كلمة المكتب الوطني للجمعية المغربية لأساتذة التربية الاسلامية بمناسبة الاحتفال بالذكرى الثانية لليوم الوطني لمادة التربية الإسلامية بمدينة بنسليمان

0

-السيد المفتش العام لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة

-السيد مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين الدار البيضاء-سطات

-السيد مدير المركز المغربي للدراسات والأبحاث التربوية

-السيد ممثل مركز مداد للأبحاث والدراسات

-إخواني وأخواتي أعضاء المكتب الوطني وممثلو فروع الجمعية بربوع المملكة المغربية

-أساتذتنا وشيوخنا رواد الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية

-ممثلو الجمعيات التربوية، وهيئات ومراكز بحثية في ميدان التعليم والدراسات والأبحاث العلمية والتربوية، ومختلف المنابر والمواقع الإلكترونية الممثلة للصحافة الوطنية، وسائر متتبعي أنشطة الجمعية في ربوع المملكة المغربية

-الحضور الكريم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

  يطيب لنا في المكتب الوطني للجمعية المغربية لأساتذة التربية الاسلامية أن نرحب بكم جميعا في هذا اللقاء المبارك؛ الذي خُصِّص للاحتفال باليوم الوطني للمادة، وللاحتفاء بأولي السَّبق في تأسيس الجمعية وتثبيت قدمها على أرض منظومة التربية والتكوين. وهو يوم نعتبره عيدا يستوجب إظهار الفرح والسرور شكرا لله تعالى على قدره في جمع هذه الوجوه الطيبة المباركة الحاضرة معنا، والمتابعة لنا عبر صفحة المكتب الوطني على مواقع التواصل الاجتماعي، مستحضرين في نفس الآن أشخاصا بصموا تاريخ الجمعية بجودهم وتضحياتهم المتفردة؛ من مثل المرحوم العربي بوسلهام الذي وسِمناه برجل الفكر الإنساني، والأب الروحي لطلبة العلم الشرعي، والمرحوم سعيد الشرقاوي أمين مال الجمعية؛ من الرعيل الأول، وغيرهم ممن فقدناه من أطر المادة وأساتذتها، اللهم ارحمهم برحمتك الواسعة، وألحقنا بهم مرحومين لا محرومين من عفوك.

 العيد عيدان: الأول: جعلنا له تاريخ 30 أبريل من كل سنة ميلادية، واتخذناه سُنَّة جارية انطلاقا من السنة الفارطة 2022م، وهذه هي النسخة الثانية منه، متخذين في ذلك الخطاب الملكي بمدينة الدار البيضاء يوم 10 ربيع الأول 1425/الموافق لـ 30 أبريل 2004 مرجعا تاريخيا في الاحتفال باليوم الوطني لمادة التربية الإسلامية؛ وهو اليوم الذي وضع خارطة الطريق لإصلاح الشأن الديني، بمناسبة تنصيب جلالته لأعضاء المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية المحلية، وإعادة هيكلة الرابطة المحمدية لعلماء المغرب و”تحديث وتوحيد التربية الاسلامية والتكوين المتين في العلوم الإسلامية في نطاق مدرسة مغربية موحدة، واعتبار البحث العلمي هو المسلك القويم لتحقيق هذا الهدف السامي”، مؤكدا جلالته أن “الوظائف التأطيرية المنوطة بهذه الهيئات، ستظل صورية، ما لم تقم على الركن الثالث الأساس، المتمثل في التربية الإسلامية السليمة، والتكوين العلمي العصري”. مما يجعل التربية الإسلامية مركزية في إي إصلاح ديني وتربوي يروم “تأهيل الحقل الديني وتجديده، تحصينا للمغرب من نوازع التطرف والإرهاب، وحفاظا على هويته المتميزة بالوسطية والاعتدال والتسامح”. وهو ما أكده بلاغ الديوان الملكي الصادر بمدينة العيون سنة 2016؛ الذي نص على ضرورة إعطاء أهمية أكبر للتربية على القيم الإسلامية السمحة، وفي صلبها المذهب السني المالكي الداعية إلى الوسطية والاعتدال، وإلى التسامح والتعايش مع مختلف الثقافات والحضارات الإنسانية. وهو ما أكدته جل الوثائق المرجعية المؤطرة للفعل التربوي ببلادنا، بدءا بميثاق التربية والتكوين، وانتهاء بالنموذج التنموي الجديد؛ والذي أبرز أهمية مادة التربية الإسلامية في النسيج المجتمعي، والإصلاح الديني والتربوي بالمغرب. وهو ما جعلنا في الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية ننخرط في هذه الدينامية الإصلاحية الدينية والتربوية، من خلال تنظيم ملتقيات وندوات ومحاضرات وأنشطة متنوعة وهادفة خادمة لهذه الأهداف السابقة، وبما يسهم بفاعلية في التنمية المستدامة المنشودة لهذا البلد الحبيب. وهنا نقف تقديرا وتنويها بفروع الجمعية عبر ربوع المملكة المغربية على أنشطتها النوعية الهادفة، وبهيئة الإشراف التربوي التي تواكب أنشطة الجمعية وتنخرط في التأطير والتنزيل لمفردات المنهاج، وكذا بهيئة التكوين في المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، على حسن التأهيل واستكمال التكوين، وبالمنسقيات التخصصية الجهوية لمادة التربية الإسلامية؛ التي أبانت عن روح عالية لخدمة المادة، سواء من خلال عمليات التتبع والتقويم، وتجويد الممارسات الصفية، أو باقتراح أنشطة تخدم المادة؛ من مثل أولمبياد مادة التربية الإسلامية، وتعميم المسابقة الجهوية في حفظ وتجويد القرآن الكريم.

