من آفات الحركات التغييرية حب الظهور ..و الرئاسة

0

                                                

 أعده ذ: عبد الرحيم مفكير

       إن من الآفات التي أصابت حركة التغيير ابتلاؤها بما أصيب به بعض الحكام من حب الرئاسة والتمسك بها حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا. وكل تنظيم إلا وتجد فيه خلالا أساسه عدمإعمال الآلة الديمقراطية في التداول والتدافع، وغياب تأسيس قواعد الشورى، والتنافس الشريف، بل التنافس بالميل للأشخاص، لا اعتمادا على البرامج والأطروحات، ويقدس فيه الأشخاص. وهذه الآفة تنخر كل تنظيم حركي، وما لم ينتبه إليها سيجني أصحابها الويلات ويلفظهم التاريخ، لمخالفتهم السنن الكونية.

إنه وبالنظر في مسار الحركات التغييرية نجد أنها تصاب في عمق بنائها، إن هي قبلت بالاستبداد، وشيوع الإمعية، وتكريس ثقافة الالتفاف حول زعامات وهمية، صنعت في كواليس المقاهي، وبفعل التآمر على أصحاب المبادئ والمخلصين المتشبعين بأسس الشورى والمؤمنين بنجاعتها من أجل تحقيق الأهداف المتفق عليها، وبلوغ المرامي المسطرة، وبناء الإنسان، والمحافظة على العمران. فقد أصبح في العديد من التنظيمات لكل زعيم وهمي من” كارطون” حلفاء ومريدون ينسجون حوله الأساطير، ويزينون أفعاله للناس، ويلبسونه لبوس العظمة والمجد، والنزاهة، والورع، والأمانة، والصدق، والقوة، وفصل الخطاب، وصاحبنا ليس له من الأمر سوى الغرور، والأنانية، وقضاء مآربه، والتحالف حتى مع الشيطان لتلبية رغباته الخفية، وإخفاء أمراضه النفسية، وقلما تجد صادقا يواجه عنجهيته وطغيانه وغروره، خوفا من ثكالب المريدين ومهاجمتهم، واتهاماتهم الزائفة والكاذبة. ويصبح التمكين المغشوش لزعامات ” كارطونية” رضي عنها الأقرباء وتقبلها الأعداء، ومدحها أهل السلطان، بالرغم من أنها لا تملك من مبادئ القيادة ومرتكزاتها قيد أنملة، بل لا تستطيع تسيير مجلس لفئة قليلة من أعضاء التنظيم، ولم يسبق لها أن تخطت الصعوبات، وارتقت في الدرجات لبلوغ ما يمكنها بلوغها، وأغلب هذه الزعامات دخيلة ، وجريئة في غير موضع و ……… إنه كلما استفحل هذا الأمر إلا فقد التنظيم قواعده، واستنبت في الجسم فكر التبعية والإمعية. ولا يمكن لحركة تغييرية لم تبصر حقيقة تكوينها وبنائها أن تغير محيطها، وهي العاجزة عن التصدي لمحبي الصدارة والزعامة.

إلى جانب هذا الصنف نجد فئة ثانية، “متطهرة” “تطهرية” زهدت في المسؤولية باستحضارها لأحاديث نبوية صحيحة، سمحت بترك المجال للفئة الأولى تصول وتجول، فغاب موسى ليحضر مكانه السامري، واعتمدت على قول النبي عليه السلام لعبد الرحمان بن سمرة ” يا عبد الرحمان لا تسأل الإمارة ، فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها” رواه مسلم. وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي ثم قال: يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها” رواه مسلم.

فالشرط واضح من خلال النصيين ، القوة وتحمل الأمانة، وإخلاص النية في طلب الريادة. وقد طلب هذا الأمر يوسف عليه السلام ، وكان حفيظا عليما قويا صادقا ، مخلصا، مدبرا، كما استؤجر سيدنا موسى عليه السلام بصفتي القوة والأمانة” يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين”.

وغير خاف عن ذي كل عقل أمر المتسلقين ، مرضى الظهور والرئاسة، فمن مظاهرهم، إصرارهم على رأيهم وعدم التنازل عنه، وإن ظهرت أدلة ببطلان رأيهم، وعدم مشاركتهم بجدية عندما يكونون مرؤوسين، ومحاولتهم إفشال المبادرات التي لا تصدر من قبلهم، ومحاولتهم إظهار ما لديهم من علم إن كانوا يملكونه،ومبالغتهم في الأمور الخاصة بهم، وظهور احتكاكهم ومشاجراتهم بأقرانهم البارزين، لتحطيمهم والقضاء عليهم، وضمان عدم منافستهم لهم، واعتذارهم عن التكاليف الصغيرة التي ليس فيها بروز( ثقافة الفيترينا / الواجهة، وحب أخذ الصور مع الشخصيات، وتسجيل الحضور الوهمي )، وكثرة النقد بسبب وبغير سبب، وإلحاحهم في طلب الرئاسة….. ومرد كل هذا إلى نفوسهم الضعيفة، والمريضة، وعدم إخلاصهم للمبادئ، وعد م إيمانهم بالمشروع الحضاري التغييري، كما يمكن إرجاعه إلى التربية الأسرية، وغفلتهم عن أمراضهم، وعدم الانتباه إليه، والتنبيه له، والتسرع في إسناد بعض المسؤوليات لهم، وتسلقهم المراتب بخرق القوانين الداخلية للتنظيم، …..

قد آن الأوان لقطع الطريق عن هذا الصنف من الانتهازيين، ومن يدور في فلكهم، إن أرادت الحركات التغيرية ،المحافظة على بنائها الداخلي، وتشبثت بمواردها البشرية، وطاقاتها الصادقة العاملة ، التي لا ترجو الأجر إلا من صاحب الأجر سبحانه وتعالى، لا تنتظر مدحا، ولا جزاء ولا شكورا. لا بد من وضع قوانين ضابطة، ومعايير دقيقة لصيانة التنظيم، وتجنب كل الانزلاقات التي من شأنها تهدم سنوات من الجد والاجتهاد، ومجهودات في التجميع والتأسيس لفعل تغييري متميز ينطلق من منطلقات، ويرتكز على أسس تحفظ للمنتمين كرامتهم، وتضمن لهم حقوقهم، وتدفعهم للقيام بواجبهم. ومن أراد القيادة وسعى لها سعيها فعليه، التعرف على مواصفاتها، والاتصاف بصفاتها التي بينها رسول الرحمة عليه السلام، واتفق عليها أهل الفن في الباب.

العودة إلى مقالات

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.