ذ.عبد الرحيم مفكير
تقديم:
إن الإيجابية في حياة المؤمنين سمة وعلامة بارزة و واضحة ولقد استطاع نبينا صلى الله عليه و آله وسلم أن يغير من وجه الأرض خلال ثلاثة وعشرين عاما وتمكن صلى الله عليه وسلم من إقامة دولة الإسلام وتثبيت أركان الدين وبسطه وإكماله ” اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ” .وجاءنا القرآن يأمرنا ويوجهنا إلى هذه الإيجابية في الحياة وأن المسلمين مسئول عن تغير حياته على مستوى الفرد. قال تعالى: ((وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى (41))) سورة النجم الآيات (39-41).
وقد تناول المجدد بديع الزمان النورسي الإيجابية برؤية ثاقبة ، يمكن للباحث الفطن استخلاصها من خلال مساره في الحياة وكتاباته واجتهادات المفكرين والباحثين .كما عملت رسائل النور على تبليغ القرآن الكريم وتقريب معانيه ، فهي في عمومها تدبر لآي الكتاب , اهتمت بمنهج حركة التغيير وبنت أسها على التؤدة والروية والحكمة الحسنة ، وقلصت من الاندفاع والحماس غير المثمر. واستمرت في دعوتها بالحركة الإيجابيّة,
ونتوخى من خلال هذا المبحث المتواضع تحديد مفهوم الإيجابية الإسلامية في فكر النورسي مركزين على بعض معالمها باعتماد كتاباته ، والوقوف على الإيجابية العقدية الراسخة في الإسلام والراسخ فيها ، إيجابية الفطرة إيجابية التوحيد، وإيجابية قول الحق والثبات على الدين ـ والإيجابية في العبادة والصلاة ، في المواقف ، وفي تزكية النفس والارتقاء بها ، وفي السلوك والقيم ، وفي الفهم ، وفي العلاقة مع الآخر ، وفي وحدة الأمة وتدبير الاختلاف .
مسار مفكر مجاهد:
يعتبر المجاهد العالم العامل بديع الزمان النورسي (1294هـ – 1877م). ، علماً من أعلام الفكر والتربية والجهاد والمرابطة والممانعة ، شغل الباحثين وتتلمذ على يديه أجيال منذ أن بدا نجمه ، واحتل مكانة في تاريخ تركيا الحديثة ا ، وما تزال آثاره حتى الآن يتفاعل بها المجتمع التركي المعاصر. ويعد النورسي الذي تعرف عليه المغاربة أحد أعمدة التربية والتوجيه والفكر. وقد ساهمت البيئة التي نشأ فيها في تكوين شخصيته ، فهو من أبوين صالحين كانا مضرب المثل في التقوى والورع والصلاح . نال الإجازة العلمية وهو ابن أربع عشرة سنة بعد أن تبحر في العلوم العقلية والنقلية بجهده الشخصي ، فقد حفظ عن ظهر غيب ، ثمانين كتاباً من أمهات الكتب العربية كما حفظ القرآن الكريم في وقت مبكر من حياته الخصبة الحافلة.
عكف على دراسة العلوم العصرية ، أو العلوم الكونية الطبيعية ، (رياضيات ، وفلك ، وكيمياء ، وفيزياء ، وجيولوجيا) والجغرافيا والتاريخ والفلسفة الحديثة وسواها من العلوم ، حتى غدا عالماً فيها ، ومناظراً فذاً للمختصين بها ، وصار له رصيد ضخم من المعلومات ، مكنه من الانطلاق من مرتكزات علمية سليمة.كان طالب العلم سعيد النورسي شديد الاحتفال والاشتغال والتعلق بالفلسفة والعلوم العقلية ، وكان لا يقنع ولا يكتفي بالحركة القلبية وحدها ، كأكثر أهل الطرق الصوفية ، بل كان يجهد لإنقاذ عقله وفكره من بعض الأسقام التي أورثتها إياه مداومة النظر في كتب الفلاسفة.
في عام 1894 تناهى إلى سمعه أن وزير المستعمرات البريطاني (غلادستون) وقف في مجلس العموم البريطاني ، وهو يحمل المصحف الشريف بيده ، ويهزه في وجوه النواب الإنكليز ، ويقول لهم بأعلى صوته : ( ما دام هذا الكتاب موجوداً، فلن تستطيع أوربا السيطرة على الشرق ، ولا أن تكون هي نفسها في أمان. لذا ، لا بد لنا من أن نعمل على إزالته من الوجود ، أو نقطع صلة المسلمين به). فصرخ العالم الشاب سعيد النورسي من أعماقه : “لأبرهنن للعالم أجمع ، بأن القرآن العظيم شمس معنوية لا يخبو سناها ، ولا يمكن إطفاء نورها”.
واجه النورسي النظام الفاسد كما واجه الاستعمار والجهل والفقر والاستبداد ، وقضى عمره بالسجن. انتصر للعربية وألف ونشر في عدة كتب ورسائل منها : إشارات الإعجاز – والسنوحات – والطلوعات – ولمعات – وشعاعات من معرفة النبي صلى الله عليه وسلم وسواها باللغة العربية . وجمعت أغلب أعماله في ثمانية مجلدات ضخام ، هي : الكلمات – المكتوبات – اللمعات – الشعاعات – إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز – المثنوي العربي النوري – الملاحق – صيقل الإسلام ، وقد ترجمت إلى اللغات العربية والإنكليزية ، والألمانية ، والأردية ، والفارسية ، والكردية ، والفرنسية ، والروسية وغيرها .
ورسائل النور في عمومها تدعو إلى إنقاذ الإيمان ، وعودة الإسلام إلى الحياة ، وعودة المسلمين إلى دينهم ، وقرآنهم ، وتحكيم شرع الله في سائر أمورهم وأحوالهم. تصدى بها للعلمانيين والقوميين والسياسة الميكيافيلية القائمة على التزلف والنفاق والمصالح الشخصية ، السياسة التي نحت الدين جانباً ، وولى أصحابها وجوههم نحو أوروبا ، والسير في ركابها ، ووقف – بكل قوة – في وجه التيارات الإلحادية الشاملة ، برغم ضراوة الهجمة وشراستها ، وبرغم ما تعرض له من نفي وسجن واعتقال واضطهاد ، وتضييق.
