قدمها الأستاذ الدكتور سعيد حليم /8صفر 1444ه، الموافق ل: 4شتنبر2022
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
كيف يحافظ الأستاذ على نشاطه وحيويته، مع تعاقب السنوات؟ كيف يجعل الأستاذ نفسه في حرز من الكسل، والروتين والاجترار؟
كيف يجدد الأستاذ مكتسباته، ويجود أداءه عندما يغيب التكوين المستمر، وعندنا تكون زيارات المشرف التربوي قليلة وشحيحة؟
كيف يجدد المشرف التربوي مكتسباته، ويجعل نفسه أهلا للتأطير والإشراف؟
كيف يبتعد المشرف التربوي عن دائرة الكسل، ويجعل نفسه في منأى عن الاجترار؟
إنني عندما أقدم هذه النصائح، فليس من باب التعالي، وإعطاء الدروس للغير. فأنا أتحدث بهذه النصائح، وأدخل نفسي أولا ضمن المنصوحين. أنصح بنية المساهمة في تجويد مجال أحبه وأعشقه، وأقدر من فيه من الأساتذة والأستاذات تقديرا خاصا، وأجلهم إجلالا عظيما.
الناصح عندما يحب المنصوح؛ فإنه ينصحه؛ لأجل أن يراه في أحسن حال، وخير منزلة، وأفضل مقام.
من مكان بعيد الناس، وقريب من البحر، وفي مجال هادئ يبعث على التفكير، ويحفز على الكتابة؛ أكتب هذه النصيحة، علها تجد من يأخذ بها، ويعمل بما فيها كليا أو جزئيا.
عادة عندما يتخرج الأساتذة، والمشرفون التربويون من مراكز التكوين؛ فإن أغلبهم يتوفرون على الضروري من المعرفة التي تؤهلم لممارسة المهنة في مستوى مقبول. ذلك أن مدة التكوين بالنسبة للأساتذة غير كافية لتمكينهم من ممارسة جيدة وقوية. لكن الضروري قد يتوفر بحسب مستوى الأساتذة في مراكز التكوين التربوي، ورغبة المكونين، وما يتوفرون عليه من قدرات عقلية، ومكتسبات معرفية ومهارية.
وهنا ننصح الأساتذة والمشرفين التربويين، باتباع الخطوات والإجراءات التالية؛ حتى تكون ممارستهم للعملية التعليمية التعملية في تصاعد مستمر، وفي تحسن دائم.
أولا: استحضار مراقبة الله عز وجل، وإخلاص النية لله تعالى في ممارسة مسؤولية التدريس، أو التأطير التربوي. مسؤولية التدريس؛ مسؤولية عظمى، كبيرة القدر، عظيمة الأجر إن أديت بإتقان. وعظيمة الوزر، إن أنجزت بكسل، واجترار، وغش وتهاون. وقل مثل ذلك في مسؤولية الإشراف التربوي.
ثانيا: تعميق النظر في(المقاربات البيداغوجية)؛ فإنها في غاية الأهمية؛ لما لها من أثر في تجويد الممارسة. ممارسة التعليم بدون الاطلاع على المقاربات البيداغوحية، لا يمكن أن يتطور، أو أن يتحسن. الممارسة تجود بالعلم، والاطلاع على المستجدات التربوية، وليس بالعادة والتكرار الساذج.
ثالثا: تعميق النظر في (علم النفس التربوي). فهو علم في غاية الأهمية، وله درجة عالية، وقيمة كبرى في تكوين الأستاذ والمشرف التربوي. علم النفس التربوي؛ يمكن الأستاذ من معرفة دقيقة بنظريات التعلم. لا يمكن أن ندرس في أي مستوى، بدون أن نعلم كيف يتعلم المتعلمون؟ وما الشروط التي ينبغي توفرها؛ حتى يكون التعلم فعالا؟ وكيف يمكن تطوير قدرات المتعلمين؟ وكيف ينبغي التعامل مع الفروق الفردية الموجودة بين المتعلمين؟ وكيف يمكن تجاوز الصعوبات النفسية في التعلم؟
كل من مارس التعليم بعيدا عن علم النفس التربوي؛ ستكون ممارسته انطباعية، ومرتجلة، ولا تحقق النتائج المسطرة في الأهداف التعليمية، وإن درس عقودا. الأساس الأول للتعليم؛ هو أساس سيكولوجي بامتياز. في هذا العلم نطرح السؤال الكبير:
كيف يتعلم المتعلمون؟
وفي الممارسة التدريسية، نسأل:
كيف ينبغي أن يدرس الأستاذ؟
جوال السؤال الثاني، لا يتحقق إلا بالجواب عن السؤال الأول.
رابعا: تعميق النظر في (علم التدريس)، وهو علم يدرس عناصر المنهاج التربوي؛ من حيث الأهداف التربوية، والمادة المدرسة، وطرق التدريس، والوسائل التعليمية، والعلاقات الصفية، وزمن التعليم والتعلم، وطرق التقويم والدعم؛ من أجل صياغة نظريات لتفسير العملية التعليمية التعملية، والعمل على تجويدها، وتحسين المخرجات.
قد تجد الكثير من الأساتذة، لا يدرسون هذا العلم بالعمق المطلوب. وقد تمر سنوات بدون قراءة كتاب واحد. وقد تجد عند بعض الأساتذة تمثلا خاطئا، مفاده أن هذا العلم لا يقدم ولا يؤخر، وأن الأستاذ الكف: هو المتمكن من تخصصه.
التمكن من التخصص ضروري ومؤكد، وهو من باب السماء فوقنا، والأرض من تحت أرجلنا. لا يمكن لأي أستاذ مهما كانت درجة تمكنه من تخصصه، أن يستغني عن علم التدريس؛ لأنه هو الوسيلة لتدبير المعرفة، وتنظيمها، وتنزيلها.
