مدخل للاشتغال الديدكتيكي بطريقة حل المشكلات في التربية الإسلامية

0

تقديم:

تعتبر طريقة حل المشكلات في التعليم من الطرق القائمة على أسس المنهج البنائي، الذي يسعى إلى تجاوز سمة كلا المنهجين الاستقرائي والاستنباطي، مركزا على البناء المتكامل لذات المتعلم من خلال الجمع بين المقتضيات العقلية المنطقية والأنشطة الحسية؛ لتصحيح تمثلاته وتجويد تعلماته وتنمية كفاياته، عن طريق إتاحة الفرص له للقيام بأنواع مختلفة من الأنشطة الموجهة نحو دراسة مشكلة معينة؛ بقصد تربيته على منهج التفكير السليم، وإكسابه القدرة على إيجاد الحلول للمشكلات التي تواجهه، باعتبار ذلك مطلبا أساسيا في الحياة لكثرة ما يواجه الإنسان فيها من مشكلات.

ومن ثمة ندرك أهمية الاشتغال الديدكتيكي بالوضعية المشكلة، التي تمثل قطب الرحى في التدريس وفق المقاربة بالكفايات. هذه المقاربة التي تطرح مجموعة من المشكلات البيداغوجية والديدكتيكية، وتواجه عدة إكراهات في تنزيلها في واقع العملية التعليمية التعلمية؛ بما تتطلبه من ملاءمة للمحتوى التعليمي مع خصوصيات المتعلمين واختلافاتهم الفردية والاستجابة لحاجاتهم، مع إشراكهم في بناء التعلمات وتقويمها، عن طريق العمل الجماعي المبني على التشارك والتعاون، إضافة لما تستوجبه هذه المقاربة من فسح المجال للإبداع والتجديد في سبيل تطوير الإنجاز الديدكتيكي.

ولعله غني عن التأكيد هنا على أن مادة التربية الإسلامية ـ كغيرها من المواد ـ تستجيب ـ من حيث مضامينها المعرفية والقيمية ومن حيث مقاصدها ـ للتدريس بالوضعية المشكلة؛ باعتبار هذه المادة تتغيى إكساب المتعلمين لما يفترض أن يبني شخصيتهم على جميع المستويات؛ لامتلاك الأهلية الكافية لمواجهة مشكلات الحياة والقدرة على حسن التصرف في الوضعيات المتجددة والمواقف المختلفة، انطلاقا مما اكتسبوه من موارد مستقاة من التعاليم الإسلامية وتوظيفها بكيفية مندمجة، مما يؤكد اكتسابهم للكفايات المطلوبة وتحقق مفهوم الرشد لديهم، بما يتضمنه من الجمع بين العلم النافع والعمل الصالح، الذي يتجلى في حسن التصرف في الحياة؛ كما ينبه عليه قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك : 2].

إلا أنه على مستوى واقع الممارسة التربوية في المؤسسات التعليمية المغربية ما زال توظيف طريقة حل المشكلات في مادة التربية الإسلامية ضئيلا أحيانا وشكليا في الغالب؛ لذا تدعو الحاجة إلى تقريب وجهات النظر حول تدريس هذه المادة بسلكي التعليم الثانوي الإعدادي والتأهيلي وفق بيداغوجيا طريقة حل المشكلات في إطار المقاربة بالكفايات، من خلال طرح تصور يتضمن أبرز المبادئ الأولية والشروط التنظيمية المساعدة على الاشتغال الديدكتيكي في دروس المادة بهذه الطريقة.

1 ـ متطلبات تنظيمية وبيداغوجية لتدريس المادة بحل المشكلات:

إذا كانت الكفايات في التعليم هي تركيب من القدرات المعرفية والمهارية والوجدانية، ترمي إلى تمكين المتعلم من حل مشكلات عن طريق تعبئة مجموعة مندمجة من الموارد بكيفية مستبطنة، وكان التعليم وفق بيداغوجيا الكفايات بالتالي يتمحور حول إكساب المتعلم القدرات المشار إليها، للتمكن من حل المشكلات المطروحة وإنجاز المهام المطلوبة وتوظيف مكتسباته فيما يستجد من مواقف؛ فإن تحقيق ذلك يتطلب فحص المناهج والبرامج الدراسية، لأجل تطويرها وفق متطلبات الاختيارات البيداغوجية الراهنة.

وفي هذا الإطار تحتاج مادة التربية الإسلامية للتعديل المشار إليه بالتعليم الثانوي الإعدادي على وجه الخصوص؛ ابتغاء مسايرة التوجهات العامة ببلادنا في الميدان التربوي، التي يعتبر من أبرزها تبني بيداغوجيا الكفايات في التعليم؛ بما يساعد على تخريج أجيال تمتلك الكفايات الضرورية للانخراط في الحياة وتتمثل القيم الإسلامية.

ومساهمة في طرح إضاءات تعين على بلوغ الأهداف المشار إليها سنبين مجموعة من المبادئ والقواعد المنهجية المفيدة في مجال الاشتغال الديدكتيكي بالوضعية المشكلة. وقبل ذلك لابد من التنبيه على أبرز الشروط والمتطلبات التي ينبغي توفرها في المنهاج الدراسي لمادة التربية الإسلامية للعمل بطريقة حل المشكلات؛ باعتبار المنهاج ذا أهمية كبرى في المنظومة التربوية، ومن المكونات الرئيسية الفاعلة في التعليم وتحقيق غاياته، وللارتباط الكبير لمنهاج المادة بوضعها ضمن المنظومة التربوية، وتأثيره الواضح في تطوير الإنجاز الديدكتيكي لوحداتها؛ ولذلك سنقف عليه من حيث صياغته وبناء مكوناته الأساسية الخادمة لبلوغ نسق منهاج متكامل.

