مرة أخرى تشهد الساحة الإعلامية المغربية اهتماما ملفتا بموضوع الدعوة إلى تجديد مقررات التربية الإسلامية في المدارس التعليمية ، في ظل بقاء و تمدد تنظيم ” الدولة الإسلامية ” ، و أشكال العنف و مظاهر الإرهاب الدموية ، التي تروم إشغال الناس وإشعال الدنيا رعبا و دمارا . و الحال أن الوضع الإسلامي و الإنساني الأليم ، كفيل بحث المعنيين بالشأن السياسي الوطني و الإقليمي و الدولي نحو استقراء ظاهرة الإرهاب العالمي و تمظهراته الدراماتيكية في راهن الشعوب و مآلها . و هكذا فإن الانشغال المغربي الحالي و على جميع المستويات ، بهذه الآفة المهددة لقيم السلم و الاستقرار و التعايش ، هو انشغال سليم و راجح ، شريطة أن ينظر إلى الظاهرة الإرهابية المقيتة بقدر كبير من العقلانية و الموضوعية ، بعيدا عن أي مسلك سياسوي ضيق ، و تمترس أيديولوجي نزق.
و لعل أول ما يجب أن نستند إليه في هذا السياق هو انتهاج المقاربة العلمية المتمثلة هنا و الآن ، في التخلي عن إضفاء القداسة على الفكر الإسلامي ، و تبجيل نجومه المتلألئة في مجال الإبداع الفلسفي و الأدبي و العلمي و الديني .. كما يتوجب القطع مع النزعة العدائية الممنهجة ضد المعطى الديني في غياب رؤية حيادية حصيفة ! و لئن كان صاحب هذه السطور يزعم زعما أن لظاهرة الإرهاب أسبابا سياسية و حضارية و تاريخية ، أقلها الاحتلال و انتفاء العدالة الاجتماعية و انتشار الفساد و الاستبداد إقليميا و عالميا ، إلا أنه يؤمن إيمانا راسخا بحتمية ” نقد العقل العربي و الإسلامي ” ، و إعادة النظر في المنظومة التربوية و التعليمية الوطنية و العربية من منظور استبطاني متوازن.
و بعودتنا إلى موضوع المطالبة بتطوير مادة التربية الإسلامية في التعليم المغربي ، يمكن القول دون تردد ، إن التخوف من الامتدادات و الانعكاسات السلبية للمنجز الديني المدرسي أمر مشروع ، في غياب القدر الكافي من المستلزمات البيداغوجية و المعرفية ، و التسلح بأول و آخر ما جادت به القريحة البشرية من إنجازات في ميدان العلوم و الثقافة بعموم المعنى ، خاصة و أن الدين الإسلامي العظيم جاء للماضي و الحاضر و المستقبل ، و بالتالي فهو في حاجة إلى قراءات متجددة لوقائع إنسانية متجددة ! بيد أنه يخطئ من يصف كل مقررات المادة الدينية عندنا بالغلو .. فبعد عودتنا إلى عدد كبير من كتب التربية الإسلامية و في مختلف الأسلاك ، لتحري الحقيقة ، لم نجد فيها ما يدعيه البعض من كراهية و إقصاء و انغلاق و ابتعاد عن روح العصر ، صحيح قد نجد بعض المواضيع الدينية تخصص لتلاميذ غير مؤهلين وجدانيا و عقليا لإدراك دلالاتها و وظائفها ، كما قد نجد بعض الدروس النوعية لا تناسب تمام المناسبة الفئات العمرية المستهدفة ، لا بل إن بعض المحتويات الدينية في أمس الحاجة إلى إعادة صياغتها بقدر غير يسير من الذكاء الإيجابي .. لكن كل ذلك لا يطعن في المجهودات الجبارة التي يبذلها عدد غير قليل من خيرة رجال التعليم المغربي ، في التأليف و البرمجة و التوجيه.
و في المحصلة ، فإن جل المقررات ذات الصلة بالمادة الدينية المدرسية ببلادنا ، ترتكز في الغالب على القراءة السليمة للقرآن الكريم و الأحاديث النبوية الصحيحة ، و مختلف الوثائق الوطنية الرفيعة و على رأسها الدستور أسمى قانون في البد . و عليه فإذا كنا نقر بوضوح لا لبس فيه بأن هناك تطرفا دينيا يدعي امتلاك المعرفة و حق الحديث باسم الله و ممارسة أبشع الجرائم في حق الدين و الإنسانية جمعاء ، فإننا نرى في الآن عينه أن هناك تعصبا لا دينيا يزرع بذور الإستئصال و النزعات الطائفية و العرقية البدائية ، و يتحين ” الفرص ” لتصفية الحساب مع خصمه السياسي . إن القضاء على عواصف الإرهاب لا يمكن أن يتحقق إلا في إطار عمل تشاركي حضاري طويل النفس ، و على يد كل الأطراف و الهيئات السياسية و المدنية الإسلامية و العلمانية المعتدلة ، في ضوء مواصلة الإصلاح الفكري و التربوي و السياسي و الاجتماعي ، و احترام فعلي للديانات السماوية كلها ، باعتبارها نبراسا للمحبة و التآخي و السلام ، و الانفتاح على كل ما سطرته الإنسانية جمعاء من قوانين و مواثيق و حقوق دولية ترفع من شأن الإنسان و تصون كرامته !
كتبه:الصادق بن علال عن موقع الاصلاح
ملحوظة: المقال يعبر عن رأي صاحبه