المواطنة في المنظومة التعليمية بما هي انتماء وولاء

0

ذ.محمد احساين/باحث في قضايا التربية

شهد المغرب مبادرة فرض سيطرته على معبر الكركرات لإنهاء مناوشات خصوم وحدتنا الترابية، فرأينا مواقف وعايشنا مظاهر التأييد والارتياح من قبل الشعب المغربي بكل هيئاته ومؤسساته… وكلها تصب في حقيبة صيانة الوطن ورفعته وحمايته وسلامته خاصة وأننا نواجه اليوم آثار وسائل التواصل الاجتماعي وتقنية المعلومات، الهادفة إلى تطويع عقول أجيالنا وتوجيه أفكارهم، مما يجعل قضية الانتماء إلى الوطن في أمتنا تمر بأزمة خطيرة معقدة، من مظاهرها ضَعف الانتماء والولاء لدى الأجيال الجديدة، وما لها من آثار مباشرة على الوحدة الوطنية والمنظومة الاجتماعية، والأمن القومي، مما يدعو إلى التوقف عندها، والتوجس منها، من أجل الإسهام في مسؤولية تحصين أجيالنا المقبلة، وتنمية مداركهم، وتوجيه عقولهم نحو الولاءللوطن.

وباعتباردور المدرسة كمؤسسة عمومية موكلة للإسهام في تنشئة الأجيال على حب الوطن وترسيخ قيم المواطنة ، فإن الوزارة الوصية على قطاع التربية والتعليم والتكوين ما فتئت تراهن على إرساء مدرسة المواطنة من أجل التربية على المواطنة كمدخل لتعزيز منظومة القيم بالمؤسسات التعليمية  لذلك اتخذت من عبارة : “من أجل مدرسة متجددة ومنصفة ومواطنة ودامجة” شعارا للموسم الدراسي 2020 – 2021

المداخلة ستركز على البعد التربوي في منظومتنا التعليمية من خلال مدى حضورها في الوثائق الرسمية المؤطرة للمناهج والبرامج والكتب المدرسية ببلادنا والتي جاءت منسجمة والمبادئ التي سطرها دستور 2011 الذي ينص في كثير من فصوله على مقتضيات تهم ترسيخ ثوابت الأمة ومنظومتها القيمية؛والملاحظ أن ما تحمله العولمة من غزو فكري ثقافي قيمي تلقي بظلالها على كير من المفاهيم والقيم كما أنها تشوش على المفاهيم المرتبطة بالمواطنة، في بعدهما المحلي والكوني. مما يطرح ضرورة تحديد مفاهيم: الوطن – المواطن – الانتماء – الولاء – المواطنة.. وبيان العلاقات التفاعلية بينها وكيف تعمل منظومة التربية والتكوين في بلادنا على مستوى حضورها في بعض مشاريع الإصلاح، من خلال ما تم إنجازه من الوثائق من طرف المؤسسات الوطني المكلفة والوصية، من أجل تربية مواطنة وإرساء مدرسة المواطنة. 

وقد كانت الغاية من تربية المواطن على قيم المواطنة تصريحا أو تلميحا ملازمة  لكل الإصلاحات التي عرفها النظام التربوي المغربي من خلال سؤال : من هو المواطن المغربي ؟ وكيف يمكن تنشئته وتكوينه ؟

فقد نص الميثاق الوطني للتربية والتكوين على أن « نظام التربية والتكوين للمملكة المغربية يهتدي بمبادئ العقيدة الإسلامية وقيمها الرامية لتكوين المواطن، و يحدد ملامح شخصية هذا المواطن المرغوب في تكوينه، من خلال اعتماده مجموعة من القيم، والتي اعتبرها مرتكزات ثابتة، تصب كلها في تكوين المتعلم المغربي على روح الوطنية المرتبطة بالهوية الثقافية والدينية للبلد، والتي تعتبر معيارا للمواطنة الصادقة، وجاء الكتاب الأبيض للتأكيد على  القيم التي أعلنها الميثاق والتي تم تصنيفها إلى أربعة أقسام كبرى وهي:

