ذ. عبد الحق لمهى
تفاعلا مع النقاش الأخير الدائر حول الوضعية المشكلة في مادة التربية الإسلامية، تدريسا وتقويما، وبخاصة بعض الامتحانات الإشهادية وما تلاها من وجهات نظر المتابعين من المتخصصين وغيرهم من الملاحظين، حيث لاحظنا تعدد الآراء واختلافها بين مؤيد ومعارض للوضعية إما شكلا أو مضمونا.
وقبل الشروع في مناقشة الموضوع أود الإشارة إلى أن المقال عبارة عن وجهة نظر تدور بين الصواب والخطأ، لا بين الصحة والبطلان، ثم إن الموضوع يحتاج إلى بحث عميق ودقيق يحتكم إلى الشروط العلمية المعمول بها في مجال البحث العلمي.
وبين هذا وذاك لا بأس من إبداء الملاحظات التي تبدو لي من خلال تتبع النقاش حول الموضوع. ومن ذلك:
لا حاجة للتذكير بمنهج الإسلام في الأخذ بالحكمة من أي وعاء صدرت، وأظن أن الوضعية المشكلة تندرج ضمن هذا الإطار العام الناظم لكل ابتكار أبدعه العقل البشري عامة، ومنه فالمطلوب ـ في نظري ـ تعميق النظر في كيفيات التنزيل وذلك بحث مفتوح للنظر المتجدد والابتكار المتواصل ومراكمة التجارب من خلال الممارسة التربوية.
الوضعية المشكلة وقطعيات الدين: لن نقف على مفهومي الدين والقطعي من النصوص والقضايا ، ولكن يمكننا الوقوف على بعض ” الوضعيات” في القرآن الكريم التي تناولت بعض القطعيات وعرضت الشبه المثارة حولها لتبطلها بمناقشة علمية هادئة وهادفة ومن ذلك ما جرى من الحوار بين إبراهيم عليه السلام ومحاوره ( النمرود) قال تعالى” أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [البقرة:258].”. السؤال المطروح أليس في الآية الكريمة إثارة وعرضا لقضية من قطعيات الدين وهي وحدانية الله تعالى، ورأينا كيف احتفى القرآن الكريم بهذا الموضوع عرضا له وبيانا لرأي المخالف ثم تفنيدا له، أليس هذا شبيها بما يعرض في الوضعيات المشكلة التعليمية في مادة التربية الإسلامية.
اشتغال مادة التربية الإسلامية بالواقع: يعد الواقع وفقهه والإجابة عن إشكالاته مبحثا مهما من مباحث الفقه وأصوله عبر عنه بمسميات كثيرة منها: “تحقيق المناط ” في علم أصول الفقه، ثم إن القرآن الكريم قبل هذا إنما جاء من أجل نقد الواقع وتصحيحه وبنائه وفق هدي الإسلام ومقاصده الكلية، والمتتبع لمجمل القرآن الكريم يجده يتحدث عن واقع الأمم والحضارات السابقة، ومن فقه الواقع ما صدر عن الصحابة من الاجتهادات مثل عمر بن الخطاب ونظره وفتواه في عام الرمادة، فكل ذلك اعتبار وتقدير للواقع. ليس غرضنا مما سبق ذكره التأصيل لفقه الواقع وإنما المناسبة شرط، فكان من المفيد الإشارة إلى ذلك. وبناء على ما سبق يكون اشتغال الوضعية المشكلة على واقع المتعلم، باعتباره جزءا من واقع الإنسان، أمر له سنده القوي من الشرع.
دفع المتعلم إلى النقاش وإعمال العقل منهج نبوي أصيل، تجلى في تصرفات النبي عليه السلام ومن ذلك حديث رسول الله عليه السلام” عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله عليه السلام – إنَّ من الشجرةِ شجرةٌ لا يسقطُ ورقها وهي مثلُ المؤمنِ حدِّثوني ما هيَ قال عبدُ اللهِ فوقعَ الناسُ في شجرِ البوادي ووقع في نفسي أنها النخلةُ فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ هي النخلةُ فاستحييتُ يعني أن أقولَ قال عبدُ اللهِ فحدَّثتُ عمرَ بالذي وقع في نفسي فقال لأن تكون قلتَها أحبُّ إليَّ من أن يكون لي كذا وكذا” انظر عارضة الاحوذي .
من خلال الحديث السابق وغيره من الأحاديث نفهم أن إثارة ذهن المتعلم ودفعه للتفكير من خلال سياق فيه شيء من التحدي والأشكلة، يعد من صميم العمل النبوي الذي نهتدي به في العملية التعليمية التعلمية عامة وفي الوضعية المشكلة خاصة. وما أكثر القضايا والمشكلات التي تعرض للمتعلم في حياته، إن لم نطرحها نحن طرحت علينا داخل الفصول الدراسية ويكون المطلوب التعامل معها بشكل من الأشكال ومحاولة البحث عن جواب لها.
بالنظر إلى القرآن الكريم الأصل الأول من أصول المعرفة الإسلامية نجده يعرض من الشبه كثيرا ومن ذلك طلب موسى عليه السلام رؤية الله تعالى وادعاء النمرود الإحياء والإماتة، وقول فرعون “ما أريكم إلا ما أرى”، فهل يعد ذلك كله من إثارة الشبه وزعزعة العقيدة في نفس الإنسان المؤمن أم أن القرآن الكريم حينما عرض تلك الأفكار إنما قدمها من أجل مناقشتها وردها وليرسم لنا منهجا في التعامل مع مثلها من الإشكالات عرضا ومناقشة.
سبق وان تحدثت في قبل عن بعض الأسماء التي ذكرها القرآن الكريم، فاذا كان القرآن الكريم ذكر تلك الأسماء وعرض مواقف، أليس لنا أن نسلك مسلكه في إيراد أسماء في وضعية مشكلة ما، لست هنا مفتيا ولكن اطرح سؤالا على نفسي وعلى المهتمين لعلنا نجد له جوابا شافيا مقنعا يؤسس لعملنا في صياغة الوضعية المشكلة.
وختاما فإن المقال لا يدعي الإجابة الكافية الشافية على ما طرح من أفكار سجالية بخصوص الوضعية المشكلة والتدريس بها في مادة التربية الإسلامية، وإنما هي مساهمة في النقاش الدائر حول هذا الموضوع بغية إغنائه وتبادل وجهات النظر حوله.
الوضعية-المشكلة-التقويمية-في-مادة-التربية-الإسلامية (1)