ذ احمد العبودي / مفتش التربية الاسلامية وباحث
يندرج الامتحان الموحد المحلي ضمن مكونات التقويم ، ولعل المفهوم العام للتقويم يشير إلى ” الفعل الذي نقوم به للحكم على حدث أو شخص أو موضوع بالرجوع إلى معيار معين أو عدة معايير.” وفي مفهوم خاص “هو فحص لدرجة الملاءمة بين مجموعة من المعلومات ومجموعة من المعايير الملائمة للهدف المحدد إما من أجل التصحيح والتوجيه والتحسين في ضوء ما لوحظ من ثغرات، أو لاتخاذ قرارات تربوية عادلة ودقيقة بخصوص مسار العمل التربوي لجهة ما ، متعلم , مدرس , مؤسسة, سلك تعليمي, نظام تربوي” فهو إذن أداة لاختبار قيمة وفعالية ما نعلمه, وكيف نعلم , وبأية وسيلة.( المرجع : سلسلة علوم التربية ، العدد 9ـ 10 معجم علوم التربية ،مصطلحات البيداغوجيا والديداكتيك لمجموعة من المؤلفين)
والتقويم كمكون أساسي في المنظومة التربوية وخاصة في المستويات الإشهادية، وفي ظل المستجدات التي شهدتها منظومة التربية والتعليم ببلادنا (منهاج التربية الاسلامية ، يونيو 2016 والأطر المرجعية وتعدد الكتب المدرسية المراجعة…)التي عرفتها الساحة التربوية ، أضحى يطرح بعض التساؤلات ذات بعد منهجي وآخر ابستمولوجي منها:
ـ ماذا نقوم؟ و كيف نبني أداة للتقويم تتسم بالصلاحية والثبات ؟ و كيف نسترشد بالإطار المرجعي كأداة منهجية موجهة في بناء مواضيع التقويم عموما ؟ وهل يتيح الإطار المرجعي فعلا تقيما بالمبادئ التي بشر بها واعتمدها كمنطلقات :المطابقة والتمثيلية والتغطية…؟ وكيف نتعاطى مع تعدد الكتب المدرسية للمادة (ثلاثة كتب بالمستوى الإشهادي) ؟ وما هي مبادئ استثمارها وحدود وظائفها علاقة بمطالب الامتحان الإشهادي وإطاره المرجعي ؟
لقد نص قرار وزير التربية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي رقم:2384.06 الصادر في 23 رمضان 1427(16 أكتوبر 2006) المنشور بالجريدة الرسمية عدد 7 ذو الحجة 1427 (28 ديسمبر 2006) بشأن تنظيم امتحانات نيل شهادة السلك الإعدادي في الباب الرابع: تقييم الامتحانات وشروط النجاح ـ المادة 13 منه ،على تخصيص المعامل (3) لمعدل الامتحان الكتابي الموحد على صعيد الثانوية الإعدادية بالنسبة للمترشحين الرسميين أي أنه (الامتحان المحلي) يحظى بنسبة 30 % من القيمة الاجمالية للمعدل السنوي العام وأما الامتحان الجهوي فخصص له نسبة 40%،في حين تحظى المراقبة المستمرة لكل من الدورة الأولى والثانية بنسبة %30.
ومن مقاصد الامتحان المحلي الموحد التي نستهدفها في مادة التربية الإسلامية ما يلي:
1 ـ الاطلاع على جانب من طبيعة الممارسة التقويمية الصفية (الامتحان الموحد المحلي).
2 ـ تشخيص جوانب اختلالات مواضيع الامتحانات الموحدة وبناء استراتيجة للدعم والمعالجة قصد على تجاوزها مع دعم مكتسباتها وتثبيتها.
3 ـ الارتقاء بالامتحان الموحد المحلي كأداة في التقويم وتقليص الهوة بينه وبين الامتحان الموحد الجهوي من جهة وبين الامتحانين معا والمراقبة المستمرة من جهة أخرى.
