ذ. حسن بوسعيد/موقع هنا وجدة
وأنا أتابع حوارا تلفزيونيا حول موضوع مراجعة مناهج التربية الدينية أو الإسلامية ، التي أعطى انطلاقتها جلالة الملك محمد السادس على خلفية الاكتساح المهول لظاهرة الإرهاب والتطرف التي يراد لها هذا التهويل ، ومحاولة المملكة تعبيد الطريق نحو تأطير الحقل الديني وترشيده ،واستكمال الريادة في هذا المجال بين الدول الأفريقية ولما لا بين دول العالم الاسلامي ، تبين لي مايلي :
1- ان هذا الموضوع نال أهمية كبيرة بين المتتبعين باعتباره إصلاحا يضم الشأن الديني ضمن رزمة إصلاحات قررت الدولة المغربية بقيادة ملكها خوضها ، ولهذا بالغ الأثر على المواطنين عموما وعلى الناشئة خصوصا.
2- ان المتدخلين والمهتمين إزاء هذه المراجعة فئتان عريضتان، فئة تريد الاصلاح بمعناه الحقيقي كإصلاح جاد وواقعي، يتدارك بعض الهفوات والأخطاء التي رصدت في برامج التربية الاسلامية بأسلاكها الثلاث ويصححها بما ينسجم وواقعنا المعاصر دون المس بثوابت الدين ، ومحكمات الشرع ، وهو انما يصب في إطار تجديد الخطاب الديني ومحاولة تبسيطه وتقريبه للناشئة من باب أن يفقهوا دينهم الذي هو الإسلام والاسلام فقط لا شرقي ولاغربي فالاسلام واحد لا يتعدد كما جاء به القرآن وكما بينه النبي العدنان ، اما الفئة الثانية فهي فئة يبدو انها كانت تتربص هذه الفرصة وهذا الضوء الأخضر الذي – حسب مفهومهم – يتيح لهم العبث بقطعيات الدين ونصوصه كما يشاؤون وكما يحلو لهم ، فيحذفون ما يتناقض و أهوائهم، ويبدلوا مايتصادم و أفكارهم ، وهؤلاء يبدو لي انهم لم يتربوا على قيم الاسلام وأخلاقه، او على الأقل لا يفهمونه و لايريدون فهمه ، وإذا فهموا منه شيئا فهموه منكوسا مقلوبا ، يتوقفون عند سطحيات الدين ولايغوصون في أعماقه لينهلوا من لآلئه وألماسه ، كما يظهر لي أنهم لم يجالسوا شيخا ولاعالما ولم يحتكوا بهم ولم يعاشروهم، فأنى لهم ان يفهموا ديننا، وفلسفة شريعتنا فضلا على ان يمتلكوا هذه الجرأة في مراجعة مناهجنا….
3- وانا أشاهد هذا البرنامج الذي ضم ثلاث ضيوف ، قد أجزم انهم يمثلون الفئات السالفة الذكر ، مع أن البرنامج لم يستغرق غير ساعة ونيف ، الا اني استطعت ان أعرف بعض سمات كل فئة وسأعرضها كالتالي :
– الفئة الأولى فئة من أهل الاختصاص من ذوي العلم الشرعي ، ممن لهم قدم صدق في هذا الميدان ، ممن مارسوا ويمارسون الاسلام وتعاليمه وتشريعاته تلقينا وتعليما عقودا من الزمن، وهؤلاء لهم باع طويل في هذا المضمار ، تخرجت على أيديهم أفواج من طلبة العلم والأطر التي يفتخر بها وطننا العزيز والتي أعطت وتعطي القدوة في الأخلاق والممارسة ، وفضلها ممتد بين أطياف المجتمع ، وتأطيرها تجاوز الحدود و صيتها بلغ الآفاق ، وهذه حري بها ان تكلمت ان يسمع لها ، وان نطقت أن يؤخذ برأيها ، وان استشيرت أن يعمل بمشورتها فهم أدرى وهم أولى وهم أعلم من غيرهم و لهم منا كل الاحترام والتقدير ، و وطننا العزيز مدين لهم لأنهم حاربوا التطرف والإرهاب قبل ان يعرف و قبل ان يراد له الظهور والانتشار بهذا الشكل المهول.
-أما الفئة الثانية فهي فئة تنقسم إلى طائفتين تختلفان نوعا ما في الأسلوب وتلتقيان في المحتوى والمضمون والاهداف، أما الأولى فتعلنها جهارا نهارا أن سبب ما نحن فيه من إرهاب وتطرف وتخلف إنما منبعه مواد التربية الدينية- كما يحلو لهم أن يقولوا – وبرامجها ومناهجها وخطابها ، التي درست وتدرس لأبنائنا اليوم في المدارس ، فهم يأتون على الاخضر واليابس ، ويخبطون خبط عشواء ، ويعلنون العداء لكل مايبث من صلة لهذا الدين ، فاللغة التي يجيدونها هي لغة التهجم والنيل من ثوابت الأمة و قطعيات دينها ويريدون اسلاما مفصلا على مقاسهم ، إسلام الوضوء والغسل والمسجد ، إسلام قابع بين أسوار المسجد الأربع لايغادرها إلى الاقتصاد والتعليم والسياسة ، لايخوض في شؤون الحياة ولا في معتركاتها….أما الطائفة الثانية فهي طائفة تحاول ان تكون موضوعية وتتظاهر بذلك فتحاول ان ترصد وتتصيد ما يظهر لأول وهلة انه تناقض بين بين النصوص ، وتقف عند بعض الهفوات والتفاصيل ، و تنفخ في بعض الاشياء فتحول من الحبة الى قبة و تضخمها….غير أن المشترك بين اهل هذه الفئة انهم :
-أولا ، لا يوقرون كتاب الله ولا حديث رسول الله ، وكأنهم مقطوعوا الصلة بهم ، وتلاحظ على ألسنتهم استهتارا ، وحديث رسول الله عندهم كأي كلام ، أين انت يا مالك بن أنس كان لايتكلم بحديث حتى يتطهر ويتزين ويستعد أيما استعداد…
– ثانيا تجدهم أجهل الناس بالدين ، ولايميزون بين الثوابت والمتغيرات ، ولا بين المحكم والمتشابه ، يريدون بجرة قلم ان يحذفوا ايات محكمات نطق بها الله تعالى كآيات الجهاد ، وآيات الحجاب ، وآيات الارث ، وآيات الزواج ، وآيات الحقوق والواجبات… ولوسألتهم عن ابسط شيء في الدين تراهم ينظرون اليك وهم لايبصرون..
– ثالثا تراهم يزدرؤون الفهم السليم للأمة للدين و المتمثل في الفقه الإسلامي فيقولون نحن رجال وهم رجال ، وأحدهم لايستطيع أن يركب جملة مفيدة … وأنا أشم فيهم حقدا دفينا للإسلام وتقديسا غريبا للغرب ومنظومة حقوقه المزعومة ….. نسأل الله تعالى أن يلطف بنا وبهذا الوطن العزيز وان يحفظ ديننا وان يديم علينا نعمه ظاهرة وباطنة…