التعليم عن بعد في أفق الانتقال من الظرف الاستثنائي إلى العادي (تساؤلات على هامش ندوة الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية

1

محمد احساين/باحث ومستشار في قضايا التربية والتكوين

تحية تقدير واحترام للإخوة المشاركين في الندوة الوطنية حول ” التعليم عن بعد الإكراهات وآفاق التطوير” والتي تنظمها الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية، وفاء لها لمبادئها وقيمها، باعتبارها جزء من الإصلاح، ولبنة من لبناته، خاصة في هذه الظروف الاستثنائية.
تأتي هذه الندوة في سياق توقف المؤسسات التعليمية بفعل جائحة كورونا عن العمل نهائيا وأغلقت أبوابها، لتختزل العملية التعليمية في رمتها في مجهودي الأسر ورجال التعليم، عبر ما سمي بالتعليم عن بعد . ومن هنا يسعدني مشاركتكم مناقشة الموضوع بتقديم بعض الملاحظات والارتسامات أقدمها عبارة عن تساؤلات للتأمل من أجل استشراف آفاق التطوير في منظومتنا التربوية والتعليمية :
– نعترف بادئا بأن الظرف الاستثنائي له خصوصيته وحيثياته، وما ينتج عنه ويفرضه من استعجال وارتجال؛ مما يؤدي إلى الارتباك والإرباك وكثرة الانتقاد… وما دام هذا استثناء فلا يمكن القياس عليه.
– كما نعترف أن الالتجاء إلى التعليم عن بعد إكراه فرضه وباء كورونا المفاجئ لكل السياسات والمخططات ومحاولات الإصلاح، وهو خيار لا بديل عنه التجأت إليه كثير من دول العالم التي هددها الوباء ؛ حفاظا على نوع من الاستمرارية البيداغوجية. وكان المغرب سباقا إليه، كما كان سباقا إلى وضع عدة إجراءات احترازية لحماية الوطن والمواطن .
– أثمن عاليا ما بذله جل رجال ونساء التعليم من جهود من أجل الحفاظ على الاستمرارية البيداغوجية لمؤسساتنا التعليمية منذ تعليق الدروس الحضورية ، وقد حاز أساتذة التربية الإسلامية قصب السبق في المبادرة والانخراط في تجربة التعليم عن بعد، بتأطير وتوجيه من المكتب الوطني للجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية .
– لا شك أن الكل يعترف من خلال هذه التجربة المستجدة أن التعليم عن بعد لا يمكن بحال من الأحوال أن يعوض الحضوري ـ كما لا يمكن الاستغناء عن دور الأستاذ باعتباره فاعلا أساسيا ضمن المنظومة التعليمية، ولا عن قاعة الدرس برمزيتها الجماعية والحضورية التي تكرس مبدأ التعليم عن قرب ، والتي تعد الحاضنة الأساسية لتحقيق القيم التربوية التي نص عليها الميثاق الوطني للتربية والتكوين في مبادئه الأساسية.
– نعترف أن أغلبية رجال التعليم انخرطوا في التجربة بمجهودات وأساليب ذاتية ، وآليات وأدوات شخصية، محاولين ترقيع ما أمكن ترقيعه في تأثيث معزوفة الاستمرارية البيداغوجية والحفاظ على الزمن التعليمي دون انتظار أي تكوين أو توجيه في المجال .
– إن الحديث العام والرسمي المؤسسي يتحدث عن التعليم عن بعد وهنا يمكن التساؤل عن موقع التعلم عن بعد وعن مدى توافر شروط كل من التعليم والتعلم عن بعد ؟
– فما سمي بالتعليم عن بعد هو تعليم افتراضي ويفترض أن الأساتذة والمتعلمين يمتلكون شروطه وأدواته والسيناريوهات البيداغوجية الضامنة لنجاحه، وهذا غير حاصل، لهذا كان الارتباك ونوع من التذمر من الجهات المستهدفة حتى وصف بأنه تعليم مهزلةـ ترقيعي، خيالي، كارثي …
– ما شاهدناه من هذه الصيغة لضمان الاستمرارية البيداغوجية أنه تعليم بعيد عن واقع المتعلم المختلف في إمكاناته وقدراته وبيئاته واستعداداته . حيث يغيب تكافؤ الفرص، وتغيب التمثلات والكفايات وبناء المعرفةـ وبناء وترسيخ القيم ،بل ويغيب عنصر القدوة ؛ بل أفرز أحيانا ما قد يزيد في تشويه هذا العنصر. إذ أن هدف هذه التجربة وبحيثياتها الاستعجالية هو جعل المتعلمين يمكثون بمنازلهم طبقا لشعار ” بقا فدارك لسنا في عطلة”. وليس تمكينهم من إنجاز بقية البرامج الدراسية بعد تعليق التعليم الحضوري، وما يشهد لهذا هو إلغاء واستثناء ما قدم عن بعد في مختلف محطات التقويم والامتحانات وتدابير نهاية الموسم الدراسي .
فإلى أي حد يمكن تطوير التجربة عن بعد لإقدار المعنيين المشرفين والممارسين على تصميم استراتيجيات تدريسية لتحقق غايات التعلم لدى المتعلم من خلال المزاوجة والانسجام بين فعلي التعليم والتعلم، والقدرة على استخدام الخصائص التفاعلية، من مناقشة وحوار وتحليل ونقد واستنتاج وتركيب للخلاصات وتسديد للسلوكات… وليس فقط تحضير المدرس وعرض صفحات الكتاب المدرسي بصيغة باوربوانت، أو تصوير درس من الكتاب المدرسي و إرساله بالواتساب و إمطار هواتف الأب و الأم ببعض الواجبات، وإملاء جملة من التمارين التي تحرج الأسرة قبل المتعلم .
– التعليم عن بعد إذا تجاوزنا هذا الظرف الاستثنائي فهو نمط جديد من التعليم نجد له مؤشرات لمرجعيته القانونية في ما نشر بالجريدة الرسمية والرؤية الاستراتيجية …وذلك ما أكده الميثاق الوطني للتربية والتكوين في دعامته العاشرة حين حث على الاستعانة بالتعليم عن بعد في المستويين: الإعدادي والثانوي خاصة في المناطق المعزولة. وقد أصدرت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي أخيرا مشروع النظام الداخلي النموذجي لمؤسسات التربية والتعليم العمومي، ليصادق عليه من طرف مجالس التدبير عند مطلع الموسم الدراسي المقبل . ومما تضمنه إدراج “الالتزام بإعداد وتقديم دروس وحصص في إطار التعليم عن بعد” ضمن واجبات الأستاذ، وهو ما يعني أن الوزارة تسير بشكل واضح في اتجاه جعل التعليم عن بعد، مهمة من مهام الأساتذة، ذات الطابع الالزامي، مثل ما حدث مع الساعات التضامنية.كما اعتبر أن من واجبات الآباء والأمهات “المساهمة في تتبع الدروس والحصص المقدمة من طرف الأستاذات والأساتذة .
وهذا زاد من غضب المدرسين والأسر في ظل عدم توفر الشروط المشار إليها سابقا ، خاصة وأن المدرس يعاني من خلال تجربة التعلم عن بعد من حيث إعداد دروس إضافية وبرمجيات جديدة عن بعد وتمارين وتصحيحات وفروض وشروحات كثيرة جدا انضافت الى عملهم اليومي بل الليلي ،ويعاني مع استعمال وسائط التواصل وشبكة الانترنيت ، كما يعاني أحيانا من السب والشتم والإهانة من طرف بعض أولياء الأمور، ونوعا من الاستهتار وعدم المبالاة من بعض المتعلمين،
فإلى أي مدى يمكن ملاءمة التعليم عن بعد مع الفئات الصغرى من المتعلمين في الوقت الذي نجد فيه طلبة الجامعات يعانون من إشكالات هذه التجربة ؟
وهل إدراج حصص التعليم عن بعد وإلزاميتها للمدرس سيكون مقابل تخفيض الحصص الحضورية أم ستكون مقابل تعويض مادي؟
وهل هناك نية لإمكانية تزويد كل المدرسين بالأدوات من حواسب وهواتف ومجانية الأنترنيت وضمانات للوصول المجاني للمناهج التعليمية المنزلية، وتوفير أدوات ومواد تعليمية تكميلية لمتعلمين والطلبة خلال عملية التعليم عن بعد كما ينص على ذلك دليل العمل عن بعد بالإدارات العمومية الصادر عن وزارة الاقتصاد والمالية، والذي ينص على وجو ب تجهيز الموظف لبيئة عمل مناسبة في مكان عمله عن بعد، تتوفر فيها مقومات النجاح، و والتي تساعد على تحقيق النتائج المحددة، وجودة الإنجاز ، وتوفير الوسائل التقنية والتكنولوجية اللازمة لإنجاز العمل عن بعد ؟
إلى أي حد يمكن تقييم وتقويم وترشيد ما يمكن تقديمه عن بعد حتى يتم تأطيره بيداغوجيا وديداكتيكيا وعلميا وقيميا حتى يتلاءم مع التوجهات والاختيارات الوطنية المتوافق عليها في الوثائق المصادق عليها رسميا تفاديا لأي خلل أو تجاوز في المشترك من المبادئ والقيم ؟
وشكرا لكم مرة أخرى والحمد لله رب العالمين

