عبد السلام الاحمر
لعل ما يتبادر إلى الذهن من هذا العنوان في الوهلة الأولى، هو الحديث عن التحديات التي تواجهها التربية الإسلامية في أبعادها الشاملة، لبناء المسلم وإعداده لخوض غمار الحياة الدنيا، والظفر بالنعيم الأبدي في الآخرة، لكن هذه التسمية “تربيتنا” صارت أيضا مرادفا لمادة التربية الإسلامية الدراسية، منظورا إليها من خلال منهاجها المتغير ودروسها المعدودة، بل قد لا توحي عبارة تربيتنا عنوانا لمجلة “تربيتنا” إلا إلى هذه التجربة الممتدة من الإصدار الورقي إلى الرقمي، ونهجها الخاص في النشر من خلال أبوابها ومقالاتها المختلفة.
وهنا أجدني أبادر بالقول إن كلا من هذه التربيات يواجه تحديات معلومة، وأن الصعوبات التي تعترض مجلة تربيتنا، تندرج طبيعيا في نسقية التحديات التي تواجهها التربية الإسلامية، على مستوى شموليتها التي تُستمد من شمولية الإسلام، باعتباره مستجيبا لمطالب الروح والجسد معا، ودامجا بين قضايا المعاش والمعاد في اتساق وتوازن، شهد به المخالف قبل الموافق والمهتم قبل المتخصص.
فالتحديات المواجهة للإسلام بدأت مع ظهوره، وستستمر وتبقى ما بقي مسلمون على وجه الأرض، فهي سنة إلهية جارية لا يستطيع أحد تعطيلها، والذي يلزم المسلمين تجاهها هو العمل الدؤوب على خوض غمارها دون تقاعس أو تراخ.
والذي لابد من تأكيده في هذا الصدد، هو أن التحدي الأكبر الذي يقف في وجه الإسلام هو المسلمون أنفسهم، عندما يتدنى فهمهم لدينهم، ويمتد إلى طريقة تربية أبنائهم على نهجه الرباني الوسطي الرشيد والفعال. كما أن التحديات القائمة من عطاءاتها أنها تنبه على الانحراف، وتوجه إلى تعديل المسار وتدارك الخلل حين تصدق العزائم.
فاعتبارا لنسقية التحديات الملازمة للإسلام عامة ولتربيته خاصة، أود التطرق في إشارات سريعة إلى التجربة الإعلامية لمجلة “تربتنا”، وما طبعها من معانات مستمرة نشأت مع أول أعدادها، وقد عرفت محاولة التصدي لها نجاحات في جوانب معينة، بقدر ما عرفت من تعثرات في جوانب أخرى.
فبعد انتقال مجلة تربيتنا من الإصدار الورقي إلى الرقمي، تم الاستغناء عن توفير مبالغ الطبع المكلفة، والتخفف من عبء التوزيع ومتابعاته المضنية، وغلب على الظن بأن مشاكل النشر قد اختفت كلها أو جلها، حيث بقي منها تحدي توفير المضمون وتحقيق جودته، سيما وأن النشر الرقمي يقتضي زيادة المحتوى وتنويعه، ومواكبته للمستجدات في الحقلين التربوي والفكري، إلى جانب ضرورة رفع وتيرة الإصدار وضبطها على الإيقاع المتسارع لعالم النشر الإلكتروني.
وبرز إلى الواقع تحد كبير تمثل في ندرة الأقلام القادرة على تزويد المجلة بما تنشره في كل باب من أبوابها المتكاملة، فرغم أن جسم التربية الإسلامية يشتمل اليوم على عدد غير قليل من حملة الدكتوراه والشهادات العليا، إلا أنهم قد لايمارسون الكتابة أصلا، أو ليس عندهم الاستعداد الكافي لنشر انتاجهم.
ورفعا لهذا التحدي اتجهنا في هيئة التحرير، إلى بحث سبل توسيع دائرة المساهمين في الجهد الإعلامي المطلوب، لضمان الإصدار المنتظم على رأس كل فصل، والتغلب على النقص الحاصل في مختلف الأبواب، كان منها مطالبة السيد رئيس الجمعية بتوجيه رسالة في الموضوع إلى الكتاب المحليين لفروع الجمعية، ليتولوا ترشيح بعض الأساتذة ذوي الكفاءات العلمية والإبداعية للتعاون مع المجلة.
وهناك تحد آخر، هو أن الإقبال على مطالعة المجلة، داخل المغرب كما خارجه يعرف تزايدا ملحوظا، إلا أنه يبقى دون طموحنا وانتظاراتنا، وليس أمامنا إلا أن نراهن على انتظام الإصدار وارتفاع جودة المحتوى لضمان إقبال أوسع، إذ الهدف الأساس الذي سطرناه للمجلة، هو إسهامها الفعال في تأطير المشرفين التربويين والأساتذة وأولياء التلاميذ والمهتمين.
وفي هذا الصدد عملنا على إضافة أبواب جديدة قدرنا أنها ستعزز اتجاه التنويع في أنماط الخطاب وأشكال التناول، فأحدثنا أبواب: حوار وترجمات وإصدارات، وسنحدث بحول الله أبوابا جديدة أخرى مستقبلا.
وما أريد أن أخلص إليه هو كون التحدي الذي تواجهه التربية الإسلامية في نظري، ليس دائما ماثلا فقط فيما قد يفرض عليها من تغييرات في المنهاج، وأعباء تنزيله وتصحيح اعوجاجه، وتكميل نقصه وسد ثغراته، وهو ما يلزم مختلف الفاعلين بامتلاك القدرة على اقتحام ما ينشأ في سبيل ذلك من عقبات غير هينة، وإنما قد يكون التحدي الأكبر راجعا إلى الذات، بل هو دائما راجع لها نظريا وواقعيا.
فنظريا أكد الله أن تغيير ما يوجد في الواقع البشري، رهين بتغيير أصله الذي أسس لوجوده من داخل النفوس، ” {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]، بمعنى أن تغيير أي وضع قائم لا يأذن به الله تعالى، حتى يصبح نتيجة مستحقة لتغيير حصل في أعماق النفس، فلا شيء يملك سلطة فرض حال على فئة من الناس أفرادا وجماعة إلا هؤلاء الناس أنفسهم، وبتعبير آخر كل كيان فهو المسؤول الأهم عما يحصل في واقعيه الداخلي والخارجي، وإن بدا حصوله بأسباب لاتملك الذات دفعها ولا إيقاف تأثيرها الكاسح.
فما يتوفر اليوم لتربيتنا من كفاءات عالية، لم تكن لها من قبل، يجعل الإنجاز الإعلامي المنشود رهانا قابلا للتحقق، وفي نفس الآن تحديا قائما، نطمح كثيرا أن يساعد وعيها به في استنهاض الهمم وضمان تعبئتها الذاتية لرفعه، في عالم اليوم الذي تكرست فيه مقولة: أن من أوجد له إعلاما فعالا فهو موجود، ومن عدمه فهو في حكم المعدوم.
فتحية إكبار وتقدير لكل الذين يضحون بنفائس جهدهم ووقتهم، لرفع التحدي الإعلامي التربوي للجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية، والذين لا يدخرون وسعهم في دعمه بإنتاجاتهم القيمة، والمتابعة المتواصلة لما ينشر في “الموقع” و”مجلة تربيتنا” وسلسلة “ملفات تربوية” والتعريف بها، ومواكبتها بالتقويم والتوجيه.
والله لا يضيع أجر المحسنين.