وهذه الأنشطة أعطت الجمعية إشعاعا وطنيا، الشيء الذي جعل كثيرا من الهيئات الرسمية والمدنية تشيد بها، وأخرى تنخرط في ديناميتها الحركية التربوية؛ وهو أمر يُكبلِّنا بمزيد من المسؤولية لتطوير أدائنا، والاجتهاد في البحث عن سبل التحديث التطوير للرقي بمادة التربية الإسلامية. وبالرغم من تحقيق هذه القفزة النوعية في تاريخ الجمعية؛ والتي تستوجب شكر الله وحمده على حسن توفيقه لنا، تظل المادة تعاني من إشكالات معرفية، وبيداغوجية، وديداكتيكية، وإكراهات مادية، ولعلنا نشير إلى أهمها بعجالة:

  • الإشكالات المعرفية/ الإيبستمولوجيا: ونمثل لها بضرورة تحديد ماهية التربية الإسلامية، والذي ما زال يعرف خلطا مفاهيميا يستدعي تحريره: هل المقصد منها المادة الدراسية في المنهاج المغربي؟ أم كل ما يرتبط بالعلوم الشرعية الموظفة فيها، والتي تهدف إلى التنشئة المجتعية على أصول الدين الإسلامي؟ ويتولد على هذا إشكال النقل الديداكتيكي للعلوم الشرعية وكذا تكاملها المعرفي. وبالرغم من تحديد ماهيتها في المنهاج الجديد، لكن لا زالت المعرفة الشرعية تعيش مخاضا بين القصدية والوظيفية، مما يؤثر على الممارسة الديداكتكية في منهاج المادة.
  • الإشكال البيداغوجيي: فغياب تصور ناظم لبيداغوجية الكفايات، وملاءمتِها لطبيعة المادة الشرعية والمعرفية والوظيفية، من شأنه الحيلولة دون تحقيق العائد التربوي، إذ أن مادة التربية الإسلامية مادة قيمية بامتياز، يظل قياس أو تقويم أثرِها على واقع المتعلم من أكبر القضايا الشائكة التي تحتاج إلى تثوير الغاية منها تنظيرا وتنزيلا وأثرا.
  • الإشكال الديداكتيكي: فعدم تحديد ماهية المادة، وغياب التصور لبيداغوجية الكفايات أو ضبابيته، يرخي بظلاله على الممارسة الديداكتيكية الصفية، ناهيك عن صعوبة النقل الديداكتيكي للمعرفة الشرعية العالِمة إلى معرفة مدرسية تعليمية/ تعلمية، يكون فيها المتعلم بانيا منتجا غير مستهلك أو مرَدِّد لها، كل ذلك يبطِّئ من جدوى المادة وأثرها القيمي.