التدريس علم؛ يحتاج إليه كل ممارس للتدريس؛ لأن التدريس لا يمارس بالانطباع، والعفوية، والارتجال. لا يمكن للممارسة التدرسية أن تتطور بعيدا عن علم التدريس.
خامسا: العمل على تدوين الممارسة التدريسية؛ من خلال تسجيل أهم ما يقع في الحصص التعليمية؛ من حيث الصعوبات الملاحظة، والأسئلة المطروحة، والأخطاء التي ترتكب سواء من المتعلمين، أو من الأستاذ.
تدوين التجربة؛ أمر في غاية الأهمية؛ لأنه يرصد مجريات العملية التعليمية التعملية، ويشخص مواطن القوة، ومواضع الضعف؛ سواء في أداء المتعلمين، أو في أداء الأستاذ. ممارسة التعليم، بدون تسجيل معطيات التجربة؛ أحد الأسباب التي تؤدي إلى الاجترار والتقليد، والوصول إلى درك الكسل، والموت البيداغوجي.
سادسا: ممارسة البحث التروي التدخلي
يراد بالبحث التربوي التدخلي في السياق الذي نحن فيه: البحث الذي ينجزه الأستاذ، أو المشرف التربوي، في صعوبة من الصعوبات التي يواجهها المتعلمون، أو الأساتذة في ممارساتهم. ويكون الغرض من ذلك علاج تلك الصعوبات، والعمل على تجاوزها؛ من أجل تجويد التعلم، أو التعليم، أو هما معا.
البحث التربوي التدخلي؛ هو بحث ميداني تطبيقي، يعتمد الملاحظة العلمية، أو توزيع الاستمارات، أو اعتماد المقابلات، أو اعتماد هذه المسالك مجموعة. وأول من يستفيد من نتائج البحث التربوي التدخلي؛ هم الفئة المستهدفة بالدراسة.
قد تمر سنوات وسنوات، ولا تجد الكثير من الأساتذة، أو المشرفين التربويين، قد أنجزوا بحثا واحدا. وهذا خلل عظيم، وتقصير جسيم. لا يمكن للأستاذ أن يطور أداءه، ولا يمكن للمشرف التروي أن يحسن مستواه مع مرور السنوات؛ بدون ممارسة البحث العلمي التربوي.
البحث التروي التدخلي؛ لا يستغرق وقتا طويلا. يمكن للباحث أن ينجز البحث، في وقت وجيز. يقتصر الباحث قي كل بحث، على دراسة صعوبة واحدة، يلاحظها عند المتعلمين. فيدرس أسبابها، وتجلياتها، وطرق علاجها. يبدأ الباحث بجمع المعطيات من خلال الرصد، وتوزيع الاستمارات على الفئة المستهدفة. ويمكن للأستاذ المبتدئ، أن يستعين بمشرفه التربوي؛ لإنجاز البحوث الأولى في المجال. عدو الأستاذ الأول: الخوف من الخطأ. الخوف من الجديد. الخوف من الصعوبات الأولى.
الصعوبات عادة تكون في بداية الطريق. لابد من الصبر، وطول النفس، والكثير من التواضع. دون ذلك سيبقى الأستاذ في مكانه لا يتحرك، ولا يتطور.
يمكن أن يكون مستوى البحث في بداية ضعيفا. لا بأس في ذلك. الجودة تأتي مع الممارسة، وتحصيل التراكم المطلوب. ويمكن للأستاذ أن يستعين بكتاب أو أكثر في مجال البحوث التدخلية؛ حتى يكتسب الضروري من مناهج البحث التروي التدخلي.
بالنسبة للمشرف التروي؛ يمكن أن ينجز بحوثا تدخلية، تتعلق بالصعوبات التي يرصدها في ممارسات الأساتذة الذين يشرف عليهم.
من تضييع الأمة؛ أن تمر سنوات بدون إنجاز بحث واحد. وقد تجد من بين الأساتذة، أو المشرفين التربويين، من يتقن ويتفنن في النقد والهدم، وهو لا يستطيع أن يخرج بحثا واحدا بعد سنوات من العمل. ويدعي بعد ذلك أنه ذو خبرة في المجال التروي. الخبرة تأتي مع الممارسة والبحث العلمي، ولا تتحقق بالممارسة الارتجالية.
سابعا: اعتمادها التقويم التبادلي:
المراد بالتقويم التبادلي في السياق الذي نحن فيه: التقويم الذي يكون بين الأساتذة. يتفق أستاذتنا اثنان أو أكثر في مادة واحدة، على الزيارات المتبادلة، ويكون رصد تجربة كل أستاذ من خلال شبكة علمية يصوغها الأساذان معا. من الأسباب الرئيسة للاجترار والكسل، أن يعتقد كل أستاذ الكمال في أدائه، أو أن يتخوف من تقويم الآخر لأدائه. التكبر والخوف؛ يقتلان التجديد، والإبداع.
قبول التقويم من المشرف التروي بصدر رحب؛ يطور الأداء، ويحسن المردودية. قبول التقويم من الزملاء، يجود الممارسة، ويرقيها في مدارج الإحسان والإتقان.
ثامنا: الإفادة من ملاحظات المتعلمين:
ما ينبغي للأستاذ أن يستنكف عن التعلم من المتعلمين. منذ حوالي ثلاثين سنة، وأنا أوزع كل سنة استمارات على طلبتي، أسأهم من خلالها عن مواطن الضعف، ومواطن القوة في ممارستي. وفي كل سنة أستفيد مما يقدم لي من ملاحظات، في تجويد أدائي، وتحسين ممارستي.
