عبد الرحيم مفكير
يحيي المغاربة على غرار باقي الدول الإسلامية غدا الإثنين 12 ربيع الأول 1438هجرية بذكرى مولد نبي الرحمة المهداة وخاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلّم، وبهذه المناسبة يقترح عليكم موقع “الإصلاح” مقال للأستاذ عبد الرحيم مفكير يستعرض فيه طقوس وتقاليد المغاربة في إحياء هذه الذكرى، وإليكم نص المقال:
تشكل المرجعية الدينية ركنا أصيلا وأساسيا في تشكيل الهوية الثقافية للمجتمع المغربي ، ليس فقط على صعيد الإنتاج الثقافي العام ، بل أيضا وبشكل أقوى على مستوى البنية الثقافية التقليدية التي تؤطر قناعات وسلوكيات الناس في تجاربهم ويوميات معيشتهم وتأملاتهم في القضايا التي تشغلهم، مادية ملموسة، أو معنوية مجردة.
وبوصفها تكثيفا وإعادة إنتاج للتجربة الذاتية والجماعية، وحصيلة الاحتكاك بالزمن والناس والأمكنة، فإن التراث الشفاهي المغربي يصطبغ إلى حد كبير بالمعاني والتعاليم الدينية المشتقة من النص الديني مباشرة أو من الميراث الفقهي والاجتهادي.
وقد اختلط هذا التراث بطقوس في غالبها تخالف ما جاء به الإسلام من تعاليم ، لتأثرها بحضارات أخرى . وقد شكلت محبة المصطفى عليه السلام في نفوس المغاربة تعبيرات متعددة طالت اللباس والفرح وإعداد الحلويات وتنظيم مواكب للشموع وقراءة البردة وما يسمى شعبيا ب”الذكر ” أي مدح النبي عليه السلام . وأخذت هذه الأنماط من ذكرى الميلاد عيدا يفرح به المغاربة ويظهرون حبهم وتعظيمم لشخص الرسول وتضع النساء الحلي والحناء ويلبس الاطفال أحسن الملابس ، وفي صبيحة اليوم يستيقظ الأهالي فجرا، للبدء في الاستعداد لتهيئة الإفطار بعد أداء صلاة الصبح، حيث تحف الموائد أطباق مغربية خاصة، وحلويات مغربية أصيلة، وتتبادل العائلات الزيارات والتهاني طوال اليوم بحلول هذا اليوم الذي لا تقل مكانته في المخيلة الشعبية المغربية عن سائر الأعياد الدينية. كما تحتفي بعض المساجد في المغرب بليلة ذكرى المولد النبوي، موقدة البخور وتتلى فيها الأذكار والمدائح النبوية، فيما يحرص الرجال والنساء على حد السواء، على ارتداء الألبسة التي يحضرونها قبل أسابيع من حلول هذه المناسبة، فترتدي النساء “القفطان” المغربي المطرزة بالزخارفة التقليدية، بينما ينتعل الرجال “البلغة” (حذاء مغربي تقليدي مصنوع من الجلد)، ويلبسون الجلاليب المغربية الأصيلة.وتتسم أغلب الاحتفالات بالطقس الصوفي بكل تجلياته .حيث يحي عدد من الطرق الصوفية الشهيرة في المغرب ليلة ذكرى المولد النبوي بتلاوة الأذكار والمدائح والأناشيد الدينية ببعض المدن المغربية التاريخية، فالزاوية التيجانية بمدينة فاس (شمال شرق)، تستقطب الآلاف من مُريديها من مختلف أنحاء المغرب لإحياء ليلة المولد النبوي.فيما تحيي الزاوية البودشيشية، إحدى أشهر الطرق الصوفية في المنطقة، عيد المولد النبوي في أجواء طقوسية لافتة، أما بمدينة سلا (قرب الرباط) فينطلق موكب “الشموع” من ضريح زاوية مولاي عبد الله حسون، حيث يحمل المُحتفلون شموعا مُلونة وضخمة ويطوفون بها أسوار المدينة القديمة في عادة احتفالية تعود لمئات السنين.
وإن من بعض عادات المغاربة في مثل هذه المناسبة سرد كتاب “الشفا” للقاضي عياض وإنشاد بردة الإمام شرف الدين البوصيري وهمزيته ووتريات الإمام البغدادي خلال الاثني عشر يوما من ربيع الأول، وكلها أخلاق نبوية وسيرة مصطفوية منظومة أو منثورة أو تستحضر في شكل محبوب ومحبِّب في السنة النبوية الشريفة وفي التعلق والتخلف بها.
ويبرر المحتفون بالذكرى التي عندهم عيد ، كون انطلاق عادة هذا الاحتفال كانت بغاية المحافظة على الهوية الإسلامية لأهل سبتة والأندلس وصرفهم عن التقليد الديني للنصارى. وذاك ما يسوغ هذا المقصد في السياق الحضاري والتاريخي الإسلامي والذي تهُدد فيه العولمة الثقافية كل الهويات الفقيرة بالمحو والتذويب.
ويتخذ الاحتفال من فن السماع وسيلة تعبيرية وتقريبية من خير الورى عليه أفضل الصلاة والسلام وإظهار القرب والمحبة منه طمعا في شفاعته ، حيث يعد فن السماع والمديح ترتيلا للأشعار الدينية، مديحية كانت أو صوفية، وفق الطبوع الأندلسية المغربية دون معازف أو آلات. وهذا عريق وممتد عبر الزمن منذ قدوم المورسكيين الوافدين من الأندلس فارين من محاكم التفتيش إلى المغرب ، ومن تفاعلاتها مع التراث الفني المغربي المحلي، كما استفاد من الانتعاش الذي شهده القرن السابع للهجرة في شعر المديح النبوي بظهور شعراء أعلام وأسماء بارزة في النظم الصوفي، أمثال أبي مدين الغوث وشرف الدين البوصيري وعمر بن الفارض وأبي الحسن الششتري وغيرهم.
عبد الرحيم مفكير