نحو نموذج تنموي جديد : مرتكزات وأبعاد

0

كتبه/ذ.عبد الحق لمهى

لعلنا لا نجانب الصواب إذا قلنا إن المبادرة إلى فتح ورش وطني كبير وهام جدا بخصوص النموذج التنموي الجديد، قرار حكيم ،وهو ليس شيئا طارئا وحادثا غير أصيل ، وإنما يجد أصوله في شريعتنا الإسلامية السمحة وفي ثقافتنا الإسلامية العريقة ، فإذا كانت الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان الأحوال فإن النموذج التنموي جزء مما ينبغي أن يتغير، ذلك أن الواقع يعرف تغيرا دائما ومستمرا ، ومنه فالتجديد سنة لازمة في كل اجتماع بشري، فردا كان أم جماعة، دولة أم حضارة. فالدول التي لا تتجدد لا محالة تتبدد، وحتى يكون الإقلاع في مجال التنمية فعالا ومنتجا يحسن الارتكاز على مجموعة من الأمور منها:
أولا: ـ إخلاص العمل لله تعالى فمعلوم أنه شرط في قبول أي عمل من الأعمال، ومقصودنا منه هنا كونه يبعث عن الاتقان في البرامج والمخططات فمتى قام الإخلاص في النفس حملها على ابتكار أفضل الحلول وأنجعها واستبعاد كل نموذج غير مفيد ومنتج.
ـثانيا: مواصلة العناية بالقرآن الكريم عناية خاصة، فقد راكم بلدنا جهودا خيرية في هذا الباب أثمرت نتائج جيدة وخاصة في سياق تأهيل الحقل الديني، وحتى تثمر جهودنا في هذا الباب ثمارا طيبة ،ينبغي تشجيع وترشيد كل المبادرات التي تهدف إلى إيلاء كتاب الله المكانة التي تليق به قراءة وتدبرا وفهما وعملا، فالقرآن الكريم كما هو معلوم ومعمول به في بلدنا الحبيب هو صمان أمان البقاء والإستمرار كما كان منذ عهد الرسالة ،وسيبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ثالثا: ـ التنمية والتقدم يكون باختيار الكفاءات على أسس القدرة على القيام بالمهام والمسؤوليات، ومتى كان هذا محددا في الاختيار تم لنا مزيد من النجاح والتألق في المستقبل، والناظر في سيرة النبي عليه السلام يجده يختار الرجل المناسب للمكان المناسب ويستبعد من يرى عدم قدرته على ذلك، وغير خاف على أحد كيف فعل رسول الله عليه السلام مع سلمان الفارسي يوم الأحزاب إذ قبل رأيه واعطاه القيادة في ذلك لما آنس منه من خبرة وتجربة مكنته من الإسهام في تحقيق إنجاز أفضل للمسلمين عندها، فهل كان المحدد في اختيار سلمان لغته؟ كلا، إن سلمان لم يكن عربيا وإنما كان فارسيا، وكأن التصرف النبوي يعلمنا درسا أصيلا في منهجية التعيين في المناصب والمسؤوليات.
لقد راكم بلدنا تجربة رائدة في هذا الصدد، ونحتاج إلى ترصيد ايجابياتها واستبعاد عناصر الضعف فيها ضمانا لغد افضل.
رابعا: ـ لا نجاح تنموي يرجى ما لم يبادر أصحاب الخبرات والكفاءات إلى خدمة الصالح العام وفق الضوابط القانونية والأعراف الجاري بها العمل ضمانا للاستقرار، وفي هدي يوسف الصديق عليه السلام ما يهدي ويرشد في هذا الباب، فعندما رأى عليه السلام الحاجة إلى خدمة الناس بتعاون مع باقي أطراف السلطة الحاكمة، همه في ذلك انقاد الأوضاع الكارثية التي يمكن ان تكلف المجتمع كثيرا. ومنه فأي نموذج جديد اذا تأسس على زرع وتشجيع هذه الثقافة فلا شك أن النماء هو النتيجة.
خامسا: ـ مما لا شك فيه ان اتخاذ القرارات الهامة في تاريخ الأمة يكون باعتماد آلية الشورى الموسعة، وما العمل الذي فيها بلدنا اليوم ـ بقيادة المؤمنين حفظه الله ـ إلا شكلا من هذا القبيل، ويعد الاستماع إلى فئات واختيارات المجتمع المتعددة والمتنوعة تجربة تستمد أصولها من هدي النبوة، بل أكثر من ذلك فإن النبي عليه السلام علمنا درسا كبيرا في سياق الشورى حينما أخذ بنتائجها ولو كانت مخالفة لرأيه حفاظا على وحدة الأمة واستقرارها. ولعل الإقتداء بالرسول عليه السلام في هديه واجب في حياتنا كلها ومنه تعديل النموذج التنموي الجديد الذي يعد حدثا كبيرا من محطات النهوض الوطني.