استفد ما أمكن، وما وسعك الأمر من المتعلمين، ولا تستهن بملاحظاتهم، ولا تعرض عن توجيهاتهم؛ إن أردت أن تبقى حيا معطاء.
تاسعا: ابتعد ما أمكن عن الأساتذة السوداويين؛ الذين يتقنون النقد الفارغ، ولا يرون أمامهم إلا السواد القاتم. ابتعد جهد الإمكان عمن يريد أن ينقل إليك كسله، وجموده، وتحجره، ومرضه.
اصحب الأساتذة المجتهدين؛ فإن صحبتهم مفيدة جدا، ومعينة على تحمل مسؤولية التدريس بصدق وأمانة. منذ حوالي ثلاثين سنة، وأنا أجتهد في صلاتي، وأدعو الله تعالى، أن يبعدني عن الكسالى والمثبطين، ما بعدت السماء عن الأرض. تجد الأستاذ ينتقد الوزارة، وينتقد المنظومة، وينتقد الإدارة التربوية، لا يسلم أحد من نقده، وهو لم ينجز بعد سنوات بحثا واحدا في مجاله. النقد صناعة يتقنها الجميع. لا يقبل النقد من الناقد، إلا إذا كان مساهما في البناء؛ لأن من غسهم في البناء، قل نقده، ونزل من السماء إلى الأرض. أما من مارس النقد، بدون مساهمة في البناء؛ فتجده كثير النقد. يظن الناقد أن النقد، يظهر بمظهر القوة. القوة الحقيقية تظهر في البناء. أما الهدم؛ فيتقنه الجميع.
تجد الأستاذ ينتقد الكتاب المدرسي، ويتفنن في بيان عواره. فإذا سألته: هل لديك بديل عن هذا الكتاب الذي تنتقده؛ سكت، وصمت، ورجع القهقرى؟؟؟؟؟
عاشرا: الحرص على بناء الجذاذات من خلال الاجتهاد الشخصي. طلب الجذاذات من الغير أول دركات الكسل. الأستاذ الكفء: هو الذي يستنكف أن يتسول الجذاذات من الغير.
يستحسن بعد الممارسة، وإنجاز الدروس؛ أن يجود الأستاذ جذاذاته بناء على ما ظهر له من الملاحظات التي يجمعها من رصده الشخصي، أو من خلال ملاحظات المتعلمين، أو ملاحظات زملائه إن كان يعمل بالتقويم التبادلي.
ترك الجذاءات على حالها من غير تجديد، ولا تطوير؛ قد يؤدي إلى الاجترار، والابتعاد عن التجديد الذي ينبغي أن يكون في الممارسة التعليمية.
حادي عشر: الحرص على المشاركة في الندوات التربوية التي تنظمها الإدارة التربوية، أو المديريات الإقليمية، أو الأكاديميات الجهوية، أو غيرها مما ينظم عموما في المجال العلمي، أو المجال التربوي.
ومن ذلك أيضا المساهمة بالمقالات العلمية، في المجلات التي تصدرها الكثير من المديريات الإقليمية، أو الأكاديمية الجهوية، أو غيرها. فإن كل ذلك مما يعين على تطوير المستوى العلمي؛ خصوصا إذا كان ذلك ينجز بصدق، وبذل الجهد المطلوب.
ما زلت بعد مرور حوالي ثلاثين سنة من التجربة في التعليم العالي؛ أستفيد ممن هو أفضل مني، وأستفيد ممن هو مثلي، وأستفيد ممن هو دوني.
ما زلت بعد مرور ثلاثة عقود أتعلم، ولا أستنكف عن التعلم، ولا أتكبر عن النصيحة إن قدمت لي، مهما كان مصدرها؛ لأن النصيحة كيفما قلبتها، فهي تنفعك، ولا تضرك. وهي تزيد من قدرك، ولا تنقص منه شيئا.
والحمد لله رب العالمين.
كتبه الأستاذ الدكتور: سعيد حليم.8صفر 1444ه، الموافق ل: 4شتنبر2022
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
كيف يحافظ الأستاذ على نشاطه وحيويته، مع تعاقب السنوات؟ كيف يجعل الأستاذ نفسه في حرز من الكسل، والروتين والاجترار؟
كيف يجدد الأستاذ مكتسباته، ويجود أداءه عندما يغيب التكوين المستمر، وعندنا تكون زيارات المشرف التربوي قليلة وشحيحة؟
كيف يجدد المشرف التربوي مكتسباته، ويجعل نفسه أهلا للتأطير والإشراف؟
كيف يبتعد المشرف التربوي عن دائرة الكسل، ويجعل نفسه في منأى عن الاجترار؟
إنني عندما أقدم هذه النصائح، فليس من باب التعالي، وإعطاء الدروس للغير. فأنا أتحدث بهذه النصائح، وأدخل نفسي أولا ضمن المنصوحين. أنصح بنية المساهمة في تجويد مجال أحبه وأعشقه، وأقدر من فيه من الأساتذة والأستاذات تقديرا خاصا، وأجلهم إجلالا عظيما.
الناصح عندما يحب المنصوح؛ فإنه ينصحه؛ لأجل أن يراه في أحسن حال، وخير منزلة، وأفضل مقام.
من مكان بعيد الناس، وقريب من البحر، وفي مجال هادئ يبعث على التفكير، ويحفز على الكتابة؛ أكتب هذه النصيحة، علها تجد من يأخذ بها، ويعمل بما فيها كليا أو جزئيا.
عادة عندما يتخرج الأساتذة، والمشرفون التربويون من مراكز التكوين؛ فإن أغلبهم يتوفرون على الضروري من المعرفة التي تؤهلم لممارسة المهنة في مستوى مقبول. ذلك أن مدة التكوين بالنسبة للأساتذة غير كافية لتمكينهم من ممارسة جيدة وقوية. لكن الضروري قد يتوفر بحسب مستوى الأساتذة في مراكز التكوين التربوي، ورغبة المكونين، وما يتوفرون عليه من قدرات عقلية، ومكتسبات معرفية ومهارية.
