أ.د/ طه جابر العلواني
حين كنت في العراق شهدت في مطلع شبابي ملكًا وقائد انقلاب عسكري، أمَّا الملك فبعد مقتل الملك غازي كان ولده فيصل طفلًا، فتسلم صلاحيَّات الملك وسلطاته الأمير عبد الإله، ابن علي ابن الشريف حسين، كان عبد الإله ضعيفًا في ثقافته وفي تعليمه، وحين تسلم ولاية العهد فقد تسلمها بضغط من أخته أم الملك فيصل الملكة عالية، وإلا فقد كان عمه زيد بن الحسين أكفأ منه وأولى بقيادة الدولة العراقيَّة الناشئة آنذاك، كان عبد الإله خجولًا جدًا، وأول ما بدأ يظهر باعتباره وليًّا للعهد كان يبدي الاحترام لكل من يقابله أو يراه، وكان إذا حضر احتفالات عامَّة يبلغ من حيائه أنَّه يطلب من بعض أصدقائه من الوزراء من يقف إلى جواره لكي يمده بشيء من الطمأنينة، فهو قد يرتعش أحيانًا من مواجهة الجمهور والناس وقيادة الاحتفالات العامَّة وما إلى ذلك.
ولم يمض على تسلمه لولاية العهد عام واحد إلا وبدأ يتنمر ويأمر وينهى ويقيل من لا يعجبه، ويمد يده لكل من يقابله ليقبلها، وذلك لأنَّ المنتفعين الذين أحاطوا به رغم معرفتهم بضعف شخصيَّته فإنَّهم كانوا ينفخون فيه، ويصورون له أنَّه عبقري من العباقرة، وقائد من القادة وما إلى ذلك، وانتهى الأمر بأن قتل سنة 1958 تموز، وسحلت جثته في الشارع ومُثِّل به تمثيلًا ما عرف التاريخ أسخف منه وأشر، فقد عرف تاريخ بغداد السحل وكان أول مسحول هو الخليفة العربي الأمين، ابن هارون الرشيد وزبيدة، بذلك افتتح السحل، وسحل عبد الإله بتلك الطريقة المهينة، وقطعت أصابعه وتقاسمها بعض الدمويين ليجعلوا منها ذكرى يضعونها في بيوتهم، وكان في بعض أصابعه خاتم وفي الإصبع الثاني دبلة فقطع الإصبعان لنيل الخاتم والدبلة، وهكذا مُثِّل بعد ذلك بجثة نوري السعيد.
الشاهد عندي هنا كيف تنفخ الشعوب الجاهلة في حكَّام كانوا يخشونها ويحترمونها، فتدفعهم انتهازيَّة الحواشي وتملقها إلى إخراجهم من ثيابهم تلك وجعلهم آلهه، ونستطيع أن ندرك حكمة الله (جل شأنه) بحصر الحمد بالله رب العالمين في أول آية من آيات سورة الفاتحة، فالحمد والمدح يختص كل منهما برب العالمين لا شريك له، وفي الأثر أثْنَى رجلٌ على رجلٍ عندَ النبيِّ (صلَّى اللهُ عليهِ وآله وسلمَ)، فقالَ: (وَيلَكَ، قَطَعْتَ عُنَقَ صَاحِبِكَ، قطَعتَ عنقَ صاحبِكَ). مِرَارًا، ثم قالَ: (مَن كانَ منكُمْ مادِحًا أخَاهُ لا مَحَالَةَ، فَلْيَقُلْ: أَحسب فلانًا، والله حسيبه، ولا أزكي على الله أحدًا، أَحْسِبُهُ كذَا وكذَا، إنْ كانَ يعلَمُ ذلكَ منهُ)
[1]الراوي: نفيع بن الحارث الثقفي أبو بكرة المحدث: البخاري، المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 2662
خلاصة حكم المحدث: صحيح.