ارتأينا تقديم هذا المشروع التطبيقي المرتبط بتقييم وتحسين برامج التعليم الديني، بناء على سلسلة من التطبيقات العملية والتنظير العقلاني (استغرق مجال بنائه أكثر من 35 سنة)، كان من بين عناصره الأساس، إحداث محطة إستراتيجية سمّيناها “محطة التنظير الاستراتيجي لإصلاح البرامج التعليمية الدينية”، يكون الهدف من هذا المشروع، إضافة نقلة نوعية للمساحة الإسلامية في ميدان الدراسات الإسلامية، يكون الهدف منها:
1-خدمة المدرستين: القرآنية (منبع العلوم الشاملة الماضية والحاضرة والمستقبيلة)، والمدرسة المحمدية (مدرسة المهارات الحياتية الآنية والآفاقية)، ومعارفهما في العصر الرقمي وفي الآفاق.
2-إتاحة الفرصة للطالب وللأستاذ بشكل عام، وللباحث الجامعي في مؤسسات الدراسات الإسلامية إن شاء الله بشكل خاص، إمكانية الانتماء إلى عالم ثلاثي الأبعاد:
– البعد الأول (المعرفي): التزوّد بالمعرفة المشاهدة والتطبيقية، وما وراء المعرفة في الزمكان الإنساني، وذلك باستخدام تقنيات التنمية الذاتية والبرمجة الذهنية التحليلي(PNL)، والتخطيط الشجري للمعرفة (Data Maping) والبرمجة المعلوماتية (Programmation)(وفق نظامي: المدرسة القرآنية، والمدرسة المحمدية).
– البعد الثاني(القيمي): التحلّي بالقيم الإسلامية الحضارية، والتوسّع في فهم حقيقة الوجود والتفاعل معها، ونشر مبادئ الطمأنينة المجتمعية والآداب الكونية، كما ورد ذلك في المدرسة المحمدية، حيث يقول معلّم البشرية “إنما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق”.
– البعد الثالث(الإحساني): التطبيق العملي لمهارات الإحسان الكوني (الإبداع الحياتي) وفق المعادلة الربانية: “إقرأ باسم ربّك”(العلق-1).
الهدف من اقتراح تعليم ديني في مستوى الألفية الثالثة
يمكننا اعتبار الهدف الذي نريد تسطيره وتحقيقه لطلاب التعليم الديني بشكل عام، والدراسات الإسلامية بشكل خاص، بمثابة محصلة هدفين جزئيين أساسيين:
أولا: الهدف التكتيكي:
نريد به الوصول إلى بناء مدرسة عقلانية لتدريس المواد الإسلامية بالتعليم العالي، وفق أنظمة هندسية تامة التنسيق بين مكوناتها المعرفية، يكون الهدف منها –وهو الأساس- تكوين طالب متّزن في الدراسات الإسلامية، لا يلغي فكره النابض لصالح لشيخه، بل نريد الوصول به إلى الدرجة العالية الرفيعة، ويتميّز بالكفاءات الآتية:
-يستوعب دوره الوجودي كخليفة في الأرض، جاء لبلورة التعاليم السماوية وفق منطوق الناس.
-يحسّ بذاته، ليتمكّن من استعمال أدوات القرن الواحد والعشرين، عندما يقوم بدراسة الكونين المشاهد وغير المشاهد، المعرفي وما وراء المعرفي.
-يستطيع قراءة قاعدة البيانات، وتحليلها واستخراج العوامل المؤثرة في الفضاء المدروس، ثم استخراج النتائج المتوخاة من الدراسة، والاستفادة من حقائقها التطبيقية.
-يبدع في بناء القوانين المرتبطة بمقرّر الدراسات الإسلامية، وجعلها ناطقة بحقيقة الوجود، وقابلة للتطبيق.
-يبحث عن السبل الكفيلة للمساهمة في إخراج الأمة الإسلامية (التبعية الفكرية والتقنية) من تخلفها التقني والمجتمعي والروحي.