وهنا ننصح الأساتذة والمشرفين التربويين، باتباع الخطوات والإجراءات التالية؛ حتى تكون ممارستهم للعملية التعليمية التعملية في تصاعد مستمر، وفي تحسن دائم.
أولا: استحضار مراقبة الله عز وجل، وإخلاص النية لله تعالى في ممارسة مسؤولية التدريس، أو التأطير التربوي. مسؤولية التدريس؛ مسؤولية عظمى، كبيرة القدر، عظيمة الأجر إن أديت بإتقان. وعظيمة الوزر، إن أنجزت بكسل، واجترار، وغش وتهاون. وقل مثل ذلك في مسؤولية الإشراف التربوي.
ثانيا: تعميق النظر في(المقاربات البيداغوجية)؛ فإنها في غاية الأهمية؛ لما لها من أثر في تجويد الممارسة. ممارسة التعليم بدون الاطلاع على المقاربات البيداغوحية، لا يمكن أن يتطور، أو أن يتحسن. الممارسة تجود بالعلم، والاطلاع على المستجدات التربوية، وليس بالعادة والتكرار الساذج.
ثالثا: تعميق النظر في (علم النفس التربوي). فهو علم في غاية الأهمية، وله درجة عالية، وقيمة كبرى في تكوين الأستاذ والمشرف التربوي. علم النفس التربوي؛ يمكن الأستاذ من معرفة دقيقة بنظريات التعلم. لا يمكن أن ندرس في أي مستوى، بدون أن نعلم كيف يتعلم المتعلمون؟ وما الشروط التي ينبغي توفرها؛ حتى يكون التعلم فعالا؟ وكيف يمكن تطوير قدرات المتعلمين؟ وكيف ينبغي التعامل مع الفروق الفردية الموجودة بين المتعلمين؟ وكيف يمكن تجاوز الصعوبات النفسية في التعلم؟
كل من مارس التعليم بعيدا عن علم النفس التربوي؛ ستكون ممارسته انطباعية، ومرتجلة، ولا تحقق النتائج المسطرة في الأهداف التعليمية، وإن درس عقودا. الأساس الأول للتعليم؛ هو أساس سيكولوجي بامتياز. في هذا العلم نطرح السؤال الكبير:
كيف يتعلم المتعلمون؟
وفي الممارسة التدريسية، نسأل:
كيف ينبغي أن يدرس الأستاذ؟
جوال السؤال الثاني، لا يتحقق إلا بالجواب عن السؤال الأول.
رابعا: تعميق النظر في (علم التدريس)، وهو علم يدرس عناصر المنهاج التربوي؛ من حيث الأهداف التربوية، والمادة المدرسة، وطرق التدريس، والوسائل التعليمية، والعلاقات الصفية، وزمن التعليم والتعلم، وطرق التقويم والدعم؛ من أجل صياغة نظريات لتفسير العملية التعليمية التعملية، والعمل على تجويدها، وتحسين المخرجات.
قد تجد الكثير من الأساتذة، لا يدرسون هذا العلم بالعمق المطلوب. وقد تمر سنوات بدون قراءة كتاب واحد. وقد تجد عند بعض الأساتذة تمثلا خاطئا، مفاده أن هذا العلم لا يقدم ولا يؤخر، وأن الأستاذ الكف: هو المتمكن من تخصصه.
التمكن من التخصص ضروري ومؤكد، وهو من باب السماء فوقنا، والأرض من تحت أرجلنا. لا يمكن لأي أستاذ مهما كانت درجة تمكنه من تخصصه، أن يستغني عن علم التدريس؛ لأنه هو الوسيلة لتدبير المعرفة، وتنظيمها، وتنزيلها.
التدريس علم؛ يحتاج إليه كل ممارس للتدريس؛ لأن التدريس لا يمارس بالانطباع، والعفوية، والارتجال. لا يمكن للممارسة التدرسية أن تتطور بعيدا عن علم التدريس.
خامسا: العمل على تدوين الممارسة التدريسية؛ من خلال تسجيل أهم ما يقع في الحصص التعليمية؛ من حيث الصعوبات الملاحظة، والأسئلة المطروحة، والأخطاء التي ترتكب سواء من المتعلمين، أو من الأستاذ.
تدوين التجربة؛ أمر في غاية الأهمية؛ لأنه يرصد مجريات العملية التعليمية التعملية، ويشخص مواطن القوة، ومواضع الضعف؛ سواء في أداء المتعلمين، أو في أداء الأستاذ. ممارسة التعليم، بدون تسجيل معطيات التجربة؛ أحد الأسباب التي تؤدي إلى الاجترار والتقليد، والوصول إلى درك الكسل، والموت البيداغوجي.
سادسا: ممارسة البحث التروي التدخلي
يراد بالبحث التربوي التدخلي في السياق الذي نحن فيه: البحث الذي ينجزه الأستاذ، أو المشرف التربوي، في صعوبة من الصعوبات التي يواجهها المتعلمون، أو الأساتذة في ممارساتهم. ويكون الغرض من ذلك علاج تلك الصعوبات، والعمل على تجاوزها؛ من أجل تجويد التعلم، أو التعليم، أو هما معا.
البحث التربوي التدخلي؛ هو بحث ميداني تطبيقي، يعتمد الملاحظة العلمية، أو توزيع الاستمارات، أو اعتماد المقابلات، أو اعتماد هذه المسالك مجموعة. وأول من يستفيد من نتائج البحث التربوي التدخلي؛ هم الفئة المستهدفة بالدراسة.
