بقلم /ذ. عبد الله أحواض
الوعي بالتاريخ وتشابكاته شرط في استعادة الشعوب لذاكرتها الجماعية ولحظات انبثاقها الأول في مسار الحركة الإنسانية. وهو ما يجعل لهذا التاريخ موقعا خاصا ومتميزا بل ومقدسا في الثقافة العامة للمجتمعات، تزييفه تزيف لكينونة الإنسان وهويته وتحيزاته، التي يحتاجها في رسم معالم الحاضر والمستقبل، واستيعاب مختلف التحولات الجارية اليوم والعلاقة مع أنواع من الأفكار التي يموج بها الواقع المعاصر.
ومن هذه الوقائع التاريخية التي تشكل الوعي الجماعي للانسان ويستحضرها الوعي الجماعي العربي والمسلم حدث الهجرة النبوية، الذي ما يزال يعتبر لحظة فارقة مهمة في تاريخ الامة، فهو ليس حدثا عارضا في التاريخ إنما حدث إنساني بامتياز قاده الرسول الإنسان أحدث به الفارق بين منظومات ثقافية وفكرية متناقضة في الاسس المرجعية والانسانية، منظومة موغلة في القهر والظلم واستباحة الحرمات وانتهاك الحقوق الدينية والوجودية للانسان والحق في الاختيار، وبين منظومة تحمل هم الإنسان مطلق الإنسان
في ممارسة حقه الطبيعي والأخلاقي، فكان حدث الهجرة مرحلة البحث عن الأمن والأمان والسلام وتمكين الإنسان من شروط الإنتاج والابداع، الذي سبقه شرط العلم بين العقبة الأولى والثانية، فقد اتاح هذا التاريخ للانسان ولوج عالم الخبرة الذاتية والعفة والإيمان بالتعاون “نموذج دلني على السوق بارك الله لك في مالك وزوجك” والسعي في الأرض وإنتاج الثروة، بدل الطمع في ثروة الغير والركون إلى الدعة والكسل.
حدت ارتبط بعالم الإنسانيات حين حرص على استرجاع حقوق الإنسان وممتلكاته التي نهبت بغير حق في غزوة بدر الكبرى فالمعركة هنا ليست دينية بين نسقين متناقضين بل بين نسقين احدهم ظالم أخذ حقوق الغير وتصرف فيها بغير وجه حق وبين نسق ظلم أهله فهي معركة بين العدل والظلم.
عالم توج بوثيقة استطاع من خلالها رسول الإنسانية عليه الصلاة والسلام تركيب هويات متناقضة في اعتقاداتها ومرجعياتها في هوية وطنية واحدة في واحدة من أهم الإنجازات التاريخية التي ينبغي أن نستوعبها ويستوعبها العالم في ظل التعددية الدينية المتنوعة، لتجاوز الاعطاب والمخاطر التي تهدد الإنسانية اليوم.
بلوغ هذا الأفق في قراءة السيرة النبوية يعزز من فرص التقارب والتعاون بين الانساق الحضارية، كما يعزز عندنا إمكانات استثمارها في الدرس المعرفي والفلسفي الإنساني المعاصر.فما انجز مباشرة بعد الهجرة استثمار لمفهوم الزمن والجغرافية والإنسان وبأقل جهد من خلال التوجيه النبوي القائم على تحفيز الكفاءات و قبول المبادرات الإيجابية.
الهجرة النبوية حدث إنساني بكل المعايير، غير من المعادلات المهيمنة والقاهرة لانسانية الإنسان واسس لقواعد في الاجتماعي البشري وفق مقاييس الاسلام.
الوعي العميق للحدث يخلق حالات جديدة في ثقافتنا المعاصرة من الاحتفال السطحي الى الوعي المتجدر الفاعل والمتفاعل مع السنن الاجتماعية والنفسية والمادية.
مع خالص الدعوات بالشفاء العاجل للجميع.
عبدالله اخواض