تعدد الكتاب المدرسي بين الاختيار والإجبار

0

lamkadam d7991

محمد المقدم

 

    قبل تناول هذا الموضوع الشائك الحائك، أود أن أعلم القارئ الكريم، أنني لا أتعصب لفئة دون الأخرى، ولا أتهجم على فئة معينة، ولا أكتب ليقال عني خالف تعرف، وإن كنت أبحث عن بعض ذلك فأبوابه معروفة ولعبته مكشوفة وغاياته للعيان مفضوحة، إن الغرض من هذه الكتابات، هو هذا المنبر القيم النزيه الذي تعمل إدارته على إدارة نقاش بناء، فإن أصابت فلها أجران وإن أخطأت فلها أجر واحد، ليس هناك مدلل ولا مميز، لأن المنبر مكشوف والغاية منه واضحة، ومن يكتب فيه معروف، فرصة سانحة لتوضيح ما نملك من معطيات على قلتها وعلى تواضعها، نحاول بها التعرية علن بعض التغطية، سائلين الله التوفيق آملين أن يبعد عن نفوسنا الغل والحقد والتباهي، والله يعلم قصدنا ويجازي كلا على نيته.

      سبق أن عالجت كيفية تأليف كتاب مدرسي بما أملك من معطيات وبتصرف تجنبا للإحراج وحفاظا على نوع من الموضوعية، فقد تكون بعض معلوماتي مجانبة للصواب، التحري مطلوب والتروي مرغوب والاندفاع غير محمود، فكم مرة توصلت بمعلومات لكنني كنت دائما حريصا على توخي الحذر والكتابة بنوع من النظر تفاديا لما قد يغرقني في الخطأ أو سوء القدير أن بعض المعلقين قد أضفوا على مقالي السابق إثراء ومسؤولية خاصة عندما علق أستاذنا النبيل النزيه الذي لا يخاف في قول كلمة الحق في جميع المحافل الأستاذ عبد العزيز قريش أدام الله قلمه لخدمة المنظومة والصالح العام للتربية والتكوين قائلا بضرورة البحث في هذه التساؤلات خاصة من طرف مؤلفيها وتقييمها وتقويمها، ولو أن الأمر قد يكون خارجا عن طاقتهم ولكنهم كما ألفوا فعليهم أن يكتبوا عما ألفوا انطلاقا من دراسات ميدانية وتقييم موضوعي لسلبيات وايجابيات خلافا لما يفعله بعضهم من الدعاية لمؤلفه واعتباره خارج النقد والعقد، لننتقل إلى ما بعد التأليف وما حمله من تكليف وممارسة خرجت أحيانا عن المألوف، إلى مرحلة الاختيار وحتى لا أكون مجاملا ولا متحاملا، أعلم أن نياباتنا تتلقى مذكرة في الموضوع تلزمها بتوزيع الكتب المدرسية توزيعا جغرافيا على حسب عدد المؤسسات ودون إقصاء لأي كتاب مدرسي، وأن مهمتهم تنتهي عند هذا الحد، إلا أن هذه المرحلة ترفق بمرحلة موازية تتمثل في تشكيل لجنة متعددة الأطراف والأطياف تجتمع وتبارك التقسيم في أقل من دقيقة ثم يذهب كل إلى حاله وتبقى دار لقمان على حالها، كتب موزعة دون مراعاة لبيئة التلميذ أو ميوله ودون استشارة حقيقة لرغباته وهمومه،كتب أصلا سوقية الجزء الكبير منها منقول ومنحول، توجهاتها موجهة واختياراتها موحدة، وأهدافها محددة، ومعارفها مقيدة، وعن مبتغيات التلميذ مبتعدة.

      إننا نطمح لتكوين تلميذ مشبع بمؤهلات وكفاءات يكون بها قادرا على مواجهة التحديات بسلاح وكم من المعطيات، إلا أن مستواه بتراجع وإقباله يتناقص، ونفوره يزداد، ونقمته على المدرسة بمن فيها تتفاقم وكراهيته لما يربطه بالدراسة تتعاظم، فأين المفر؟ وأين المقر؟ وأين هي خاتم سيدنا سليمان لتخرجنا من هذا المجر؟ إنني لا أملك هذا الخاتم، ولا مفاتيحه، ولكنني كأب يعاني من هذه المعضلة، أعتقد أن الطريق إليه مقحم بالظلام لكنه غير مسدود وللباحثين ممدود، لأننا لم نعرف بعد التوجهات الحقيقية أم أن أصحاب الشأن يتجاهلونها للحفاظ على التغيير في كل وقت وحين من لجنة إلى أخرى ومن مجلس إلى مجلس آخر والتعليم كل يوم يتأخر.

