الأنشطة الصفية في ظل التكنولوجيا الحديثة

0

بقلم / عبد الحق لمهى
يقصد بالأنشطة “الصفية” أنها أنشطة مسطرة في المناهج المقررة، تنجز باستثمار الكتب المدرسية المصادق عليها، وتعنى بالاجتهاد الفردي والجماعي في إطار المجلس التعليمي ومجالس المؤسسة، وفق ما ينص عليه النظام الأساسي الخاص بمؤسسات التربية والتعليم العمومي، وبتنسيق مع المفتش التربوي، كما ينبغي أن يدعم هذا الاجتهاد بإعداد تقارير دورية تتيح التراكم والتقاسم والتعميق في إطار تعاوني”.
وتنبي هذه الأنشطة، على مجموعة مت الاسس واامرتكزات نجملها في الآتي:
– التنمية الشمولية لشخصية المتعلم؛
–  التعلم الذاتي وبناء المعرفة؛
– الفصل الجماعي التشاركي والمشاركة الفعالة؛
– تفريق التعلمات (البيداغوجيا الفارقية) ؛
– الحق في الخطأ وحرية التعبير؛
– الانطلاق من وضعية/ مشكلة؛
– تنويع طرائق التعلم ومتعة التعلم؛
– تنويع وتدبير فضاءات التعلم؛
– تقويم التعلمات والانطلاق من نتائج التقويم؛
– التعامل الإيجابي مع الكتاب المدرسي.
ويمكن الرجوع إلى دليل الحياة المدرسية للتفصيل أكثر في تلك الأسس السالفة الذكر.
وقد ظهرت التكنولوجيا الجديدة التي صارت تزاحم الصف الدراسي في مرتكزاته التي بني عليها، حيث تعددت المواقع التي تعنى بالتربية والتعليم، وتشتغل بإنتاج محتويات رقمية مهمة، ومنها ما يستند إلى الوثائق التربوية الرسمية مثل الأطر المرجعية للمواد الدراسية، ومنها ما ليس كذلك، إذ يقدم منتوجا غير مستند إلى تلك الوثائق .
وفي هذا الإطار، لا يمكن إغفال المنصات التربوية التعلمية التي أحدثتها وزارة التربية الوطنية، خاصة في زمن جائحة كورونا، حيث عملت الوزارة الوصية على تعبئة جهود الفاعلين التربويين من أجل إنتاج أكبر عدد من المحتويات الرقمية المفيدة، أضف إلى ذلك الأدوار التي أصبحت التكنولوجيا تؤديها في التعليم الافتراضي عن بعد. فتتم الممارسة الصفية افتراضيا بنفس شروط التعليم الحضوري تقريبا، حيث نجد حضور المدرس والمتعلمين في حصة دراسية محددة.
إن المتأمل في أسس الأنشطة الصفية الحضورية و وتلك التي تتم بواسطة التكنولوجيا الحديثة يجد بينهما بعض التقاطع في مستويات معينة. فقد سبقت الإشارة إلى أن الأنشطة الصفية ترتكز على التنمية الشمولية لشخصية المتعلم. وإذا نظرنا إلى الوسائل الحديثة وجدناها تقوم بهذا الدور نفسه إلا من فرق بسيط بينهما؛ ففي الأولى يكون التعلم بشكل تفاعلي، أما حينما يتعامل المتعلم مع المحتويات الرقمية فقد لا يحقق هذا الأمر، باستثناء التعليم عن بعد الذي يحضر فيه التفاعل ولو افتراضيا.
ثم إن التعلم الذاتي وبناء المعرفة، بوصفهما أساس التفاعل الصفي، فسح المجال للمتعلم، ليسأل ويجيب و يجرب، ولعل هذه الأهداف لا تتحقق عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع المحتويات التعليمية الرقمية الجاهزة، لكنه يحضر بمستوى معين في التعليم عن بعد، ذلك أن المتعلم يسأل ويجيب، ويجرب بحسب ما تسمح به الوسائل والإمكانات، فيمكن أن تكون الوسائل متوفرة مع المدرس والمتعلم يقوم بالتجريب افتراضا من خلال تعليمات يشير بها على المدرس فتتم عملية التجريب مثلا.
