اختبارات الباكلوريا في زمن كورونا السيناريوهات الممكنة الحلقة الأولى: التجربة الكندية (مقاطعة الكيبيك)
ذ. نو الدين عادل/منسق فريق البحث في “صيغ التقويم المُمكِنة في زمن كورونا”
سلا-المغرب
نحاول ضمن هذه السلسلة من المقالات الاقتراب من التجارب الدولية في مجال التقويم، خاصة ما يرتبط ب “أشكال التقويم المُمكنة في زمن كورونا” لندرك السياقات المحليّة لكل “اختيار بيداغوجي”، وذلك رغبة في بناء واقتراح السيناريو الأنسب للتجربة المغربية، تجسيدا لانخراط “المدرسة في المجتمع”، وتفعيلا لمبدإ “احتضان المجتمع للمدرسة”.
“التقويم مُلْتحِم بالتدريس”؛ إذ “لانُدرّس إلا ما سنُقوِّم”. من هذا المدخل الديداكتيكي، نَلج التجربة الكندية لنسائلها عن أشكال التدريس المعتمدة زمن كورونا، وصيغ التقويم المنسجمة معها.
1-التجربة الكندية والتعبئة المُجتمعيّة:
بمجرد أن تفتح الموقع الإلكتروني لوزارة التربية والتعليم العالي الكندي-مقاطعة كيبيك (www.education.gouv.qc.ca) تجد نفسك أمام صورتين تتناوبان أمام نظرك:
الأولى: تقدّم معطيات عن فيروس كورونا (COVID-19) والإجراءات التربوية والتعليمية والترفيهية المصاحبة له؛
الثانية: تُرحب بك وتدعوك للانخراط في “المدرسة المفتوحة” (L’École ouverte sur ton monde-Fais ton parcours !).
توجُّهٌ واضح لتقديم المعلومة وتقاسمها في حينها، يُعزِّز الثقة في القرارات المُعلنة ويضمن أكبر قدر من التعبئة المجتمعية.
لائحة من المعطيات والإجراءات المُرتَّبة في الزمان والقيمة المعرفية تم وضعها رهن إشارة “الفاعل التربوي” نذكر منها:
وضعية فيروس كورونا وسيناريو تطوره (إحصاءات يتم تحيينها بشكل يومي حسب الجهات)؛
الإجراءات الحكومية المتخذة؛
قرار إغلاق المدارس وخدمات الحراسة (Services de garde)؛
توجيهات لأرباب العمل في شأن جدولة أوقات العمل والغياب؛
أجوبة لأسئلة محتملة.
2- سياق الإغلاق المؤقت للمؤسسات التعليمية:
تمّ إعلان “حالة الطوارئ الصحيّة” بتاريخ 13 مارس 2020، لمدة 10 أيام قابلة للتمديد، وقد تم تمديدها فعليا ثلاث مرات، كان آخرها بتاريخ 7 أبريل 2020 لتستمر حالة الطوارئ الصحية إلى تاريخ 16 أبريل 2020. وقد بررت الجهات الحكومية هذا الإجراء الاستثنائي بكونه يسمح ” لوزير الصحة والخدمات الاجتماعية والمؤسسات بشراء المُعدات دون تأخير أو إبرام العقود اللازمة لحماية صحة السكان”، كما كان مناسبة للتدرُّج في إعلان القرارات المُصاحبة لتَطَوُّر وضعية فيروس كورونا، حيث شملت:
تأمين الخدمات الصحيّة والاجتماعية الضرورية؛ بما فيها توفير الموارد البشرية الطبية الكافية (توظيف الأطر الطبية المطلوبة)؛
الإجراءات المرتبطة بالخدمات الاقتصادية غير ذات أولوية، مع الإعلان عن برنامج “المساعدة والدعم المالي” للعمال الذين وجدوا أنفسهم بلا دخل، وكذا دعم المقاولات المتضررة (بسبب فقد المواد الأولية أو صعوبة الإنتاج أو التوزيع)
إجراءات النقل والتنقل والتجمعات والأنشطة؛
إجراءات أمنية، بما فيها تدبير السجون؛
إجراءات أخرى.
