بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية في الندوة الوطنية لإصلاح المدونة
-كلمة ترحيبية:
السيد رئيس المركز المغربي للدراسات والأبحاث التربوية
السيد رئيس مركز إشعاع للدراسات الأسرية
الحضور الكريم
يطيب لي باسم المكتب الوطني للجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية أن أرحب بكم جميعا في هذه المأدبة العلمية النديَّة؛ والتي تضم ثلةً من الخبراء في مجالات متخصصة، التفَّت لمناقشة موضوع مهم وذي بال، يدور حول الأسرة: الوحدة الأولى من وحدات العمران الكوني، والموسوم ب “مدونة الأسرة وسؤال الإصلاح من التعديل إلى التنزيل”. وهو موضوع راهني له جِدَّته من جهة أنه موضوع توارثه العلماء والمفكرون والمراكز البحثية والمؤسسات العلمية التربوية منها والاجتماعية دراسة وتحليلا وتقييما وتقويما، ومن جهة أنه موضوع تجري عليه التعديلات والتغييرات كلما استجدَّت نوازلٌ أسرية تحتاج إلى بيان واستصدار أحكام شرعية وحلول واقعية وأجوبة اجتماعية.
وتأتي هذه الندوة في إطار سياق المساهمة ضمن الحوار المؤسساتي والمجتمعي الدائر حول إصلاح مدونة الاسرة في المغرب؛ والتي وإن تعددت مقارباتها بين المناولة القانونية والفقهية والتربوية والإعلامية والاجتماعية، غير أنها تتكامل في مخرجاتها الترافعية من خلال صياغة توصيات علمية عملية في مذكرة مشتركة بين الهيئات المنظمة لهذه الندوة، ترفع للجنة الملكية المكلفة بالتعديل والإصلاح. ونعتبر أن التكامل المعرفي بين التخصصات في الرؤية الإسلامية أصبح من الضرورات البحثية مجال الدراسات الأسرية، ويُعدُّ من الموضوعات البحثية المهمه قديماً وحديثاً، سيما ما تتعرض له الأسرة من تجاذبات فكرية وسياسية تعكس مرجعيات مختلفة تتباين في مقاربتها لها تباينا مس مفهومَها وأصلَ بنائِها ووظائفَها ونظامَها وغاياتِها. وهو تباين يظهر من خلال معالجة الاختلالات التنزيلية لبنود المدونة، ومحاولة تعديلها برؤية إصلاحية تمتح من الرؤية الإصلاحية الكلية الحاكمة لتصوراتها، لموضوع ضل محل صراع فكري بين تيار يجعل من المرجعية الإسلامية باعثا على استمداد التعديل والتغيير وفق النصوص الشرعية قطعية الدلالة، وأخرى ظنية الدلالة هي مجال لإعمال العقل في منقولها، والاجتهاد في معقولها، وتيار يستند لمرجعية غربية حداثية ترى ضرورة تجاوز النص المقدس/النص القرآني، والعلوم الخادمة لها/السنة النبوية والتفسير والفقه، في محاولة نمذجة المجتمع المسلم على الطريقة الغربية الحداثية، وخاصة على مستوى القيم الأسرية، التي ترى فيه طريق التمدن والازدهار واللحاق بالركب الحضاري.
ونحن في الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية نرى أن المدخل الأساس لإصلاح مدونة الأسرة هو المدخل التربوي باعتبار قصديته التشريعية المحكومة بالمرجعية الإسلامية، باعتبار التربية هي حجر الزاوية في أي إصلاح مجتمعي، وهي موضوعُ الرسالاتِ السماوية والحركاتِ التغييرية والحضارات كلِّها، يتكامل مع بقية المداخل الأخرى ضمن رؤية معرفية توحيدية تؤسس لفقه عمراني جديد يصوغ الأحكام على منوال التصور الشمولي والمقاصد العامة للشريعة الإسلامية. وهو ما كان حديثَ جلِّ الخطابات الملكية منذ 2003 إلى أخر رسالة موجهة إلى رئيس الحكومة شتنبر 2023، التي ركزت على أهمية العامل التربوي في تحقيق أركان مشروع الدولة الاجتماعية المغربية، معتبرة مبادئ مدونة الأسرة جزءا من السياسة العامة للمغرب، من خلال مدخلين: الدليل البيداغوجي الذي يستمد مرجعيته من الشريعة الإسلامية، والدليل التكويني الذي يعتمد المدخل التربوي مصدرا لإدماج مبادئ الأسرة في المنهاج المغربي.