فالإنجاز الديدكتيكي يقتضي عموما نسقا بيداغوجيا شاملا ومنسجما ومتكاملا، وفق هندسة وتخطيط دقيقين مبنيين على تصور واضح للعملية التعليمية التعلمية، بما يؤدي إلى حسن تبليغ محتويات المنهاج للفئة المستهدفة، وذلك يستدعي وجود تكامل وانسجام بين وحدات البرامج الدراسية للمادة عبر الأسلاك والمستويات الدراسية وفي برنامج كل مستوى دراسي أيضا، كما يتطلب انسجاما داخليا لكل وحدة من وحداتها؛ من خلال تنظيم أنشطة تعليمية تعلمية حول محتوى دراسي يشتغل عليه المتعلمون لأجل تحقيق كفاية محددة.

وفي هذا الإطار عرف منهاج مادة التربية الإسلامية منذ سنوات تطورات، واكبت اختيار بيداغوجيا الكفايات مدخلا لبناء المناهج؛ فشهد منهاجها بكل من سلكي الثانوي الإعدادي والتأهيلي مجموعة من التغيرات في اتجاه التطوير والخروج من مفهوم البرنامج التقليدي، نحو نسق المنهاج كخطة تربوية وتكوينية متكاملة، محاولا مراعاة الاهتمام بالتعلم الفعال وتحفيز المتعلم على التعلم الذاتي وتفعيل شروطه لديه، عوض التركيز على تلقينه للمحتويات التعليمية.

وتبعا للتطوير المشار إليه لمنهاج هذه المادة صارت تتكون بالتعليم الثانوي الإعدادي من مكونين أساسيين: الأول يتمثل في الوحدات وهي عشر وحدات تحتوي كل واحدة منها على أربعة دروس، والثاني يتمثل في الدعامات وهي تتشكل من دعامات قرآنية تتكون من سورة قرآنية في كل مستوى، تم تقسيم كل واحدة منها إلى ستة مقاطع، ودعامات حديثية تضم أربعة أحاديث في كل مستوى.

والملاحظ أن تجديد منهاج المادة لم يستفد منه السلك الإعدادي إلا بنسبة ضئيلة لامست جوانب من الاهتمام بتفعيل التعلم الذاتي ومحفزاته لدى المتعلم، بينما حقق السلك التأهيلي نسبة كبيرة من التجديد؛ فكانت الحاجة داعية للاهتمام أكثر بمنهاج السلك الإعدادي بخضوعه لتقويم شامل؛ لإعادة النظر في مكونات برامج مستوياته الثلاثة من جانبي البنية والوظيفة، في سبيل تناسقه وتكامله مع منهاج المادة بالسلك التأهيلي، مما من شأنه أن يساعد على تحقيق الغايات المنشودة من منظومتنا التربوية على مستوى مادة التربية الإسلامية.

ويمكن تحقيق ذلك من خلال بناء منهاج للمادة يتصف بخصائص تجعله منسجما مع التوجهات العامة للإصلاح التربوي وهندسته البيداغوجية، مع مراعاته لخصوصيات المادة في أبعادها المختلفة معرفيا ووجدانيا ومهاريا؛ بالجمع بين استهداف بناء المعارف والقيم والمواقف والمهارات في منهاج المادة بالسلك الإعدادي على غرار ما تم العمل به في منهاجها بالسلك التأهيلي؛ بالتخفيف من الدروس النظرية بالإعدادي التي تمثلها دروس الوحدات العشر، وتعزيز الدروس التطبيقية بهذا السلك التي تجسدها مقاطع السور والأحاديث بالدعامات، وإرفاقهما بأنشطة تعلمية لها بعد عملي وظيفي، مع حسن تدبير الغلاف الزمني للمنهاج لتحقيق الكفايات النوعية للمادة؛ بمراعاة التوازن والتكامل المطلوب بين حصص الدروس النظرية والتطبيقية والأنشطة.

وكما جاء في مجزوءة للتكوين المستمر لأساتذة الثانوي التأهيلي؛ فإنه ينبغي النظر إلى العلاقة بين الدروس النظرية والتطبيقات والأنشطة على أنها كل متكامل يفضي إلى التعمق فيما يثيره الدرس النظري من قضايا وإشكالات، والإحاطة بمكوناته وامتداداتها، مع تنمية شخصيات المتعلمين في أبعادها المعرفية والوجدانية والسلوكية والمهارية؛ عن طريق تمكينهم من آليات الاشتغال العلمية؛ بما فيها النظرية والعملية، وتدريبهم على توظيفها في وضعيات مشاكل تستند إلى المرجعية الشرعية وأصولها المعرفية، وتنفتح في الآن نفسه على المفاهيم والمستجدات المعاصرة، مما يؤدي إلى تعميق وتطوير مهارات التعلم الذاتي لديهم، ليكتشفوا قدراتهم ومؤهلاتهم، وتتاح الفرص أمامهم لتفعيلها في واقعهم عبر التدرب على استلهام المرجعية الإسلامية في حل المشكلات التي تقترح عليهم1.

ووفق مجزوءة التكوين المستمر المشار إليها؛ فالدروس النظرية في إطار الوحدة التي تنتمي إليها، تستهدف مقاربة محاور المواضيع المطروقة من زوايا متعددة، وترتكز في ذلك على إبراز جملة من المفاهيم والمعارف والأحكام والقيم الأساسية، وعلى تثبيت المهارات المناسبة في حدها الأدنى، تأسيسا على وضعية مشكلة ومهام واضحة متكاملة بانية للمعرفة؛ فضلا عن أنها تشكل محطة أولية لطرح صيغ معالجة حصة التطبيقات وحصة الأنشطة، الخاصة بكل مفردة من مفردات كل وحدة دراسية.

