خواطر كمال احمني/ خاطرة في تربية الابناء

2

الاستاذ كمال احمني/أستاذ التعليم الثانوي

رتب الله سبحانه للأبناء حقوقا على آبائهم، وأمرهم بالإحسان في تربيتهم وحسن رعايتهم، ولسنا ههنا بصدد التفصيل في جميع الحقوق، وإنما تكتفي هذه الخاطرة بالحديث عن حق التربية والرعاية والعناية وحسن التنشئة.
الناس في تربية ابنائهم درجات ومراتب، إلا ان الجدير بالذكر في هذا السياق أن كثيرا من الآباء والاولياء يخلطون بين مفهوم التربية وبين ما يقدمونه من خدمات مادية لأبنائهم، إذ لا تعدو التربية في نظر هؤلاء أن تكون توفيراً للمطعم والمشرب والملبس والعلاج والترفيه…إلخ، ما يجعل نظرتهم للتربية قاصرة لا ترقى الى المستوى المطلوب، كما أنهم يشتركون في هذا التصور مع البهائم في رعاية صغارها، فهي بدورها توفر الطعام والشراب والحماية لصغارها، بل ينافسهم في هذه الرعاية _بهذا المنظور _ عناية كثير من الأغنياء بحيواناتهم الأليفة، وقد تكون شروط الرعاية أفضل عند هذه الحيوانات من البشر، ومن الخطأ اعتبار ما سلف تربية وتنشئة للأبناء، والأصح أن نطلق عليه لفظ “الإعالة”، وتطلق الاعالة في اللغة ويراد بها التكفل بمعيشة الفرد.
وقد يسمع الواحد منا بين الحين والآخر أبا هنا أو هناك، يستنكر ما آلت اليه أحوال بنيه فيقول: (أي شيء قصرت فيه مع ابنائي؟ وفرت لهم المأكل والملبس… أعمل ليل نهار ليعيشوا حياة رغد وترف…. كيف أصبحوا هكذا؟) مشيراً إلى فساد تربية ابنائه واعوجاج أخلاقهم وتمردهم وعصيانهم…
تحضرني هنا كلمات قيمةٌ لابن القيم رحمه الله وكأنه سطرها جوابا على سؤال هؤلاء حتى قبل أن يسمع سؤالهم وشكواهم، يقول رحمه الله: “وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله، وترك تأديبه، وإعانته على شهواته، وهو بذلك يزعم أنه يكرمه وقد أهانه، ويرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده وفوت على ولده حظه في الدنيا والآخرة، ثم قال رحمه الله: وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء”( تحفة المودود بأحكام المولود(1/242)؛ فإذا كان منهج الاباء في رعاية ابنائهم كما سبق ووضحنا، كانت النتيجة معلومة متوقعة، وهي فساد تربية الابناء نتيجة معادلة لم تكن سليمة منذ البداية (تغذية الجانب المادي في الابناء وإغفال وإهمال الجانب الروحي والعاطفي والنفسي والاجتماعي…).
إن الاحسان في تربية الأبناء أمانة في أعناق الآباء، والعاقل من حرص على أداء الأمانة وقام بواجب الرعاية التي تحدث عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: ” كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا…”، ويقول الإمام الغزالي – رحمه الله تعالى – تنبيها إلى عِظم هذه الأمانة وما ينبغي الحرص عليه في سبيل أدائها: “الصبيُّ أمانةٌ عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرةٌ نفيسةٌ خاليةٌ عن كل نقشٍ وصورة، وهو قابلٌ لكل نقش، ومائلٌ إلى كل ما يُمالُ إليه، فإن عُوِّد الخيرَ نشأ عليه، وسَعِدَ في الدنيا والآخرة أبواه، وإن عُوِّد الشر وأًهْمِلَ إهمال البهائم، شَقِيَ وهَلَكَ،وكان الوزر في رقبة القيِّم عليه. وكما أن البدن في الابتداء لا يخلق كاملاً، وإنما يكمل ويقوى بالغذاء، فكذلك النفس تخلق ناقصة قابلة للكمال، وإنما تكمل بالتربية، وتهذيب الأخلاق، والتغذية بالعلم” (إحياء علوم الدين 3/72).
فإذا كانت الإعالة والانفاق على الابناء واجبا على الآباء، كانت تربيتهم وتهذيب اخلاقهم أوجب، فلينظر الاباء في مجتمعاتنا أي السبل يسلكون، وأي منهج مع أبنائهم ينهجون.

قد يعجبك ايضا
2 تعليقات
  1. Mohamed mouhssine يقول

    نفع الله بك

  2. Tariq Benani يقول

    كعادتك يا صديقي، فأنت دائما متألق في إبداعاتك!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.