كان النورسي أمة في رجل ، وربى تلاميذه بالقدوة ، وحياته كانت أكبر كرامة. إنه رجل عصر المصائب والبلايا والمهالك – كما قال عن نفسه – وهو عصرنا ، وقد هيأ الأدوية الناجعة للجروح الإنسانية الأبدية ، وقدمها إليها خلال رسائله وكتبه التي هي من نور القرآن العظيم ، تدعو إلى تطهير النفس ، وصقل الروح ، وغرس الإيمان والإخلاص في النفوس.
الإيجابية الإسلامية : المفهوم والدلالات والمظاهر:
تبرز قوّة الإسلام الإيجابية ومصداقيته ويظهر منهجه الكامل وتتجلى روحه المتوازنة في الشرائع والشعائر ، وفي الأخلاق والمعاملات وفي سائر أوامره ونواهيه ، ولما له من مرجعيات علمية وفكرية عقائدية وشعائرية وأخلاقية.
إن أصل الإيجابية الإسلامية الإيجابية العقدية الراسخة في الإسلام والراسخ فيها ، إيجابية الفطرة إيجابية التوحيد، إيجابية الوحدانية والإلوهية والربوبية لله وحده ، لا شريك له في الذات والصفات والأفعال ، إيمان بعقائد مؤكدة عقلا ومنطقا وتاريخا ووجودا ، تبعث على العلم واليقين لا على الشك والريبة وعلى الاطمئنان لا على القلق ، وعلى الاجتهاد لا على السكون والتقليد ، إيجابية منطلقها التوحيد ولباسها التقوى ومسارها الاجتهاد وبذل الوسع في الخير ، وحللها مكارم الأخلاق من تواد وتراحم وتعاون ، ومنتهاها بلوغ الخلافة على الأرض كل في مستواه ، وبلوغ الثبات على الحق ورضوان الله في الدنيا والآخرة.
يقول سبحانه وتعالى:﴿إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم﴾ الرعد،الآية11. ويقول: ﴿ذلك بأنّ الله لم يك مغيّرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم وأنّ الله سميع عليم﴾ الأنفال،الآية 53. ويقول:﴿وأنّ ليس للإنسان إلاّ ما سعى وأنّ سعيه سوف يُرى، ثم يُجزاه الجزاء الأوفى﴾ النجم،الآيات41، 40،39.
الإيجابية : أن ترى الشيء واجبا عليك فتنهض للقيام به ، والمقصود بالشيء هنا أي أمر من أمور الخير. والإنسان الإيجابي يرى القيام بالأمور الخيرة من حوله واجبا عليه ولو كانت في حقيقتها من المستحبات أو من قبيل المروءات.
وإذا كان لكل مجتمع شخصية خاصة ومتميزة ، فإن الثقافة الإسلامية تطبع شخصية الفرد بطابع معين، يميزه عن غيره من أبناء المجتمعات الأخرى.
من تلك السمات الفريدة التي يمتاز بها المسلم : الإيمان والتقوى والورع والخشوع لله تعالى، والطاعة والالتزام والانضباط والاحتشام ، والمحافظة على العرض والشرف ، والقناعة والزهد والتواضع ، والطهر والطهارة، والصبر والمصابرة ، والأمل والرجاء ، والتوكل والاعتماد على الله تعالى، وحب العلم وطلبه ، والشكر وغنى النفس ، والعفو عند المقدرة ، والإيثار والبذل ، والتضحية والفداء ، والاستقامة ، والرأفة والشفقة والرحمة والعطف والحنان ، وصلة الأرحام والبر والإحسان ، ولاسيما للوالدين.
ويتربى المسلم على نصرة الحق ، وإغاثة الملهوف ، والسماحة وإنذار المعسر ، والحلم والرفق والحياء ، والوقار والوفاء بالعهد والعقود ، وطلاقة الوجه ، والتمسك بالآداب العامة والنظافة ، وما إلى ذلك من السمات والخصال الحميدة والفضائل الخلقية.
وتظهر دعوة الإسلام للإيجابية في كثير من المواقف الفردية والجماعية ، طوال حياة الفرد، منذ نعومة أظفاره حتى نهاية حياته. فالمسلم لا يقف من الأحداث موقف المتفرج ؛ وإنما يتربى على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعن الفساد والتسيب والانحراف والظلم ، يقول تعالى : {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} (آل عمران : 104).
والمسلم لا يقف ساكتاً أمام المنكر ، ولكنه يتخذ موقفاً إيجابياً فعالا لقوله تعالى : {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ۚ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} (آل عمران : 110).
والمسلم مدعو لكي يساعد زميله المسلم ، ويقف منه موقف الصديق ، كما في قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (التوبة: 71).
ورسولنا صلى الله عليه وسلم يدعونا للتحلي بالإيجابية إزاء المنكر ، والتصدي له بالفعل ، أو بالقول ، أو بالقلب، حسبما تسمح قدرة الإنسان، لقوله: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان».
ولا شك أن الجهاد في سبيل الله. والدفاع عن الأوطان أبلغ صور الإيجابية وأقرأها يقول تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13} (الصف: 10 – 13). والرسول الكريم يقول في الحث على الجهاد: «إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف».
ومن مظاهر الإيجابية: دعوة الإسلام إلى التعاون بين الناس على البر والتقوى ، لقوله تعالى : {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ} (المائدة : 2).
ومن مظاهر الإيجابية كذلك حرص الإسلام على الاختلاط بالناس، وحضور جمعهم ، ومجالس الذكر، وزيارة المريض ، وحضور الجنائز ، ومواساة المحتاج ، وإرشاد الجاهل.
ومن دلائل الإيجابية دعوة الإسلام الحنيف للإصلاح بين الناس ، وفض المنازعات بينهم ، يقول تعالى: { لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (النساء/114).
والصلح وفقاً للمدرسة الإسلامية في التربية ، يعد خيرا يقول تعالى: {فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بَيْنِكُمْ} (الأنفال:1).
ومن أقوى المشاعر الإيجابية أن المسلم يتربى على الإيمان بأن المسلمين جميعاً إخوانه يقول تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (الحجرات: 10).
وإسلامنا الحنيف يدعونا للنشاط والحيوية وحب العمل يقول تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الجمعة:10) وفي هذا المعنى الكريم يقول رسولنا العظيم : «لأن يأخذ أحدكم حبله ثم يأتي الجبل فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها ، فيكف الله بها وجهه ، خير له من أن يسأل الناس ، أعطوه أو منعوه » (رواه البخاري).