والجهود في الدروس التطبيقية تتجه صوب مهمة تعميق وتثبيت وتطوير تلك المعارف والمهارات، وملامسة وتحليل القيم والأحكام الشرعية وحكمها المطروحة ضمن دروس الوحدات، في أبعادها العقدية والتعبدية والاجتماعية والاقتصادية والسلوكية، واستلهامها في علاقتها بالمحيط وواقع الحياة المعاصرة، من خلال الاشتغال على نصوص أو وثائق تعالج قضية أو جانبا من الجوانب المنبثقة عن الدرس النظري، وتخدم جانبا من جوانب حل الوضعية المشكلة المقترحة له؛ حيث تشكل هذه المرحلة مجالا للإبداع بالنسبة للمتعلم والمدرس، إلى جانب الاستمرار في تمكين المتعلمين من الآليات المساعدة لهم على التعلم الذاتي، وتدريبهم على استخدامها؛ مما يسمح لهم بفرص واسعة للتحويل في وضعيات جديدة.

أما حصص الأنشطة، فهي المجال الرحب أمام المتعلمين لإبراز خصوصياتهم ومهاراتهم، وتفعيل خبراتهم المعرفية والفنية والمهارية، وممارستها من خلال نشاط جماعي أو فردي يكون إنجازه قابلا للملاحظة والقياس، ويمثل هذا المستوى الجانب الأهم الذي تسخر له محصلة المستويين النظري والتطبيقي باعتباره تجسيدا لحل المشكلة المطروحة.

فكل من الدروس: النظري والتطبيقي والنشاط، تجمع بينها علاقة تكامل وتضافر، تهدف في نهاية المطاف إلى خدمة الكفايات النوعية الخاصة بمفردات الوحدات الدراسية ضمن منهاج المادة، وبالتالي استحضار الكفايات العامة والأساسية للمادة وتحقيقها2.

ومساهمة في تحقيق التناسق بشكل تكاملي بين منهاج المادة ومنهجية تدريسها بسلكي الإعدادي والتأهيلي؛ فإنه يمكن النظر في تكييف التعامل مع برنامج المادة وتوزيعه بالإعدادي، لتقريب الشقة وتقليص الاختلاف الموجود بين منهاجي المادة في هذين السلكين.

وفي هذا الإطار نسجل أن وثيقة البرامج والتوجيهات التربوية الخاصة بالمادة بالإعدادي تنص على أن منهاج المادة ينفذ بهذا السلك وفق توزيع سنوي يمنح أربعين ساعة لدروس الوحدات العشر، وعشر ساعات للدعامات: ست للقرآن وأربع للحديث، مع ست ساعات مخصصة للأنشطة، واثنتي عشر ساعة للتقويم والدعم: أربع للتقويم وثمان للدعم3.

فالنظر في تكييف التعامل مع منهاج المادة بهذا السلك؛ يقتضي تقليص الساعات الأربع المخصصة لكل وحدة كلما أمكن ذلك؛ بدمج دروسها من خلال التعامل معها على كونها أربعة محاور في قضية كلية واحدة لا أربعة دروس. كما يقتضي ذلك أيضا تعديلا في توزيع ساعات الأنشطة وساعات الدعم؛ بالاكتفاء في الدعم بأربع ساعات، تعقب التقويم المتعلق بالشق الكتابي من المراقبة المستمرة؛ يتم تخصيصها ـ أي ساعات الدعم ـ لمعالجة ما أظهرته نتائج ذلك التقويم من تعثرات. وتضاف الأربع ساعات الأخرى المتبقية للدعم ـ حسب توزيع وثيقة البرامج والتوجيهات ـ إلى ساعات دروس الأنشطة، ليصبح مجموعها عشر ساعات أيضا، علما أن هذه الأنشطة هي نفسها تمثل نوعا آخر من الدعم المندمج، الذي يمكنه أن يستفيد من حصص أخرى متبقية من الساعات المخصصة للوحدات عند التمكن من دمج بعض دروسها.

وبهذا يكون لدينا عشر وحدات تمثل الدروس النظرية، وعشر دعامات تشكل الدروس التطبيقية، وعشر حصص لدروس الأنشطة. فيساعد هذا التعديل المدرس على تحقيق قدر هام من التكامل بين مفردات برنامج المادة بالسلك الإعدادي على غرار ما يوجد بالسلك التأهيلي؛ حيث يتم اعتبار كل وحدة من الوحدات العشر درسا نظريا يتضمن أربعة محاور كبرى؛ وهي الدروس الأربعة المكونة لكل وحدة؛ فتتم معالجة تلك المحاور الأربعة للوحدة كدرس نظري متكامل، مما يسمح بدمج بعض المحتويات وتمكين المدرس من تقليص مدة الإنجاز كما سبقت الإشارة. وبعد ذلك يتم الانتقال إلى تناول الدرس التطبيقي الذي تمثله إحدى دعامات القرآن أو الحديث. ثم تختم دراسة موضوع الوحدة بحصة الأنشطة عن طريق القيام بالنشاط المناسب، الذي يمكن أن يستثمر فيه نص المطالعة والاستثمار الذي تختتم به كل وحدة، أو أن يوظف فيه غيره من وسائل وآليات الاشتغال العملي المفيدة في تنمية المهارات العملية.

والنتيجة التي نخلص إليها بخصوص الإجراءات التنظيمية والتوجيهات البيداغوجية المفيدة في إدماج المفاهيم المركزية للمقاربة بالكفايات، والمساعدة على تدريس المادة وفق هذه المقاربة؛ تتمثل في ضرورة بلورة القضية الرئيسية للوحدة التي تجمع شتات دروسها، وتحدد الأبعاد التي تثيرها من مختلف الجوانب: النظرية والتطبيقية والعملية، في سلكي التعليم الثانوي على حد سواء؛ بما يجعل تدريس محتويات برامج المادة ـ في السلكين معا ـ يمر من ثلاث مستويات ومكونات تمثلها: دروس نظرية وتطبيقات وأنشطة، تتكامل فيما بينها من حيث منهجية التدريس والكفايات النوعية المستهدفة.

