اكراهات تدريس مادة التربية الاسلامية في مدرستنا المغربية المعاصرة

0

التربية : تعني التنمية و الزيادة ،و هي قريبة من معنى التزكية الواردة في قوله تعالى ” هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم ءاياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ” .
و في الاصطلاح : تنمية في شخصية التلميذ على مستويات عدة : الروحية والصحية ، و الخلقية ، والوجدانية ، و الاجتماعية ، و الاقتصادية ..، و تطهير له مما يدنسها ، و يعارض نماءها و صفاءها…
الاسلامية : نص على مضمون التربية ، و مرجعيتها التي منها تستقي وسائل التنمية ، و التطهير ، قال تعالى ” و نفس و ما سواها فالهمها فجورها وتقواها قد افلح من زكاها و قد خاب من دساها ” . و بناء على هذا فالمادة لها أهميتها للجميع ؛ فهي ليست لتخصص معين ، بل للجميع . و لذلك فالحاجة اليها ملحة و ضرورية ، لكل مسلم و مسلمة في أي تخصص كان ؛ فبها تصحح عقيدة المسلم ، و بها يعرف كيف يعبد الله تعالى ، و بها يعرف الحلال من الحرام من الاخلاق و المعاملات ، و بها يحصل التوازن في الشخصية ، و يستجيب المسلم لحاجاته النفسية و الروحية و الخلقية و الاجتماعية … لذلك كانت ضرورية للفرد والمجتمع والأمة ، ومدرسها ليس كاي مدرس ؛
— انه الموجه و المربي الذي يحافظ على الفطرة سليمة ، و يسعى الى تصحيح ما اعوج منها .
— انه المصحح و الموجه في مجال العقيدة والفكر ، والمحصن من دخول العقائد والافكار الفاسدة.
— انه المحفز و المعلم لعبادة الله عبادة صحيحة خالية من البدع و الخرافات .
— انه الموجه لحسن الأخلاق و جمالها من مرجعية القران الكريم و السنة النبوية وما أجمع عليه علماء الأمة المعتبرين.
— انه يحمل رسالة عظيمة لحماية ضروريات الأمة و ليس مجرد معلم لمعلومات .
فهو يعلم و يحفز و يبشر و ينذر و يطبق ما يعلمه …
أهم الاكراهات التي تواجه مدرس مادة التربية الاسلامية عموما و في مستوى الثانوي التأهيلي خصوصا :
اولا : الاكراهات الإدارية:
1ـ الحيز الزمني المخصص للمادة لا يكفي لتحقيق الأهداف المرجوة ، و خاصة لدى الشعب ذات الحصة الواحدة أسبوعيا . هذه الحصة التي قد توافق عطلا متكررة ، فيصبح الأستاذ لا يرى تلامذته الا مرة أو مرتين في الشهر .و هو مطالب بإنجاز مقرر طويل مع فرضين كتابيين في الدورة اضافة الى فرض الانشطة المدمجة .
لهذا ينبغي أن نطالب من خلال المجالس التعليمية بإضافة حصة ثانية لمن لهم حصة واحدة ، و حصة ثالثة لمن لهم حصتان .
2 ـ ارتفاع عدد الاقسام التي تسند لمدرس المادة و التي تكون عادة ما بين 9 و 12 ، وفي الثانويات التقنية قد يتجاوز ذلك كثيرا ، و معلوم أنه كلما توزعت مجهودات العمل إلا و نقص التركيز ، و ضعفت الجودة المطلوبة دوما في الخطابات الرسمية و غيرها .
-3ضعف أو غياب الإشراف التربوي و التكويني لعمل مدرس المادة مما يضعف و يغيب التنسيق و توحيد الرؤى لدى المدرسين وما يتبع ذلك من حصول فتور و اضطراب في سير العمل التعليمي… وحبذا لو أن الجمعية تبادر لتغطية هذا النقص بتنسيق مع الجهات المعنية و تقديم دورات تكوينية تسهم في الرفع من المستوى التدريسي لدى مدرس المادة بالوسائل التي تتيسر لها
4- الاكتظاظ في القسم الواحد الذي يصعب على مدرس المادة حتى مجرد التعرف على أقسام الحصة الواحدة في الأسبوع بله أن يعلمهم ويربيهم ويقوم تعلماتهم كما يجب ، وبالأخص إذا استحضرنا ما سبق من كثرة الأقسام المسندة .
5- ضعف و انعدام الترابط بين مادة التربية الإسلامية و المواد الأخرى ، لدرجة التعارض بين بعضها مثل ما نجد في مادة اللغة العربية التي من المفروض أن تكون من المواد الحاملة للقيم الإسلامية فإذا بنا نطلع على مؤلف [الحي اللاتيني ] في اللغة العربية الشعبة الأدبية ، الجدع المشترك ، وما فيه من تعارض واضح مع ما يدرس في التربية الإسلامية من خلق العفة ودوره في صيانة الفرد والمجتمع ، وإذا بالمؤلف يكشف ممارسة مقدمات الزنى للتلاميذ والتلميذات وهم في أجواء مختلطة وفي سن اندفاعية [ المراهقة ]
6 ـ ضعف المعامل المخصص للمادة ، بحيث نجد أن المادة لها أقل معامل من بين المواد كلها لا في الشعب الأدبية ولا العلمية ، إضافة إلى عدم اعتمادها في الامتحانات الوطنية .
ثانيا : الإكراهات المتعلقة بالفئة المستهدفة