قد تمر سنوات وسنوات، ولا تجد الكثير من الأساتذة، أو المشرفين التربويين، قد أنجزوا بحثا واحدا. وهذا خلل عظيم، وتقصير جسيم. لا يمكن للأستاذ أن يطور أداءه، ولا يمكن للمشرف التروي أن يحسن مستواه مع مرور السنوات؛ بدون ممارسة البحث العلمي التربوي.
البحث التروي التدخلي؛ لا يستغرق وقتا طويلا. يمكن للباحث أن ينجز البحث، في وقت وجيز. يقتصر الباحث قي كل بحث، على دراسة صعوبة واحدة، يلاحظها عند المتعلمين. فيدرس أسبابها، وتجلياتها، وطرق علاجها. يبدأ الباحث بجمع المعطيات من خلال الرصد، وتوزيع الاستمارات على الفئة المستهدفة. ويمكن للأستاذ المبتدئ، أن يستعين بمشرفه التربوي؛ لإنجاز البحوث الأولى في المجال. عدو الأستاذ الأول: الخوف من الخطأ. الخوف من الجديد. الخوف من الصعوبات الأولى.
الصعوبات عادة تكون في بداية الطريق. لابد من الصبر، وطول النفس، والكثير من التواضع. دون ذلك سيبقى الأستاذ في مكانه لا يتحرك، ولا يتطور.
يمكن أن يكون مستوى البحث في بداية ضعيفا. لا بأس في ذلك. الجودة تأتي مع الممارسة، وتحصيل التراكم المطلوب. ويمكن للأستاذ أن يستعين بكتاب أو أكثر في مجال البحوث التدخلية؛ حتى يكتسب الضروري من مناهج البحث التروي التدخلي.
بالنسبة للمشرف التروي؛ يمكن أن ينجز بحوثا تدخلية، تتعلق بالصعوبات التي يرصدها في ممارسات الأساتذة الذين يشرف عليهم.
من تضييع الأمة؛ أن تمر سنوات بدون إنجاز بحث واحد. وقد تجد من بين الأساتذة، أو المشرفين التربويين، من يتقن ويتفنن في النقد والهدم، وهو لا يستطيع أن يخرج بحثا واحدا بعد سنوات من العمل. ويدعي بعد ذلك أنه ذو خبرة في المجال التروي. الخبرة تأتي مع الممارسة والبحث العلمي، ولا تتحقق بالممارسة الارتجالية.
سابعا: اعتمادها التقويم التبادلي:
المراد بالتقويم التبادلي في السياق الذي نحن فيه: التقويم الذي يكون بين الأساتذة. يتفق أستاذتنا اثنان أو أكثر في مادة واحدة، على الزيارات المتبادلة، ويكون رصد تجربة كل أستاذ من خلال شبكة علمية يصوغها الأساذان معا. من الأسباب الرئيسة للاجترار والكسل، أن يعتقد كل أستاذ الكمال في أدائه، أو أن يتخوف من تقويم الآخر لأدائه. التكبر والخوف؛ يقتلان التجديد، والإبداع.
قبول التقويم من المشرف التروي بصدر رحب؛ يطور الأداء، ويحسن المردودية. قبول التقويم من الزملاء، يجود الممارسة، ويرقيها في مدارج الإحسان والإتقان.
ثامنا: الإفادة من ملاحظات المتعلمين:
ما ينبغي للأستاذ أن يستنكف عن التعلم من المتعلمين. منذ حوالي ثلاثين سنة، وأنا أوزع كل سنة استمارات على طلبتي، أسأهم من خلالها عن مواطن الضعف، ومواطن القوة في ممارستي. وفي كل سنة أستفيد مما يقدم لي من ملاحظات، في تجويد أدائي، وتحسين ممارستي.
استفد ما أمكن، وما وسعك الأمر من المتعلمين، ولا تستهن بملاحظاتهم، ولا تعرض عن توجيهاتهم؛ إن أردت أن تبقى حيا معطاء.
تاسعا: ابتعد ما أمكن عن الأساتذة السوداويين؛ الذين يتقنون النقد الفارغ، ولا يرون أمامهم إلا السواد القاتم. ابتعد جهد الإمكان عمن يريد أن ينقل إليك كسله، وجموده، وتحجره، ومرضه.
اصحب الأساتذة المجتهدين؛ فإن صحبتهم مفيدة جدا، ومعينة على تحمل مسؤولية التدريس بصدق وأمانة. منذ حوالي ثلاثين سنة، وأنا أجتهد في صلاتي، وأدعو الله تعالى، أن يبعدني عن الكسالى والمثبطين، ما بعدت السماء عن الأرض. تجد الأستاذ ينتقد الوزارة، وينتقد المنظومة، وينتقد الإدارة التربوية، لا يسلم أحد من نقده، وهو لم ينجز بعد سنوات بحثا واحدا في مجاله. النقد صناعة يتقنها الجميع. لا يقبل النقد من الناقد، إلا إذا كان مساهما في البناء؛ لأن من غسهم في البناء، قل نقده، ونزل من السماء إلى الأرض. أما من مارس النقد، بدون مساهمة في البناء؛ فتجده كثير النقد. يظن الناقد أن النقد، يظهر بمظهر القوة. القوة الحقيقية تظهر في البناء. أما الهدم؛ فيتقنه الجميع.
تجد الأستاذ ينتقد الكتاب المدرسي، ويتفنن في بيان عواره. فإذا سألته: هل لديك بديل عن هذا الكتاب الذي تنتقده؛ سكت، وصمت، ورجع القهقرى؟؟؟؟؟
عاشرا: الحرص على بناء الجذاذات من خلال الاجتهاد الشخصي. طلب الجذاذات من الغير أول دركات الكسل. الأستاذ الكفء: هو الذي يستنكف أن يتسول الجذاذات من الغير.