سادسا: ـ اعتماد المقاربات التربوية النشيطة التي تجعل من المتعلمين مركز اهتمامها هو من صميم العمل التنموي ذلك أن الشباب هم مستقبل الوطن وعموده وسنده القوي، ومتى تركزت الجهود على تنمية قدراتهم ومهاراتهم التعليمية التعلمية والحياتية، ضمن المجتمع تقدما ونماء يمكنه من غرس مواطنة منتجة فاعلة.
سابعا: ـ مادة التربية الإسلامية مادة من المواد الحيوية التي تسهم في تنشئة الأجيال ولذا كان من اللازم النظر في مناهجها وطرائق تدريسها، وطبيعة الخطاب التربوي الذي ينسجم وواقع العصر، حتى يكون لها اسهام في الإجابة على التحديات التي يطرحها النموذج التنموي الجديد،
ثامنا: ـ القراءة مدخل أساس من مداخل التنمية وليس عبثا أن يكون أول ما نزل من الوحي ” إقرأ” والناظر في حركة التاريخ يجد أن الحضارات الإنسانية التي عرفت ازدهارا في بعض مراحلها إنما تم لها ذلك من خلال القراءة ونذكر هنا الحضارة الإسلامية واليونانية واليابانية وكيف أثمرت جهود القراءة فيها نموا وتقدما، وفي هذا السياق فان تشجيع مبادرات القراءة بكل معانيها وبخاصة في المؤسسات التعليمية والفضاءات العامة (بصفة عامة)، تكون له نتائج إيجابية على التنمية والتقدم.
تاسعا: ـ الإسلام خطاب عالمي للناس جميعا، واي تنمية وتقدم الا ويصنعه خطاب ،وهذا الخطاب في تقديري ينبغي أن يكون ذا طبيعة إنسانية منفتحة وفق قواعد الإسلام وضوابطه التي تسعى إلى خدمة الانسان وإسعاد البشرية بكل التجليات المتعددة، ولا أظن خطابا منغلقا على فئة من المواطنين قادرا على تحقيق تنمية ونهضة ذات بال. ويدخل ضمن هذا تشريع القوانين التي تضمن الإعتراف وضمان حقوق الانسان بغض النظر عن دينه أو لغته، ولا أحسب هذا الأمر إلا عملا نبويا اصيلا تجلى في “وثيقة المدينة ” عند الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة. وأن أي عدول عن هذا الاختيار لهو من الإنحراف عن هدي الإسلام السمح.
عاشرا: ـ التربية الإيمانية العملية للأفراد أساس التنمية والتقدم ،وقد علمنا من خلال السيرة النبوية كيف أثمر هذا الأساس صناعة جيل تحمل الرسالة وقام ببناء وطنه والدفاع عنه بلا قيد أوشرط، وبطريقة إرادية. ومثال الصحابة الأجلاء مثال حي في هذا الباب، كيف كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل الإسلام وكيف صار بعده، ما الذي غير شخصيته إنه الإسلام، تربية عملية وسطية معتدلة بعيدة عن الغلو والتطرف الذي يجني على المواطن والوطن على حد سواء.
وأخيرا: ـ إن إنجاح هذا الورش الوطني الكبير والهام مسؤولية جماعية يتحملها جميع مكونات الوطن افرادا وجماعات، مؤسسات رسمية ومدنية، والقول بخلاف هذا مجانب للصواب الا ترى أن الوطن مثل السفينة إذا أخل أحد من ركابها بمسؤوليته في ضمان أمنها وسلامتها في ذلك مؤد يقينا الى اضطراب فيها وهلاك الجميع بعد ذلك، لذا فمن الواجب على الجميع تحمل مسؤوليته كل في حدود اختصاصه.
وفي الختام نقول إن مقاربة موضوع النموذج التنموي ذات ابعاد عديدة لا يمكن حصرها فيما سبق، ولكن حسبنا الإشارة الى بعض قواعد إنجاح هذا النموذج الجديد ليس بمنطق التأسيس لها من جديد وإنما القصد اثارة الإنتباه إليها ومواصلة الجهود التي بذلت وتبذل في سياقها، على أن ما تم طرحه في المقال لا يعدو أن يكون ظنا واجتهادا قابلا للخطأ والصواب.
والله ولي التوفيق.
بقلم : عبد الحق لمهى.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.