من أجل تجاوب فعّال مع بيان الجمعية الوطنية لمدرسي الفلسفة

0

أحمد محمد عرّوبي – مفتش تربوي وباحث شرعي

أصدر المكتب الوطني للجمعية المذكورة، بيانا حول موقف مادة ت الإسلامية من الفلسفة، وقد عمّمت النكير والنذير!! على المادة وأهلها، وهوّلت في الموضوع بحيث جعلته سببا للتطرف، ودعشنة المغرب ووو، ودعت كافة المؤسسات المدنية وغيرها للتنديد بإدراج درس “الإيمان والفلسفة”، ضمن دروس المادة، ثم بيّنت أنها تقصد كتابا بعينه!! وهو كتاب “المنار في التربية الإسلامية السنة أولى باك”..!!

وذلك بشكل غير متوقع من أساتذة الفلسفة الذين يفترض فيهم الحس الحواري والتواصلي واحترام الغير!!

فأقول:

أشكر البيان لأنه خصّص قصده بأحد الكتابين فقط من الكتب المدرسية، وهو كتاب “المنار في التربية الإسلامية السنة 1 باك”، ولكنه لم يذكر كيفية تناول الدرس في الكتاب الآخر الذي هو “الرحاب”، فبان أن السبب الذي كان وراء هذا السخط الكبير هو نصٌّ او نصان استند إليهما الكتاب، أحدُهما للإمام ابن الصلاح والثاني للإمام ابن تيمية -رحمها الله- فيهما إنكار على الفلسفة ومتعاطيها..مما يدل على أن القضية كلها محدودة ومحصورة ..

ولو تأمّل أصحاب البيان لوقفوا على حقيقة مهمة وهي أن “المنهاج التربوي” لمادة التربية الإسلامية (وليس الكتاب!!) يجعل من الفلسفة أحد الطرق المؤدية إلى الإيمان وتصحيح الفكر وتقويمه، وأن هذا هو الغرضُ الأهمُّ من وضع الدرس ضمن مدخل التزكية (أحد المداخل الخمسة في المنهاج) بما يناسب حاجة المتعلمين إلى الجواب عن الأسئلة العقلية التي تراودهم في تلك المرحلة العمرية.

وكونه كذلك، لا يمكن أن يُفهم بأنه تدخُّل للمادة في مادة أخرى، وإنما هو تداخل قد يؤدي إليه التفصيل الديدكتيكي لمنهاج مادة معينة، فكما يمكن أن يكون الدين موضوعا من مواضيع الفلسفة كذلك يمكن أن تكون الفلسفة موضوعا للدراسة من وجهة النظر الدينية، ولو أن هذا ليس هو مقصود الدرس في البرنامج، وإنما ذكرناه تفسيرا لمسألة التداخل فقط.

والمعلوم أن الفلسفة التي أنكرها بعضُ الأئمة الفقهاء كان يقصد بها الفلسفة الإلهية التي كانت أصولها ترجع إلى فلسفة أفلاطون الوجودية وهي تناقض في أساسها عقيدة الإسلام في التوحيد …

ولكن الفلسفة تطورت كثيرا وانتهت بحوثها إلى قضايا مفاهيمية ذات أبعاد ثقافية واجتماعية وسياسية…

فلهذا ليس لنا أي عداوة كمدرسي مادة ت الإسلامية مع الفلسفة بما هي منهج عقليّ يبحث عن الحقيقة المجردة، بمنهج مستقل عن الوحي.

نعترف أخيرا بأن واضعي كتاب المنار قد جانبهم الصواب في تفصيل هذا الدرس، من نواحٍ:

أحدها: أنهم لم يستطيعوا إحسان الانتقاء الذي يوجبه النقل الديدكتيكي للمعرفة من المجال الأكاديمي إلى المجال التعليمي والتربوي، لأنهم جاءوا بنصوص فوق مستوى المتعلمين بشهادة الكثير من الأساتذة الذين اطلعوا على هذا الدرس.

الثانية: ركزوا في مفهوم الفلسفة على الوجه القديم لها، ولم يتفاعلوا مع مفهومها الحديث الذي هو فعلا مما يدرسه المتعلمون في مادة الفلسفة.

الثالثة: كانت الخلاصة التي انتهوا إليها في الأخير يفهم منها معارضة الفلسفة للإيمان وهو ما ما لا ينبغي أن يصل للتلميذ بهذا الشكل، لانه خروج عن مقصود المنهاج من ذلك الدرس، بل المقصود أن يعرف المتعلّمون ان العقل والوحي لا يتعارضان في الحقائق التي تدخل في نطاق البحث الإنساني، وأن يعرف أن لكل منهما حدود ينتهي إليها، وهو ما أراده حقيقة ابن تيمية بكلامه المنقول عنه (من كتاب درء تعارض العقل والنقل)، ولكن لم يستثمر بالشكل الجيد علميا ولا تربويا.

ولهذا أدعو أولا: لجنة تأليف كتاب المنار أن يعيدوا بناء الدرس، مراعاة للمقصود منه، مع احترام المعايير البيداغوجية في النقل الديدكتيكي.

كما أدعو ثانيا: كاتبي البيان في المكتب الوطني لجمعية مدرسي الفلسفة، أن يراجعوا موقفهم ولا يحمّلوا المادة خطأ غير مقصود ورد في الكتاب، وليس في المنهاج الذي هو الوثيقة الرسمية الأساسية الملزمة للمدرسين.

نحن جميعا في سفينة واحدة ألا وهي سفينة التعليم الرامي إلى تبليغ المعارف الصحيحة والناصحة للمتعلمين الذين هم رجال المستقبل، فليس أمامنا إلا التواصل والتناصح والتعارف حتى نوصل السفينة بأمان.

أحمد محمد عرّوبي – مفتش تربوي وباحث شرعي

فايس بوك: أحمد عروبي بن العربي

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.