د/ خالد الصمدي
خلق الله في الزوجين نقط ضعف ونقط قوة ليحصل بينهما التكامل،
لذلك كان نظام الأسرة في الاسلام قائما على صيغ التفاعل كالتفاضل والتغافل والتنازل والتفاؤل والتبادل،
وليس على صيغ المفاعلة كالمناصفة والمماثلة والمعادلة والمنازلة والمناولة والمساءلة والمجادلة وغيرها من المصطلحات التي يحتاج فهمها وتجسيدها الى استعمال الآلة الحاسبة التي تصلح لعالم المقاولة،
ولذلك استخدم القرآن الكريم مصطلح النفس الواحدة للتعبير عن هذا التفاعل والاندماج فقال تعالى ” اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام ” وقال بعدها ” خلق لكم من انفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ”
إنه خطاب يشعر كل طرف بحاجته الى طرفه الآخر ، ويبني العلاقة بينهما على المودة والرحمة والسكينة وهي من المفاهيم القطعية في القرآن الكريم
فماذا سنختار لكتابة نصوص المدونة؟
قاموس الاسرة أم لغة المقاولة ؟
المفاهيم الواردة في القرآن الكريم لا يمكن الاستغناء عنها أوتعويضها بمفاهيم أخرى قاصرة عن التعبير عن مراد الله منها، فحمولتها تعكس أصالتها وعمقها ،
وإن كان مصطلح الأسرة لم يرد في القرآن الكريم نصا فإن مفهومها والأسس التي تقوم عليها مكونات وقيما وأحكاما واردة في الذكر الحكيم ، وتعتبر هذه المفاهيم مركزية في أي تشريع يستند إلى مرجعية القرآن المؤسس والسنة المبينة للتجليات العملية لهذه المفاهيم وإلا كنا نتحدث عن شيء آخر غير الأسرة والقصد الهي من إنشائها، إذ لا يمكن يمكن فصل المفاهيم عن مرجعيتها بحال كما هو معلوم ،
ومن المفاهيم الواردة في القرآن الكريم في مجال الاسرة ما تعلق بمكوناتها كالذكر والانثى والزوج والزوجة والأولاد ، وامتداداتها من جهة الزوج ومن جهة الزوجة ، ومن حيث تمازج هذه المكونات كالنفس الواحدة، والإيجاب والقبول وتكامل ادوارها كالقوامة والنفقة والطاعة في المعروق وحدود كل ذلك ،
والقيم الناظمة لها كالمودة والرحمة والسكينة والتشاور والتراضي ، وكل هذه المفاهيم وتطبيقاتها وضعت في الذكر الحكيم تحت الرقابة الإلهية ” كان عليكم رقيبا “، “حسيبا ” “شهيدا” ، وحدودها الشرعية القطعية معلومة” فلا تقربوها “، و” لا تعتدوها “،
هذه شذرات من البنية المفاهيمية للأسرة ونظامها في الاسلام والتي تحتاج الى تفصيل ، ينبغي ان تكون حاضرة في اللغة التي ستصاغ بها المدونة والتي نقترح انسجاما مع هذا الجهاز المفاهيمي القرآني أن تسمى ” ميثاق الأسرة” ( عوض مدونة الأسرة ) “لقوله تعالى ” وأخذن منكم ميثاقا غليظا ” فالتسمية تعتبر باب الوثيقة ومفتاحها ، ثم إلى باقي المفاهيم المركزية التي تعكس روح الله في الأسرة ومباركته لها .
ولا ضير بعد ذلك في الاجتهاد في الصياغة القانونية التي لا تخرج عن هذه الفلسفة وهذه المفاهيم التي تجسد المرجعية الدستورية ،
أما الاستعانة بمفاهيم أخرى مستمدة من مرجعيات أخرى بحمولتها الفكرية والثقافية والاجتماعية واعتبارها أكثر انفتاحا وتعبيرا عن المقصود ،
فذاك مدخل الارتباك عند التنزيل والتنفيذ، ولا علاقة لها بانفتاح أو اجتهاد محمود .