ويتم تصدير تلك المكونات الثلاث بوضعية مشكلة تؤطرها وتساعد على إبراز العلاقات القائمة بين كل من الجانب النظري والتطبيقي والنشاط، بما يتلاءم مع حاجات المتعلمين واهتماماتهم بدءا بإدراك المشكلة، وتحديد المهام المناسبة لحلها، ومختلف إجراءات التنفيذ على المستويات الثلاث: المعرفي النظري، والوثائقي التطبيقي، والعملي المتمثل في النشاط؛ ابتغاء الخروج من حلقة عرض المعارف وانكباب المدرس والمتعلمين على محاولة تغطية المضامين وجزئياتها. مع التنبيه على أن هذا النهج ينبغي أن يترك دائما المجال واسعا أمام المدرس لطرح وضعيات إضافية يوظفها حسب ما يناسب كل حصة من حصص إنجاز المستويات الثلاث المذكورة.

ويتم الاشتغال وفق هذا المنهج في السلك الإعدادي بنسج وضعية مشكلة منبثقة عن قضية مؤطرة لوحدة معينة ودعامة قرآنية أو حديثية ترتبط بتلك الوحدة مع استحضار بعد النشاط العملي المرتقب، مما يمكن من دمج بعض دروس الوحدة أو محاور نفس الدرس، ويمكن أيضا من التقديم والتأخير حسب قضية الوحدة والوضعية المشكلة المحددة. أما في السلك الـتأهيلي فإن الصياغة الراهنة لمحتويات المادة وتنظيمها جعلها تتكون من المفردات الثلاث المطلوبة على المستوى النظري والتطبيقي والنشاط، التي تؤطرها جميعا قضية رئيسية، وتتكامل تنظيميا وبيداغوجيا ومن حيث محتوياتها ومنهجية الاشتغال الديدكتيكي.

2 ـ بناء الوضعيات في المادة وأسسه:

يجدر التنبيه إلى أن الاشتغال الديدكتيكي بالوضعية المشكلة ـ كما أشرنا في البداية ـ يقوم على المنهج البنائي الذي يهتم باكتساب المتعلم لمعارف ومهارات وغيرها من خلال سيرورة بنائية؛ تقتضي «أن تنظم الوضعية التعليمية التعلمية بشكل يسمح لهذا المتعلم بممارسة التفكير كفعالية نظرية وعملية في نفس الوقت، وتجعله على اتصال مستمر بالأشياء والموضوعات المختلفة، وتتيح له إمكانية التفكير فيها واستخلاص المعارف والقوانين والقواعد المتحكمة فيها، وفق سيرورة منهجية تعكس إبداعيته وعطاءه الشخصي»4.

وانسجاما مع ذلك نؤكد على أن الوضعية المشكلة وسيلة للتعلم وليست نتيجة أو غاية في ذاتها، باعتبارها إستراتيجية في التعليم تهدف إلى تشجيع انخراط المتعلمين في التعلم، ومساعدتهم على بناء المحتويات الدراسية وإدراك مضامينها وأبعادها، باستدعائها لأعمال وإجراءات متعددة، وتطلبها توظيف أدوات مختلفة من معارف وتقنيات تنشيطية وغيرها.

والوضع الطبيعي يقتضي قبل توظيف الوضعية المشكلة في تدريس مادة التربية الإسلامية أو غيرها من المواد المرور من مرحلة بنائها، وبهذا الخصوص نشير إلى أن الوضعيات تتنوع من حيث البناء؛ وعموما قد تكون من اقتراح المدرس، كما يمكن اعتماد وضعية مبثوثة بالكتاب المدرسي إذا وجدت وكانت ملائمة، وقد تكون من اقتراح المتعلمين فتبنى جماعيا بتعاون وتوجيه من المدرس.

ومن أنواع الوضعيات من حيث البناء؛ الوضعية الجاهزة وتكون عادة في مادة التربية الإسلامية مؤسسة على نصوص شرعية أو غيرها أو منطلقة منها، والوضعية المصطنعة التي يعتمد في بنائها على أحداث واقعية أو وقائع متخيلة لكنها تكون مستوحاة من الواقع وقريبة منه، والوضعية التلقائية اللحظية التي تبنى انطلاقا من ملاحظة مرصودة من طرف المدرس أو المتعلم، والوضعية المستحدثة حيث يتم فيها الانطلاق من استدراج المتعلم ومساعدته على وضع المشكلة بنفسه.

وفي بناء جميع أنواع الوضعيات المشار إليها ونحوها تراعى خصوصيات الوضعية المشكلة وأساسياتها، ومميزات مادة التربية الإسلامية ومرجعياتها؛ حيث يتطلب بناء الوضعية استصحاب مجموعة من المعطيات المتعلقة بأبعادها المتنوعة المرتبطة بالمادة؛ ومن ذلك البعدان العقدي والتعبدي اللذان يربطان كل تصرفات الإنسان بخالقه، والبعدان الوجداني والأخلاقي المتعلقان بالقيم الروحية والتربوية والجمالية ونحوها بمنظورها الشرعي، مع التركيز على البعدين النفسي والاجتماعي المرتبطين بتحريك الضمير الحي والوازع الديني، والاهتمام بالربط بالواقع المعيش للمتعلم والقضايا الهامة القريبة منه؛ لفهمه في ضوء أحكام الشرع وتأطيره بها، إضافة لتعزيز ارتباط المتعلم بكتاب الله وسنة نبيه عن طريق توظيف نصوصهما، مع حسن اختيار وصياغة سياق الوضعية من حيث إطاره الديني والاجتماعي، وعدم إغفال تدقيق المهام المطلوبة من المتعلم وربطها بالمشكلة المطروحة وبالنصوص الشرعية المتعلقة بالموضوع، فضلا عن وضوح تعليمات الإنجاز وملاءمتها مع تلك المهام المطلوبة وفق المرجعية الشرعية.