ومن ضروب الإيجابية أن المسلم مدعو لطلب العلم والتفقه في الدين ، وفي ذلك يقول القرآن الكريم : {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (الزمر : 9). ويقول تعالى {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (المجادلة : 11).
وعن نبينا الكريم قوله : «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين » متفق عليه. وعنه صلى الله عليه وسلم قوله لعلي رضي الله عنه: «فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحداً خير لك من حمر النعم » متفق عليه.
وفي الدعوة لطلب العلم يقول الحديث الشريف : «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة ». ومن أبرز سمات الإيجابية في الشخصية الإسلامية تحمل صاحبها المسؤولية ، فلا يقف من الأحداث موقفاً سلبياً. فالمسلم مسؤول عن نفسه ، وعن زوجته وأبنائه ، وعن مجتمعه ووطنه ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «كلكم راع وكل راع مسؤول عن رعيته ، والأمير راع، والرجل راع على أهل بيته ، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده ، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته » متفق عليه.
ومن بين ما يدعو إلى الإيجابية قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم : «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً» متفق عليه.
والمسلم مدعو أن يكون ودوداً ورحيما وعطوفا على إخوانه المسلمين ، وأن يشعر بشعورهم ، ويتألم لآلامهم ، ويسعد لسعادتهم ، ويتفاعل وإياهم : «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى » متفق عليه.
وفي هذا المعنى النبيل يقول الحديث النبوي الشريف: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة» متفق عليه.
فالمسلم يقف من إخوانه دائماً موقفاً إيجابياً ، يحب لهم ما يحب لنفسه : «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه » متفق عليه.
والمسلم لا يقف موقفاً سلبياً عندما يقع ظلم على أخيه المسلم ؛ لقول رسولنا العظيم: «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً فقال رجل : يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوماً ، أرأيت إن كان ظالما كيف أنصره ؟ قال تحجزه أو تمنعه عن الظلم ، فإن ذلك نصره ».
ولا شك أن اكتساب القوة والتحلي بها من علامات الإيجابية ، والإسلام يدعو المسلمين أن يكونوا أقوياء؛ لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كل خير ، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله ما شاء فعل ، فإن لو تفتح عمل الشيطان ».
ومن باب الإيجابية أن يعطف الإنسان على جاره ، يقول رسولنا الكريم : «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» متفق عليه.
والمسلم مطالب بالمودة ومجالسة أهل الخير ، يقول تعال ى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} (الكهف: 28).
وفي الحياة السياسية والعامة يتعين على المسلم أن يكون إيجابياً ، فعلى المسلم أن يسدي النصح الى ولاة الأمور ، بأن يتخذوا البطانة الصالحة. ومما يؤكد روح الإيجابية بين جماعة الإسلام ، اتخاذ مبدأ الشورى والنصح بينهم، يقول تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} (آل عمران : 159). كما يقول تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ} (الشورى : 38). بل إن الإسلام يعد الدين النصيحة.
فالإسلام يربي المسلمين على الإيجابية والتفاعل والمبادرة ، وإسداء النصح وتقديم العون.
الإيجابية في فكر النورسي:
سنحاول ملامسة بعض معالم الإيجابية عند بديع الزمان من خلال مؤلفاته مع التركيز على جزء منها :
اهتم النورسي بالعمل الإيجابي ، والوقوف على الإيجابية العقدية الراسخة في الإسلام والراسخ فيها ، إيجابية الفطرة إيجابية التوحيد، في العبادة والصلاة ، في المواقف ، في تزكية النفس والارتقاء وفي السلوك والقيم ، وفي الفهم ، وفي العلاقة مع الآخر ، وفي وحدة الأمة وتدبير الاختلاف
اهتم النورسي بالعمل الإيجابي البنّاء وقد كان لتكوين شخصيته والمحن التي مر منها الأثر البالغ في استيعاب هذا المفهوم وتجسيده وتقريبه ، حيث ارتبط به وبفكره وأصبح علامة دالة عليه ، ومما زاد في تعميقها ما لقيه الرجل من ابتلاءات واختبارات. وقد ربط كل هذا انطلاقا من فهمه العميق للقرآن الكريم , فعمل على نشر تصوراته ورؤاه. وأصل للعمل الإيجابي وفي نفس الوقت حذر من العمل السلبي الذي من شأنه استخدام القوة في السعي إلى الإصلاح ، وهو ما قد يؤدي إلى وقوع الأذى على من لا ذنب له ، وإلى إيقاد نار الفتنة في المجتمع وزعزعة الأمن الداخلي ، وما ينتج عن ذلك من الآثار السلبية المدمرة من قتل أو تخريب.
يقول النورسي”إن وظيفتنا هي العمل الإيجابي البنّاء وليس السعي للعمل السلبي الهدّام ، والقيام بالخدمة الإيمانية ضمن نطاق الرضى الإلهي دون التدخل بما هو موكول أمره إلى اللّٰه ، إننا مكلّفون بالتجمل بالصبر ، والتقلّد بالشكر تجاه كل ضيق ومشقة تواجهنا ؛ وذلك بالقيام بالخدمة الإيمانية البناءة التي تثمر الحفاظ على الأمن والاستقرار الداخلي “.
”إن واجبنا القيام بأعمال إيجابية بناءة وليست تخريبية سلبية، بل القيام بوظيفة الإيمان إبتغاء مرضاة الله وحده لا غير ومن دون التدخل في أمور موكولة إليه تعالى. فنحن مكلفون أن نصمد صابرين على كل المضايقات لأجل إحلال النظام واستتباب الأمن في ربوع البلاد.“
ويحدِّده بديع العمل الإيجابي البناء بمعنى : الجهاد المعنوي أي قيام الإنسان بما هو مطلوب منه من الدعوة التي يسميها “الخدمة ” ، وأن يدع تحقيق النتائج لرب العالمين الذي تكفل بها. وفي تسمية الدعوة بالخدمة إشارة إلى أن الأستاذ مستخدم لدى ربِّه، يعمل لنشر دينه ، ونيل رضاه ، وللّٰه الأمر من قبل ومن بعد ، ومثله من سار على منهجه من طلاب النور.
