الأستاذ عبد الرحيم ليونسي رئيس جمعية مدرسي مادة اللغة العربية
في حوار مع موقع تربويات اشتوكة بمناسبة اليوم العلمي للغة العربية
اعتبر الأستاذ عبد الرحيم ليونسي أستاذ مادة اللغة العربية بالثانوية الإعدادية العربي اشتوكي باشتوكة ايت باها، ورئيس جمعية مدرسي مادة اللغة العربية بالإقليم في حوار مع موقع تربويات اشتوكة بمناسبة اليوم العلمي للغة العربية، أن عدم الاهتمام الرسمي بهذه المناسبة راجع لكون الدولة لا تملك رؤية إستراتيجية بشان لغتها العربية، وأن ما أثير حول إقحام اللغة الدارجة هو أسلوب ذكي لتزجية الوقت وتمرير ما يمكن تمريره من سياسات عمومية مستغلة بذلك انشغال الشعب والمجتمع كما اعتبر الأستاذ في ذات الحوار أن النقاش الذي عرفته الساحة الإعلامية الوطنية مؤخرا يخدم سياسات ضيقة فقط ولا علاقة له باللغة، مؤكدا أن ضعف المستوى بهذه اللغة لدى المتعلم المغربي راجع لمجموعة من العوامل منها :
– أزمة القراءة التي تعانيها الشعوب العربية بصفة عامة.
– التقليل من ساعات تدريس اللغة العربية سواء في الابتدائي أو الإعدادي (4 ساعات بدل 6 ساعات في الإعدادي).
– غياب نصوص بلغة عربية سهلة ذات جمالية تستجيب لميولات التلميذ وتجعله قادرا على محاكاتها.
– غياب نوادي للقراءة والكتابة داخل مؤسساتنا التعليمية…وعن قضايا أخرى يحدثنا الأستاذ في هذا الحوار:
تربويات: ماذا يعني بالنسبة لكم الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية؟ وهل من دلالات لهذه المناسبة؟
الجواب: بادئ ذي بدء أتقدم أليكم بالشكر الجزيل على هذه الدعوة الكريمة التي سمحت لي بإبداء رأيي حول وضعية اللغة العربية من خلال موقعكم الفتي “تربويات شتوكة” وأرجو من الله عز وجل أن يكلل أعمالكم بالنجاح، وأنتهز هذه الفرصة لأحييكم على مجهوداتكم النيرة التي تقومون بها داخل جمعية أساتذة مادة التربية الإسلامية التي استطاعت في وقت وجيز أن تسطع في شمس شتوكة ايت باها ويضرب بها المثل.
بالعودة إلى سؤالكم المتعلق بالاحتفال باليوم العالمي للغة العربية الذي يصادف 18 دجنبر من كل سنة، في اعتقادي الشخصي، الإعلام الرسمي المغربي بكل مكوناته لم يعره أي اهتمام كباقي المناسبات الأخرى وحتى منظومتنا التربوية لم تعط أي قيمة لهذا اليوم فإلى حدود إجراء هذا الحوار لم نتوصل بأية مذكرة من الوزارة الوصية، أتحدث هنا عن المؤسسة التي أشتغل بها. فعدم الاهتمام هذا في نظري راجع إلى غياب رؤية إستراتيجية لدى كل مكونات الدولة من سلطة تنفيذية وتشريعية ومجتمع مدني، فالدول التي تحترم نفسها هي التي تهتم بلغتها وهويتها وإلا سيكون مصيرها الفناء والاضمحلال.
تربويات: كيف تقيمون وضعية مادة اللغة العربية في ظل ما تعانيه منظومة التربية والتكوين من اختلالات وتأثيرها على تحصيل المتعلم؟
الجواب: أولا لا بد من الإشارة إلى أن تراجع المنظومة التربوية في بلدنا لا يمكن إرجاعه بالأساس إلى وضعية اللغة العربية؛ والدليل على ذلك الفترات الزاهية لواقعنا التعليمي في بداية السبعينات والثمانينات من القرن الماضي الذي يشهد الجميع أنه كان أحسن مما هو عليه الآن على الرغم من أن التدريس كان يغلب عليه الطابع الفرنسي، إذا فالاختلالات التي تعرفها منظومتنا هي بنيوية ومتراكمة على مدى عقود من الزمن لا يمكن إصلاحها بين عشية وضحاها، يزيد من تعقيدها الحسابات الضيقة والصراعات السياسوية للأحزاب المغربية، وفي نظري ينبغي أن يبقى حقل التربية والتكوين بمنأى عن كل هذه الصراعات، ولعل هذا ما توصل إليه صانعو القرار في النسخة الثانية من حكومة بنكيران.