 

 

  • إكراهات مادية: وهي في نفس الآن مطالب الجمعية:
  • تعميم تدريس مادة التربية الإسلامية في كل الأسلاك التعليمية: الابتدائي والإعدادي والثانوي والعالي بكافة الشعب والمسالك، بما يناسب كل مرحلة عمرية، ويستجيب لحاجاتها، ويحفظ هوية المتعلم(ة) الدينية والوطنية؛
  • الرفع من الوعاء الزمني للمادة، ومعاملها لدورها الأساس في تحقيق هدف إغناء المادة وترسيخ قيمها؛
  • إسناد تدريسها إلى المتخصص في العلوم الشرعية؛
  • إدراجها ضمن مواد الامتحان الوطني لكافة الشعب، وتعميم تدريسها في مختلف معاهد ومؤسسات التعليم العالي؛
  • التوصية بإدراج مجزوءة “دعم التكوين الأساس في مادة التربية الإسلامية “بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين لأساتذة التعليم الابتدائي، نظرا لتنوع تخصصات هذ الفئة؛
  • المطالبة بتمثيل الجمعية في اللجنة الدائمة للبرامج والمناهج، عملا بمقتضيات القانون الإطار17.51؛
  • تجديد الدعوة إلى إصدار الوزارة لمذكرة منظمة للتعليم الأصيل في صيغته الجديدة، سيما وأن المذكرة الوزارية رقم 83/2008 تنص على أنه قسيم للتعليم العام، وهو ما أكده القانون الإطار في المادة 7 من الباب الثالث.

وغيرها من المطالب التي أصبحت من ثوابت الجمعية إلى حين تفعيلها؛ لأنها مكاسب تم التراجع عنها من قبل الوزارة الوصية عن القطاع، ونحن إذ نذكر بها في هاته النسخة الثانية من الاحتفال باليوم الوطني للمادة، نؤكد على أهمية مادة التربية الإسلامية ومركزيتها في مشاريع إصلاح منظومة التربية والتكوين السارية، وندعو إلى إيلائها المكانة التي تستحقها وذلك بتطوير مناهجها وتعزيز ومكانتها، من أجل المساهمة في بلوغ الغايات والمقاصد والاختيارات والتوجهات العامة للإصلاح التربوي، المؤطَّر بموجب مقتضيات القانون الإطار 17-51، وخاصة ما تعلق منها بقضايا الهوية والانتماء والقيم الإسلامية البانية. ونرى أن المدخل الحقيقي للتربية على القيم هو التدقيقُ في طبيعة القيم المراد إدماجها في المناهج والبرامج الدراسية، ووضوحُ منظومة القيم المدرسية وتناغِمها مع الأهداف المعلنة والاستراتيجيات التربوية وأجرأتها داخل المقاربة المنهاجية مما يكون له الأثر البالغ في الممارسات البيداغوجية والتعليمية، وعلى السلوكات المتوخاة من التربية على القيم. وهو أمر يتطلب إشراكَ كلَّ الفاعلين التربويين في صياغة ميثاق وطني قيمي بمرجعية مغربية بصفته بلدا مسلما، وجعلِ ذلك إطارا مرجعيا حاكما لنوعية القيم المراد حملُ الناشئة عليها، بما يعزز ثوابت ومرتكزات الهوية الوطنية للمجتمع، وتعبر عن فلسفته واختياراته في شتى المجالات.