يقول “إن أعظم شرط من شروط الجهاد المعنوي هو عدم التدخل بالوظيفة الإلهية ، أي بما هو موكول إلى اللّٰه. بمعنى أن وظيفتنا الخدمة فحسب ، بينما النتيجة تعود إلى رب العالمين ، وإننا مكلفون ومرغمون في الإيفاء بوظيفتنا “،
والعمل السلبي أي استخدام القوة في السعي إلى الإصلاح الداخلي في المجتمع ، يؤدي إلى وقوع الأذى على من لا ذنب له ، ويؤدي إلى إيقاد نار الفتنة في المجتمع وزعزعة الأمن الداخلي ، وما ينتج عن ذلك من الآثار السلبية المدمرة من قتل أو تخريب.
وبيانا لذلك يقول “إن المسألة الأساسية في هذا الزمان هو الجهاد المعنوي ، وإقامة السد المنيع أمام التخريبات المعنوية ، وإعانة الأمن الداخلي بكل ما نملك من قوة “.
”إنني في تيار الإيمان ويواجهني تيار الكفر، ولا علاقة لي بأي تيار آخر.“
وبقوله الوجيز هذا يفيد أن الحركة الإيجابية هي الخدمة الإيمانية ، أما الحركة السلبية فهي الحركة الكفرية اللاإيمانية .
الإيجابية العقدية ، إيجابية التوحيد والفطرة :
تتميز رؤية النورسي إلى الإيجابية العقدية بالتدرج والمرحلية والتأني في تغيير الأوضاع من السلب إلى الإيجاب ، والخروج بالإنسان من ظلام الجهل والكفر والنفاق والرذيلة إلى نور العلم – خير الناس من تعلم العلم وعلمه، العلم الديني والعلم الدنيوي- والتوحيد والصدق والفضيلة ، وإذا اشتد عود الإنسانية أخلاقيا وأدبيا بفعل عمليتي التحسين والتقبيح العقليتين من دون الهدي الإلهي فإن ذلك جاء مشوبا بالاختلالات والنقائص وسبب مخاطر كثيرة ، الأمر الذي دعا إلى إتمام مكارم الأخلاق ، وإلى التوحيد بين إيجابية الهدي الإلهي المطلقة وخيرية الأخلاقية البشرية العقلية النسبية في جو استمرار وديمومة صلاحية مكارم الأخلاق في كل الأمصار والعصور واستقلاها عن الأعراف والعادات والتقاليد التي تتعدد وتتنوع وتتباين بتعدد وتنوع وتباين ظروف الناس وأوضاعهم المختلفة ، وتبقى قاعدة جلب الخير ودفع الشر هي المحك والمقياس لكل فعل أخلاقي إسلامي تستمد منها الروح الإسلامية إيجابيتها الأخلاقية والأدبية.
فالإنسان مفطور من فاطر السموات والأرض ببنية بشرية آدمية متفردة ليس كمثلها شيء على وجه الأرض ، فهي تخرج إلى الحياة الدنيا أضعف كائن وبعد فترة تصير أقوى مخلوق كائنا ما كان ، لما ناله الوجود الإنساني من التكريم والتفضيل داخل الكون اللامتناهي صغرا وكبرا وعظمة من العظيم في الذات والصفات والأفعال ، القائم بالربوبية والجدير بالعبودية في منتهى إيجابيتها ، فالعبودية في الإسلام إلزام وعهد مقطوع بين العبد وخالقه لا ينقضي ، والإسلام رباط بين المخلوق والخالق لا ينفك ، الهدف من وجوده تحقيق المشيئة الإلهية وتجسيدها على الأرض ، وضمان الربوبية والإلوهية والوحدانية والعبودية لله وحده بكامل إيجابيتها على نحو تتحقق فيه الإيجابية على العبد وعلى أقرانه وبيئته وعلى معبوده وهو غني عن العالمين,
يقول النورسي ” إن الصانع القدير ، الفاطر الحكيم ، الواحد الأوحد ، قد سن سنة ، وأجرى عادة ، وهي أداء أعمال كثيرة جدا بشيء قليل جدا ، وإنجاز وظائف جليلة جدا بشيء يسير جدا ، إظهارا لكمال قدرته وجمال حكمته ودليلا على وحدانيته جل جلاله,
وإذا أسندت الأشياء كلها إلى واحد أحد تحصل سهولة ويسر بدرجة الوجوب ، وإن أسندت إلى أسباب عدة وصناع كثيرين تظهر مشاكل وعوائق وصعوبات بدرجة الامتناع. لأن شخصا واحدا ، وليكن ضابطا أو بناء ، يحصل على النتيجة التي يريدها ، ويعطي الوضع المطلوب ، لكثرة من الجنود ، أو كثرة من الأحجار ولوازم البناء ، بحركة واحدة وسهولة تامة ..” ثم يضيف ” ففي الوحدانية سهولة بلا نهاية كما أن في الكثرة صعوبة لا نهاية . ولأجل هذا يعطي ذوو المهن والتجارة وحدة للكثرة ، أي يشكلون شركات غيما بينهم تسهيلا للأمور وتيسيرا لها.
لقد جاءت رسائل النور متناغمة ، واستمدت قوتها ومشروعيتها وموضوعيتها من خلال كتاب الله ، وقامت على تفسير معانيه . فقد كان النورسي مهووسا بتقديم رؤيته وفهمه إلى طلابه الذيت أتعبهم بكتابة ما أملى عليه على ضفاف النهر, وهكذا جاءت الرسائل متلاءمة مع قوانين الفطرة قال تعالى: ﴿فِطْرَةَ الله الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾الرُّوم:30 فهناك انسجام مع قوانين الفطرة وقوانين الكون فهذه القوانين الموضوعة في الكون والمنقوشة في الفطرة لا يمكن نزعها من الكون ولا يمكن إخراجها من الفطرة وإهمالها، ويصل الإنسان إلى كماله عندما يدرك العلاقة بين هذه القوانين ويتعامل معها في توازن ، إلا أن الإنسان عاجز عن إدراك هذه القوانين المنقوشة في فطرته لذا يحتاج إلى معلم ومفسر هو القرآن الكريم والفرقان الحكيم… نعم! إن الفطرة بلسان حالها تقول للقرآن الكريم: “لا يتحقق كمالنا من دونك”، تعرض رسائل النور هذه الحقيقة، ويؤكّد مصنّفها أنّ من أراد فهم قوانين الفطرة فعليه بمطالعة القرآن الكريم، يشهد لهذا المعنى قوله: “أما القرآن الحكيم فهو قراءة كتاب الكون هذا وتلاوة نظامه فهو يقرأ شؤون النقاش الأزلي ويكتب أفعاله” ، إن الوظيفة التي أخذتها رسائل النور على عاتقها هي إيضاح قوانين الفطرة هذه السارية في الكون والإنسان: “إعلم علم اليقين أن أسمى غاية للخلق وأن أعظم نتيجة للفطرة هو الإيمان بالله. وإن ألمع سعادة للإنس والجن وأحلى نعمة هي محبة الله الموجودة في معرفة الله…”
إن الغاية الأولى لرسائل النور هي إيضاح وبيان أسمى نتيجة للفطرة وهي معرفة الله ونقش محبته في القلوب والأرواح.
