ذ. عبد الحق لمهى
يعد التقويم التربوي ركنا من أركان العملية التعليمية التعلمية، وتتعدد أساليبه بين كتابية وشفوية، ومن الأساليب الكتابية الأسئلة المقالية. فما المقصود بالأسئلة المقالية؟ وما ميزاتها؟ وماهي أنواعها؟ وما الانتقادات التي توجه إليها؟ وما سبل تطويرها؟
بداية، وقبل الحديث عن هذا الموضوع، أقول من باب الأمانة العلمية أن المعلومات التي سنعرضها هي منتقاة من كتاب ” التربية الإسلامية وفن التدريس” لمؤلفه عبد الوهاب عبد السلام طويلة. الطبعة الخامسة، دار السلام، مع بعض الإضافات التي رأيت تضمينها في المقال. وإنما الغرض تقاسم معلوماته مع الباحثين المهتمين بالشأن التربوي.
عرف المؤلف الأسئلة المقالية بقوله ” وسميت مقالية لأنها تتألف من مجموعة من الأسئلة التحريرية التي تتطلب إجابة مستفيضة، يحرر الطالب فيها ما يشبه المقال أو التقرير، ويبقى طوال الوقت مشتغلا بالبحث والمقارنة والاستدلال والوصف والتحليل وتذكر الحقائق والمبادئ العامة. وهذا يستلزم طالبا/ متعلما حسن التعبير قوي الحجة سليم التفكير، يربط الحوادث ربطا محكما، ثم يستخلص منها رأيا، أو يقيم دليلا، أو يفند نظرية أو فرضية. وقد سميت هذه الأسئلة المقالية تقليدية، لأنها كانت تستخدم منذ القديم.”
وعن ميزاتها يرى الباحث أن للأسئلة المقالية ميزات عديدة منها:
تنمي قدرة الطالب / المتعلم على التأمل والعمق الفكري، وتمنحه فرصة للتعبير عن رأيه وأفكاره بحرية.
تقيس العمليات العقلية العليا لدى الطالب/ المتعلم، مثل القدرة على نقد المعلومات والأفكار وتقويمها ومفاضلتها وتنظيمها وتحقيق التكامل بينها.
تناسب العلوم الفكرية والأدبية، وتصلح للتعليم الذي يقوم على الأفكار أكثر من صلاحها لتعليم المهارات مع ذلك فهي تساعد الطالب / المتعلم على إكساب المهارات، مثل التعليم الذاتي.
تقلل من التخمين، وتحد من ظاهرة الغش.
تحقق العدالة، فجميع الطلاب/ المتعلمين يختبرون بالأسئلة نفسها.
ضرورية وهامة لأجراء وتقويم مباشر للأهداف.
أسئلتها قصيرة، فهي مما يؤدي إلى التقليل من كلفة الطباعة واستهلاك الورق.
إعدادها سهل، فهي لا تتطلب جهدا في إعدادها وصياغتها. وبخاصة لدى المدرسين المبتدئين.
ومن أنواع الأسئلة المقالية:
قصيرة: وتحتاج إلى إجابة محددة، تتراوح بين فقرة وصفحة واحدة على الأكثر.
طويلة: وتحتاج إلى إجابة تمتد إلى بضع صفحات، بل وإلى عشرات الصفحات أحيانا.
بعض الانتقادات الموجهة إليها:
جمع الباحث مجموعة من الانتقادات حول نوع الأسئلة المقالية، ومنها:
تعتمد على التذكر وتركز على حفظ المعلومات والفهم العام أكثر مما تعتمد على الابتكار، ومن ثم يصعب تقدير كفاءة الطالب ومقدرة المدرس.
تختبر ناحية واحدة من نواحي التحصيل، ولا تقيس جميع القدرات والمهارات ولا أوجه النشاط ولا مدى الانتفاع بالمعلومات في الحياة، فهي تهمل مثلا النمو الجسدي والذكاء ونحو ذلك من أجل التعرف على قدرة ذاكرة الطالب / المتعلم في الحفظ. وقد انتهى الباحثون إلى أن من ينجح فيها إنما هو الطالب / المتعلم المجد الذي يتمتع بحظ وافر من الصبر والدأب، دون أن يكون لهذا كله علاقة بالذكاء الحقيقي والقابليات الحقيقية.
تقوم على تعميم خاطئ، لأن الأسئلة مهما كثرت واشتملت على كثير من نواحي المنهاج، فإنها تغفل أكثره، لأن أسئلة المدرس ستنصب على ما يراه هاما، وسيحكم على الطالب/ المتعلم من خلال هذا القدر الضئيل الذي طلب إليه الإجابة عنه، فهي لا تمكن المدرس من تقويم الطلاب/ المتعلمين في جميع محتويات المنهاج، وتفتح المجال للمصادفة والحظ.
سرعان ما أصبح الاختبار في حد ذاته هدفا، فأصبحت الدراسة تنصب كلها من أجل النجاح فيه، بدلا من أن يكون وسيلة للتقويم وخدمة أهداف التربية.
قد تكون آثارها الصحية مؤسفة، إذ كثيرا ما يصاب الطلاب / المتعلمون قبلها أو في أثنائها بالإرهاق أو بالانهيار العصبي.
قد تنحدر بأخلاق بعض الطلاب إلى هوة الغش والانتحال، ونحن نعلم أن التربية الأخلاقية إن لم تكن أولى من التربية الفكرية والعقلية فهي لا تقل عنها قدرا.