– قيم العقيدة الإسلامية؛  – قيم الهوية الحضارية ومبادئها الأخلاقية والثقافية؛  – قيم المواطنة؛  – قيم حقوق الإنسان ومبادئها الكونية؛

ومن أجل رسم الغايات الكبرى للتربية على المواطنة وتحديد الكفايات المرجعية المرتبطة بها جاءت الوثيقة الإطار للاختيارات والتوجهات التربوية الخاصة بالتربية على المواطنة  والتي عملت المناهج التربوية على أجرأتها وترجمتها إلى كفايات معرفية ومنهجية، وإلى اتجاهات ومواقف ينتظر أن يكتسبها المتعلم المستهدف من المدرسة المغربية . كما أعلن البرنامج الاستعجالي  بوضوح عن ترسيخ قيم المواطنة لدى المدرسين والتلاميذ، ودعا إلى  القيام بمبادرات واعدة، على الصعيدين المحلي والجهوي، من أجل التأسيس لثقافة الاحترام داخل المدارس.

وأكد المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في تقرير له في يناير 2017على مركزية القيم في المنظومة التربوية، بما فيها قيم المواطنة، وأهميتها في تعزيز الانتماء والولاء للهوية الوطنية،    فبادر لبلورة رؤية استراتيجية جديدة للإصلاح التربوي، وسميت ب ( الرؤية الاستراتيجية للإصلاح )، يكمن جوهرها في إرساء مدرسة جديدة قوامها الإنصاف وتكافؤ الفرص، والجودة للجميع والارتقاء بالفرد والمجتمع فتبنة الوزارة الوصية الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015 – 2030. لتجعل من ضمن غايات المنظومة التربوية ضرورة اعتماد التربية على القيم الديمقراطية والمواطنة الفاعلة وفضائل السلوك المدني، والنهوض بالمساواة، ومحاربة كل أشكال التمييز، خياراً استراتيجياً لا محيد عنه .

وإذا كانت الغاية من التربية على المواطنة إعداد المتعلم – المواطن المغربي للإسهام في تحقيق نهضة وطنية اقتصادية وعلمية وتقنية، تستجيب لحاجات المجتمع المغربي وتطلعاته، حتى يحق كفاياته، واكتفائه الذاتي، ويستقل بقراراته. فإن بلوغ هذه الأهداف يتعين أن تسهم فيه كل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، وفي طليعتها الأسرة والمدرسة والإعلام… لأنّ تحقيق الانتماء والولاء للأوطان عملية مجتمعية متكاملة،

وإذا كانت عبارة ” حب الوطن من الإيمان ” تتردد كثيرا في الكتابات وعلى ألسنة الناس فإن هذا الحب يمكن اعتباره جزء من الإيمان إذا استحضرنا التوجيهات القرآنية  والحديثية الحاثة على الوحدة ونبذ التفرقة والاعتصام بالجماعة . كما لا يمكن قيام وحدة الوطن، والاعتصام بالجماعةـ والتراحم والتضامن في غياب حقيقة المواطنة ، وهي حقيقة أقرَّتْها شريعةُ الإسلام، وأحاطَتْها بحُقوقٍ وواجِباتٍ، رعايةً لمصالِح الدين والدنيا معًا؛ ولنا في الحديث الشريف عَنْ أبي هُريرةَ رضي الله عنه عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «الإيمانُ بِضْعٌ وسَبْعونَ أو بِضْعٌ وسِتُّونَ شُعبةً: فأفضلُها قولُ لا إِلهَ إلَّا اللهُ، وأدْناها إماطةُ الأذَى عَنِ الطَّريقِ، والحياءُ شُعْبةٌ مِنَ الإيمانِ». متَّفقٌ عليه. منظومة من القيم الناظمة لعلاقة الإنسان المواطن بوطنه وبغيره من المواطنين، بما يعمل على تنظيم حياة المواطن المسلم الاعتقادية، والاجتماعية، والمالية وغيرها… مما يرسخ سلوك المواطنة، انطلاقا من التوحيد والإخلاص، ومرورا بالآداب الشرعية ومكارم الأخلاق، كالبر والإحسان، والحياء، والتضامن ، والسلم، والأمن، والاحترام، وإماطة الأذى عن الطريق….

ذ.محمد احساين

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.