ويبين بديع الزمان العلاقة بين الإسلام وبين قوانين الفطرة في الجمل التالية “أجل إن حقائق الشريعة التي أتى بها رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم حافظت على التوازن الموجود في قوانين الفطرة فلم تخل بالمناسبات اللازمة للروابط الاجتماعية، فكلما طال الزمن ظهر الاتصال فيما بينها، ويتوضح من هذا أن الإسلام دين فطري للنوع البشري وهو العامل الوحيد في المحافظة على الحياة الاجتماعية ووقايتها من الهزات والزلازل”.
حاصل الكلام : إن في طريق الضلال مشكلات لا نهاية لها ، وفي طريق الوحدانية والهداية سهولة لا نهاية لها.
إيجابية الحرية وتحرير الإنسان من قيود العبودية:
إن التوحيد تحرير للإنسان من الشرك والجهل والتبعية والإنقياذ للهوى ، والابتعاد عن طريق الحق.وفي تحديده لمراتب الحياة يؤكد النورسي أن مراتبها خمس ، وطبقتها الثالثة هي طبقة سيدنا إدريس وسيدنا عيسى عليهما السلام . هذه الطبقة تكتسب لطافة نورانية بالتجرد من ضرورات الحياة البشرية والدخول في حياة شبيهة بحياة الملائكة فهما يوجدان في السموات بجسميهما الدنيويين ، الذي هو بلطافة بدن مثالي ونورانية جسد نجمي. والحديث الشريف الوارد أن سيدنا عيسى عليه السلام ينزل في آخر الزمان ويحكم بالشريعة المحمدية حكمته هي الاتي:
إنه إزاء ما تجريه الفلسفة الطبيعية من تيار الإلحاد وإنكار الألوهية في آخر الزمان , تتصفى العيسوية وتتجرد من الخرافات. وفي أثناء انقلابها إلى الإسلام ، يجرد شخص العيسوية المعنوي سيف الوحي السماوي ويقتل شخص الإلحاد المعنوي ، كما أن عيسى عليه السلام الذي يمثل الشخص المعنوي للعيسوية يقتل الدجال الممثل للإلحاد في العالم بمعنى أنه يقتل مفهوم إنكار الألوهية .
إنه يضع يده على الداء الذي أصاب الأمة بعد ابتعادها عن هدي النبوة وشريعة الإسلام والوحدانية وارتمت في أحضان المادية المهلكة. وأصبحت سجينة لها ولم تتحرر من القيود التي كبلت نفسها بها ، بخلاف حياة الأحرار والشهداء ” هي حياة الشهداء ، الثابتة في القرآن الكريم ، أن لهم طبقة حياة أعلى وأسمى من حياة الأموات في القبور . نعم ، إن الشهداء الذين ضعوا بحياتهم الدنيوية في سبيل الحق ، ينعم عليهم سبحانه وتعالى بكمال كرمه حياة شبيهة بالحياة الدنيوية في عالم البرزخ ، إلا أنها بلا آلام ولا متاعب ولا هموم ، حيث لا يعلمون أنهم قد ماتوا ، بل يعلمون أنهم قد ارتحلوا إلى عالم أفضل ، لذا يستمتعون متعة تامة ويتنعمون بسعادة كاملة.
واعتبر الموت تبديل مكان وإطلاق روح وتسريح من الوظيفة ، وليس إعداما ولا عدما ولا فناء ….. الموت في حقيقته تسريح وإنهاء لوظيفة الحياة الدنيا وهو تبديل مكان وتحويل وجود ، وهو دعوة إلى الحياة الفانية الباقية الخالدة ومقدمة لها,
النورسي من أعظم من ربط بين التوحيد والحرية ، اطمئنان الروح وانعتاقها من أغلال وقيود المادة المكبلة والمثبطة ” لا إله إلا الله ” هذه الكلمة التي تتقطر بشرى عظيمة وأملا بهيجا كالآتي : إن روح الإنسان المتلهفة إلى حاجات غير محدودة ، والمستهدفة من قبل أعداء لا يعدون .. هذه الروح المبتلاة بين حاجات لا تنتهي وأعداء لا يحصرون ، تجد في هذه الكلمة العظيمة منبعا ثرا من الاستمداد ، بما يفتح لها أبواب خزائن رحمة واسعة ترد منها ما يطمئن جميع الحاجات وتضمن جميع المطالب
والكلمة الثالثة يبين بديع الزمان ” لا شريك له ” أي كما لا ند له ولا ضد في ألوهيته ، لأن الله واحد . فإن ربوبيته وإجراءاته وإيجاده الأشياء المنزهة كذلك عن الشرك ، بخلاف سلاطين الأرض ، إذ يحدث أن يكون السلطان واحدا متفردا في سلطنته إلا أنه ليس متفردا في إجراءاته ، حيث إن موظفيه وخدمه يعدون شركاء له في تسيير الأمور وتنفيذ الإجراءات. ويمكنهم أن يحولوا دون مثول الجميع أمامه ، ويطلبوا منه مراجعتهم أولا. ولكن سلطان الأزل والأبد ، واحد لا شريك له في سلطنته ، فليس له حاجة قط في إجراءات ربوبيته أيضا إلى شركاء ومعينين للتنفيذ…
الإيجابية في مواجهة الظلم والاستبداد:
يقول النورسي ” لو أم لي ألف روح لما ترددت أن أجعلها فداء لحقيقة واحدة من حقائق الإسلام .. فقد قلت أنني طالب علم لذا فأنا أزن كل شيء بميزان الشريعة ، إنني لا أعترف إلا بملة الإسلام ، إنني أقول لكم وأنا واقف أمام البرزخ الذي تسمونه ” السجن ” في انتظار القطار الذي يمضي بي إلى الآخرة ، لا لتسمعوا أنتم وحدكم بل ليتناقله العالم كله ، ألا لقد حان للسرائر أن تنكشف وتبدو من أعماق القلب ، فمن كان غير محرم فلا بنظر إليها:
إنني متهيئ بشوق لقدوم للآخرة ….. وأنا مستعد للذهاب مع هؤلاء الذين علقوا في المشانق .. تصوروا ذلك البدوي الذي سمع عن غرائب استانبول ومحاسنها فاشتاق إليها ، إنني مثله تماما في شوق إلى الآخرة والقدوم إليها. إن نفيكم إياي إلى هناك لا تعتبر عقوبة .. إن كنتم تستطيعون فعاقبوني المعاقبة الوجدانية .