تربويات: يعرف المغرب حاليا حراكا ثقافيا، وسجالا بين دعاة اعتماد “التدريج” كلغة للتدريس، وبين المدافعين عن اللغة العربية. أين تتموقعون حيال هذا النقاش اللغوي؟
الجواب:حسب معلوماتي المتواضعة تبني “الدارجة” كلغة في التدريس بدأت إرهاصاتها الأولى مع الوزير السابق أحمد اخشيشن، قبل أن تثار هذه الزوبعة مع رجل الأعمال الشهير نور الدين عيوش. أظن وكما علمنا التاريخ، أنه كلما كانت دولة ما تمر بأزمة ما فإنها تعمل على خلق أزمة أخرى لتزجية الوقت وتمرير ما يمكن تمريره من سياسات عمومية مستغلة بذلك انشغال الشعب والمجتمع. وإلا كيف نفسر هذا اللغط حول توصية واحدة من ضمن أكثر من 40 توصية خرجت بها ندوة السيد عيوش؟ لماذا لم تثر هذه الضجة حينما تم السماح لبعض الإذاعات الخاصة بالتواصل بلغة دارجة تتخللها بعض العبارات المائعة التي يندى لها الجبين. وبالعودة إلى هذا الجدال المفتعل أظن أن منظومتنا التربوية خاصة فيما يتعلق بلغة التدريس يجب النظر إليها في شموليتها، وأن لا نعزلها عن كل مكونات الدولة على اعتبار أن اللغة هي الركيزة الأساسية للأمة، فكما لا يخفى عليكم أصبحت “الدارجة” خطابا رسميا في معظم إذاعاتنا وقنواتنا وحتى المؤسسة التشريعية (البرلمان) التي من المفروض أن تعمل على تنزيل الدستور وخاصة الفصل الخامس الذي ينص على أن الدولة تعمل على حماية اللغة العربية وتطويرها وتنمية استعمالها – الفقرة الثانية: الفصل 5 من دستور 2011 – نجد الدارجة هي المهيمنة داخل المؤسسة التشريعية، أكثر من ذلك المجالس الوزارية والحكومية يتم التداول فيها باللغة الفرنسية أو الدارجة.ففي فرنسا مثلا يمنع منعا مطلقا المناقشة في اجتماعات الحكومة بلغة غير اللغة الفرنسية.
ناهيك عن الشعارات المرفوعة من طرف أغلب مؤسسات الدولة سواء العمومية أو شركات الاقتصاد المختلط، نذكر على سبيل المثال لا الحصر شعار”وياكم من الرشوة” الصادر عن رئاسة الحكومة.” 40 قتيل مسؤوليتنا كاملين “الصادر عن الجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير. “واش عندك الضوبل ؟” لا عندي التريبل”عن شركات الاتصال. والأمثلة كثيرة …أقول هذا الكلام لأن المتعلم يجد نفسه في حيرة من أمره بين خطاب“دارجي” في الأسرة والإعلام من جهة، وخطاب بلغة عربية فصيحة داخل الفصول الدراسية وإن كنا لا ننكر توظيفنا للدارجة في عمليتنا التعليمية التعلمية، والدليل على هذا الارتباك الحاصل لدى المتعلم توظيف هذا الأخير لعبارات بالدارجة سواء في منتجه الشفهي أو الكتابي.
إذا فتصوري الخاص حول هذا الموضوع: يجب على كل مؤسسات الدولة أن تعمل على حماية اللغة العربية وتطويرها وتنمية استعمالها لتواكب مستجدات العصر دون التفريط في أسسها التي انبنت عليها. وفي ذلك تنزيل حقيقي للدستور الجديد، كما أن المشرع المغربي مدعو إلى سن ترسانة قانونية لحماية اللغة العربية، أما بالنسبة لإدراج الدارجة في منظومتنا التربوية فاعتقد أن لهذا الأمر خلفيات عميقة يعلمها صانعو القرار السياسي في المغرب، غير أن ما يجهله هؤلاء أن من شأن ذلك أن يخلق فوضى وتفرقة داخل المجتمع المغربي لأن” الدارجة في بلدنا دارجات”.
