تجربة التعليم عن بعد :الصعوبات وآفاق التطوير لمدرسة المستقبل

1

ذ.رضى محرز  /مفتش تربوي وباحث -عضو المكتب الوطني للجمعية المغربية لاساتذة التربية الاسلامية

إن الحديث عن تجربة التعليم عن بعد التي أملتها الظروف القاهرة لكوفيد 19 وتشيخيصها أمر هام من أجل استشراف مدرسة المستقبل، لكن ما ينبغي التنبه إليه هو أن القراءة الشمولية للتجربة لن تكتمل إلا اذا وضعناها في سياق الإصلاحات السابقة للمنظومة التعليمية .
وبتتبع الوثائق المرجعية للإصلاحات الكبرى نجدها تشير إلى إدماج وتعميم تكنولوجيا المعلومات والاتصال في التعليم، كما جاء في الميثاق الوطني : الذي كان يهدف إلى خلق مؤسسة تعليمية مؤهلة وقادرة على المنافسة والانفتاح على المحيط السوسيواقتصادي، ومواكبة كل التطورات الواقعية الموضوعية المستجدة، والتأقلم مع كل التطورات العلمية والتكنولوجية ولاسيما في مجالات: الاتصال والإعلام والاقتصاد.
وكذلك ما جاء في البرنامج الاستعجالي ضمن مشاريعه الخاصة بجيني، وما ورد بالرؤية الاستراتيجية 2015-2030 من خلال رغبتها في مواكبة واستدماج تحولات العالم ومستجداته في العلوم والتكنولوجيا والمعارف في مجال التربية والتكوين والبحث العلمي والتقني والابتكار، وما أشار إليه القانون الإطار 17-51 في مادته 33 التي نصت على اتخاذ جميع التدابير من أجل تطوير موارد ووسائط التدريس والتعلم من خلال تعزيز إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في النهوض بجودة التعلمات وتحسين مردوديتها ،وإحداث مختبرات للابتكار وإنتاج الموارد الرقمية، وتكوين مختصين في هذا المجال، تنمية وتطوير التعليم عن بعد باعتباره مكملا للتعلم الحضوري ، إدماج التعليم الإلكتروني في أفق تعميميه.
وبالتالي فالتعليم عن بعد ليس بدعا من كورونا ،وإنما الذي أحدثته كورونا هو وضع المنظومة أمام خيار لا بديل عنه، نتيجة حصر المواطن في بيته ومنعه من ولوج فضاء المدرسة، فلم يبق إلا خيار التعليم عن بعد ، والذي من أسس تعريفاته تقديم التعلمات في زمان ومكان مختلف بين المرسل والمرسل إليه.
مما أعاد السؤال بشدة حول راهنية هذا النوع ومكانته في منظومة الإصلاح المغربي، وزاد من ذلك التركيز على هذا موضوع من طرف مختلف الهيئات والفاعلين بالمجتمع المدني ،والمراكز البحثية ، والإعلام، وحديث الأسر، بين المؤيد والرافض والمنتقد ،ما حتم علينا كمسؤولين وباحثين وتربويين وممارسين إعادة قراءة الإصلاحات التربوية والتساؤل عن مكانة الإعلاميات والتكنولوجيا فيها والآليات والتدابير المقترحة من أجل تنزيل سليم يراعي كل الحيثيات ما بعد الجائحة .
هذا ويعتبر الأستاذ الفاعل الأساسي والمباشر في هذه التجربة ،حيث انخرط فيها رغم مفاجأتها وعدم الاستعداد لها ، فكان خط دفاع مباشر لتأمين سلامة المتعلمين ومساعدتهم على عدم خرق الحجر من جهة صحية،وتأمين الاستمرارية البيداغوجية وعدم هدر الزمن التعلمي من جهة تربوية.
لكن هذه التجربة ورغم جهود السادة الأساتذة مشكورين فإنها لم تخل من صعوبات وإكراهات،فما هي هذه الصعوبات وأنواعها ؟ وما هي آفاق ومقترحات تطويرها كخيار تكميلي داخل المنظومة التربوية المغربية؟

1.الصعوبات:
يمكن تصنيف هذه الصعوبات باعتبار عدة أسس منها:
الأساس اللوجيستيكي :
حيث أحدتث التجربة فوارق مجالية بين المناطق الحضرية والقروية فاستفادت الأولى دون الثانية لعدم تغطيتها بشبكة الأنترنيت.
كما عرت عن الهشاشة المادية للأسر التي تحملت تبعات التعبئة وتوفير الآليات اللوجيستيكية من هواتف وحامل رقمي مما زاد الأمر صعوبة،بل قد يتناوب الأبناء في الأسرة الواحدة على الهاتف الواحد،الأمر الذي عمق الفوارق وعدم تكافؤ الفرص الذي يخالف شعار الإصلاح الجديد للمدرسة المغربية.
الأساس النفسي:
وتمثل في ضعف استعداد بعض المتعلمين في المشاركة وعدم حافزيتهم ورغبتهم في الانخراط رغم وجودهم على الشبكة وتوفر الوسائل الرقمية، ، لأنهم تعودوا على استخدام التكنولوجيا في مجال الترفيه ، وبعض الجوانب التافهة .
كما أن العملية شكلت ثقلا نفسيا لبعض الأساتذة والأسر والتلاميذ لطول الجلوس وراء الحواسيب والشاشات بشكل طويل ،ويرجع الأمر إلى عدم تنظيم أو تدبير أو إدارة مناسبة لزمن التعلمات في هذه الظرفية الاستثنائية والإبقاء على جدول الحصص الزمني الحضوري.
الأساس التكويني الرقمي:
وتجلى في ضعف مهارات المتعلم التكنولوجية وعدم إتقان استخدام المنصات الرسمية التي أطلقتها الوزارة “تييمز” مثلا لأنه لم يسبق إعداد هذا المتعلم أو تكوينه في ذلك ، رغم ثقافته الرقمية في مجالات أخرى ،ونفس المر بالنسبة لبعض الأساتذة الذين يعانون من ضعف التكوين في هذا المجال.
الأساس البيداغوجي:
طبعا لا يمكن الحديث عن مواصفات الجودة إلا بوجود سيناريو بيداغوجي وتخطيط للدرس الرقمي، وهذا كان غائبا لعنصر المباغتة ، مما جعل الدروس في غالبيتها تتخذ طابعا تلقينيا للمحتوى، فيتم تصوير الدروس ونسخها كما هي ووضعها على مواقع التواصل الاجتماعي ،مما صار يخشى في التعلمات من وقوع انتكاسة بيداغوجية قطعنا شوطا شاقا فيها من أجل ترسيخ التعلم الذاتي ، والتأكيد على مركزية المتعلم ،وبناء المهارات بجانب المعارف والقيم.

