حول دور القرآن الكريم وتوظيفه في حياة الفرد والمجتمع اجرينا هذا الحوار مع فضيلة الدكتور محمد بلبشير الحسني . ولاهمية الموضوع يسرنا تن نعيد نشره تزميما للفائدة.
السؤال الأول: نشكر فضيلتكم على قبولكم تخصيص موقع الجمعية بهذا الحوار الذي يلامس موضوعا تدعو الحاجة اليوم لفتح نقاش واسع حوله وهو استخدام القرآن الكريم في تنشئة أبناء المسلمين، وبداية نود أن نعرف ما الذي دفعكم للاهتمام بالتوظيف التربوي للقرآن في الفترة الأخيرة؟
ما دفع بي للاهتمام بالتوظيف التربوي للقرآن الكريم هو ما لاحظته من اهتمام واسع لدى المواطنين، رجالا ونساء وأطفالا، بحفظ القرآن وتجويده، الأمر الذي هو محمود، ينم عن رغبة في التقرب من الله وفي المزيد من التدين، إلا أن الحفظ لا يكفي، بل ينبغي أن يتبع بالتدبر والفهم من أجل تطبيق ما يمكن تطبيقه في حياة المومن والمجتمع.”أفلا يتدبرون القرآن، أم على قلوب أقفالها”(محمد 24)
السؤال الثاني: صدر لكم أخيرا كتاب “توظيف القرآن في حياة الفرد والمجتمع واستثماره في تربية النشء المسلم” فما هي الفكرة المحورية لهذا المؤلف؟ وما هي الأهداف التي ترومون تحقيقها من وراء تأليفه؟
إني هدفت بتأليف هذا الكتاب المدرسي، إلى محاولة توجيه النشء وتوعيته بالأخلاق الكريمة والقيم الرفيعة المنبثة في القرآن الكريم، فضلا عن التفكر في آياته وسننه، وعن التدرب على أسلوب التمعن والتدبر في أساليب القرآن ومناهجه.
السؤال الثالث: ترتكز طريقة تعليم القرآن في الممارسة التربوية الحالية على حفظه دون إيلاء عملية الفهم والتدبر وسبر أغوار معانيه الزاخرة ! فماذا تستدركون على هذه الطريقة وكيف ترون تجديدها؟
إن للحفظ عموما ولحفظ القرآن خصوصا، في سن مبكر، إنعاش للذاكرة، وتخزين لآياته، لدى الحافظ، قصد الاستعانة بها عند الحاجة، لكن هذا الأمر ليس في متناول الجميع، وخاصة بعد المزيد من الاهتمام، في الظروف الراهنة، بالتعليم الأولي بدل الكتاب. لذا ارتأيت أن يصبح تحفيظ القرآن تدريجيا وبالتركيز على ما يهم، بصفة فعالة في التربية على الفضيلة والقيم النبيلة وأسلوب الاستفادة من كنوز القرآن العلمية وهدايته الروحية، ذلك أن القرآن كلام الله ودستور لحياة المسلم، يجد فيه كل واحد مبتغاه ومفتاح سعادته في دنياه وأخراه تربويا واجتماعيا وفكريا.
السؤال الرابع: من المعروف أن أسلوب الخطاب القرآني يحتاج من القارئ معارف معينة على رأسها امتلاك ناصية اللغة وقدرات إدراكية عالية حتى يمكنه الاستفادة المباشرة منه، فهل هذه الصعوبات هي التي دفعت في اتجاه اعتماد الحفظ دون فهم في طريقة تعليم القرآن للصبيان؟
صحيح أن أسلوب الخطاب القرآني يحتاج من القارئ إلى معارف معينة، وهذا ما يرجع إلى أستاذي التربية الإسلامية واللغة العربية، ليجتهدا في اتخاذ الأسلوب المنهجي المناسب والطريقة البيداغوجية الفعالة، حسب سن المتعلم وطاقته في الإدراك والاستيعاب. وقد راعيت هذه القضية، فأضفت، في آخر الكتاب، ملحقا حول أسلوب الثقافة القرآنية في أوساط المتعلمين، موجها لأساتذة التربية الإسلامية واللغة العربية.
السؤال الخامس: انصرف اهتمامكم في هذا الكتاب إلى تصنيف أهم القضايا التي تناولتها الآيات القرآنية عبر سوره المختلفة فما هي الأهمية التربوية لهذا التصنيف؟
لقد اخترت مجموعة من الوظائف التي يقوم بها القرآن، من توجيهات تربوية واجتماعية وفكرية وعلمية ولغوية وغيرها والتي من شأنها أن تساعد المتعلم في تكوينه. دون الحاجة إلى الغوص، بمجرد الحفظ، في جميع ما أحاط به القرآن والذي يدخل في اختصاص المختصين في علومه وتفاسيره. وهذا ما يسهل على المتعلم حصر اهتمامه فيما يحتاج إليه في تعلمه، الأمر الذي يساعده أيضا على توسيع مداركه، وتشجيعه على حفظ ما يهمه من السور والآيات، وعلى الرغبة في المزيد من التطلع.
السؤال السادس: يطرح تصنيف آيات القرآن الموضوعي إلى جانب فوائده العلمية والتدبرية محاذير متمثلة في الاهتمام بتصنيف واحد منها ومحاولة الاستفادة منه بمعزل عن باقي القضايا التي تترابط وتتشابك فيما بينها مشكلة رؤية قرآنية عامة يلزم أن تهيمن على معالجة أي موضوع ضمن المتن القرآني. فما تعليقكم؟
إن القرآن بصفته كلام الله، منزه عن الخطإ والعبث والتناقض. كل ما فيه منسجم بعضه مع بعض في شمولية لا نقص فيها، ولا نشوز، فجميع القضايا المطروحة فيه تترابط وتتشابك في تكامل وانسجام. وقد أعطيت أمثلة عن ذلك في كتابي حينما ذكرت الترابط الموجود مثلا بين القضايا التربوية والعلمية والاجتماعية والفكرية واللغوية، الخ، فضلا عن أمثلة أخرى.
وقد مثلت الالتفات حول القرآن بمثابة الالتفات حول مائدة رفيعة الشأن مائدة الرحمن، التي سيجد فيها كل واحد مبتغاه من الأطباق التي تضمن له، إن استلذها وعمل بها، السعادة في الدنيا والآخرة.
السؤال السابع: هل لكم أن تجملوا لنا توجيهاتكم وإرشاداتكم الكاملة في نقط محددة لمعلمي القرآن الكريم كي يتغلبوا على الصعوبات التي تعترضهم في عملية التعليم أوالتي تعترض تلامذتهم في عملية التعلم؟
إني أرى أن يستغل المعلمون التقنيات الحديثة ووسائل الإعلام والاتصال المتطورة لتبليغ رسالة القرآن لأبنائنا، مراعين طاقات استيعابهم وأساليب التأثير على نفوسهم، ومجتنبين كل ما من شأنه أن يصدمهم أو يصدهم عن السبيل القويم، بل على العكس من ذلك، ينبغي العمل على إثارة انتباههم وتقوية رغبتهم في الاطلاع والتدبر، من أجل تحبيب كلام الله إليهم، وقد اقترحت على المعلمين أن يحسنوا أسلوب توزيع القضايا المطروحة في الكتاب على المراحل التعليمية الثلاث، وهذا هو ما وضحته في الملحق الأول الموجه للمعلمين، والله أعلم.