الأستاذة كريمة مهتدي
أصبحت ظاهرة الغش في مؤسساتنا التعليمية واقعا ملموسا، وخصوصا مع اقتراب موعد الامتحان الجهوي في مادة التربية الإسلامية للسنة أولى باك من كل سنة. فالمتعلم في هذه المادة لا يكتفي بمحاولة الغش بل أصبح يطالب بحقه في النقيلبل وتهديد المسؤولين التربويين في حالة منعه من ذلك، لكون اغلب المتعلمين باتوا يعتبرون هذه المادة مجرد مادة للحفظ.
وعموما فتناول ظاهرة بهذا الحجم في مادة التربية الإسلامية ليس أمرا بسيطا، لأنها متعددة يتداخل في تركيبها ما هو تربوي وسوسيوثقافي واقتصادي وسياسي وقانوني….
فكلمة غش في اللغة تعني مصدر غش يغش غشا، ويدور في اللغة على ثلاث معان
أ- إظهار خلاف المضمر
ب- الاختلاط والكدرة، وعدم الوضوح والصفاء
ج- الاختلاس واللمام
وفي الاصطلاح تطلق الكلمة على كل التصرفات الغادرة أو المخادعة التي تهدف إلى تحقيق غايات خسيسة أو غير شرعية.
وهكذا يمكن القول بان ظاهرة الغش يقصد بها تلك التصرفات التي تعرفها الساحة المدرسية إبان الامتحانات، بقصد التحايل عليها، لعدم حفظ المواد أو فهمها، بحيث يلجا المتعلمون إزاء أسئلة الامتحان الجهوي إلى الإجابة عليها من غير الاعتماد على النفس، والجهد الشخصي، وإنما بأساليب أخرى تتسم بالحيلة وعدم الوضوح، بحيث يقومون بهذا العمل خلسة.
أصبح جميع المتعلمين يعترفون بشيوع الغش في هذه المادة بالخصوص، وعرفت في السنوات الأخيرة استفحالا جعل المهتمين يتساءلون عن أسبابها الحقيقية وآثارها على التربية والتكوين، بل وعلى مستقبل شباب يقلد الغرب بسراويلهم المنخفضة وقصاتهم الغريبة وهممهم الضعيفة…. بسبب ضعف أو انعدام الهوية الإسلامية عند بعضهم.
إن المسؤولية في تفشي هذه الظاهرة في مادة التربية الإسلامية تتنوع بين جملة من الأسباب يمكن تلخيص بعضها كالتالي:
1- السبب الاجتماعي
11- التنشئة الاجتماعية:أوضحت دراسات كثيرة مدى أهمية عملية التنشئة الاجتماعية الأسرية في اكتساب وتكوين نسق قيمي أخلاقي وإيجابي عند الناشئة، فالأسرة هي المصدر الأساسي لتكوين الاستعدادات الأخلاقية عند الفرد، وللأسف نجد بأن الأسرة المغربية تخلت عن دورها مؤخرا، فقد تجد الأم مشغولة، إما بمشاهدة المسلسلات المدبلجة وأمور البيت من طبيخ وغسيل…والأب يقضي جل وقته في المقهى، يحتسي أكواب متتالية من القهوة والشاي ويتجاذب أطراف الحديث مع أصدقائه، ففقدت الأسرة سلطتها التقليدية على أبنائها، فنقل الأبناء معهم الطيش الذي اعتادوه في الأسرة إلى المدرسة والثانوية، وساروا يتمارضون على الأستاذ، وبالتالي عندما يوضعون تحت المراقبة في الامتحانات لا تسعفهم عقولهم بشيء، لكنهم لا يكرهون نعمة النجاح، فيلجئون إلى الغش ولا يرون فيه عيبا ولا تحريما.
1-2 المناخ الاجتماعي العام: نجد لهذه الظاهرة من الناحية السوسيولوجية بعض المنطلقات والدوافع التي مهدت لهذا السلوك المنحرف، فهي تخترق كل القطاعات الاجتماعية الأخرى، والتي يشكل التعليم جزء منها، اذ تعبر عن تناقضات قيمية اجتماعية وثقافية يعيشها المجتمع المغربي.
هكذا أصبح يلاحظ في صفوف المتعلمين انهيار عالم القيم الروحية والثقافية والاجتماعية الإيجابية واستبدالها بقيم الأنانية والفردانية والمصلحة الخاصة.