لقد كانت هذه المحاكمة تخاصم العقل أيام الاستبداد والآن فإنها تعادي الحياة ، وإذا كانت هذه الحكومة هكذا
فليعش الجنون
وليعش الموت
وللظالمين فلتعش جهنم..
ونقتطف ما جاء من دفاع بديع الزمان أمام محكمة “أسْكِي شهْر”
“إنَّ مَنْ دَرسَ رسائل النور ، لن يخوض في فتن تهدر دماء أبرياء كثيرين وتضيّع حقوقهم ، ولن يقترب بأيِّ وجهٍ من فتن تكرّر فشلها وضررها ، وإن عشر فتن في هذه السنوات العشر ، لم يشترك فيها عُشر طلاب رسائل النور ، بل لم يشترك فيها واحد منهم ، إنما يدل على أن الرسائل ضدها وأنها مدار تحقيق الأمن والنظام “.
خدمتنا تسعى لإنقاذ النظام والأمن
“جاءني موظفٌ مسؤول ، له علاقة معنا ومع السياسة ومنشغل بمراقبتنا كثيراً فقلت له:
إنني لم أراجعكم منذ ثماني عشرة سنة ، ولم اقرأ صحيفة واحدة من الصحف ، وها قد مرت ثمانية شهور لم أسأل ولو مرة واحدة ما يحدث في العالم ، ولم أعر سمعي إلى الراديو الذي يُسمع هنا منذ ثلاث سنوات ، كل ذلك كي لا يلحق ضرر معنوي بخدمتنا السامية.
والسبب في ذلك هو:
أن خدمة الإيمان وحقائق الإيمان هي أجلّ من كل شيء في الكون ، فلا تكون أداة لأي شيء كان ، فإن خدمة القرآن الكريم قد منعتنا كلياً من السياسة ، حيث إن:
أهل الغفلة والضلالة في هذا الزمان الذين يبيعون دينهم للحصول على حطام الدنيا ويستبدلون بالألماس القطع الزجاجية المتكسرة ، يحاولون اتهام تلك الخدمة الإيمانية بأنها أداة لتيارات قوية خارج البلاد وذلك للتهوين من شأنها الرفيع.
فأنتم يا أهل السياسة والحكومة! لا تنشغلوا بنا بناءً على الظنون والأوهام ، بل عليكم أن تذللوا المصاعب لنا وتسهّلوا الطريق أمامنا ؛ لأن خدمتنا تؤسس الأمن والاحترام والرحمة فتسعى لإنقاذ النظام والأمن والحياة الاجتماعية من الفوضى والإرهاب ، فخدمتنا ترسي ركائز وظيفتكم الحقيقية وتقويها وتؤيدها”.
مقتطفات من الدفاع أمام محكمة “أفيون”
“نحن طلاب النور آلينا على أنفسنا ألّا نجعل من رسائل النور أداة طيعة للتيارات السياسية، بل للكون كله، فضلاً عن أن القرآن الكريم قد منعنا بشدة من الاشتغال بالسياسة.
نعم، إن مهمة رسائل النور الأساس هي: خدمة القرآن الكريم، والوقوف بصرامة وحزم في وجه الكفر المطلق الذي يؤدي بالحياة الأبدية ويجعل من الحياة الدنيا نفسها سماً زعافاً وجحيماً لا تطاق.
ومنهجها في ذلك: هو إظهار الحقائق الإيمانية الناصعة المدعمة بالأدلة والبراهين القاطعة التي تلزم أشد الفلاسفة والمتزندقة تمرداً على التسليم بالإيمان، لذا فليس من حقنا أن نجعل رسائل النور أداة لأي شيء كان، وذلك لأسباب:
أولاً: كي لا تحول الحقائق القرآنية التي تفوق الألماس نفاسة إلى قطع الزجاج المتكسر في نظر أهل الغفلة، حيث توهمونها كأنها دعاية سياسية تخدم أغراضاً معينة، وكي لا نمتهن تلك المعاني القرآنية القيمة.
ثانياً: إن منهج رسائل النور الذي هو عبارة عن: الشفقة والعدل والحق والحقيقة والضمير ليمنعنا بشدة عن التدخل بالأمور السياسية أو بالسلطة الحاكمة؛ لأنه إذا كان هناك بعض ممن ابتلوا بالإلحاد واستحقوا بذلك العقاب فإن وراء كل واحد منهم عدداً من الأطفال والمرضى والشيوخ الأبرياء، فإذا نزل بأحد أولئك المبتلين المستحقين للعقاب كارثة أو مصيبة، فإن أولئك الأبرياء أيضاً سيحترقون بنارهم دون ذنب جنوه، وكذا لأن حصول النتيجة المرجوة أمر مشكوك فيه، لذا فقد مُنعنا بشدة من التدخل في الشؤون الإدارية بما يخل بأمن البلاد ونظامها عن طريق وسائل سياسية.
ثالثاً : في زمن عجيب كزماننا هذا ، لا بد من تطبيق خمسة أسس ثابتة ، حتى يمكن إنقاذ البلاد وإنقاذ الحياة الاجتماعية لأبنائها من الفوضى والانقسام ، وهذه المبادئ هي:
1- الاحترام المتبادل.
2- الشفقة والرحمة .
3- الابتعاد عن الحرام.
4- الحفاظ على الأمن .
5- نبذ الفوضى والغوغائية ، والدخول في الطاعة.
