الشيخ :فتحي خسن ملكاوي
يروي أبونعيم في كتاب حلية الأولياء، وأبو يوسف في كتاب الخراج: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس فتضمنت خطبته تعليماً وموعظة وحِكَماً، وكان مما قاله: “إنَّ لله عباداً يُميتون الباطلَ بهجْرِه ويُحيون الحقَّ بِذِكْره.”
وقد رأيت أنَّ لهذا القول سياقات تحتاج إلى نظر، ومواقف يصحُّ فيها دون حرج.
وقد ذكر الإمام مسلم في مقدمة كتابه الصحيح؛ بياناً للحالتين؛ إذ قال: “وقد تكلَّمَ بعْضُ مُنْتَحِلى الحدِيثِ مِن أَهلِ عَصرنَا فى تَصْحيحِ الأَسَانيدِ وَتَسْقيمِها بِقَوْلٍ لو ضَرَبْنَا عَنْ حِكايتِه وَذِكْرِ فسَادِه صَفْحًا لَكانَ رَأيًا متِينًا وَمذْهَبا صَحِيحا؛ إِذِ الإِعْرَاضُ عن القَوْل المُطَّرَح أَحْرَى لإِمَاتَتِه وَإِخْمَال ذِكْرِ قَائِلِه، وَأَجْدَرُ أَن لاَ يكُونَ ذلِك تَنْبِيها لِلجُهَّال علَيْهِ. غيرَ أَنَّا لمَّا تَخَوَّفْنَا مِن شُرورِ الْعَوَاقِب واغْتِرَار الْجَهَلَةِ بِمُحْدَثات الأُمُور وَإِسْرَاعِهم إِلى اعْتِقَاد خَطَأِ الْمُخْطِئِينَ وَالأَقْوَال السَّاقِطَة عِندَ الْعُلَمَاء رَأَيْنَا الكَشْفَ عن فَسَاد قَوْلِه ورَدَّ مقَالَتِه بقَدْر ما يَلِيقُ بِها مِن الرَّدِّ أَجْدَى على الأَنَام وَأَحْمَدَ لِلْعَاقِبَة إِنْ شاء اللَّه.”
والله سبحانه ذكر بعض المقولات الفاسدة لفئات من الناس، وأحياناً لأشخاص بأعيانهم. ولعلّ الحكمة في ذلك أنه سبحانه يريد أن يبين بشاعة هذه الأقوال وتهافتها وتناقضها مع العقل الصحيح والفطرة السليمة. ومن ذلك قوله سبحانه: “وقالت اليهود عزيزٌ ابنُ الله، وقالت النصارى المسيحُ ابنُ الله” وقوله عن فرعون لقومه: “ما أُرٍيكُم إلا ما أَرَى” وقوله عن الذي حاجّ إبراهيم في ربِّه أن آتَاهُ اللهُ المُلْكَ: “أنا أُحْيِي وأُمِيتُ”، إلخ.
ومن السياقات التي يصح فيها تذَكُّر تلك الحكمة “العُمَرِيَّة” خاطرةُ ذكرها الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله جاء فيها:
“حين كنت إماما في جامع كبير بدمشق، وكنت شابا لا أدرك أبعاد الأمور، وكان قد أعلن أن منيرة المهدية المطربة سوف تزور الشام وتحيي حفلة غنائية، وكانت تلك المطربة سيدة الغناء في ذلك الوقت، قبل أن تشتهر أم كلثوم، وكانت كلمات أغانيها فيها خلاعة وحركاتها، وهي تغني، كلها دلع ومياعة، فاعتليت المنبر في خطبة الجمعة وصحت بالناس محذرا: انتبهوا.. اسمعوا.. وعوا.. غدا أو بعد غد ستأتي المطربة الخالعة المائعة المسماة منيرة المهدية، وتملأ فضاء الشام بكلمات أغانيها التي تخدش الحياء، وسوف تتمايل بقدها الممشوق وتهز جسمها وتبرز مفاتنها، فالحذر الحذر من حضور حفلتها أو السماح لشبابنا بشراء تذاكرها.. فإنها مفسدة للدين والأخلاق ..
وواصلت الهجوم عليها والمطالبة بمنعها وليتني لم أفعل! إذ لم يكد الشباب يخرجون من الجامع حتى تسابقوا لشراء تذاكر حفلتها حتى نفدت التذاكر في يوم، وبيعت في السوق السوداء بعشرة أضعاف ثمنها ..
كنت أعمل، دعاية هائلة مجانية، من دون أن أدري، كنت أظن أنني أصرف الناس عنها فصرفتهم إليها.. فكل ممنوع متبوع وكل من تتم مهاجمته تتضاعف شهرته..”
كم من تافه سخيف منحناه ثوب الشهرة وجعلناه حديث الناس في مجالسهم وهو إمعة وضيع.
وكم ماجن لقيط صار مشهورا بمتابعتنا له ووضعنا له الإعجابات والتعليقات والمشاركات حتى اشتهر و صار متابعوه بالملايين ومن يتابعه شريك له في شروره ..
وكم من حفلة ماجنة لم يعلم بها أحد حتى قام البعض بنشر أخبارها وصورها فشاهدها الآلاف بعد دعاية مجانية لها . وكم من امرأة عارية لم يرها أحد فجاء من صورها ونشر صورتها فرآها الملايين من الناس والله ستار يحب الستر ولايحب نشر الفاحشة ولا الجهر بالسوء من القول فكان إثمه عند الله أعظم عشرات المرات من صاحبة الإثم نفسه
لقد روي عن أحد الشعراء أنه قال : هجوت جريرًا فلم يرد علي، ولو رد عليَّ لاشتهرت .
فيا أيها الأحباب أميتوا الباطل بعدم ذكره ولا تقدموا للفاسقين الشهرة بالمجان.