قد يعجبك ايضا
تعليق 1
  1. أحمد الدرداكي يقول

    تحية إجلال وتقدير، أستاذنا العزيز. من بين الدروس التي تقدمها فترة الجائحة كورونا للأمم والشعوب عدم الاطمئنان والاستعداد للطوارئ من أجل البقاء والاستمرار ومواجهة نكبات الكوارث الطبيعية والبشرية التي تحيط بالحياة على الأرض. لهذا،نجد المجتمعات المتحضرة تستعمل سلاح التعليم بصنفيه،الحضوري أو عن بعد، لإنتاج مواطنا راقيا يحترم قيم مجتمعه ويساهم في رقيه وتطوره،وليس الحفاظ عليه فقط. والتعليم عن بعد أو التعلم عن بعد يعني إضافة واسطة تربط بين المعلم والمتعلم،وهي الأجهزة الإلكترونية التي تمكن من التواصل التفاعلي بين الأفراد أو الجماعات. ولكسب رهان المستقبل،أصبح التعلم عن بعد ضرورة ملحة لمسايرة تقلبات الحياة المفاجئة،منذ الطفولة ومدى الحياة. أتمنى أن ينال مجتمعنا حظه من استيعاب دروس المحنة،فيعاد النظر في منظومتنا ليحتل التعلم عن بعد المكانة اللائقة به من أجل تمكين المواطن المغربي من امتلاك الوسيلة وحسن توظيفها في عالم أصبح قرية بين يديك.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.