-يسعى إلى ابتكار صيغ جديدة، ويوظّف المعرفة، ويبنى خوارزميات البحث العلمي في عالم التنقيب عن المعلومات لتكون مطواعة، وقابلة للتطبيق في فضاء المدرستين: القرآنية والمحمدية
ثانيا: الهدف الاستراتيجي:
يتلخص البعد الاستراتيجي لتوجيه التعليم الديني نحو مساحة عقلانية وإيمانية إبداعية، في عدة مستويات، أهمها:
1-معرفة ميكانيزمات تربية طالب الألفية الثالثة الحداثي:
-المرتبط بكتاب الله عز وجلّ وبالسنة النبوية، المستوعب لأركان الإسلام.
-المولدّ الأساس للتنمية البشرية الحداثية الجديدة
-المبدع الاحساني في الزمكان الإنساني
2-هندسة الهيكلة العامة للبرنامج المزمع تطبيقه، من أجل إصلاح أداء تعليم وتكوين في الدراسات الإسلامية.
3-تحديد الأسس العلمية الحداثية التي يجب أن ينبنى عليها إصلاح الدراسات الإسلامية، في التعليم خاصة والتعليم العالي والبحث العلمي عامة، بهدف الوصول إلى تحقيق الأهداف المرجوة بصورة أكثر عقلانية.
4-بناء شجرة المعرفة المرتبطة بالمنهجية المتّبعة لتدريس مناهج ومقرّرات جديدة في شعبة الدراسات الإسلامية، وكذا معرفة الوقت الكافي لتحقيق هذا الإصلاح.
التفكير الاستراتيجي لبناء منهج أصيل في البرامج التعليمية الدينية:
يرتكز التفكير -الذي نريد بناء خوارزميته-في مجال الدراسات الإسلامية، على جملة من الأفكار الأصيلة، نطرح أبجدياتها على شكل تساؤلات معرفية، مع تحديد عناصرها في الحوار الذاتي الآتي:
1 – من نحن؟ (ويكون الغرض من ذلك، التعرّف على أرضية الانطلاقة)
2 – ماذا نريد تحقيقه؟ (ولا شك أن المطلوب في العملية العلمية،هو بناء طالب الدراسات الإسلامية، والتعرف على منطلقه، وآلياته العملية وهدفه المراد تحقيقه؟
3 – لماذا نريد تحقيق الأهداف المطروحة آنفا: لأننا نريد لطالب الدراسات الإسلامية، الانتقال من مستهلك للمعرفة (يعرف أركان الإسلام، لكنه لا يستوعبها ويبرهن على أسسها أثناء مسيرته الشخصانية في الفضاء الأنتربولوجي) إلى متفاعل معها ومبدع لإنتاج المعرفة، الذي تخولّه فهم دينه تطبيقيا؟
4 – لماذا نريد تحقيق الأهداف؟ (لأن عصرنا الرقمي يتطلب منا تغيير أسلوب التفكير،وحفز الذات حتى تنطلق متحررة من قيود التقاليد المعيشة، والأفكار التي تعتمد على الارتباط بمقولة:”قال شيخي”، وطرح البدائل التي عشنا في أجوائها إلى اليوم).
5 – متى نريد تحقيق الأهداف؟ لقد أيقنت الشعوب الإسلامية المتطلعة لغد أفضل، أن التغيير يجب أن يبتدئ في أقرب الآجال، إن أردنا الخير لأوطاننا ولديننا، حتى لا تتكرّر أخطاء الإنسان وما أكثرها في دول العالم (الرسوم المسيئة لمعلم البشرية، الفيلم المسيئ للنبي صلى الله عليه وسلم،الحروب المشتعلة –المعلنة وغير المعلنة- في كل الدول الإسلامية تقريبا، الإسلاموفوبيا، التخلّف التكنولوجي، التبعية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحتى النفسية…) واللائحة طويلة.
6 – من نريد في المشروع؟ إن المستهدف في مشروعنا هو برعم المستقبل- طالب العلم في الدراسات الإسلامية بالتعليم العمومي والتعليم العالي-الغيور على دينه، والقادر على إدخال تعديل جوهري في مسيرة الإنسان، العلمية والفكرية والمجتمعية كونيا.