1- الضعف العام على المستوى اللغوي ، وأقصد هنا القدرات التعبيرية باللغة العربية لدى اغلب التلاميذ والتلميذات مما يجعل فئة عريضة منهم تحجم عن المشاركة الإيجابية في إنجاز الدرس وتكتفي بالسماع والكتابة ، وحينما يحاول بعضهم المشاركة يجد صعوبة بالغة تتخللها كصرة الأخطاء مع الاستعانة بالدارجة .
2- الإعتماد على السحب من الإنترنت في حال إنجاز بعض الأنشطة الخارجية مع القراءة الممزوجة بالأخطاء النحوية و اللغوية وتغييب الكتاب في جل الأحوال .
3- ضعف الرغبة في الإنجاز المتقن و الاكتفاء بإنجاز شكلي لا يفيد به ولا يستفيد نظرا لضعف المستوى لديه فلا يقدر على الإتقان ، وهو الضعف الناتج عن أسباب عدة بعضها من المدرسة وبعضها من خارج المدرسة ، والتلميذ غالبا يكون ضحية أمام هذا الضعف الذي وجد نفسه فيه.
4- طغيان الدافع المنفعي المادي العاجل على الدافع المنفعي الآجل بحكم تأثيرات الإعلام و الأسرة و الرفقاء … الذين يشكلون في الغالب الرؤية للأمور.
5 ـ العادات السيئة التي يتبرمج عليها التلاميذ و التلميذات خارج المؤسسة في أسرهم وفي الشارع والفضاءات العامة في ألبستهم وحلاقة شعرهم واستعمالهم لبعض أدوات الزينة ، والهاتف المحمول ، وجرأتهم على التمسك بهذه العادات السيئة و مقاومة خطاب الإدارة و المدرسين ، مما يشكل عقبة في وجه تربيتهم تربية سليمة متوافقة مع ما تهدف إليه التربية الإسلامية
ثالثا :الإكراهات المتعلقة بالوسائل الديداكتيتكية وفضاء التدريس :
الكتاب المدرسي:
المفروض في الكتاب المدرسي أنه معين قوي للتلاميذ على اكتساب التعلمات المراد تبليغها للفئة المستهدفة بسهولة ويسر ، ويكون دور المدرس هو أن يزرع فيها الروح ويحولها إلى تعلمات فاعلة في التلاميذ عقيدة وتمثلات وسلوكا ت ومواقف .. غير أن الكتاب المدرسي يلاحظ عليه بعض الملاحظات منها :
أ- محتواه لا يستجيب للحاجيات المرحلية العمرية ، وكذا التحديات الفكرية والعاطفية لدى الفئة المستهدفة من المراهقة إلى الشباب ، ويميل إلى مخاطبة العقل أكثر بمعلومات قد لا يحتاجونها في مرحلتهم العمرية مثلا: الإرث، الاختلاف والخلاف ….
ب- الصياغة اللغوية التعبيرية و المنهجية ناقصة تصعب الوصول إلى الأهداف والكفايات المنشودة على التلاميذ إضافة إلى استعمال النصوص بشكل غير دقيق ومتكلف أحيانا مع ضعف بعض الأحاديث
ج- اختلاف بين الكتب المقررة من حيث الصياغة الأسلوبية و عناصر الدرس وفقراته مما يطرح مشكلا عندما يكون الاختبار موحدا بين المستوى الواحد جهويا .
السبورة:
لا زلنا نستعمل السبورة الخشبية وسيلة أساسية للكتابة عليها بالطباشير وقد تكون فيها خدوش و عيوب لا تساعد على ظهور الكتابة جيدا، ولم تتح لنا استعمال
قاعة الدرس وتجهيزاتها
التجهيزات الموجودة في القاعات لا زالت تقليدية ولم تتح لنا الفرصة بعد لاستعمال الحاسوب والعاكس الضوئي إلا بمجهودات خاصة مكلفة للوقت واستحضار أجهزة خارجية مما قد يضيع الحصة الزمنية المحدودة في أصلها
إضافة إلى ضيق القاعة بتلامذة القسم و الطاولات المحدودة التي لا تكتفي الأقسام المكتظة مما يجعل بعض التلاميذ يضطرون للتحويل المؤقت من قاعة إلى قاعة ، مع ما يحدث ذلك من ضياع لوقت الحصة .
الخاتمة
بالرغم من تلك المعيقات فإن هناك من الإيجابيات التي تغطي عليها مثل سعي المدرسين لا ستثمار أمثل للحصص المقررة والإمكانات المتوفرة ، وتوظيف المتفوقين من التلاميذ والتلميذات لتحفيز الضعفاء كي يلتحقوا بهم ، وتبسيط الكتاب المدرسي بخلاصات تستقى من التلاميذ أنفسهم بمساعدة المدرس ، إضافة إلى مظاهر القدوة لدى جل اساتذة المادة مما ، يجعل مدرس المادة يحقق كثيرا من أهداف وكفايات المادة خاصة من الذين يستحضرون دورهم الرسالي الذي تفرضه طبيعة المادة والتي هي جزء من الإرث النبوي المستشعر لمدرس المادة أنه مبلغ لجزء من رسالات الرسل ، وأنه بهذا يكون من أفضل الناس وأحسنهم إذا بذل جهده في تربية الناشئة وإصلاح ما عوج منها فيكون ممن قال فيهم الله تعالى ” ومن احسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ” وقال صلى الله عليه وسلم ” من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ” ومعلوم أن رسل الله لم يكونوا يتعللون بوجود الصعاب بالرغم من وجودها في زمانهم أكثر بكثير مما نذكره نحن ، وإنما كانوا يسعون للعمل وفق ما توفر لديهم من الوسائل .

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.