وأي إصلاح خارج عن المرجعية الإسلامية نعتبره يصادم خصوصية هوية الشعب المغربي الحضارية، التي يعتمدها الدستور كمحدد أساس في إسلامية الدولة، وفي طبيعة العلاقة الأسرية والإطار الذي تدور فيه والغائية التي تصبو إليها؛ والمتجلية في وحدة المصدر الذي تستقي منه الأسرةُ المعرفةَ الصحيحة وتحتكم إليه في توجيهها وتنظيمها، وهو الوحي بشقيه: القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، مع مراعاة خصوصيات المجتمع المغربي في تطوير مدونة الأسرة، مما يجعلنا ننبه على أن تعدد المصادر التي يُعتمد عليها في إصلاح المدونة ستكون وبالا على بنية أسرة المجتمع ومجتمع الأسرة، بما لهما من ترابط تكاملي في الأدوار.
ونرى أن معالجة الاختلالات المرصودة في هذه المدونة يحتاج إلى تواطؤ مجتمعي حقيقي، تشارك فيه كل القوى الحية في البلاد، تتوافق على ميثاق أسري غليظ لا تُنقُض عراه بإملاءات خارجية، أو ضغوطات داخلية، تروم معا القضاء على القيم الأسرية وإحلال قيم بديلة تستمد مرجعيتها من منظومة معرفية غربية غريبة عن مصدرية القيم في المنظومة الإسلامية.
ومن هذا المنطلق نتساءل عن مدى حضور القيم الاسرية في المنهاج المغربي عموما ومادة التربية الإسلامي خصوصا؟ وعن أهداف إصلاح المدونة: تعديلا وتنزيلا، لنسجل اختلافا بينا بينهما:
-على مستوى التعديل:
- ما هي مسوغاتُ التعديل ومآلاتُه بمقصدية تحقيق التوازن بين مرجعية التعاليم الإسلامية
وبين مرجعية حداثية تروم تحديث المجتمع المغربي وفق نموذج غربي؟
- كيف يمكن إصلاح المدونة في ظل بنية المجتمع المغربي المتطور سياسيا واجتماعيا واقتصاديا؟
- -على مستوى التنزيل:
- ما هي الآلية الناجعة لمعالجة الفروق في تنزيل مدونة الأسرة، لضمان أسلم لغائيتها؟
- ما هي الاستراتيجيات التي يمكن اعتمادها لضمان تنزيل متسق وعادل للقانون في جميع أنحاء البلاد؟
وفي آخر هذه الندوة نقترح بعض التوصيات لمخرجاتها المباركة:
1-وضع مشروع لقانون الأسرة مستمد من أحكام الشريعة الإسلامية.
2-مطابقة التعديلات المزمع إجراؤها في منظومة قوانين الأسرة مع الشريعة الإسلامية.
3-نشر ميثاق الأسرة في الإسلام بوصفه وثيقة إسلامية بديلة للمواثيق الدولية، واتخاذه مرجعية تشريعية لقوانين الأسرة.
4-تضمين ميثاق الأسرة في الإسلام في المناهج الدراسية والجامعية والأكاديميات المتخصصة.
5 تأسيس أكاديميات خاصة لعلوم الأسرة تقوم بتخريج مرشدين أسريين على أسس علمية.
وفي الأخير ننوه بمجهودات واجتهادات المركز المغربي للدراسات والأبحاث التربوية في شخص رئيسها الدكتور خالد الصمدي، وبمركز الإشعاع المتخصص في الأسرة، ونشكر كافة الحاضرين كل باسمه وصفته.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرباط في 25 نونبر 2025
ذ. سعيد لعريض: رئيس الجمعية