ومما يقوم عليه العمل في إطار مجموعات، تحت إشراف المدرس وفق قواعد معينة، هو العمل الجماعي التشاركي. ولا شك أن هذا الأمر متحقق في التعليم عن بعد، لأنه أشبه ما يكون بالتعليم الحضوري. بينما يختلف الأمر في حال التعامل المباشر مع المحتويات الرقمية الجاهزة، حيث غياب الموجه / المدرس، وعليه لن نتمكن من تطبيق العمل الجماعي التشاركي بشكل جيد، إن لم نقل إنه مستحيل التحقق.
كما تلتقي الأنشطة الصفية الحضورية، مع تلك التي تجري في التعليم عن بعد، على مستوى تفريق التعلمات. هذه الأخيرة التي يفترض تحققها حضور المدرس، ولو افتراضيا، مع المتعلمين. فهو من يأخذ الفوارق الفردية بين المتعلمين في الحسبان. في حين يتعذر ذلك عند الاعتماد على المحتويات الرقمية الجاهزة مع غياب المنشط التربوي ـ غير أن تحقق البيداغوجيا الفارقية يمكن مراعاته نسبيا أثناء صناعة المحتوى الرقمي الجاهز.
وبخصوص الحق في الخطأ وحرية التعبير، فإنه يتحقق بشكل جيد عندما نكون بصدد التعليم الحضوري أو الافتراضي حيث المدرس والمتعلمون وجها لوجه. أما في حال التعلم بواسطة المحتوى الرقمي الجاهز، حيث لا يكون التواصل المباشر بين المتعلم والمدرس، فلا أرى فرصا كثيرة جيدة لتحقيق هذا العنصر بالشكل الصحيح والمطلوب.
وعندما نتحدث عن الانطلاق من الوضعية المشكلة، باعتبارها أحد أسس الممارسة الصفية، فعلى الرغم من أن بعض المحتويات الرقمية الجاهزة تتضمن وضعيات تعليمية، إلا أن ما يمكن قوله عنها أن المتعلم لم يشارك في بناء مراحلها بشكل تفاعلي مباشر، في مقابل التفاعل الحاصل عندما نكون بصدد التعليم الحضوري أو الافتراضي.
كانت تلك مقارنة بين التعليم الحضوري والافتراضي على مستوى التقاطعات الحاصلة بينهما بخصوص أسس الأنشطة الصفية من جهة، وبين التعامل مع المحتويات الرقمية الجاهزة عبر وسائل الانترنيت التي تغيب عنها تلك الأسس المتعلقة بمرتكزات التفاعل.
والسؤال المثار، بعد هذا التحليل الأولي السريع، هل ما زالت الحاجة ملحة إلى كل تلك الأسس والمرتكزات ذات الصلة بالممارسة الصفية؟ ألم تعد التكنولوجيا الحديثة تزاحم الأنشطة الصفية الحضورية؟ ألسنا في حاجة إلى إعادة النظر في هذه الممارسة الصفية في ظل التحولات التكنولوجيا؟ هل آن الأوان لإحداث ثورة تربوية تأخذ بعين الاعتبار إيجابيات وسلبيات التكنولوجيا الحديثة وعلاقتها بالتعلم؟ أليس من المتوقع أن يفقد الفصل الدراسي جاذبيته التربوية في زمن التكنولوجيا؟ هي أسئلة يمكن أن تكون صائبة أو خاطئة في حد ذاتها، ولا يزعم عاقل بقطعيتها، ولكن يمكن التأمل فيها من أجل الإجابة عنها إثباتا أو نفيا بوصفها فرضيات.
لقد حاول المقال الوقوف على أسس الممارسة الصفية في ظل التكنولوجيا الحديثة، من خلال مقارنة بسيطة بين تلك الأسس في كل من التعليم الحضوري، والتعليم عن بعد من جهة، وبينهما وبين التعليم القائم على المحتويات الرقمية الجاهزة من جهة ثانية. ولعل هذا العمل يكون محل نقاشات في مناسبات تربوية مختلقة بغرض النقض أو النقد في أفق التجويد.
بقلم: عبد الحق لمهى

———‐——–‘——————–

1.دليل الحياة المدرسية  دجنبر 2008ص 28

2. 28.29

3. نفسه ص

4.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.