4 ـ توحيد أساليب التقويم بين مدرسي المادة بما يضمن الإنصاف وتكافؤ الفرص بين المتعلمين الممتحنين على مستوى كل مؤسسات المديرية الإقليمية
ولاشك أن هناك إشكالات منهجية وأخرى بيداغوجية مرتبطة بالإنجاز الفعلي وظروفه والتصحيح وحيثياته وربما أيضا توجد صعوبات متفاوتة التأثير ذات بعد عملي تطبيقي (الظروف المحيطة بزمن الإنجاز وإجراءاته التنظيمية)
ولا بد هنا أن نذكر أن الامتحان المحلي الموحد لا تؤطره وثيقة مرجعية في مستوى الإطار المرجعي باستثناء القرار الوزاري المنظم وكذا المذكرة 152 في موضوع شهادة السلك الإعدادي الأمر الذي يحتاج إلى تقنين مادام الموضوع يتعلق بامتحان (تقويم) ذي أهمية لا تقل عن أهمية الموحد الجهوي ومادام أيضا يستهدف دورة دراسية كاملة بمستوى السنة الثالثة إعدادي . ولأنه ـ أي التقنين ـ إجراء مسطري من شأنه أن يلزم المدرسين بإنهاء دروس الأسدوس الأول كما يحددها التوزيع الدوري للمنهاج الجديد ، فضلا عن كونه سيحقق إجماعا حول الدروس موضوع الامتحان الموحد المحلي يمكِن من تجاوز منطق التوافق الاضطراري بين مدرسي المادة داخل المؤسسة الواحدة كما قد يمكِن من تحقيق ولو نسبيا مبدأ تكافؤ الفرص فيتم التقويم من منطلق واحد ومن عتبة محددة لينصب على نفس الكم ويتوجه لنفس الأغراض .
وفي هذه المقاربة التقويمية الأولية انطلقت من عينة لنماذج من الامتحان المحلي الموحد للموسم الماضي والحالي بمديرية سيدي قاسم ، وتتبعتها بالدراسة والتحليل والمقارنة معتمدا في ذلك على ما وفرته وثيقة المنهاج من أدوات ومعايير كما توسلت بالإطار المرجعي للامتحان الجهوي الموحد باعتباره سندا توجيهيا يسعى للارتقاء بجودة الأداة التقويمية سواء بالنسبة لفروض المراقبة المستمرة أو الامتحان المحلي الموحد.
الجانب الشكلي/ الفني في الامتحان:
إنه لأمر جيد وتطور ملموس على مستوى اعتماد جهاز الحاسوب في رقن وكتابة مواضيع الامتحان الموحد ، وهذا التحول التقني الإيجابي من شأنه أن يخرج المادة من شكلها التقليدي ويجعلها تواكب المستجدات التكنولوجية وتسعى للإدماج الممنهج لتقنيات الإعلام والتواصل في المجال التربوي(TICE) فتعزز المادة موقعها ضمن الصفوف المتقدمة للمواد الدراسية المعممة بالسلك الإعدادي والتي يتم اجتيازها في الامتحان الموحد الجهوي.
إذا كانت جل النماذج قد تميزت بوضوح الطباعة وجودة الإخراج التقني فإن فيها بعض الأسئلة باهتة الحروف وغير واضحة الرسم ،وهو أمر غير مقبول ويعكس إخلالا بأهمية الوظيفة التقويمية لهذا الاستحقاق البيداغوجي ، إذ أن تعذر قراءة حروف أسئلة معينة بسبب رداءة الخط أشد وقعا على نفسية المتعلم من عدم فهم السؤال وربما أشد حتى من عدم توفير الجواب.
جل النماذج تخصص حيزا مكانيا للإجابة على ورقة الأسئلة ذاتها وهو اختيار يساعد التلميذ على الاقتصاد في الجهد التقني والفني كما يوفر له قسطا من الوقت ويسر عملية التصحيح بالنسبة للمدرس المصحح، ولعل هذاهو الدافع الأساس لهذا الاختيار وإن كان ذلك يشكل في بعض الأحيان ما يشبه ضرب حصار على التلميذ بسبب ضيق الحيز المكاني المخصص للإجابات باعتبار تفاوت مهارات المتعلمين في ضبط أحجام الخطوط وتركيز العبارات اللغوية.
من النماذج ما يثبت عناصر الإجابة وسلم التنقيط في أوراق مستقلة دون محاولة الإجابة على ورقة الأسئلة للوقوف ،عن كثب ،على الصعوبات المحتملة ومنها مدى ضيق الحيز. علما أن الإجابة في ورقة مستقلة اختيار آخر لا يخلو من فوائد ومن سلبيات أيضا خاصة إذا كانت الأسئلة تتطلب بناء جداول أو تدوين بيانات.