هذا وأشير إلى أن المواد التطبيقية لم تستفد من هذا النوع من التعليم عن بعد مثل المواد النظرية لصعوبة الأمر في ذلك ، زد على عدم التحكم في السيرورة الزمنية للدرس ، ومعاناة بعض الأساتذة من ضبط جماعة الفصل في التدخلات، واختلاط الأوديوهات وكثرتها ، وعدم التمكن من عملية التقويم بأنواعه.

2.الاقتراحات:
ولتطوير التجربة واستشراف أفق أفضل أقترح ما يلي:
-بالنسبة للخيار الاستراتيجي فلا بد من اعتماد التعليم عن بعد كخيار تكميلي للدعم والأنشطة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يعوض التعليم الحضوري.
-وجوب إقامة دورات تدريبية عن بعد من طرف خبراء تقنيين تكلفهم للوزارة قصد تمهير الأساتذة والمتعلمين على ولوج المنصات وحسن استعمالها،وتوفير ظروفها الملائمة.
– إعادة هندسة التكوين بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين بإدماج حصص للتكنولوجيا وطرق إنتاج موارد رقمية ، وبناء دروس رقمية بيداغوجيا.
– المزاوجة بين الإلقاء التفاعلي التزامني وغير التزامني شريطة متابعة وتقويم أنشطة المتعلمين فيه.
– احتساب حصص التعليم عن بعد ضمن جدول الحصص الأساسي للمدرسين أو تعويضهم على خدماته دون اعتباره واجبا إضافيا يثقل كاهلهم.
تهيئة المدرسة الرقمية وإعداد الشروط اللوجيستيكية والمادية لذلك ،وجعله ضمن مشاريع المؤسسات وإدماجه في الحياة المدرسية.
– إعادة الاعتبار لمادة الاعلاميات وتثبيت حصصها بدل النحو تجاه إقصائها وتكليف أساتذتها بتدريس مواد أخرى من أجل سد الخصاص.
– توعية الأسر والتواصل معهم من أجل توفير الظروف الملائمة لهذه العملية( إزالة التشويشات وتوفير الظروف الملائمة..)

خاتمة:
في الختام أدعو الوزارة الوصية، وورش الاصلاح، أن تستفيد من هذا الانخراط المجتمعي بكافة أطيافه لمناقشة التعليم عن بعد والإفادة من توصيات كل جهة بغية تطوير هذا النموذج.
وكذلك لا بد من مراجعة المشاريع السابقة التي لم تفعل وبذل من أجلها الجهد المادي والبشري مثل البرنامج الاستعجالي الذي جعل مشروع جيني في قلب إصلاحاته تحت اسم المشروع E1P10 الهادف إلى جعل التكنولوجيا في قلب المنظومة التعليمية انسجاما مع مخطط المغرب الرقمي.
وللتذكير حتى لا نعيد رسم الأهداف والاسترتيجيات ، فقد جاءت استراتيجية هذا البرنامج على خمس محاور يمكن الانطلاق منها لتطوير النموذج :
– تجهيز كافة المؤسسات التعليمية بالعتاد المعلومياتي وربطها بشبكة الانترنيت؛
– تكوين وإنماء القدرات المهنية في مجال استعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المجال التربوي لفائدة الفاعلين التربويين (هيأة التدريس، هيأة التأطير التربوي، هيأة الإدارة التربوية)؛
-اقتناء وملاءمة وإنتاج الموارد الرقمية ووضعها رهن إشارة المدرسات والمدرسين والتلميذات والتلاميذ عبر البوابة الرقمية الوطنية؛
– تطوير استعمالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من خلال التحسيس بقيمتها المضافة في التدريس ومصاحبة وتتبع الممارسات المرتبطة بإدماج هذه التكنولوجيات في منظومة التربية والتكوين؛
– قيادة البرنامج من خلال تصريف الاستراتيجية الوطنية على الصعيد الجهوي والإقليمي والمحلي في إطار تدبير تشاركي بين الإدارة المركزية و الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والنيابات الإقليمية.
فنحن اليوم بحاجة إلى تنزيل وأجرأة الخطط الإصلاحية ، وتوفير الموارد البشرية والمادية واللوجيستيكية المناسبة ،أكثر من رسم الخطط ووضع الرؤى الإصلاحية وهدر الزمن والمال في دورة مفرغة تحت شعار أساسه الطوارئ والمستعجلات!!

قد يعجبك ايضا
تعليق 1
  1. رشيد يقول

    جزاكم الله خيرا بحث رائع

رد على رشيد
إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.