والدليل على أن رسائل النور في نظرتها إلى الحياة الاجتماعية قد ظلت تثبت وتحكم هذه الأسس الخمسة وتحترمها احتراماً جاداً محافظة بذلك على الحجر الأساس لأمن البلاد، هو أن رسائل النور قد استطاعت في مدى عشرين عاماً أن تجعل أكثر من مائة ألف رجل أعضاء نافعين للبلاد والعباد دون أن يتأذى أو يتضرر بهم أحد من الناس ، ولعل محافظتي “إسپارطة” و “قَسْطَمُونِي” خير شاهد وأبرز دليل على صدق ما نقول.
فإذا كانت هذه هي الحقيقة ، فلا شك أن أكثر أولئك الذين يتعرضون لأجزاء رسائل النور إنما يخونون الوطن والأمة والسيادة الإسلامية ، ويعملون -سواءً بعلم أو بدون علم – لحساب الفوضوية والتطرف.
الإيجابية في تصحيح مزالق السالكين من الطرق الصوفية:
بما أن بيئته كانت منتشرة بالطرق الصوفية بل نشأ عليها , فقد تحدّث النورسي عنها حيث قال :
لا يمكن أن تدان ” الطريقة ” ولا يحكم عليها بسيئات مذاهب ومشارب اطلقت على نفسها ظلماً اسم ” الطريقة ” وربما اتخذت لها صورة خارج دائرة التقوى بل خارج نطاق الاسلام.
وقال :علماً أنه يندر أن يوجد في الاشياء أو في المناهج أو المسالك ما هو مبرأ من النقص والقصور، وأن تكون جوانبه كلها حسنة صالحة، فلا بد إذاً من حدوث نقص وأخطاء وسوء تصرف، إذ ما دخل امرءًا من ليسوا من أهله الا اساؤا اليه.
وقال :فيجب ألاّ ننسى فضل أهل الطرق في المحافظة على مركز الخلافة الاسلامية ” استانبول ” طوال خمسمائة وخمسين سنة رغم هجمات عالم الكفر وصليبية أوروبا. فالقوة الايمانية ، والمحبة الروحانية ، والأشواق المتفجرة من المعرفة الإلهية لأولئك الذين يرددون ” الله.. الله.. ” في الزوايا والتكايا المتممة لرسالة الجوامع والمساجد ، والرافدة لهما بجداول الايمان حيث كانت تنبعث أنوار التوحيد في خمسمائة مكان،
لتشكّل بمجموعها اعظم نقطة ارتكاز للمؤمنين في ذلك المركز الاسلامي .
ومع ذلك نبّه على ثمان مزالق في الطريقة الصوفية , وهي :الغلو في الأولياء والكرامات , وجعل الإلهام مثل الوحي وغيرها من المزالق .
وقد ضمنها في المكتوب التاسع والعشرون التلويح الثامن :
ان الورطة التي يسقط فيها سالكون من الطرق الصوفية – ممن لا يتبعون السنة النبوية على الوجه الصحيح – هي اعتقادهم بأرجحية الولاية على النبوة!! ولقد اثبتنا مدى سمو النبوة على الولاية وخفوت ضوء الاخيرة امام نور النبوة الساطع في الكلمة الرابعة والعشرين والكلمة الحادية والثلاثين من كتاب “الكلمات”
الثانية : وهي تفضيل قسم من المفرطين ، الاولياء على الصحابة الكرام رضوان الله عليهم ، بل رؤيتهم في مرتبة الانبياء عليهم السلام. وقد شرحنا في الكلمة الثانية عشرة والكلمة السابعة والعشرين “الاجتهاد ” وفي ذيلها الخاص بالصحابة كيف ان للصحابة الكرام خواص متميزة بسبب الصحبة النبوية ، بحيث لا يمكن للأولياء ان يبلغوا مرتبتهم اصلاً فضلاً عن ان يتفوقوا عليهم. ولا يمكنهم ان يبلغوا قطعاً مرتبة الانبياء.
الثالثة:وهي ترجيح بعض المتطرفين والمتعصبين جداً للطريقة لأوراد طريقتهم وآدابها على اذكار السنة النبوية الشريفة ، فيسقطون بذلك الى منزلق مخالفة السنة النبوية وتركها ، في الوقت الذي يظلون متشبثين بأوراد طريقتهم ، أي انهم يسلكون سلوك غير المبالي بآداب السنة النبوية الشريفة فيهوون في الورطة ، وكما اثبتنا في كلمات كثيرة ، وكما اكد كبار محققي الطرق كالامام الغزالي والامام الرباني: ” ان اتباع سنة واحدة من السنن النبوية يكون مقبولاً عند الله اعظم من مائة من الآداب والنوافل الخاصة. اذ كما ان فرضاً واحداً يرجح الفاً من السنن ، فان سنة واحدة من السنن النبوية ترجح الفاً من آداب التصوف”
الرابعة: ان بعض المتطرفين من اهل التصوف يظنون خطأً ان ((الالهام)) بمرتبة ((الوحي))، كما يعتبرون الالهام نوعاً من انواع الوحي فيسقطون في هذا المزلق الخطير ، وقد برهنّا سابقاً في (( الكلمة الثانية عشرة)) و((الكلمة الخامسة والعشرين)) المتعلقة بإعجاز القرآن وفي رسائل اخرى؛ كيف ان الوحي سام وعال وساطع وضاء وكلي شامل بينما الالهام بالنسبة اليه جزئي وخافت.
الخامسة:ان بعض المتصوفين ممن لم يدركوا تماما سر الطريقة – في كونها وسيلة وليست غاية بحد ذاتها – قد ينجذبون ويتوجهون الى ما يفاض عليهم من الكرامات والأذواق والأنوار ، تلك التي توهب ولا تسأل اذ يمنحها الله سبحانه تقوية للضعفاء ، وتشجيعاً للمتكاسلين ، وتخفيفاً من المشقة والسأم – الذي يعتريهم من شدة الاجهاد في العبادة – فينجرون الى تفضيل تلك الكرامات والأذواق والأنوار على فروض الدين والخدمة تحت لوائه وقراءة الاذكار والأوراد ، فيسقطون في هذا المزلق .
