تعد علاقة الإنسان بالبيئة علاقة متجذرة في تاريخ الإنسانية منذ القدم وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وهذه العلاقة اتسمت منذ منتصف القرن الماضي بالإفراط في الاستهلاك والتصرف غير المسؤول من لدن الإنسان في محيط البيئة وعناصرها، مما ترتب عنه مظاهر تنبئ بتدمير البشرية جمعاء لا قدر الله.
ولعل السبب كما يرى كثير من العلماء والمختصين في البيئة وقضايا التنمية والمناخ أن الإنسان هو المسؤول الرئيس عن أزمة البيئة والمناخ في الواقع المعاصر؛ لأن سلوك الإنسان وتصرفه هو تجل لمعتقده وإيديولوجيته التي يؤمن بها، وخاصة المادية الإلحادية التي تؤمن بأن الكون خلق عبثا ومصادفة وليس له أي دور أو هدف بل هو في خدمة الإنسان ويجب أن يبحث الإنسان عن أهم السبل وأرخصها للسيطرة على عناصر الكون وقهر البيئة والطبيعة حتى يحقق أكبر درجة من الرفاهية والعيش الرغيد… ونتيجة هذا المنهج؛ استنزاف عناصر البيئة واختلال توازن المناخ، وهو مصداق قوله تعالى: “ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون”.
ومن المداخل الأساسية التي اعتمدتها الرؤية الإسلامية مدخل التربية على القيم البيئية، وهو مدخل أساس في بناء الشخصية وتوجيه السلوك الفردي والجماعي، ومن مرتكزاته:
التصحيح والبناء للمفاهيم والتصورات وتوجيه السلوك والتصرفات؛ فما هي هذه المرتكزات وما هي آليات تنزيلها؟
أولا: تصحيح المفاهيم وبناؤها.
أ- تصحيح المفاهيم: ويقصد بذلك المفاهيم الخاطئة.
ويظهر ذلك من خلال تساؤلات الصحابة رضوان الله عليهم في بعض المواقف الجديدة التي كانت لهم مع رسول الله ومنها قصة رجل سقى كلبا فشكر الله له فغفر له، قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرا؟ قال: “في كل كبد رطبة أجر”.
ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسعد بن معاذ رضي الله عنه وهو يتوضأ فقال له: “ما هذا السرف؟ فقال –سعد- أفي الوضوء إسراف؟ قال: “نعم ولو كنت على نهر جار”.
ب- بناء المفاهيم الجديدة:
التربية في مفهومها الإسلامي ترتكز على بناء التصورات السليمة. ومنها بخصوص البيئة:
أ- البيئة كائن حي متميز بالشعور والإحساس.
كان الرسول صلى الله عليه وسلم عائدا إلى المدينة المنورة فلما رأى المدينة المنورة قال: “هذه طابة وهذا أحد جبل يحبنا ونحبه”.
ب- البيئة كائن عابد ومسبح لله عز وجل.
فعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم”أن نملة قرصت نبيا من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأحرقت فأوحى الله إليه أفي أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح”.
ج- البيئة دالة على الإيمان بالله واليوم الآخر.
يقول تعالى: “أفلا ينظرون إلى الابل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الارض كيف سطحت” الغاشية.
د- حق البيئة في الحياة.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار”، وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: “إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا”.
ثانيا: آليات تنزيل هذه القيم والتصورات.
إن تفعيل هذه القيم والأسس الناظمة لعلاقة الإنسان بالبيئة من منظور الشريعة الإسلامية وتنزيلها على أرض الواقع هو واجب المؤسسات المسؤولة عن التربية والتعليم وهي كالتالي:
المؤسسات العلمية: خاصة شعب الدراسات الإسلامية والشريعة الإسلامية… فدورها يكمن في استنباط المفاهيم والقيم الإيمانية والروحية المتضمنة في القرآن والسنة والسيرة النبوية والتراث الفكري والحضاري للأمة الإسلامية، وكذلك تجسير العلاقة بين الشعب العلمية الأخرى المتخصصة في مجال علوم الأرض والحياة وكل ماله تعلق بعناصر البيئة.
الأسرة: تعد مؤسسات الأسرة المسؤول الأول والرئيس عن غرس القيم البيئية في الناشئة لأن الأبناء ينشؤون على ما رأوه في آبائهم.
المدرسة: للمدرسة دور مهم للغاية لأنها تستطيع عبر رجال التربية وعلمائها أن يبلوروا القيم الروحية الإيمانية وتنزيلها على أرض الواقع.
المسجد: يعد المسجد من أهم وسائل التأثير نحو الأفضل والأحسن على مستوى إيمان الإنسان وعقيدته الإسلامية.
الإعلام والفن: إن للإعلام بشتى أصنافه وأنواعه سطوة لا تنكر في صناعة المفاهيم وبناء التصورات، وكذا المجال الفني كالمسرح والسينما والرسم ووسائل التواصل الحديثة.
إن الاشتغال على شمولية الرؤية الإسلامية لعلاقة الإنسان بالبيئة كفيلة بإعادة تحقيق الانسجام والتوافق بين الإنسان وعناصر البيئة والمناخ.
عبد الحكيم شتوي
باحث في البيئة وقضايا التنمية