وإلى جانب ذلك يتعين عدم إغفال الأسس التي ينبغي استحضارها في بناء الوضعية المشكلة؛ فيما يتعلق بمراعاة الاعتبارات المنهجية الخاصة بالمادة وكفاياتها؛ ومن ذلك أن لكل درس قضية متفرعة عن القضية المؤطرة للوحدة ككل، وأن له مجموعة من المفاهيم والقيم المركزية التي تؤطره، ويتضمن جملة من المعارف والمحتويات المرتبطة به فيما يتعلق ب: النصوص والوثائق المتنوعة، والقواعد والأحكام الشرعية، والقيم التربوية، والتطبيقات والأنشطة التعليمية التعلمية؛ فينبغي تحديد الأهم منها والوظيفي والاهتمام به، باعتبارها وسائط لا غايات.

كما أن من الأسس الهامة التي يجب استحضارها في بناء الوضعية المشكلة؛ خصائص التعلم في بيداغوجيا الكفايات، والبعد والمكانة التي تحتلها هذه الوضعية الديدكتيكية ضمن التعلم في هذه البيداغوجيا.

فبالنسبة للجانب الأول يتبين بالنظر إلى أن التعلم في بيداغوجيا الكفايات له مجموعة من الخصائص؛ تتجلى في تميز الكفايات بكونها تركيبا من القدرات المعرفية والمهارية والوجدانية، التي تمكن المتعلم من إنجاز مهام وحل مشكلات، مع إمكان توظيفها فيما يستجد من مواقف. وأنها تتكون بكيفية تراكمية، مما يتيح للمدرس أن يكون فاعلا نشيطا، ومرنا في تنفيذ البرنامج الدراسي، ولا ينحصر عمله في تزويد المتعلم بالمعارف الجزئية؛ بل يهتم بتكوين القدرات والمهارات والاتجاهات لدى المتعلم إلى جانب إكسابه المعارف. كما أن الكفايات تراعي حاجة المتعلم إلى تعلم المعارف النظرية الأساسية في سيرورتها المتجددة، بتلازم مع اكتساب مهارات التطبيق العملي، إضافة لاهتمامها بحاجته إلى تمثل الأبعاد القيمية والوجدانية والسلوكية، مع مراعاتها لاكتسابه القدرة على حسن التصرف وبلوغ منزلة الإحسان في العمل المطلوب.

وبالنسبة للجانب الثاني فإن من تجليات مركزية الوضعية المشكلة ضمن بيداغوجيا الكفايات؛ أن لها في هذه البيداغوجيا بعد استراتيجي؛ فهي منطلق بناء التعلمات واستثمارها، وآلية من آليات تحقيق الكفاية المسطرة لدرس معين ضمن وحدة دراسية، ومحطة تقويم أساسية لمدى تملك تلك التعلمات وكفاياتها. كما أنها إطار عملي مناسب في إطار المقاربة بالكفايات؛ باعتبارها فرصة تطبيقية ومجالا ملائما لتمرين المتعلم عبر أنشطة تعلمية على دمج موارده ومكتسباته في وضعية تعليمية مرتبطة بكفاية محددة، مع كونها مجالا أيضا لإجراء أنشطة تقويم الكفاية نفسها. فضلا عما تسمح به للمدرس من ملاحظة ورصد تعثرات المتعلمين؛ لأجل التمكن من إيجاد صيغ الدعم الفوري أو البعدي المناسبة والمفيدة في معالجتها، والتي من بينها الاجتهاد في طرح وضعيات أخرى مساعدة على بلوغ هذه الغاية.

ومن أهم الأسس والمعطيات التي لابد من استحضارها في بناء الوضعية؛ ما يتعلق بمكوناتها التي تتلخص في عنصرين:

ـ الأول: السند أو الحامل: الذي يتضمن كل العناصر المادية التي تقدم للمتعلم، وتتمثل في أمرين هما: السياق والوظيفية؛ فأما السياق فيتكون من المعلومات التي سيستثمرها المتعلم أثناء الإنجاز لأجل التوصل لحل الوضعية وإنجاز المهمة المطلوبة، عبر تحديد المجال الذي تمارس فيه الكفاية، الذي يشكل سياقها دينيا واجتماعيا وغير ذلك. وأما الوظيفية فتتجلى في تحديد الهدف من حل الوضعية، مما يحفز المتعلم على الاهتمام بالمشكل المطروح وإنجاز المطلوب.

ـ الثاني: المهمة: وهي تتمثل في مجموع التعليمات التي توجه إنجازات المتعلم، ويستحسن أن تتضمن أسئلة مفتوحة، تتيح له فرصة إشباع حاجاته الشخصية؛ بما فيها الحاجات النفسية والاجتماعية؛ كالحاجة إلى التواد والانتماء، والتحلي بالمسؤولية، والتعبير عن الرأي باستقلالية، لأجل اتخاذ المبادرة والإبداع.

وإذا كان من المعايير المسلمة لاختيار وبناء الوضعية المشكلة أن ترتبط بأهداف البرنامج الدراسي وكفاياته، وأن تستحضر خصوصية الدرس، وطبيعة السياق التعليمي؛ فإنه لا يفوتنا أن نؤكد، أيضا في نفس الإطار، على ضرورة احتواء الوضعية على معطيات تستثمر في البحث عن حل المشكل وتوجيه التعلمات، وأن تكون واقعية أو قريبة من الواقع، مع تضمنها قدرا من التعقيد يسمح باستخدام القدرات، على أن لا تكون ذات طبيعة تعجيزية مستعصية، بل تكون قابلة للحل، فتصلح مجالا لتفعيل القدرات لأجل اكتساب كفاية معينة.

