المنظور التركيبي لظاهرة الغش في الامتحانات

0

ذ. عبد الله أخواض/  أستاذ التربية الاسلامية بني ملال

     يخضع تحليل الظواهر في مجتمعاتنا العربية للأسف للمنظور الاختزالي، الذي لايرى لها إلا سببا واحدا هو المسؤول عن تفاقمها ونفوقها، وتطغى هذه المنهجية على أغلب الظواهر التي ابتلينا بها، وهو مايفسر من جانب ضعف النظر وقصره في الرصد والمتابعة، لتلك الظواهر والعوامل المتفاعلة في إنتاجها، و يبقيىها في دائرة التهميش وفائض الاهتمام، كما يطيل من عمر استمرارها في واقعنا.
يصدق هذا المنظور على ظاهرة الغش في الامتحانات، فلا تكاد منظورات التحليل تخرج عن الاختزال، وقصور في المتابعة للظاهرة وتفسيرها، سواء تعلق الأمر بالفاعل التربوي، أو بمؤسسات الدولة الوصية على القطاع، أو مؤسسات المجتمع المدني، وهو ما يعني التهرب من تحمل المسؤولية المشتركة في إنتاج الأزمة وانسيابها في بنيات المجتمع، و سهولة صناعة عواملها وتحديد المسؤول عنها.
وتحتل ظاهرة الغش في الامتحانات، في نهاية كل موسم دراسي موقعها في وسائل التواصل الاجتماعي، والحديث عن العادات والاساليب المصاحبة لها، والتقنيات المبتكرة في ممارستها، والمواقف المختلفة حولها، من اراء المتعلمين والاساتذة والمجتمع أو مؤسسات الدولة، فعلى الرغم من الاجراءات الزجرية والمساطر القانونية، التي تتخذها وتوفرها، ماتزال الظاهرة مستفحلة ومزمنة، حيث بلغت هذه السنة حسب ارقام الوزارة الوصية نسبة116  % بل الاخطر من ذلك هناك من يقرها ويبررها بأدلة أوهن من بيت العنكبوت، تعبر عن خلل في المنهج والتصور لقضايا المجتمع.
انتشار ظاهرة الغش في المدرسة المغربية، تعبر عن ازمة بنيوية حادة في نسق التفكير الجماعي للمجتمع المغربي، وخلل في المنظومة التربوية والاسرية، والاعلامية، أزمة بنيوية تراتبية يتحمل الجميع فيها المسؤولية، كل حسب موقعه، ولا ترتبط بجهة دون أخرى.
فالمتعلم جزء من مجتمع ينخره الفساد، والمحسوبية والظلم، ويرى بأم عينيه مظاهر الغش ومسلسل التزوير والخداع، وقلب الحقائق كل يوم وفي اغلب مؤسساته، ولا يعني هذا تبرير للتعاطي مع الظاهرة، إنما توصيف لواقع مُر يتحرك أمام الناشئة، وفي أرقى تجليات قلب المعطيات وتزويرها، وتغليط للرأي العام الوطني، حين يتم التغافل عن هذه الوقائع في تحليل ومعالجة الظاهرة، للأسف واقع مزمن تترجمه مؤشرات الفساد والاختلاس، تؤكدها تقارير المجلس الاعلى للحسابات(نموذج تقرير 2018).
تخفي ظاهرة الغش في المجتمع المغربي، في باطنها قلقا تربويا فاحشا، وفشلا استراتيجيا في تدبير منظومة القيم دخل مؤسسات المجتمع، فالإجراءات الزجرية والقانونية على نجاعتها، تبقى غير كافية، وغير مؤهلة في تدبير الظاهرة، التي تحتاج في رأي متدخلين من جميع التخصصات؛ في افق تفكيك عللها، واقتراح سبل المواجهة والمعالجة الدائمة، التي تعتمد المنظور التركيبي القائم على التعدد السببي للظاهرة، بدل الاكتفاء بالحملات الموسمية ، وبشعارات تفتقد الجمالية والدقة في التعبير وبناء الوعي الوطني المطلوب، وضعف منسوبها في المخيال الاجتماعي.
ليست ظاهرة الغش في الامتحانات، معزولة عن سياقاتها الاجتماعية والسياسية، والنفسية والثقافية والاقتصادية، فهي مركبة في أسبابها وحلولها، وأي تصور في رأي خارج المنظور التركيبي يعرضها للإتلاف والضياع، ونتعب أنفسنا في استنتاجات خاطئة ومقاربات جزئية للظاهرة.
يحتاج الموضوع في رأي استراتيجية وطنية تبنى على المخزون القيمي للإنسان المغربي، من خلال التركيز على أفقية القيم وعموديتها في جميع المؤسسات الوطنية دون استثناء، من الحضانة الى المعاهد العليا وكليات الطب والهندسة، المحدودة الاستقطاب والمفتوحة، لأننا نصنع الإنسان ــ المهندس والطبيب، والاعلامي والمقاول، والاستاذ، التاجر والشرطي…الخ، عوض تكثيفها في مادة أو مؤسسة بعينها، تتحمل وزر تدبير القيم والتفريط في تثبيتها، مما يعمق الازمة، ويسهل عملية المحاسبة والمراجعة، والاتهام كما هو شأن مادة التربية الإسلامية، التي تتحمل وحدها أعباء تصريف القيم في المدرسة.
هذا خطأ ينبغي تداركه في أية استراتيجية تربوية مستقبلية، من خلال تعميم منظومة القيم بدل الابتسار الذي تمارسه الجهات المعنية، وتوهمنا بمغالطات وتقريرات ساذجة لم تعد مقبولة في واقع أكثر تعقيدا وسيولة،(حالة النموذج التنموي) فالثورة المعلوماتية الشاملة والمدمرة، وما تقذف به كل يوم من عادات وقيم استهلاكية ترهق الانسان، من الربح السريع وبأقل مجهود، والتفاهة الإعلامية، تحتاج مواجهة صريحة ومعقولة وشاملة من خلال تخليق الحياة العامة، والمؤسسات النموذج في البلاد، والعدل في المحاسبة والتطبيق الصارم للقانون على الجميع.
يحتاج موضوع الغش التفكير الجماعي، والبحث العلمي المعمق الرصين في علله وتمظهراته، من خلال تنويع المقاربات والتفسيرات، واستثمار التقارير الرصدية للظاهرة، والمعطيات الكمية والكيفية، التي تصدرها الجهات المعنية الرسمية وغير الرسمية.
غاية هذه المقالة إعادة الاعتبار للمنهج التركيبي في رصد الظواهر وتحليلها، في أفق انتاج رؤية معرفية متوازنة للأحداث التي نعيشها، والتقليل من النزيف ومحاصرته، ويحتاج ترسيخ هذا المنهج كفايات خاصة وتكوينات علمية، وتقنيات جمع المعطيات ورصدها وترتيبها، وخلاصات علمية تعين على تجاوز التعثرات، وتحسين مؤشرات التنمية ودون ذلك تبديد للجهد والزمن، والابقاء في دائرة الخداع.
عبد الله أخواض ـــــ بني ملال

المنظور التركيبي لظاهرة الغش في الامتحانات

 

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.