يستحسن بعد الممارسة، وإنجاز الدروس؛ أن يجود الأستاذ جذاذاته بناء على ما ظهر له من الملاحظات التي يجمعها من رصده الشخصي، أو من خلال ملاحظات المتعلمين، أو ملاحظات زملائه إن كان يعمل بالتقويم التبادلي.
ترك الجذاءات على حالها من غير تجديد، ولا تطوير؛ قد يؤدي إلى الاجترار، والابتعاد عن التجديد الذي ينبغي أن يكون في الممارسة التعليمية.
حادي عشر: الحرص على المشاركة في الندوات التربوية التي تنظمها الإدارة التربوية، أو المديريات الإقليمية، أو الأكاديميات الجهوية، أو غيرها مما ينظم عموما في المجال العلمي، أو المجال التربوي.
ومن ذلك أيضا المساهمة بالمقالات العلمية، في المجلات التي تصدرها الكثير من المديريات الإقليمية، أو الأكاديمية الجهوية، أو غيرها. فإن كل ذلك مما يعين على تطوير المستوى العلمي؛ خصوصا إذا كان ذلك ينجز بصدق، وبذل الجهد المطلوب.
ما زلت بعد مرور حوالي ثلاثين سنة من التجربة في التعليم العالي؛ أستفيد ممن هو أفضل مني، وأستفيد ممن هو مثلي، وأستفيد ممن هو دوني.
ما زلت بعد مرور ثلاثة عقود أتعلم، ولا أستنكف عن التعلم، ولا أتكبر عن النصيحة إن قدمت لي، مهما كان مصدرها؛ لأن النصيحة كيفما قلبتها، فهي تنفعك، ولا تضرك. وهي تزيد من قدرك، ولا تنقص منه شيئا.
والحمد لله رب العالمين.
كتبه الأستاذ الدكتور: سعيد حليم.نصائح ورسائل الى أطر التعليم بمناسبة الدخول المدرسي الجديد
قدمها الأستاذ الدكتور سعيد حليم
8صفر 1444ه، الموافق ل: 4شتنبر2022
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
كيف يحافظ الأستاذ على نشاطه وحيويته، مع تعاقب السنوات؟ كيف يجعل الأستاذ نفسه في حرز من الكسل، والروتين والاجترار؟
كيف يجدد الأستاذ مكتسباته، ويجود أداءه عندما يغيب التكوين المستمر، وعندنا تكون زيارات المشرف التربوي قليلة وشحيحة؟
كيف يجدد المشرف التربوي مكتسباته، ويجعل نفسه أهلا للتأطير والإشراف؟
كيف يبتعد المشرف التربوي عن دائرة الكسل، ويجعل نفسه في منأى عن الاجترار؟
إنني عندما أقدم هذه النصائح، فليس من باب التعالي، وإعطاء الدروس للغير. فأنا أتحدث بهذه النصائح، وأدخل نفسي أولا ضمن المنصوحين. أنصح بنية المساهمة في تجويد مجال أحبه وأعشقه، وأقدر من فيه من الأساتذة والأستاذات تقديرا خاصا، وأجلهم إجلالا عظيما.
الناصح عندما يحب المنصوح؛ فإنه ينصحه؛ لأجل أن يراه في أحسن حال، وخير منزلة، وأفضل مقام.
من مكان بعيد الناس، وقريب من البحر، وفي مجال هادئ يبعث على التفكير، ويحفز على الكتابة؛ أكتب هذه النصيحة، علها تجد من يأخذ بها، ويعمل بما فيها كليا أو جزئيا.
عادة عندما يتخرج الأساتذة، والمشرفون التربويون من مراكز التكوين؛ فإن أغلبهم يتوفرون على الضروري من المعرفة التي تؤهلم لممارسة المهنة في مستوى مقبول. ذلك أن مدة التكوين بالنسبة للأساتذة غير كافية لتمكينهم من ممارسة جيدة وقوية. لكن الضروري قد يتوفر بحسب مستوى الأساتذة في مراكز التكوين التربوي، ورغبة المكونين، وما يتوفرون عليه من قدرات عقلية، ومكتسبات معرفية ومهارية.
وهنا ننصح الأساتذة والمشرفين التربويين، باتباع الخطوات والإجراءات التالية؛ حتى تكون ممارستهم للعملية التعليمية التعملية في تصاعد مستمر، وفي تحسن دائم.
أولا: استحضار مراقبة الله عز وجل، وإخلاص النية لله تعالى في ممارسة مسؤولية التدريس، أو التأطير التربوي. مسؤولية التدريس؛ مسؤولية عظمى، كبيرة القدر، عظيمة الأجر إن أديت بإتقان. وعظيمة الوزر، إن أنجزت بكسل، واجترار، وغش وتهاون. وقل مثل ذلك في مسؤولية الإشراف التربوي.
ثانيا: تعميق النظر في(المقاربات البيداغوجية)؛ فإنها في غاية الأهمية؛ لما لها من أثر في تجويد الممارسة. ممارسة التعليم بدون الاطلاع على المقاربات البيداغوحية، لا يمكن أن يتطور، أو أن يتحسن. الممارسة تجود بالعلم، والاطلاع على المستجدات التربوية، وليس بالعادة والتكرار الساذج.