الارتباط بالبرنامج والوضوح البيداغوجي:
يفترض أن تكون مواضيع النماذج بوضعياتها التقويمية وبأسئلتها منصبة على البرنامج وتقع ضمن مجالاته الرئيسة والفرعية من غير أن تتطلب موارد ومكتسبات ليست من رصيد المتعلم . ويمكن القول إن أسئلة أغلب النماذج تناسب المستوى الإدراكي للمتعلمين كما أنه وبالاستقراء لنماذج الامتحانات المحلية يتضح أن الغموض والإبهام الذي يعتريها مصدره يلي :
كثرة الاستطرادات والحشو في نص الوضعية المشكلة
تغميض التعابير اللغوية وعسرها
إقحام ،بعض المفاهيم والمصطلحات الغريبة عن المجال التداولي لمتعلم المرحلة
افتقار الأسئلة للصياغة الإجرائية الدقيقة يجعلها مبهمة تحتمل التأويلات
التغطية والتمثيلية / المجالات والمهارات :
وفيما يخص شمولية هذه النماذج للبرنامج وتغطيتها لمقر الدورة الأولى، فيمكن القول :
بعض النماذج تعذرت عليها تغطية البرنامج الدوري الخاص بالأسدوس الأول بمفرداته كاملة (إغفال دروس مدخل برمتها أو دروس من مدخل أو ملامستها له بشكل تعسفي وصوري)، علما أن التغطية على مستوى المجالات الرئيسية/المداخل أمر متا ح ولا يحتاج إلى عناء كبير إلا إذا تعذر على المدرس إدماج قضايا المدخل ضمن سياق الوضعية التقويمية .
تعذر على جل النماذج موضوع الدراسة أن تجسد بوضوح وصدق كل المهارات المذكورة (المهارات الست) ، ومن ذلك إغفال مهارة التعبير عن الرأي واتخاذ الموقف ومهارة التطبيق والتعميم، وهي مهارات أساسية باعتبار أن ما تهدف الى تحقيقه بيداغوجيا التدريس بالكفايات هو تمكين المتعلم من إدماج الموارد المكتسبة في وضعيات مشكلة تقويمية دالة ومركبة تؤذن بأنه تمكن من حل المشكلة المطروحة.
يكون واضحا في النماذج التي أخلت بقاعدة التغطية الأفقية وبمبدأ التمثيلية (الحفاظ على النسبة المائوية الخاصة بكل مهارة)، إذ غالبا ما نجد مهارات الاستظهار و الفهم والتحليل والاستنتاج سائدة وتستحوذ على النسبة الأعلى من سلم التنقيط ، بينما كما ذكرنا لا حظَ للمهارات العليا(المركبة) مثل التطبيق/التعميم و التعبير عن الرأي واتخاذ موقف إلا في حدود ضيقة.
إن التنفيذ الأفقي للمنهاج (درس من كل مدخل) كما هو مطلوب ، يسر للنماذج أن تستجيب لمبدأ التمثيلية على مستوى المجالات فظلت عموما وفية للإطار المرجعي على مستوى الحصيص الخاص بالنقط ( النقط موزعة على المداخل بحسب المهارات المستهدفة) مع استحضار الملاحظة أعلاه
بعض النماذج أغفلت إثبات سلم التنقيط أصلا. وهو إهمال لا مسوغ بيداغوجي له إذ يحرم المتعلم من حقه في الوضوح ويجهز على مبدأ الإنصاف فضلا عن ذلك فهو مؤشر سلبي ما عليه فروض المراقبة المستمرة بالنسبة لهذه النماذج.
الأسئلة ومدة الانجاز/ الكمي والنوعي :
حاولنا أن نضع تقديرا لزمن إنجاز الأجوبة المطلوبة فتبين أن أغلبها يراعي الحيز الزماني المخصص للإنجاز(ساعة واحدة). وللتذكير فإن تقدير الكم والنوع ليلائم الحيز الزماني غالبا ما يعمد فيه المدرس لحدسه البيداغوجي المستمد أساسا من الخبرة المكتسبة دونما تجريب مسبق. ويؤكد هذا الزعم كون بعض النماذج لا تعدُ عناصر الإجابة وتغفل سلم التنقيط ـ رغم أن إعداد الإجابات المقترحة إجراء عملي منهجي :
يعطي انطباعا / تصورا أوليا عن طبيعة الصعوبات التي قد تعترض محاولات إجابات المتعلمين والجهد المطلوب في ذلك.
ييسر دراسة الانجازات (إجابات المتعلمين) لتوفير المعطيات والبيانات الخاصة بطبيعة الأخطاء والتعثرات وتصنيفها حسب درجة تمركزها وعمقها(الشائعة والطفيفة…) لإعداد خطة للتدخل والمعالجة وإجراء الدعم المتاح داخل المؤسسة (المندمج أو المؤسساتي… )
علاقة مع ما سبق فإن من النماذج ما كم أسئلتها مناسب لاختبار تلاميذ المرحلة داخل الحيز الزمني المحدد، ومن النماذج ما بها أسئلة قليلة الكم بغض النظر عن النوع(بسيطة أو مركبة)، وأهمية الحديث عن الكم تكمن في أن كثرة الأسئلة لا تجدي إذا ما كان الاختبار شاملا للبرنامج الدراسي ، ويقيس الكفايات الأساسية والنوعية التي ينبغي للأستاذ أن يعمل داخل فصله على إرساءها وإنماءها حتى يكون التلاميذ في كامل جاهزيتهم لإنجاز المهمَات المطلوبة منهم داخل قاعة الامتحان.