3 ـ الإنجاز الديدكتيكي بالوضعية المشكلة في المادة:

3 ـ 1 ـ خطوات الاشتغال بالوضعية:

رغم وجود بعض الاختلاف حول الخطوات المقترحة لطريقة حل المشكلات القائمة على المنهج البنائي، إلا أنه اختلاف شكلي لا يمس الجوهر. وتتلخص إجراءات هذه الطريقة في ست خطوات؛ تبتدئ بالإحساس بالمشكلة كمنطلق أساسي يدفع العقل نحو التفكير في موقف إشكالي، يتم بعده تحديد المشكلة بطرح مجموعة من التساؤلات حولها لتحديد نوعيتها وتدقيقها، للتمكن في المرحلة اللاحقة من صياغة الفرضيات التي تبدو ملائمة لتفسير المشكلة وحلها، ثم الانتقال إلى فحص تلك الفرضيات بالحكم على مدى صحة العلاقة المفترضة بين المشكلة وعواملها، للتوصل إلى الاستنتاج الذي يؤكد بعض تلك الفرضيات وينفي بعضها، والختم بمرحلة التطبيقات التي يمكن القيام فيها بعمليات متنوعة تستهدف تأكيد الفرضية الصائبة أو البحث عن شروط حدودها التطبيقية5.

وسنجمل تلك الخطوات في مرحلتين رئيسيتين؛ باعتبار الأولى تحفز على إنجاز محتويات الدرس وتؤسس لها، والثانية تنصب على اكتساب التعلمات المفيدة في تفسير المشكلة وحلها.

ـ المرحلة الأولى: عرض الوضعية وإدراك مشكلتها وصياغة الفرضيات:

بعد إعداد وبناء الوضعية المشكلة المناسبة لقضية الوحدة والموضوع المرتبط بها، تقدم للمتعلمين عن طريق عرضها بإحدى وسائل العرض المتاحة، وتقرأ قراءة متأنية من طرف المدرس وبعض المتعلمين لمعرفة سياقها وضبط مكوناتها والهدف منها، ثم يفسح المدرس لهم المجال لإبداء ملاحظاتهم حولها بحرية، مع تذكيرهم بوجه الصعوبة في المشكل المطروح ومدى تعقده لإدراكهم للإشكال الذي تنطوي عليه الوضعية؛ وذلك من خلال تحليل وإبراز المهمة المطلوبة ومساعدتهم وتوجيههم بطرح أسئلة دقيقة تكشف درجة عمق المشكل، خلافا لما يقدمونه عادة بكيفية سريعة من حلول سطحية، مع تشجيعهم على إبداء واقتراح الحلول والإجابات عن الأسئلة الجوهرية المرتبطة بالمشكل المطروح.

وبعد أن تدرك المشكلة من طرف المتعلمين يكون المدرس قد هيأهم لمرحلة تحديدها بوضوح، ويكون ذلك عادة من خلال التأمل في المشكلة وتحليلها ودراستها عن طريق أسئلة استكشافية، وفهم سياق الوضعية والمهام المطلوبة عن طريق التعليمات المصاحبة لها، وتوجيه المتعلمين لدراسة الحقائق والمعلومات التي تتعلق بالمشكلة، للوصول معهم في المرحل اللاحقة إلى صياغة فرضيات الحل وتدقيقها.

وإذا كانت الفرضيات «هي تفسير أولي ومؤقت لظاهرة أو مجموعة ظواهر معينة، أو لمشكل محدد، أولي ومؤقت؛ لأنه مازال يحتاج إلى تحقيق، سواء بالعودة إلى فحص منطقي أو فحص تجريبي»6؛ فإن صياغتها وتدقيقها يكون بدءا بتجميع مقترحات لها عن طريق تقنية العصف الذهني جماعيا، وانتقاء المتعلمين ما يناسب موضوع الدرس منها بتوجيه من المدرس وتدوين الإجابات الجادة، مع ترتيب فرضيات الحل المجمعة وتصنيفها، وصولا إلى التحديد النهائي للفرضيات المتبناة جماعيا.

ـ المرحلة الثانية: اكتساب التعلمات المساعدة على الحل:

تشكل هذه المرحلة محطة للبحث عن حل المشكلة المطروحة عبر مجموعة من الأنشطة التعلمية وعمليات تحليل عناصر الدرس؛ حيث تندرج فيها مجموعة من الأعمال التي اعتاد المتعلم أن يقوم بها في حصص مادة التربية الإسلامية، على أن يتم تناولها بكيفية مفيدة في اكتساب التعلمات المعينة على التوصل إلى الحل؛ من معالجة نصوص الانطلاق التي ينبغي أن تكون بكيفية وظيفية، بالتركيز على استخلاص وتحليل مضامينها وقيمها المركزية، واستغلال مجالها المعرفي والقيمي فيما يخدم بناء المفهوم الشرعي المرتبط بحل المشكلة، وتوظيف سبب نزول النص القرآني، وسبب ورود النص الحديثي، بما يخدم إدراك المفاهيم ويسهم في بناء المعارف وتعبئتها لبلوغ الحل المطلوب. إلى جانب تحليل محاور الدرس الذي من شأنه التركيز على المعارف الخادمة لحل المشكلة المطروحة، وتعرف ومعالجة المفاهيم المركزية للدرس، ومناقشة المفهوم الأساس في كل محور انطلاقا من التساؤلات التي تطرحها الوضعية، بموازاة استخراج الأحكام الشرعية وما تنطوي عليه وتتضمنه من حكم وما يرتبط بذلك من القيم الإسلامية والمقاصد الشرعية؛ لأجل استخلاص الخلاصات في علاقتها بالوضعية، مع التأكد من امتلاك المتعلمين لمفاتيح الحل؛ باستعراض الحلول الممكنة من خلال استثمار مكتسباتهم الجديدة من الدرس، عن طريق الاشتغال على نصوص والاستفادة من وثائق ووسائل تعليمية مختلفة والقيام بأنشطة تعلمية متنوعة، وتصنيف تلك الحلول وترتيبها باعتبار شرعيتها وأهميتها وواقعيتها؛ للتوصل للحلول المختارة بشكل توافقي استنادا إلى التعاليم الشرعية، ثم العودة إلى الفرضيات المقترحة وتمحيصها والمفاضلة بينها في ضوء تلك الحلول، مما يبين الفرق بين تمثلات المتعلمين والحقائق المتوصل إليها، وصولا إلى النظر في إمكانات تعميم ما تم التوصل إليه من حلول على وضعية مماثلة؛ باعتبار أن قيمة ما خلصت إليه مجموعة الفصل من نتائج لا تنحصر في حل المشكلة المطروحة، بل تتجاوزها إلى الوصول إلى تعميمات تمكن من تفسير ظواهر أخرى وتطبيق التعميم في مواقف حياتية جديدة، تفيد في تقويم مدى استيعاب المتعلمين لمحتويات الدرس وتحقق الكفاية المستهدفة منه لديهم.