ثالثا: تعميق النظر في (علم النفس التربوي). فهو علم في غاية الأهمية، وله درجة عالية، وقيمة كبرى في تكوين الأستاذ والمشرف التربوي. علم النفس التربوي؛ يمكن الأستاذ من معرفة دقيقة بنظريات التعلم. لا يمكن أن ندرس في أي مستوى، بدون أن نعلم كيف يتعلم المتعلمون؟ وما الشروط التي ينبغي توفرها؛ حتى يكون التعلم فعالا؟ وكيف يمكن تطوير قدرات المتعلمين؟ وكيف ينبغي التعامل مع الفروق الفردية الموجودة بين المتعلمين؟ وكيف يمكن تجاوز الصعوبات النفسية في التعلم؟
كل من مارس التعليم بعيدا عن علم النفس التربوي؛ ستكون ممارسته انطباعية، ومرتجلة، ولا تحقق النتائج المسطرة في الأهداف التعليمية، وإن درس عقودا. الأساس الأول للتعليم؛ هو أساس سيكولوجي بامتياز. في هذا العلم نطرح السؤال الكبير:
كيف يتعلم المتعلمون؟
وفي الممارسة التدريسية، نسأل:
كيف ينبغي أن يدرس الأستاذ؟
جوال السؤال الثاني، لا يتحقق إلا بالجواب عن السؤال الأول.
رابعا: تعميق النظر في (علم التدريس)، وهو علم يدرس عناصر المنهاج التربوي؛ من حيث الأهداف التربوية، والمادة المدرسة، وطرق التدريس، والوسائل التعليمية، والعلاقات الصفية، وزمن التعليم والتعلم، وطرق التقويم والدعم؛ من أجل صياغة نظريات لتفسير العملية التعليمية التعملية، والعمل على تجويدها، وتحسين المخرجات.
قد تجد الكثير من الأساتذة، لا يدرسون هذا العلم بالعمق المطلوب. وقد تمر سنوات بدون قراءة كتاب واحد. وقد تجد عند بعض الأساتذة تمثلا خاطئا، مفاده أن هذا العلم لا يقدم ولا يؤخر، وأن الأستاذ الكف: هو المتمكن من تخصصه.
التمكن من التخصص ضروري ومؤكد، وهو من باب السماء فوقنا، والأرض من تحت أرجلنا. لا يمكن لأي أستاذ مهما كانت درجة تمكنه من تخصصه، أن يستغني عن علم التدريس؛ لأنه هو الوسيلة لتدبير المعرفة، وتنظيمها، وتنزيلها.
التدريس علم؛ يحتاج إليه كل ممارس للتدريس؛ لأن التدريس لا يمارس بالانطباع، والعفوية، والارتجال. لا يمكن للممارسة التدرسية أن تتطور بعيدا عن علم التدريس.
خامسا: العمل على تدوين الممارسة التدريسية؛ من خلال تسجيل أهم ما يقع في الحصص التعليمية؛ من حيث الصعوبات الملاحظة، والأسئلة المطروحة، والأخطاء التي ترتكب سواء من المتعلمين، أو من الأستاذ.
تدوين التجربة؛ أمر في غاية الأهمية؛ لأنه يرصد مجريات العملية التعليمية التعملية، ويشخص مواطن القوة، ومواضع الضعف؛ سواء في أداء المتعلمين، أو في أداء الأستاذ. ممارسة التعليم، بدون تسجيل معطيات التجربة؛ أحد الأسباب التي تؤدي إلى الاجترار والتقليد، والوصول إلى درك الكسل، والموت البيداغوجي.
سادسا: ممارسة البحث التروي التدخلي
يراد بالبحث التربوي التدخلي في السياق الذي نحن فيه: البحث الذي ينجزه الأستاذ، أو المشرف التربوي، في صعوبة من الصعوبات التي يواجهها المتعلمون، أو الأساتذة في ممارساتهم. ويكون الغرض من ذلك علاج تلك الصعوبات، والعمل على تجاوزها؛ من أجل تجويد التعلم، أو التعليم، أو هما معا.
البحث التربوي التدخلي؛ هو بحث ميداني تطبيقي، يعتمد الملاحظة العلمية، أو توزيع الاستمارات، أو اعتماد المقابلات، أو اعتماد هذه المسالك مجموعة. وأول من يستفيد من نتائج البحث التربوي التدخلي؛ هم الفئة المستهدفة بالدراسة.
قد تمر سنوات وسنوات، ولا تجد الكثير من الأساتذة، أو المشرفين التربويين، قد أنجزوا بحثا واحدا. وهذا خلل عظيم، وتقصير جسيم. لا يمكن للأستاذ أن يطور أداءه، ولا يمكن للمشرف التروي أن يحسن مستواه مع مرور السنوات؛ بدون ممارسة البحث العلمي التربوي.
البحث التروي التدخلي؛ لا يستغرق وقتا طويلا. يمكن للباحث أن ينجز البحث، في وقت وجيز. يقتصر الباحث قي كل بحث، على دراسة صعوبة واحدة، يلاحظها عند المتعلمين. فيدرس أسبابها، وتجلياتها، وطرق علاجها. يبدأ الباحث بجمع المعطيات من خلال الرصد، وتوزيع الاستمارات على الفئة المستهدفة. ويمكن للأستاذ المبتدئ، أن يستعين بمشرفه التربوي؛ لإنجاز البحوث الأولى في المجال. عدو الأستاذ الأول: الخوف من الخطأ. الخوف من الجديد. الخوف من الصعوبات الأولى.
الصعوبات عادة تكون في بداية الطريق. لابد من الصبر، وطول النفس، والكثير من التواضع. دون ذلك سيبقى الأستاذ في مكانه لا يتحرك، ولا يتطور.
يمكن أن يكون مستوى البحث في بداية ضعيفا. لا بأس في ذلك. الجودة تأتي مع الممارسة، وتحصيل التراكم المطلوب. ويمكن للأستاذ أن يستعين بكتاب أو أكثر في مجال البحوث التدخلية؛ حتى يكتسب الضروري من مناهج البحث التروي التدخلي.
بالنسبة للمشرف التروي؛ يمكن أن ينجز بحوثا تدخلية، تتعلق بالصعوبات التي يرصدها في ممارسات الأساتذة الذين يشرف عليهم.
