمساكين وكل المحتاجين، أمرا اختياريا موكولا لشفقة الإنسان، وإنما فرضه فرضا” عبر قانون الزكاة . كما نو ه إلى أن من شأن “النظام الإجباري القائم على استقلال ميزانية الزكاة وإدارتها الخاصة عن ميزانية الدولة، أن يزيل أي شعور بالكبرياء من جانب الغني ، والشعور بالمهانة والفقر من جانب المحتاج، فالزكاة هي حق المال كما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ليست تفضلا وكرما منه.”

“الأقل الحيوي”

إدريس الكتاني الذي عرض أفكاره حول الزكاة ضمن مساهمة علمية بالعدد السابع والثلاثين من مجلة شؤون الزكاة الفصلية تحت عنوان “دور الزكاة في تحقيق العدالة الاجتماعية وخلق المجتمع الإنساني الأفضل” أشار إلى أن الحضارة الإسلامية كانت سباقة إلى مفهوم الأقل الحيوي (Vital le minimome)؛ فالزكاة -حسبه- ” في نسبها المحددة في الشريعة الإسلامية ، ليست إلا الحد الأدنى لهذا الحق، وإلا فقد جاء في الحديث النبوي : (في المال حق سوى الزكاة) وهذا هو مذهب عدد من الصحابة والتابعين كابن عمر والشعبي وطاووس، ولهذا قال عمر رضي الله عنه في آخر أيامه: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأخذت فضول أموال الأغنياء فقسمتها على الفقراء”.

وقدم الباحث مجموعة من أقوال الفقهاء المؤصلة لمفهوم الكفاية في الزكاة كان من بينها قول الإمام النووي: يعطى الفقير من مال الزكاة ما يكفي لمطعمه، وملبسه ومسكنه، وسائر ما لا بد منه، على ما يليق بحاله، بغير إسراف ولا إقتار لنفس الشخص، ولمن هو في نفقته” وقد أضاف الفقهاء بأن مبدأ الكفاية يتضمن تلبية جميع الحاجات بما فيها غريزة النوع والجنس، وأن تمام الكفاية معونة الراغبين في الزواج كأداء المهر وتوابعه، وهذا ما فعله الخليفة عمر بن عبد العزيز الذي أمر من ينادي في الناس كل يوم: أين المساكين؟ أين الغارمون؟ أين الناكحون؟ أين الذين يريدون الزواج، مما يدل على أن واجب الدولة أن تبحث عن أصحاب الحاجات وتقوم بتلبيتها، لأن بينهم من يتعفف عن السؤال وهو في أشد الحاجة.

الطبقات الاجتماعية

وبخصوص الطبقات الاجتماعية التي يشملها قانون الزكاة عرض ذات المتحدث ثمانية أصناف:

الأولى: الفقراء وهم الذين لا يملكون قوت سنة، وليس لهم دخل يكفيهم لعيشهم، وعيش من يتحملون نفقتهم شرعيا، ذكورا وإناثا، شيوخا وأطفالا.

الثانية: المساكين وهم الذين لا يملكون قوت يومهم، ويسألون ويستطعمون ويدخل في دائرة القراء والمساكين العاطلون عن العمل، والمتشردون والمنكوبون والمحتاجون للرعاية كاليتامى والقطاع والمعوقين والمعتوهين والمرضى والعجزة…

الثالثة : العاملون في إدارة الزكاة أي جميع الموظفين بها من مديرها إلى أصغر حراسها.

الرابعة: المؤلفة قلوبهم، وهم حديثو العهد بالإسلام، أو المهيؤون لاعتناقه إذا انقطعت عنهم موارد عيشهم، ممن ندعوهم للإسلام.

الخامسة: تحرير الأسارى المستعبدين والمستضعفين من المسلمين في أيدي العدو.

السادس: أداء ديون المدينين أو المنكوبين، أو السجناء أو الغارمين أو العاجزين عن الأداء لإفلاسهم، إذا لم يكن شيء من هذه الديون أنفق في معصية الله،

السابعة: كل الميادين والسبل التي يقصد بها إعلاء كلمة الله ، وكل ما يحتاج إليه من سلاح وتعبئة واستعداد، وبناء المدارس والمساجد والقلاع والمراكز الإسلامية لإعلاء كلمة الله.

الثامنة: أبناء السبيل من المهاجرين واللاجئين والغرباء الذين نزلت بهم كوارث، أو انقطعت بهم السبل ولو كانوا أغنياء في بلدهم والمسافرون الذين لا مأوى لهم ولا أهل، فيتم إيواءهم وإطعامهم، وتعلف دوابهم حتى تقضي حاجتهم.

إدريس الكتاني

يذكر أن الدكتور إدريس الكتاني هو أحد مؤسسي رابطة علماء المغرب في الستينات، والأمين العام السابق لنادي الفكر الإسلامي، ومن المفكرين المغاربة الذين دافعوا عن الإسلام و اللغة العربية وواجهوا التطرف الديني والاختراق الاستعماري، كما أنه من الموقعين على فتوى ترد على بيان “ستون مثقفا امريكيا” ، كما له مجموعة من المؤلفات من بينها: “ثمانون عاما من الحرب الفرنكفونية ضد الإسلام واللغة العربية” و”التفسير الإسلامي لسقوط العالم العربي المعاصر” وأخرى.

ويشار إلى أن مجلة “شؤون الزكاة” هي مجلة فصلية تعنى بالبحث الفقهي في إشكالات الزكاة المعاصرة، كان عددها الأخير الصادر في يونيو 2015 بطبع من “طوب بريس” حول موضوع “دور الزكاة في التوزيع العادل للثروة” وضم مجموعة من المواضيع : الوظائف الاقتصادية للدولة الإسلامية ودور الزكاة في تحقيق العدالة الاجتماعية وخلق المجتمع الإنساني الأفضل، والفقر وتوزيع الدخل من منظور الاقتصاد الإسلامي في البحرين ومواضيع أخرى.

الإصلاح: أحمد الحارثي

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.