وبهذا يتجلى أن العمليات المشار إليها ونحوها ـ ضمن الاشتغال الديدكتيكي بالوضعية ـ تكون في إطار عملية كبيرة مندمجة لها هدف معين يتمثل في إنجاز مهمة هي حل المشكلة المطروحة، وتعبأ من أجلها المعارف الوظيفية والمهارات المرتبطة بالمضامين الدراسية والقيم والمفاهيم المؤطرة لها، ويقوم فيها المتعلمون بمجموعة من الأنشطة الموجهة من طرف المدرس في إطار منهجية محددة الخطوات تستند على إنجاز مهام فرعية يكمل بعضها بعضا، مع تميزها بالتنوع من حيث طبيعتها بين النظري والتطبيقي، ومن حيث صيغتها بين العمل الفردي والجماعي، ومراعاة توزيع الزمن على فترات، وتنويع المسؤولية بين فردية وجماعية ومشتركة مع المدرس. فيكتسب المتعلمون بذلك كثيرا من المهارات المتنوعة؛ كتحديد المصادر المناسبة لجمع المعلومات، وترتيب البيانات وإدراك العلاقات بينها…

3 ـ 2 ـ توظيف الوضعية في مكونات المادة:

يقتضي الاعتماد على الوضعية المشكلة في الإنجاز الديدكتيكي أن تندمج فيه مجموعة من الأعمال التي ألف المتعلمون القيام بها في حصص التربية الإسلامية؛ من الاشتغال على النصوص قراءة وفهما، وإدراك المفاهيم، واستخلاص الأحكام والقيم، مع ربطها بالواقع وتعميمها، على أن يكون إنجاز تلك الأعمال في إطار عملية مندمجة تعبأ فيها المعارف الوظيفية والقيم المؤطرة ومختلف المهارات المرتبطة بالمحتويات الدراسية، بقصد الوصول إلى حل المشكلة المطروحة.

وتعتبر خطوات الإنجاز الديدكتيكي بالوضعية ـ كما بيناها ـ محطات شاملة من البداية بالانطلاق في الاشتغال بها إلى نهاية تلك الخطوات بالتطبيقات، وهي وإن كانت تنجز في جوانب هامة منها على مستوى الدرس النظري، إلا أنه لابد من تكملة معالجة الجوانب المتعلقة بالمشكلة المطروحة على مستويين آخرين؛ وهو ما يتم تناوله في كل من مستوى الدرس التطبيقي ومستوى النشاط؛ حيث تشتغل مجموعة الفصل في إطار منهجية متنوعة من حيث طبيعتها وكيفية الاشتغال فيها، بمخطط محدد المراحل يكمل بعضها بعضا من خلال المستويات الثلاث التي أشرنا إليها آنفا، حيث يتم الاشتغال فيها كالآتي:

ـ أولا: المستوى النظري: الذي يعالج الوضعية المشكلة من جانبها النظري، من خلال الدرس النظري الذي يتطلب من المتعلم إنجاز مهمة كلية، تنقسم إلى مهام جزئية، ترتبط بالمضمون الدراسي لهذا المستوى؛ ومن ثمة يوجه المتعلم إلى الاشتغال على النصوص الشرعية المؤطرة لمحاور الدرس؛ بتوظيفها بنائيا من خلال تأصيل المفاهيم الشرعية المكتسبة، وترسيخ حسن تصورها لديه، والاستدلال عليها بتلك النصوص؛ لأجل تحليل المضمون المعرفي والقيمي الذي يحتوي عليه الدرس وتعبئته باعتباره موارد ـ عن طريق إنجاز المهام الجزئية ـ لمعالجة الجانب النظري من حل المشكلة.

ـ ثانيا: المستوى التطبيقي: الذي يستند إلى النصوص سواء منها الشرعية ـ التي تقتصر عليها الدعامات بالإعدادي ـ أو الفكرية المتمثلة في كتابات العلماء ـ التي تركز عليها التطبيقات بالتأهيلي ـ. وهذه النصوص لها أهداف ووظائف، لعل من أهمها استثمارها في إطار حل الوضعية المشكلة؛ تفعيلا لمبدإ الترابط بين المكونين: النظري والتطبيقي؛ لذا ينبغي ربط نصوص التطبيقات بالوضعية المؤطرة للموضوع، ودمجها في سياق وسيرورة الكشف عن الحل في بعده التطبيقي.

مع التنبيه على أنه يحسن التعامل مع نصوص التطبيقات بشكل مندمج، من خلال ثلاث محطات تفيد في الربط بين المستويين النظري والتطبيقي؛ أولها: تحديد سياق ورود النص في علاقته بالوضعية وأثره في حلها، والثانية: بيان المستوى الذي تعالجه التطبيقات من المشكلة ليتم تحليل النص في ضوءه، والثالثة: توجيه المتعلمين لإنجاز مهمة تنصب على تركيب نتائج تحليل النص في علاقتها بحل الوضعية.