2- السبب النفسي الذاتي
2-1 علاقة العاطفي بالمعرفي:يمكن للسيكولوجيا أن تقدم المساعدة على فهم ظاهرة الغش في مادة التربية الإسلامية لدى المتعلمين وذلك بفهم علاقة المتعلم بالمعرفة، بحيث يصبح قبول المعرفة الإسلامية هي الرغبة فيها.
فلا يقتضي تعلم مادة التربية الإسلامية فهما فحسب، وانما يستوجب حبها كذلك.
3- السبب التربوي
3-1 بنية النظام التعليمي: إن النظام التعليمي قد ارتبطت به ظواهر خطيرة، فالمدرسة أصبحت مخصصة للنجاح والرسوب فقط، ومتخلفة عن مسايرة المستجدات، مع تكريس ثقافة النخبوية وتراجع مكانة وقيمة التعليم وخصوصا قيمة هذه المادة بتخصيص معامل ضعيف لها، وتهميش دور المؤسسة ودور مدرس المادة في عملية الإصلاح ككل وتدني قيمة الامتيازات المدرسية، أديا إلى ظهور مواقف وتصورات سلبية اتجاه المدرسة واتجاه أستاذ مادة التربية الإسلامية، بحيث ينظر إليه على أنه مجرد أستاذ يتقن الطريقة الإلقائية ولا يورط التلاميذ في بناء تعلماتهم، مما جعل درسه يفقد الروح والحياة وبالتالي ينفر منه المتعلمون.
3-2 بنية العلاقات التربوية:تعتبر العلاقات التربوية عنصرا حاسما في عمليتي التعليم والتكوين في المجال المدرسي، فطبيعة هذه المادة تفرض على أستاذها أن يكون قدوة ونموذج أخلاقي سيتأثر به المتعلمون إيجابا أو سلبا، وليس مجرد ناقل للمعارف.
وللأسف الكثير من أساتذة المادة لا يولون لهذه العلاقة أي اهتمام، وذلك نتيجة اليأس والإحباط الذي يدب في نفوس الشغيلة التعليمية وعدم تمكينهم من الحماية اللازمة لكرامتهم وحقهم في الترقي وانصافهم وتحفيزهم، فانعكست هذه الوضعية على مستوى الأداء لديهم، فاتسعت الهوة بين الأستاذ والمتعلم، الأمر الذي أدى بالمتعلم إلى نهج سلوك الغش في المادة لتقريب الهوة بينه وبين أستاذه، وبينه وبين الاخرين من جهة.
3-3 نظام الامتحانات: منذ الاعتماد على نظام الأكاديميات للامتحانات، تحولت العملية التعليمية، إلى مجرد عملية إملائية (بيداغوجيا الاملاء)، فالغلاف الزمني المخصص للمادة مقارنة مع محاور المقررات وأحجامها، لا يسمح للأساتذة بإخراج الدروس إخراجا بيداغوجيا محترما بالمفهوم العلمي للكلمة، بالإضافة إلى خوف المتعلم من بعض الدروس بعينها كدروس الإرث التي أصبحت ينظر اليها من طرف جل المتعلمين على انها بمثابة البعبع المخيف.
3-4 فوبيا الامتحان: إن الامتحان في هذه المادة ينوء بكلله على نفسية المتعلمين ويجثم على صدورهم وعقولهم، فيشكل لهم ضغطا متزايدا، فيصير هم النجاح هو المسيطر ولو بأية وسيلة ممكنة ولو بالغش والخداع.
إن فوبيا الامتحان هي أكبر مظهر سلبي للامتحان، نظرا لارتباطها في أذهان المتعلمين بالاعتزاز كقيمة إيجابية وبالمهانة كقيمة سلبية.
وخلاصة لما سبق لمحاربة هذه الظاهرة في مادة التربية الإسلامية لا بد من تظافر الجهود من طرف مختلف الفاعلين في مجال التربية والتعليم، والاهتمام بأستاذ المادة على الخصوص بتكوينه وتحفيزه، وذلك بالاقتداء بالنماذج الناجحة لبعض الدول في مجال التربية والتعليم كاليابان، حيث نجد رئيس وزراء اليابان عندما سئل عن سر التطور التكنولوجي في بلده أجاب بقوله (لقد أعطينا المعلم راتب وزير وحصانة ديبلوماسي وإجلال الإمبراطور).