ضمن هذا السياق، الذي يُشعر بمسؤولية الجهات الحكومية في تدبير الجائحة المُستجدة، يأتي قرار الإغلاق المؤقت للمؤسسات التعليمية بكل أسلاكها وأنواعها (المدارس الابتدائية، بما فيها التعليم الأولي، والمدارس الثانوية ومراكز التكوين ومؤسسات التعليم العالي الخاصة والعامة) إلى نهاية فاتح ماي 2020، مع استثناء ” خدمات الحراسة” التي تستقبل أطفال العاملين في قطاع الصحة والخدمات الاجتماعية والخدمات الأساسية؛ إذ سُمح لها باستقبال الأطفال، وفق طلبات الآباء المتفرِّغين لمواجهة “فيروس كورونا”، حيث تُقدم لهم خدمة الحراسة والإطعام والرعاية مجانا.
3-التعلّم عن بعد:
إغلاق المؤسسات التعليمية صاحبه الإعلان عن انطلاق منصة رقميّة تضم آلاف الموارد الرقمية التربوية، تسمح بالحديث عن “مدرسة مفتوحة” متكاملة الأركان؛ إذ يكفي أن يختار المتصفّح لهذه البوابة المستوى الدراسي والسلك التعليمي ليجد أمامه حُزمة من الموارد المرتبطة بالمواد الدراسية، التي تُقدّم التعلمات الأساسية، وتقترح تمارين تطبيقية مع توجيهات في كيفية الإعداد للامتحانات والأنشطة التقويمية.
اللافت للنظر في إعداد هذه الموارد، التي سبق إنتاج أغلبها قبل زمن كورنا من طرف ذوي الخبرة، أنها:
موجّهة للتلاميذ وأولياء أمورهم؛ لأنها تعوّل على الأسرة في متابعة تعلّم الأبناء (الأسرة تحتل موقع الإدارة التربوية في المدرسة المفتوحة)؛
تترك للتلميذ اختيار مساره في التعلّم حيث يتم اقتراح “قائمة تعليمية” (Menu éducatif) تَضُم البرمجة الأسبوعيّة لجُملة من الأنشطة التربوية والثقافية والرياضية تسمح بالتعلُّم الماتع، ويبقى للتلميذ(ة) الحق في الانضباط لها أو تكيِّيفها حسب سياقه ووضعيته العائلية؛
تستدعي انخراط الأمهات والآباء في دعم ولوج أبنائهم لهذه المدرسة المفتوحة؛ وقد قُدمت لأولياء الأمور “مكتبة رقمية تكوينية” تمكّنهم من ” دعم أطفالهم بشكل أفضل في إدارة العواطف والسلوك خلال المواقف غير العادية التي يواجهونها “؛
مرفّقة ب “خدمة الدعم عن قرب” عبر الخدمة المجانية “Alloprof” التي توفر الدعم التربوي للجميع (التلاميذ وأولياء أمورهم) طيلة زمن التعلّم (من الإثنين إلى الجمعة، ابتداء من الساعة 9 :00 إلى 20 :00)؛
تتم بالتوازي مع “مجموعات التدريس” التي تجمع المدرسين مع تلامذتهم عبر شبكات التواصل الرقمي، وقد عبّرت رئيسة فيدرالية نقابات المدرسين عن “انخراط هيئة التدريس القوي وحضورها الفاعل في دعم مجهود الحكومة القاضي بمواصلة التعلّم عن بعد”.
“موارد رائعة للتعلُّم على أساس طوعي ومستقل وممتع” زاد من قيمتها أنها مرافقة لنسخ رقمية للكتاب المدرسي الذي تمّ إنتاجه وفق مقاربة تستجيب “لمدخل التدريس بالكفايات” الذي يعتمده منهاج التعليم الكندي؛ حيث ينطلق من طرح “وضعيات حياتية” تثير عند المتعلّم أسئلة مُقلقة، تُحفّزه للانخراط في اكتساب موارد تعليمية جديدة عبر دعامات ديداكتيكية منتقاة، من أجل تعبئة كل ذلك لحل مشكل وضعية الانطلاق، وفق سيناريو بيداغوجي قريب من بيئة التعلّم الصَّفِّي.