تتطلب الإجابة عنها وقتا طويلا من أجل القراءة والاستيعاب ثم التعبير عن الجواب، كما يتطلب التصحيح وقتا طويلا وجهدا كبيرا من المصحح.
ليس لها أثر إيجابي في تحسين مناهج الدراسة.
للعمل الذاتي فيها أثر كبير، فقد ينشأ من غموض في فهم المطلوب، كما أن الدرجات لا تتسم بدرجة عالية من الثبات والموثوقية. فما مدى صحة الدرجة التي تصدر عن المصحح؟ وما مدى الثقة التي نستطيع أن نمنحه إياها؟ وإلى أي مدى يبقى المصحح ثابتا في تقديراته؟ ولا سيما إذا كانت هناك مؤشرات خارجية، كالتحيز أو الرغبة في تحقيق نسبة من النجاح وبخاصة لدى التنافس بين المدرسين أو المدارس.
إذا كانت تلك هي أهم الانتقادات التي وجهت للأسئلة التقليدية، فما سبل تحسينها وتطويرها؟
لتحسين وتطوير هذا النوع من الأسئلة يقترح الباحث جملة من القواعد، يقول المؤلف «مهما يكن من نقد، فإن للاختبارات المقالية محاسن كثيرة، ويمكن تجنب تلك المثالب إذا روعيت فيها الأسس التالية:
أن تصاغ الأسئلة بطريقة سهلة، بعيدة عن الغموض، واضحة المطلوب، وذلك بأن يبدأ السؤال بأحد الأفعال الاتية: عرف، ابحث، برر، وضح، تكلم عن. لخص، بين العلاقة بين…، استنتج، ناقش. ونحو ذلك.
أن يختص السؤال بنوع معين من المعلومات أو الأفكار التي يمكن كتابتها في فقرة واحدة أو أكثر.
البعد عن الأسئلة المركبة، فلا يسأل الطالب/ المتعلم عن أمرين أو أكثر في سؤال واحد، لكن يجزأ إلى فقرات.
أن يحدد الوقت اللازم وعدد الاسطر والصفحات القصوى للإجابة. فمن الغموض أن يقال أذكر ما تعرفه عن التفاوض.
والصواب: تحدث عن التفاوض ضمن ما يلي:
أ ـ تعريفه لغة واصطلاحا. ب ـ دليله من الكتاب والسنة. ج ـ مثالين من أمثلته ـوبعض فوائده، بما لا يزيد عن خمسة أسطر.
أن ترتبط الأسئلة بالمادة التي درسها الطلاب / المتعلمون، وبأهدافها العامة والخاصة، وذلك بتقصير صيغة الأسئلة وزيادة عددها وتوزيعها على أجزاء المنهاج، أو أكثرها، وجعل كل سؤال يتناول هدفا تعليميا محددا.
أن يطلب من الطلاب / المتعلمين الإجابة عن جميع الأسئلة، وذلك بألا يتضمن أسئلة يختار الطالب بعضها، ليعرف من ألم بجميع المنهاج ممن اقتصر على بعضه، وليكون المدرس حكما صحيحا عن قدرات الطلاب الفردية.
وهنا نشير إلى أنه اعتمد في مادة التربية الإسلامية في المغرب، على أطر مرجعية تتضمن عناوين الدروس والمحاور الفرعية لكل درس على حدة، تعتمد في التدريس والتقويم. ومنها ” الإطار المرجعي للامتحانات الموحدة الثالثة اعدادي والأولى باكالوريا والثانية باكالوريا للمترشحين الاحرار”.
أن تتعدى طبيعة الأسئلة قدرة الطالب/ المتعلم على التذكر إلى قدرات أخرى، كالاستنتاج والتأمل والتطبيق والربط والتحليل والتقويم.
وفي هذا الصدد نذكر أن الأطر المرجعية تضمنت مجموعة من المهارات المستهدفة تدريسا وتقويما. يستند اليها المدرس في عملية التعليم والتعلم.
أن يرفق مع كل اختيار دليل تصحيح (إجابة نموذجية)، وزعت فيها الدرجات الكلية والجزئية، بحيث يخصص لكل نقطة هامة درجات تتناسب مع أهميتها.
وهنا نشير إلى أن التجربة المغربية تعمل وفق هذه الطريقة بحيث ترفق عناصر الإجابة بكل الامتحانات الكتابية والاشهادية منها.
ألا يذكر اسم الطالب على ورقة الإجابة حتى لا يتأثر التصحيح بالعوامل الذاتية للمصحح.
وهذا المقترح معمول به في التجربة المغربية في الامتحانات الإشهادية.
أن يصحح كل سؤال على حدة.
ويختم الباحث معلقا على هذه الأسس بقوله” وبهذه الأسس وبما يأتي من شروط الاختبار الناجح تصبح الاختبارات المقالية ذات فائدة كبرى.”
وختاما، يمكن القول بأن عملية التقويم بالأسلوب السالف الذكر ـ الأسئلة المقالية ـ خيار نسبي يجري عليه الخطأ والصواب، ومن ثم تبقى كل المقترحات التي تقدم من أجل تجويده مفتوحة هي نفسها على النقد والتقويم من أجل التطوير والتحسين باستحضار المستجدات والمتغيرات في الحقل التربوي التعليمي.
بقلم: عبد الحق لمهى.