وقد سبق ان اجملنا في النقطة الثالثة من التلويح السادس وفي كلمات اخرى ، بأن هذه الدنيا هي دار خدمة وعمل وليس دار ثواب ومكافأة ، فالذين يرغبون في قطف ثمار اعمالهم في هذه الحياة الفانية ، انما يستبدلون المكافأة الدنيوية الفانية بثمار الاخرة الابدية الباقية ، فضلاً عن ان هذا يدل على بقايا تعلق بالدنيا ورغبة في الاستمتاع بها، ويكون هذا سبباً في خفوت شوقهم وتطلعهم الى الحياة البرزخية، بل يريدون هذه الحياة، اذ يجدون فيها نوعاً من ثمار الآخرة .
السادسة:وهي المنزلق الذي يقع فيه قسم من سالكي الطرق الصوفية من غير اهل الحقيقة عندما يلتبس عليهم الامر فيتوهمون بان ظلال مقامات الولاية ونماذجها المصغرة كأنها هي المقام الحقيقي والكلي والأصلي.
ولقد اثبتنا في الغصن الثاني من ((الكلمة الرابعة والعشرين)) وفي كلمات اخرى بما لاشك فيه ؛ ان الشمس وان تعددت صورها بتعدد المرايا التي تنعكس عليها ، فهذه الصور تملك ضياء الشمس وحرارتها ولكن ليس هو الضياء الاصلي نفسه ، ولا هي الحرارة نفسها فهي باهتة الانوار بالنسبة للشمس الحقيقية.كذلك فان لمقام النبوة ولمقام كبار الاولياء ، شيئاً من الظلال التي يمكن لأهل الطرق ان يستظلوا بها، ولكنهم يظنون اثناء دخولهم فيها انهم اعظم درجة من كبار الاولياء ، بل حتى من الانبياء – والعياذ بالله – فيسقطون في مزلق. ولإنقاذ انفسهم من جميع هذه المزالق المذكورة سابقاً عليهم ان يضعوا اصول الايمان وأسس الشرع نصب اعينهم ويتخذوها مرشداً دائماً لهم ، وان يخالفوا اذواقهم ومشهوداتهم ويتهموها عند تعارضها مع تلك الاسس.
السابعة:وهي المزلق الذي يقع فيه قسم من اهل الاذواق والأشواق من اصحاب الطرق عندما ينصرفون الى الفخر والادعاء وإشاعة الشطحات وطلب توجه الناس ونيل المرجعيات الدينية ، ويفضلون هذه العجالات على الشكر والتضرع والحمد والاستغناء عن الناس، بينما عبودية محمد e هي اسمى مرتبة في العبودية ، تلك العبودية التي نستطيع وصفها بالمحبوبية ، او عبودية المحبة.
فأساس العبودية وسرها هو التضرع والحمد والدعاء والخشوع والعجز والفقر والاستغناء عن الناس، وبهذا فقط يمكن الوصول الى كمال تلك الحقيقة ، حقيقة العبودية.
نعم ان عدداً من الاولياء الكبار اضطروا – دون اختيار منهم لغلبة الحال وبشكل موقت فقط – الى الخروج الى ساحة الفخر والطلب والشطحات ، لذا فلا يجوز اتباعهم اختياراً في حالهم هذه ، فهم مهتدون ، ولكنهم هنا وفي هذه النقطة بالذات ليسوا قدوة في الهداية ، لذا لا يمكن السير وراءهم والاقتداء بهم.
الثامنة: وهي الورطة التي يتورط فيها قسم من المتعجلين والقاصدين المنافع الذاتية من اهل الطرق من الذين يرغبون في تناول ثمرات الولاية في الدنيا بدلاً من قطفها في الآخرة. وعندما يدل سلوكهم على هذه الرغبة، وتتكشف نيتهم من خلال هذا السلوك يكونون فعلاً قد سقطوا في هذه الورطة. علماً ان آيات كثيرة في القرآن الكريم من امثال } وما الحياة الدنيا الا متاع الغرور{ (آل عمران:185) تدل بوضوح ما اثبتناه سابقاً في عدة ((كلمات)) من ان ثمرة واحدة من ثمرات عالم البقاء ترجح الف بستان في هذه الحياة الفانية، لذا فالافضل عدم تناول تلك الثمرات المباركة هنا، وان اعطيت دون توجه ورغبة فيها، فيجب ابداء الحمد والشكر في قبولها – لا على انها مكافأة – بل على انها احسان وفضل من الله وهبت للتشويق.
وهكذا سترى الرجل يفند دعوى وحدة الوجود ويبطلها ويترحم على ابن عربي ويعده من الأولياء معتذرا عنه!
ويرفع من قدر الصحابة ويرى أنهم أفضل الخلق بعد الأنبياء ويبطل كلام الصوفية في تقديم أحوال الأولياء عليهم ، ثم يقول بوجود القطب وأن بعض الأولياء يرى النبي صلى الله عليه وسلم في الصحو.
على أن التأثر بالسائد في العصر موجود في كل عصر فكم من عالم كان يرى أن ابن عربي من الأولياء ، والسيوطي رحمه الله تعالى كان يقول بوجود القطب الأعظم ويقول أنه رأي النبي صلى الله عليه وسلم في الصحو كما نقله عنه النورسي مصدقا له.
خلاصة :
النورسي حركة إيجابية وفعل دائم مستمر في التعاطي مع القضايا وإشكالات زمانه أجاب عنها بكل جرأة وعلم وبصيرة ، لم يخف في الله لومة لائم ،
اعتمد رسائل النور وواجه بها حركات الإلحاد ، والكفر ، والشرك ، والضلالة بالمباحث الإيمانية، كما ألّف رسالة الإخلاص لمواجهة الرياء ، وحب الظهور ، وكسب إعجاب الآخرين ، وكتب رسالة الأخوة ليسد قنوات آفات العداء ، والشحناء ، والبغض ، والغيبة بين المسلمين ، وسجل المبحث الثالث من المكتوب السادس والعشرين للوقوف حيال العنصرية التي هي أكبر عدو للإتحاد الإسلامي ، والخلاصة أنه ألف وكتب تجاه كل سلبي بحثاً أو رسالة ليبطل تأثيره وفعاليته.
لقد كان بودنا أن نلامس ونقارب باقي مجالات الإيجابية في فكر النورسي إلا أن المساحة المخصصة لهذا البحث المتواضع لا تسمح بأكثر مما قمنا به وهو جهد المقل . والله ولي التوفيق