تربويات: ما هو تصوركم للنهوض بمستوى التلاميذ في مجال الكتابة والتواصل باللغة العربية والتمكن من كفاياتها في المستوى الإعدادي الذي تدرسون به؟
الجواب: بكل صراحة أنا قلق من المستوى المتردي الذي تعرفه منظومتنا التربوية ومن التراجع الخطير لمستوى فلذات أكبادنا في السنين الأخيرة في مجموع المواد سواء الأدبية أو العلمية، وبخصوص مستواهم في اللغة العربية فهو ضعيف جدا شفهيا وكتابيا اللهم إذا استثنينا بعض الحالات المعدودة على رؤوس الأصابع ولا يتعلق الأمر بالمستوى الإعدادي فقط بل يتعداه إلى الثانوي والجامعي وذلك راجع لمجموعة من العوامل منها :
– أزمة القراءة التي تعانيها الشعوب العربية بصفة عامة.
– التقليل من ساعات تدريس اللغة العربية سواء في الابتدائي أو الإعدادي (4 ساعات بدل 6 ساعات في الإعدادي).
– غياب نصوص بلغة عربية سهلة ذات جمالية تستجيب لميولات التلميذ وتجعله قادرا على محاكاتها.
– غياب نوادي للقراءة والكتابة داخل مؤسساتنا التعليمية.
وعلى العموم فللنهوض بمستوى التلاميذ خاصة في اللغة العربية ينبغي رد الاعتبار للأنشطة الموازية داخل مؤسساتنا خاصة في مجال الكتابة باللغة العربية (القصة، المسرح ..نظم الشعر…الموسيقى….القراءة…) ولم لا تعيين أساتذة متخصصين في ميدان التنشيط توكل إليهم مهمة خلق هذه النوادي لتكون مجالا للإبداع والابتكار، دون مطالبة الأستاذ المثقل أصلا بحصصه الرسمية (24 ساعة في الغالب) بالإضافة إلى النظر للغة العربية كلغة متكاملة مع باقي المواد المدرسة.
تربويات: منذ سنوات انتم تترأسون جمعية لأساتذة اللغة العربية بالإقليم، لكن بين عشية وضحاها يلاحظ غياب تام لهذه الجمعية عن ساحة الفعل التربوي، ترى ما السبب في ذلك الغياب؟
الجواب: شكرا على سؤالكم، بالفعل تأسست جمعية مدرسي ومدرسات مادة اللغة العربية بإقليم شتوكة ايت باها في دجنبر 2009 والتي أتشرف برئاستها ومنذ ذلك التاريخ قامت الجمعية بنشاطين أو ثلاثة فيما أذكر، وهي إلى حدود الآن ما زالت موجودة على الورق وأحس بالحرج كلما تذكرت أني رئيسها، للأسف لم نصل إلى مستوى ما وصلت إليه جمعية أساتذة مادة التربية الإسلامية.
دعني أقول لكم بكل صدق، عانيت شخصيا الكثير من أجل خروج هذه الجمعية إلى حيز الوجود، وكان ذلك بإلحاح من بعض زملائي وزميلاتي في المادة، إلا أننا بعد ذلك أصبنا بالفتور وهذا مرده حسب رأيي انتقال بعض أعضاء المكتب المسير من إقليم شتوكة ايت باها وكذا غياب الحس الجمعوي لدى بعض الأعضاء وأخيرا وربما هذا هو السبب الرئيس في غياب الجمعية عن الساحة التربوية في الإقليم، هو انشغالي الكبير والمهمة التي أنيطت بي بعد سنة 2009 بالتعاونية السكنية رياض السعادة لنساء ورجال التعليم ببيوكرى، لكن ورغم ثقل هذه المسؤولية لم أقف مكتوف اليدين بل أعمل جاهدا على تعبئة الأساتذة في كل المؤسسات خاصة ببيوكرى لإعادة إحياء هذا المولود الذي أجهض في مهده للأسف. وانطلاقا من هذا المنبر الحر فأنا مستعد لعقد جمع عام في أي وقت لإعادة ترميم المجلس المسير وترك مسؤولية رئاسة الجمعية لمن هو أجدر بها. فأنا شخصيا لا يسعدني أن أكون رئيسا لجمعية لا تقدم أية إضافة للمنظومة التربوية بقدر ما يهمني العمل والإنتاج والإشعاع الثقافي لكن للأسف اليد الواحدة لا تصفق.
كلمة ختامية
مرة أخرى أجدد الشكر لكم على هذه الاستضافة عبر موقعكم والله أسأل أن يكلل أعمالكم بالنجاح خدمة للصالح العام.
أما فيما يخص موضوع اللغة العربية في المغرب، فرغم كل ما يحاك ضدها من قبل بعض الفرنكفونيين، أستطيع القول إن المستقبل وحده كفيل بأن يضعها في مراتب متقدمة ضمن لغات العالم، شريطة أن ينفض العرب عنهم غبار الذل والمهانة والاستصغار لأن “اللغة العربية حية لكن أصحابها ميتون”.
تربويات: شكرا لكم على هذه الإيضاحات