ـ ثالثا: مستوى النشاط: الذي يمثل المجال العملي من معالجة المشكلة، والوسيلة المناسبة التي ينجز فيها المتعلمون مهمة أخيرة يتجسد فيها الحل الذي تبنته جماعة القسم؛ ولذلك ينبغي التأسيس لهذا البعد العملي في البداية عند عرض وتمليك الوضعية للمتعلمين واقتراح فرضيات الحل واستراتيجية البحث عنه، في إطار تصور شمولي ومندمج مع الاستراتيجية المقترحة لحل المشكلة؛ باعتبار هذا المستوى يمثل نتيجة وحصيلة المستويين السابقين: النظري والتطبيقي.

ومن ثمة لابد من الاهتمام بهذا المستوى في السلكين معا، واجتهاد المدرس في تنشيطه بالسلك الإعدادي، الذي تكاد تغيب فيه الأنشطة، مستفيدا من التعديلات المقترحة آنفا على برامجه، مع ضرورة التنبيه دائما على العلاقة القائمة بين مستوى النشاط في بعده العملي والمستويين الآخرين، وإبراز المنتوج النهائي الذي يجسد الحل الذي توصلت إليه مجموعة الفصل أو مجموعات العمل داخله.

ـ خاتمة:

إذا كانت المقاربة بالكفايات تعمل على تغيير وتطوير مهمة كل من المدرس والمتعلم، وتستدعي ممارسات بيداغوجية جديدة تشمل جميع الجهات المتدخلة في العملية التعليمية التعلمية والجوانب المؤثرة فيها مباشرة؛ فإنه يبدو من ذلك أحيانا أن الاشتغال الديدكتيكي بالوضعية المشكلة في إطار المقاربة بالكفايات صعب التنزيل في الواقع التعليمي، مع اختلاف النظرة لتلك الصعوبة وحدتها من مادة لأخرى.

لكن الاشتغال بالوضعية ـ رغم ذلك ـ يبقى مبشرا بآفاق جديدة للتطوير، وهذا ما جعل كثيرا من المهتمين بالشأن التربوي متحمسين لبيداغوجيا الكفايات، ومؤكدين على الفوائد التربوية والتعليمية لطريقة حل المشكلات.

ومادة التربية الاسلامية لا تخرج عن هذا الإطار؛ بالنظر إلى أن طريقة حل المشكلات طريقة فعالة وناجعة في تدريسها؛ بما تحقق فيها من أهداف تعليمية، وتنمي من مهارات متنوعة، وتجعل المتعلم في محور العملية التعليمية التعلمية، مما يكون له تأثير إيجابي على تحصيله الدراسي.

وإذا كانت طريقة حل المشكلات في إطار المقاربة بالكفايات لها مرتكزاتها العلمية والبيداغوجية؛ مثل تعزيز الرؤية والممارسة النقدية للمكتسبات المدرسية، وتكريس قابليتها للاستعمال في الحياة؛ باعتبار أهم وظائف المدرسة وغاياتها الإسهام في تكوين إنسان صالح مؤهل للمساهمة في التنمية بشكل شمولي في كل مجالات الحياة؛ فإنه ينبغي عدم إغفال ضرورة توفر أهم الشروط التربوية والاجتماعية والثقافية لنجاح هذه الطريقة.

ومن ذلك أن تطوير الإنجاز الديدكتيكي لمادة التربية الاسلامية ـ كما تكلمنا عنه ـ متوقف ـ بنسبة كبيرة ـ على مجموعة من الإجراءات؛ منها: إبراز كفايات مرجعية واضحة حسب خصوصية هذه المادة ومتطلبات المستويات التعليمية المختلفة، ومراجعة المناهج والبرامج الدراسية، وما يتبع ذلك من تطوير للكتب المدرسية، مع توفير فضاء التعلم المناسب من الجانبين المادي والتدبيري، وتكوين أطر تربوية مؤهلة لتدريس المادة بطريقة حل المشكلات وفق المقاربة بالكفايات، دون إغفال تأهيل المتعلم ليصير مشاركا فاعلا في بناء التعلمات، وتوفير متطلبات تيسير التعلم الذاتي لديه لمساعدته على توظيف إمكاناته للتعلم.

الهوامش

1- التكوين المستمر ـ ديداكتيك مادة التربية الإسلامية وتقويم التعلمات ـ مجزوءة خاصة بأساتذة التعليم الثانوي التأهيلي: وزارة التربية الوطنية، الوحدة المركزية لتكوين الأطر؛ يونيو 2009، ص 23.
2- التكوين المستمر ـ ديداكتيك مادة التربية الإسلامية وتقويم التعلمات ـ مجزوءة خاصة بأساتذة التعليم الثانوي التأهيلي، ص 23 ـ 24.
3- البرامج والتوجيهات التربوية الخاصة بمادة التربية الإسلامية بسلك التعليم الثانوي الإعدادي؛ وزارة التربية الوطنية ـ مديرية المناهج والحياة المدرسية: غشت 2009، ص 28.
4- في طرق وتقنيات التعليم ـ من أسس المعرفة إلى أساليب تدريسها ـ: عبد الكريم غريب مع الغرضاف وأيت دوصو، سلسلة علوم التربية 7، منشورات موريسك، الرباط؛ 1992، ص 170.
5- للاطلاع على بعض تفاصيل هذه المراحل ينظر: في طرق وتقنيات التعليم، ص 171 ـ 174.
6- معجم علوم التربية ـ مصطلحات البيداغوجيا والديدكتيك: عبد اللطيف الفاربي مع أيت موحى والغرضاف وغريب، سلسلة علوم التربية 9 ـ 10، دار الخطابي؛ الطبعة الأولى 1994، ص 162.
قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.