إن كل إصلاح لا ينطلق من القاعدة لن يكتب له النجاح، فكيف يعقل أن تِؤلف كتب تحتوى مواضيع تفوق بكثير مستوى التلاميذ ولكم أن تبحثوا في كتب السنة الثانية باكالوريا علوم، وقد قيل أن بعض مواضيعها من مستوى جامعي، في وقت علمت وعلى سبيل المثال أن أستاذة كتبت إلى أحد السادة النواب الإقليميين عن تلميذ حير بالها في الإعدادي، وباختصار انه لا يعرف حتى كتابة حرف من الحروف، فكيف نحقق الجودة ونحن نرتب ضمن الأواخر في مجال التنمية البشرية ” المرتبة 124″؟ ومتى تمنح لمجالس التدبير فرصة اختيار الكتاب المدرسي وفق ما ينص عليه النظام الأساسي لمؤسسات التربية والتكوين لسنة 2002؟ ومتى بمنح الأستاذ حق اختيار هذا الكتاب على الآخر لمبررات موضوعية يراها لما له من علاقة مباشرة مع التلاميذ؟ وكيف يناوب غير المدرس على المدرس في اختيار نوع الكتاب المدرسي؟ وكيف يوزع الكتاب المدرسي دون مراعاة أية فوارق بين التلاميذ؟ وكيف نساوي بين مستوى تلميذ المدن الكبرى الذي تلقى تعليما أوليا راقيا، وتلميذ البادية الذي أقحم دون سابق إنذار؟ أنني لا أدعو إلى تخريج تلاميذ متفاوتين في المستوى، وإلا كنت ممن يكرسون هذه الفوارق، بل أدعو إلى التعامل مع التلاميذ حسب بيئتهم ومجتمعهم وثقافتهم ومعرفتهم وتقاليدهم، وتمكينهم من الكفايات التي تلائمهم والقدرات التي تتوافق مع طموحاتهم، ولعل التاريخ يشهد بأن رعاة التعليم من الفقراء وحماته من أبناء البادية، لكن الطريقة التي ألفت بها كتب اليوم تساعد على تزايد الفوارق وتدني المستوى، ولست ضد التعددية في الكتاب المدرسي، لكن على أساس اعتبار مصلحة التلميذ هي الأولى، واعتماد مقاربة محلية وإقليمية وجهوية بإشراك ذوي الشأن في الإعداد من لجان مختلفة التشكيل مع الحفاظ على التوجهات ذات الطابع الوطني والمرامي والغايات المرصودة في هذا الباب، وعدم إشراك المؤلف في هذه العمليات التجارية الجارية والتي استغلها البعض” ولا أقول الكل” فأفسد توجهها وأغرقها في متاهات بعيدة عن نبل الغايات، إن تعليمنا في خطر وأبناؤنا في وحلة والكثير منا في حفلة، إننا نفضل الابتعاد ونفضل الهروب من الحقيقة ونقنع أنفسنا بأن الأمور تسير سيرا عاديا أو نحاول إيهام أنفسنا بذلك، كفانا غيابا، وكفانا صمتا، وكفانا تأييدا أعمى، وكفانا نفاقا، وكفانا….وكفانا….إننا نتحمل مسئولية تختلف درجتها حسب موقعنا لكنها موجودة وسنحاسب عليها وسيجلها علينا التاريخ، وسيقال عنا بأننا كنا سلبيين متفرجين وعلى المناكر ساكتين، إنني لا أدعو إلى المقاطعة ولا إلى المرافعة ،بل أدعو إلى تحمل المسئولية والمساءلة والإسهام في الإنقاد وعدم ترك الساحة فارغة لذوي النيات الخفية والنفوس المريضة،

والله من وراء القصد. 

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.