ما موقع الأنشطة التقويمية ضمن هذه الإجراءات التربوية؟
4-أنشطة التقويم المقترحة:
تقدم منصّة “المدرسة المفتوحة” جملة من الأنشطة التقويمية نذكر منها:
تمارين تفاعلية مجانية، كانت قبل زمن كورونا مؤداة؛
الأنشطة التقويمية المجانيّة التي توفرها القنوات التعليمية، ومراكز التكوين الخاصة، دون إغفال “دفاتر التمارين التفاعلية” التي تُقدّم أنشطة تقويمية وتقيس أداء المُتعلّم(ة)؛
خدمة “Alloprof” المجانيّة، التي تسمح بالتواصل مع فريق من المدرّسين طيلة الأسبوع لتجاوز صعوبات إنجاز التمارين التطبيقية والأنشطة التقويمية؛
أنشطة “المكتبة الرقمية” المساعدة على انجاز تمارين تقويمية (الكتب المسموعة والمعاجم الرقمية) والمدعّمة من طرف المؤسسات العِلمية والفنيّة (كإسهام المكتب الوطني للفيلم في تقديم موارد تعلمية وتقويمية، ووكالة الفضاء الكندية)
وللعب والترويح والترفيه موقعه ضمن “البرنامج الأسبوعي للتعلُّم والتقويم” حيث تمكّن “المدرسة المفتوحة” الولوج لكثير من منصات الألعاب والأنشطة الترفيهية والتربوية، حيث يتوزع البرنامج اليومي المقترح ما بين ثلاث حصص للتعلّم وثلاث حصص موزعة على الأنشطة الرياضية (Bouger)، وأنشطة المُتعة (Se divertir) والتواصل (Socialiser) أو المشاركة في الأنشطة المنزلية (Contribuer).
هذا ويتم إغناء موارد التعلّم وأنشطة التقويم بشكل مستمر (أسبوعيا)، كما يُمكن للفاعل التربوي أن يقترح موارد جديدة، يتم إضافتها، إن توفرت فيها الشروط الديداكتيكية.
5- الاختبارات النهائية:
ضمن هذا السياق العام، وبعد انطلاق نشاط “المدرسة المفتوحة” بانخراط الجميع، قررت وزارة التربية والتعليم العالي تأجيل اجراء الامتحانات وِفق جدولة تم الإعلان عنها، كما تم اقتراح باقة من المِنصّات التي تُقدم توجيهات في الإعداد الجيد للامتحانات، بما في ذلك الإعداد النفسي والذهني والبدني؛ من ذلك خدمة:
CYBERPROF
FORUMS
Répertoires de révision et aide-mémoire
6-عود على بدء:
ماذا يمكن أن نمسك من هذه التجربة؟
تقاربت تواريخ إعلان “حالة الطوارئ الصحية” بمقاطعة الكيبيك الكندية و حالة “الحجر الصحي” بالمغرب (13 مارس و16 مارس على التوالي) وتعددت الإجراءات الصحيّة والاجتماعية والاقتصادية والأمنيّة المُصاحبة لها، والتي شكلّت السياق العام للإجراءات التربوية التي تعنينا في هذا المقام؛
تأجيل الامتحانات النهائية بالمدرسة الكندية إجراء تربوي تمّ الإعداد له من خلال تعبئة مجتمعية سمحت بتأسيس “المدرسة المفتوحة” التي يلجها الجميع، كل حسب سياقه وسيرورته ومساره، من خلال توفير موارد رقمية، سبق إنتاج أغلبها، تسمح بالتعلّم الطوعي، المستقل والممتع؛
هذا التحدي يجعلنا وجها لوجه أمام واقع الحال بالنسبة للمدرسة المغربية، ويدفعنا لطرح الأسئلة الآتية:
هل فعلا تسمح خدمة “التّعلُّم عن بعد” أو بالأحرى “التعليم عن بعد” الحديثة العَهد بالمدرسة المغربية، والمحدودة في أثرها، بإنجاز اختبارات الامتحانات النهائية في كل المقرر الدراسي؟
في حال تأجيل الاختبارات النهائية، هل حصص الدّعم المتوقعة قبل موعد الاختبارات ستُمكّن من التحقق من اكتساب التعلُّمات الأساسية المؤهلة لاجتياز الاختبارات؟
هل انجاز الاختبارات النهائية فيما تمّ إنجازه (75% من البرنامج الدراسي) سيكون حلا منصفا إذا ما تمّ اعتماده؟ وكيف يمكن ضمان استكمال تحصيل الباقي من المقررات الدراسية؟
INCLUDEPICTURE “http://www.education.gouv.qc.ca/fileadmin/site_web/images/carrousel/EcoleOuverte_FR.png” \* MERGEFORMATINET
د.نورالدين عادل
منسق فريق البحث في “صيغ التقويم المُمكِنة في زمن كورونا”
سلا-المغرب
Adilnor1@yahoo.fr