بسم الله الرحمن الرحيم
يسعدني غاية السعادة المشاركة في فعاليات هذا الحفل البهيج، المنظم بمناسبة اليوم الوطني للتربية الإسلامية، والذي يقصد تحقيق أحد أبرز أهدافها، الرامي إلى تثبيت المادة في المنهاج التربوي الوطني، والتذكير باستمرار بأهم مقومات الهوية المغربية، وهو الدين الإسلامي الذي تأسست عليه الدولة المغربية. والتذكير أيضا بأهمية التربية الإسلامية في منظومتنا التعليمية.
فإذا كانت المواد الدراسية المختلفة، تعنى ببناء الإنسان في جوانبه الجسمية والمادية عموما، فإن التربية الإسلامية تضطلع ببناء نفسه أي روحه، على أساس حقائق الوحي الخاتم، مما يضمن لها التعرف على غاية الله من خلق الإنسان واستخلافه في الأرض، لينشر في رحابها كريم الأخلاق والفضائل، وألوية الإيمان والأمن والسلام، في عالم مهدد باستفحال الفساد والدمار وسفك الدماء وفقدان المعنى.
وهذه الخصوصية تلزم الإدارة التربوية، وأطر التدريس والإشراف والتأطير، والجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية، بأمانة ثقيلة ومسؤوليات جسام.
وأنتهز فرصة هذه الكلمة، لأتقدم بملامح مقترحات، لتكييف الدرس الإسلامي مع المتغيرات الراهنة، فأدلي ببعض الأفكار الرامية إلى تطوير منهاج التربية الإسلامية، وجعله أكثر تجاوبا مع حاجات النشء المتجددة، وأكثر تحقيقا لها في ظل المتغيرات الواقعية.
أولا: تعزيز مدخل التربية على القيم الإسلامية
فالقيم في منظور الإسلام دين والتزام، وليست شعارات جوفاء للمخادعة الدعائية، إنها أمانة يحاسب الله عباده عليها، بل لانعدو الحقيقة إذا قلنا بأن الأمانة هي قيمة القيم كلها؛ بحيث تعلو قيمة القيمة على قدر إسهامها في تعزيز المسؤولية الإنسانية الفردية والجماعية على السواء.
ولقد رأينا كيف تهاوت قيم العدل والحرية والمساواة وغيرها، من القيم الكونية الموكولة للرقابة البشرية، وذلك على أيدي بعض الدول الكبرى، التي تدعي احترامها وحمايتها والمنافحة عنها، لما تعارضت مع مصالحها المادية وتحالفاتها السياسية، وذلك خلال الحرب الصهيونية الهمجية، على غزة المكافحة لإحراز حريتها واستقلالها، وسيادتها على أرضها المباركة.
ثانيا: اعتماد مدخل الحوار الفكري في الإقناع بحقائق الدين.
والذي يدفعني إلى الدعوة لاعتماد هذا المدخل الفكري داعيان:
كون الاستدلال والبرهنة من صميم الخطاب الإسلامي في القرآن والسنة، كما هو مؤكد معلوم، وهو منهج قرآني أصيل قائم على مخاطبة العقل والوجدان، بما يضمن تجاوبهما وتفاعلهما التلقائي من الأدلة والبراهين، واستعراض الشبه والانتقادات الواردة على ألسنة المناوئين لمضمون الوحي والساعين لنسف حقائقه، والرد عليها بالأدلة المنطقية والحجج العلمية، وبيان ما في تلك الأقوال من جحود وعسف ونكران.
وذلك انسجاما مع حقيقة الإيمان الذي هو اقتناع عقلي، لايتطرق إليه أدنى شك أو ارتياب، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات: 15]،
لما بتنا نلاحظه من تصاعد موجة الإلحاد على مستوى العالم، وامتدادها المتزايد داخل العالم الإسلامي، وليس بلدنا في منآى عن ذلك.
وتقول بعض الدراسات إن عدد الملحدين يبلغ 850 مليونًا في العالم أي ما يعادل (14 ٪) من عدد سكان الأرض، وتذكر بعض الاستطلاعات أنه منذ عام 2013، ارتفعت نسبة اللادينيين من 8% إلى 13%. وجاءت تونس في المرتبة الأولى في عدد اللادينيين بنسبة 30%. هذا وقد رصدت مجلة الملحدين العرب في عدد يونيو 2020، أن عدد مشاهدات قناة أحد الملحدين المصريين على “يوتيوب” بلغ قرابة الـ 10 ملايين مشاهدة على فيديوهاته، و70 ألف مشترك. وتلعب منصات التواصل الاجتماعي “فيسبوك، وتويتر ويوتيوب” دورًا كبيرًا في نشر الإلحاد، فقد انتشرت أخيرًا العديد من الصفحات والمنتديات النشيطة، في ترويج الأفكار الإلحادية والمعادية للأديان السماوية وعلى رأسها الإسلام.
إن الخطاب الإسلامي خاصة والديني عامة، قائم على تقديم الدليل والمحاججة على أساسه لتحقيق هدفه المحدد، الذي هو الإقناع والاقتناع، وبناء الموقف الذاتي قبولا لمضمون الإيمان أو اعتراضا عليه، وذلك بكل حرية ومسؤولية بعيدا عن أي مغالطة أو إكراه.
فالله سبحانه كما لايقبل في دائرة الإيمان من ليس واثقا بأدلته المتوافرة في الوحي والكون، فإنه لايقبل أن يفرض الإيمان على من يرفضه ولا يراه حقا واجب الاتباع، لذلك نجد الآيات المؤكدة لهذا المنهج تتخلل المتن القرآني طولا وعرضا؛ منها التي تدعو إلى عدم الإكراه في الدين، {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256] بل عاتب رسوله بقوله، {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس: 99].
ومنها التي تدعو إلى البرهنة على حقائق الإيمان مثل قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ } [الطور: 33 – 36]، وقوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنبياء: 21، 22] .
فقد اقتضت حكمة الله من خلق الإنسان استخلافه في الأرض على أساسين لاثالث لهما؛ إما الإيمان بشرع الله المنزل، وإما اتباع العقل البشري ومعارفه المحدودة.
إن مهمة التربية الإسلامية هي تنوير العقول، وتزويدها بالمعارف الضرورية والبيانات الأساسية، من كتاب الله تعالى وسنة رسوله سيد الأنام، ومحاورتها بعلم وبينة في اتجاه ترشيد اختيارها الحر والمسؤول، وحينئذ ينطبق على المتربين في الدائرة الإسلامية، والمخاطبين على مستوى العالمين، حكم الله تعالى: {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15].
أسال الله تعالى لجمعكم الكريم تمام التوفيق والسداد والحمد لله رب العالمين.
…………………
ملحوظة:هذه الكلمة عبارة عن كلمة شارك بها الكاتب في الاحتفال باليوم الوطني لمادة التربية الإسلامية يوم 28ماي 2024 بمناسبة انعقاد المجلس الوطني للجمعية .