ذ. محمد بفضيل
يحتل ضرب المثل في كل الثقافات البشرية مكانة جد متميزة لانه يمثل عصارة تجارب راكمها الانسان في تفاعله مع الواقع ومواجته لصعوبات الحياة، ولاشك ان كثيرا من هذه الامثال تحمل نصائح مفيدة وحكما ذهبية تفيد الانسان في حياته، لكن الكثير منها كذلك يحمل افكارا مغلوطة وغير صحيحة لانها في اخر المطاف ناتجة عن تأملات قاصرة وعن تجارب شخصية فهي لاتمثل الحقيقة المطلقة، لكن على مستوى الواقع-للاسف- لاينظر اليها بهذا المنظار على انها افكار نسبية واراء شخصية قد تكون صحيحة وقد تكون خاطئة والسبب في ذلك انها في التمثل الجمعي تنتمي الى” المقدس” فهي كالنصوص الدينية المقدسة على اعتبار انها تنتمي الى الذاكرة الجماعية التي تمثل فلسفة الجماعة في الحياة، اضف الى ذلك ان بعضها قد يستمد شرعيته-بشكل خاطئ- من النصوص الشرعية.
بالرجوع الى الامثال نجدها متعددة الاغراض فهي تتناول مختلف جوانب حياة الانسان، وبخاصة الحياة الاجتماعية ولعل المراة كانت موضوعا خصبا لها وبالخصوص في الثقافة العربية الاسلامية.
وفيما يلي اورد بعض الشواهد والامثلة على هذا النوع من الامثال:
المثال الاول:” شاور المرا وماتديرش برايها”
ولعل اصل هذا المثل حديث منسوب الى الرسول الذي جاء فيه ” شاوروهن وخالفوهن” وهو حديث في مقاييس المحدثين لايصح بالاضافة الى ذلك ان القران الكريم والسنة النبوية يشهدان على بطلان مضمونه، فالقران الكريم امر بمشاورة المراة في موضوع بسيط جدا كفطام الرضيع قال تعالى:”فان ارادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما”، فكيف يصح مع هذ ان يقول الرسول شاورهن وخالفوهن، وهو عليه الصلاة قد استشار زوجته ام سلمة في امر خطير واخذ برايها وذلك عندما امتنع الصحابة عن التحلل من الاحرام احتجاجا على الشروط المجحفة في حق المسلمين في صلح الحديبية؟؟!!!
ورغم بطلان هذا المثل شرعا وعقلا الا انه صار مثلا سائرا يحفظه الكبير والصغير ولعله صنع ثقافة تنظر الى كل رجل يشاور امراته رجلا ضعيف الشخصية ناقص الرجولة، مما زاد من تكريس النظرة الدونية للمراة وزاد من نسبة امتهانها واحتقارها.
المثال الثاني:”ان كيدهن عظيم” والاصل فيه الاية الكريمة من سورة يوسف قال تعالى”قال انه من كيدكن ان كيدكن عظيم”، وهو كذلك مشهور تلوكه السنة الصغير والكبير وكل من انكرت عليه يواجهك بالقول: اتنكر ماورد في القران الكريم؟
والجهل بالقران الكريم هو سبب مثل هذه الطوام، لان الاية وردت في معرض قصة يوسف وهي من كلام عزيز مصر وهي لاتعبر الا عن رايه ولاتمثل حكما شرعيا ثابتا بالقران، ومما يؤكد ذلك ان نسبة الكيد وردت منسوبة الى الرجل في نفس السورة عندما قال يعقوب عليه السلام لابنه يوسف وهو يحذره من اخوته”… فيكيدوا لك كيدا.
فتبين ان الكيد ليس خاصا بالنساء وحدهن فهو امر تشترك فيه المراة والرجل على السواء، مما يثبت بطلان مضمون هذا المثل واشباهه.
المثال الثالث:”كفي البرمة على فمها تخرج البنت تشبه لامها”.
الذي لاشك فيه ان الام لها تاثير كبير على ابنتها فهي التي توجهها وترشدها وتشكل شخصيتها، ولكن ليس للحد ان يجعل البنت نسخة طبق الاصل من الام، فكثيرا من البنات لايشبهن امهاتهن في قليل ولا كثير.
المشكلة ان هذا المثل يستحضر في الغالب عند الزواج فيتم الحكم على البنت انطلاقا من امها وهذا الحكم بنسبة كبيرة قد يكون غير صحيح.
ان الامثلة في هذا المجال كثيرة يصعب حصرها في اسطر قليلة، وفي اعتقادي انه من الضروري الحديث في هذا الموضوع واثارة الانتباه اليه، لانه عنصر مهم جدا في تشكيل الثقافة والفكر، فعندما يحمل المجتمع ثقافة مستنيرة بعيدة عن الافكار المغلوطة وبعيدا عن ثقافة الجهل والخرافة فمن المؤكد ان ذلك سيكون سببا في وضعه على المسارالصحيح ليكون مجتمعا راقيا ومتقدما .