بين المحلي الموحد والجهوي الموحد :
إن نظرة أولية لنموذج الامتحان الجهوي الموحد تؤكد الفارق بينه وبين نماذج المحلي الموحد . فقد وفق التوجه الجديد المعتمد في التقويم الجهوي في الاستجابة للمطالب التقويمية التي سطرها الإطار المرجعي إذ جعل الوضعية المشكلة التقويمية مدخلا مناسبا لقياس قدرات المتعلمين على إدماج التعلمات ودرجة اكتساب الكفاية ، كما توفقت اللجنة الجهوية للامتحانات في تحقيق مبدأ التغطية العمودية والأفقية، بنسبة مقدرة، لبرنامج الأسدوس الثاني (على مستوى المجالات الرئيسية والفرعية والمهارات المستهدفة كما هي محددة ضمن جدول التخصيص للإطار المرجعي)، وبذلك يكون متقدما على الامتحانات المحلية شكلا ومضمونا وتطلعا،
ومع ذلك يبقى الامتحان الموحد المحلي يحتل ،عموما ، موقعا وسطا من حيث الجودة بين الموحد الجهوي والفروض الكتابية للمراقبة المستمرة ،لذلك لا بأس من أن نجعل من نموذج الجهوي الموحد ، مع الإقرار بحتمية الارتقاء بجودته ووجوب تجاوز جوانب اختلالاته ، معلما ومعيارا يحدد التوجه المطلوب.
خلاصات واقتراحات :
إن النماذج موضوع الدراسة متفاوتة فيما بينها من حث استحضارها لضوابط الإطار المرجعي والأسس البيداغوجية للمذكرات التخصصية المنظمة، ولعل سبب هذا التفاوت يرجع لعوامل متنوعة منها النقص في التأطير التربوي للمدرسين ووجود نسبة منهم لم يستفيدوا من التكوين البيداغوجي المطلوب ( مهام المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين …) كما أن التقويم بالأسلوب المعتمد (الوضعية التقويمية) يحتاج للتجربة والخبرة الكافية على النحو الذي يذكي روح الإبداع والتجديد والمواكبة بين صفوف السادة الأساتذة العاملين بالإعدادي
انعدام إطار مرجعي خاص بالامتحان الموحد المحلي يفضي إلى عدم تكافؤ الفرص بين تلاميذ مختلف المؤسسات التابعة للمديرية الإقليمية ذاتها. فإذا لم يكن هناك تقويم منضبط مبني على أسس موحدة ومعايير ثابتة تشكل تعاقدا يحدد التزامات كل الأطراف ذات الصلة بالموضوع ، فإن تساؤلات عدة يمكن طرحها حول قيمة نسب نجاح التلاميذ وانتقالهم من مستوى إلى آخر؛ لأن تقويما بهذا الشكل تقويم فيه غير قليل من الارتجال وغير منضبط وربما قد يطرح أسئلة نقدية حول مصداقية النتائج وينال من الوظيفة الإشهادية لهذه المحطة الاستحقاقية ويتهدد مبدأ تكافؤ الفرص الإنصاف.
الوعي بالأبعاد الوظيفية للإطار المرجعي يتطلب وكما أشرنا سالفا تنظيم المزيد من اللقاءات والتكوينات التربوية بالتركيز على الجانب العملي التطبيقي المتعلق بمناهج القياس وأساليب التقويم وفق ما تنص عليه التوجيهات الرسمية المعتمدة في الموضوع، ونقدر أن جل المدرسين أصبحوا في حاجة ماسة للاستفادة من التكوين (مصوغة منهجيات التدريس والممارسة التقويمية في ضوء المنهاج الجديد).
أهمية إشراك الأساتذة العاملين بالسلك الإعدادي في لجنة وضع الاختبارات الموحدة الجهوية ، حتى يقفوا على الصعوبات العملية ويستفيدوا من التجربة التي بلورتها اللجنة الجهوية للامتحانات الإشهادية خاصة وأن هذا المسعى طالما نصت عليه بعض تقارير المجالس التعليمية