   أما العيد الثاني: فيتمثل في الاحتفاء بذوي الفضل في تأسيس الجمعية وتثبيت هياكلها وطنيا في وقت العسرة؛ الذي شهد تدافعا فكريا وقيميا وإيديولوجيا في بداية التسعينيات من القرن الماضي، فكانت التضحية والبذل المعنوي والمادي شيمةَ الرَّعيل الأول؛ الذي نسِمُه بأولي السَّبق المستحق للثناء والشكر والتقدير، لما بذلوه من تضحيات كبيرة ونضال ميداني، في المؤسسات التعليمية وبين ردهات وزارة التربية الوطنية ولجنها؛ والتي شهدت معارك وجودية للمادة. فإلى هؤلاء نقول: تقبل الله صنيعكم وأثابكم عليه وجعله في موازين حسناتكم يوم القيامة، وأحسن ما يُدعى به للإنسان أن يقال له: “جزاك الله خيرا”؛ ولذا، في حديث أسامة رضي الله عنه عند الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَن صُنِع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيرا؛ فقد أبلغ في الثناء”، فالفضل ابتداء وانتهاء للمتفضل الأول: الله سبحانه وتعالى، فقد أمرنا ألا ننسى الفضل لأهل الفضل، وأن ننسِب الفضل إلى أهله فقال: (وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) البقرة:237، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” … ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه“. النسائي، وصححه الألباني. فهم السلف الباني والمشيد لصرح المادة، ومن جاء بعدهم هو الخلف الذي كافح وناضل وواصل البذل والعطاء، لاستكمال بناء ذلك الصَّرح العتي، بالرغم من إكراهات الواقع ومتغيراته، وقد نال الخلف شرفَ وفضلَ السلف المتقدم عنه زمنا وتجربة وعطاء، فهم بذلك خيرُ خلف لأفضل سلف. ولهذا كان اختيارنا شعارَ النسخة الثانية من الاحتفال باليوم الوطني للمادة “جهود متواصلة لتطوير مادة التربية الإسلامية في المنظومة التربوية” شعار يختزل منهج الجمعية سلفا وخلفا في مواصلة عملية التجديد سواء في منهاج المادة مواكبة للتطورات المعرفية والثقافية والقيمية للمجتمع، وسواء في الخطاب الإسلامي الذي يحتاج إلى مراجعة وترتيب أولوياته؛ خصوصا فيما يتعلق بالعلاقة مع الآخر، ناهيك عن وجود متغيرات ومستجدات داخلية وخارجية تتطلب إعادة النظر في أهداف وغايات البحث العلمي في مجال الدراسات الإسلامية والشرعية، بما يفيد مادة التربية الإسلامية وتجويد تدريسيتها، تحقيقا لما نصبو إليه من نهضة تنموية تربوية واقتصادية واجتماعية، ترنو إعادة الدورة الحضارية للأمة المسلمة.

لهذه الغاية اقترحنا في المكتب الوطني ندوة علمية تلامس موضوع تطوير منهاج المادة من خلال مقاربات تجديدية، استدعينا لها خبراء تربويين ذوي خبرة علمية وميدانية؛ سكنهم همُّ تجديد المادة: رؤية وتنظيرا ومنهجا وتنزيلا، وهو في نفس الآن أبناء الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية، ينتسبون لها روحا وفكرا وتنظيما. كما أننا سعينا للتغلب على بعض عوائق هذا التجديد والتطوير؛ من خلال استشراف مستقبلي غايته توحيد التصور حول قضايا المادة الشرعية والمعرفية والمنهاجية والتنزيلية، فاقترحنا عقد لقاءات لكل من مؤسسة التعليم العالي المتمثلة في الجامعات، والمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، وهيئة الإشراف التربوي، بما يعود بالنفع العميم على المادة والأستاذ والمتعلم، سعيُنا في ذلك التكاملَ المعرفي بين هذه المؤسسات العلمية والتربوية/التأطيرية/ التكوينية.

      وفي آخر هذه الكلمة أجدد الترحيب بكم جميعا، راجين من الله أن يجعل عملنا هذا خالصا لوجه الكريم، وأن يبلغنا المقصد منه ألا هو خدمة المادة وتطوير منهاجها وتجويد تدريسيتها، داعين الساهرين على المنظومة التربوية في بلادنا، إلى إيلاء مادة التربية الإسلامية مكانتها اللائقة بها في المنهاج التربوي المغربي بما يكفل لها التفعيل الأمثل لكل المخططات والمشاريع الرامية إلى إعداد رأسمال بشري منتج وفعال ومسهم في ازدهار وتقدم بلده.

ودمتم في رعاية الله وحفظه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

                         ذ. سعيد لعريض:

رئيس الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية

                                                         المجلس الوطني “3” ببنسليمان

                                                         9شوال 1444ه/30 أبريل 2023م

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.