من تضييع الأمة؛ أن تمر سنوات بدون إنجاز بحث واحد. وقد تجد من بين الأساتذة، أو المشرفين التربويين، من يتقن ويتفنن في النقد والهدم، وهو لا يستطيع أن يخرج بحثا واحدا بعد سنوات من العمل. ويدعي بعد ذلك أنه ذو خبرة في المجال التروي. الخبرة تأتي مع الممارسة والبحث العلمي، ولا تتحقق بالممارسة الارتجالية.
سابعا: اعتمادها التقويم التبادلي:
المراد بالتقويم التبادلي في السياق الذي نحن فيه: التقويم الذي يكون بين الأساتذة. يتفق أستاذتنا اثنان أو أكثر في مادة واحدة، على الزيارات المتبادلة، ويكون رصد تجربة كل أستاذ من خلال شبكة علمية يصوغها الأساذان معا. من الأسباب الرئيسة للاجترار والكسل، أن يعتقد كل أستاذ الكمال في أدائه، أو أن يتخوف من تقويم الآخر لأدائه. التكبر والخوف؛ يقتلان التجديد، والإبداع.
قبول التقويم من المشرف التروي بصدر رحب؛ يطور الأداء، ويحسن المردودية. قبول التقويم من الزملاء، يجود الممارسة، ويرقيها في مدارج الإحسان والإتقان.
ثامنا: الإفادة من ملاحظات المتعلمين:
ما ينبغي للأستاذ أن يستنكف عن التعلم من المتعلمين. منذ حوالي ثلاثين سنة، وأنا أوزع كل سنة استمارات على طلبتي، أسأهم من خلالها عن مواطن الضعف، ومواطن القوة في ممارستي. وفي كل سنة أستفيد مما يقدم لي من ملاحظات، في تجويد أدائي، وتحسين ممارستي.
استفد ما أمكن، وما وسعك الأمر من المتعلمين، ولا تستهن بملاحظاتهم، ولا تعرض عن توجيهاتهم؛ إن أردت أن تبقى حيا معطاء.
تاسعا: ابتعد ما أمكن عن الأساتذة السوداويين؛ الذين يتقنون النقد الفارغ، ولا يرون أمامهم إلا السواد القاتم. ابتعد جهد الإمكان عمن يريد أن ينقل إليك كسله، وجموده، وتحجره، ومرضه.
اصحب الأساتذة المجتهدين؛ فإن صحبتهم مفيدة جدا، ومعينة على تحمل مسؤولية التدريس بصدق وأمانة. منذ حوالي ثلاثين سنة، وأنا أجتهد في صلاتي، وأدعو الله تعالى، أن يبعدني عن الكسالى والمثبطين، ما بعدت السماء عن الأرض. تجد الأستاذ ينتقد الوزارة، وينتقد المنظومة، وينتقد الإدارة التربوية، لا يسلم أحد من نقده، وهو لم ينجز بعد سنوات بحثا واحدا في مجاله. النقد صناعة يتقنها الجميع. لا يقبل النقد من الناقد، إلا إذا كان مساهما في البناء؛ لأن من غسهم في البناء، قل نقده، ونزل من السماء إلى الأرض. أما من مارس النقد، بدون مساهمة في البناء؛ فتجده كثير النقد. يظن الناقد أن النقد، يظهر بمظهر القوة. القوة الحقيقية تظهر في البناء. أما الهدم؛ فيتقنه الجميع.
تجد الأستاذ ينتقد الكتاب المدرسي، ويتفنن في بيان عواره. فإذا سألته: هل لديك بديل عن هذا الكتاب الذي تنتقده؛ سكت، وصمت، ورجع القهقرى؟؟؟؟؟
عاشرا: الحرص على بناء الجذاذات من خلال الاجتهاد الشخصي. طلب الجذاذات من الغير أول دركات الكسل. الأستاذ الكفء: هو الذي يستنكف أن يتسول الجذاذات من الغير.
يستحسن بعد الممارسة، وإنجاز الدروس؛ أن يجود الأستاذ جذاذاته بناء على ما ظهر له من الملاحظات التي يجمعها من رصده الشخصي، أو من خلال ملاحظات المتعلمين، أو ملاحظات زملائه إن كان يعمل بالتقويم التبادلي.
ترك الجذاءات على حالها من غير تجديد، ولا تطوير؛ قد يؤدي إلى الاجترار، والابتعاد عن التجديد الذي ينبغي أن يكون في الممارسة التعليمية.
حادي عشر: الحرص على المشاركة في الندوات التربوية التي تنظمها الإدارة التربوية، أو المديريات الإقليمية، أو الأكاديميات الجهوية، أو غيرها مما ينظم عموما في المجال العلمي، أو المجال التربوي.
ومن ذلك أيضا المساهمة بالمقالات العلمية، في المجلات التي تصدرها الكثير من المديريات الإقليمية، أو الأكاديمية الجهوية، أو غيرها. فإن كل ذلك مما يعين على تطوير المستوى العلمي؛ خصوصا إذا كان ذلك ينجز بصدق، وبذل الجهد المطلوب.
ما زلت بعد مرور حوالي ثلاثين سنة من التجربة في التعليم العالي؛ أستفيد ممن هو أفضل مني، وأستفيد ممن هو مثلي، وأستفيد ممن هو دوني.
ما زلت بعد مرور ثلاثة عقود أتعلم، ولا أستنكف عن التعلم، ولا أتكبر عن النصيحة إن قدمت لي، مهما كان مصدرها؛ لأن النصيحة كيفما قلبتها، فهي تنفعك، ولا تضرك. وهي تزيد من قدرك، ولا تنقص منه شيئا.
والحمد لله رب العالمين.