7 – أين ننفّذ المشروع؟ في جميع مؤسسات التعليم (حسب الأولوية البيداغوجية) من التعليم الابتدائي إلى التعليم العالي.
8 – ما هي قاعدة المشروع؟ وذلك بالتفكير في الانتماء إلى المدارس الثلاث الآتية:
المدرسة القرآنية (مدرسة المعارف الكبرى اليقينية)
المدرسة المحمّدية (مدرسة القيم، والمهارات التي تترجم علوم القرآن الكريم إلى واقع عملي ملموس)، وكما تقول سيدتنا عائشة رضي الله عن معلّم البشرية محمد صلى الله عليه وسلم: “كان خلقه القرآن”.
مدرسة الإحسان، وتمثل مدرسة الإبداع المراقب، حيث يكون الإنسان دوما في فضاء يشعر فيه بمراقبة الله له.
التخطيط الاستراتيجي المتبّع:
نرى أن نجاح الدراسات الإسلامية والتفكير في مدرسة الغد المغربية، يكمن في مدى قدرة الهيئة التعليمية العاملة في الميدان التربوي والتعليمي،على انتهاج خطة استراتيجية علمية مدروسة، ونهج سياسة متطلبات التعليم في عالم المعرفة، عالم الإنسان المستقبلي الذي ينتج المعرفة، مصداقا لقول ربّ العالمين” إقرأ باسم ربّك”(العلق-1)، والذي تتحوّل فيه المفاهيم –حسب الآية الكريمة- من مساحة: ماذا تعلّمتٌ؟ إلى مساحة ماذا أعرف؟ وكيف أعرف؟ ولماذا أعرف؟
لتحقيق ما نصت عليه الآية الكريمة في سورة العلق، يجب الحديث ولو بشكل مقتضب (كومضات على الطريق)، عن المساحات الفكرية الآتية:
-المساحة التفكرية الأولى: الهيئة التعليمية في الدراسات الإسلامية بالتعليم العالي
وقد تمّ التطرق لها (تفاديا للتكرار) في المشروع الحضاري العام للإصلاح الجامعي (انظر المشروع الحضاري لإصلاح التعليم العالي والبحث العلمي، المقدّم من طرف أ.د. إدريس الخرشاف، أستاذ التعليم العالي في الإحصائيات المعلوماتية، جامعة محمد الخامس، الرباط-المغرب، 15-3-2015م).
-المساحة التفكرية الثانية: البرنامج المرتبط بمهارات الطالب المسجّل في الدراسات الإسلامية
من أجل ذلك، ارتأينا طرح فكرة إعادة النّظر في مناهج شعب الدراسات الإسلامية، وجعلها أداة فعالة لتنمية الإنسان الخليفة والمجتمع، بحيث لا تنحصر أهميتها في تلقين الطالب الجوانب الفقهية التعبدية، وجعلها من طرف الطالب، مجموعة من الرسومات والمخطوطات المسطّرة في أوراق الامتحان، من أجل الحصول على درجة جيدة، بل يتعدى الأمر ذلك، لتقوم الهيئة التعليمية في شعب الدراسات الإسلامية، بتوليد فضاء المعرفة الجديدة والإنسانية التطبيقية الاحترافية، لتجعل من طالب الدراسات الإسلامية عنصرا مبدعا في النظام الأنتربولوجي الكوني، يخطط من أجل إنشاء تنمية مجتمعية شاملة وإيجابية:
أ-تنمية ذاتية لإدارة تفكيره (Réflexive)، وتكون لها بصمات احترافية صالحة وحقيقية في الزمان والمكان المجتمعي.
ب-تنمية تبادلية (commutative) داخل الفضاء المحيط به، بعيدا عن لغة التشنّج.
ت-تنمية متعدّية(Transitive) لتحديد معالم طريق مجتمعه، ويبدع من أجل تحقيق الاستخلاف في الأرض، كما أمره رب العالمين بذلك حينما قال سبحانه وتعالى: “وإذ قال بك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة”(البقرة-30).
المساحة التفكرية الثالثة: البرنامج المقترح الإضافي لبرنامج الدراسات الإسلامية
في هذه المساحة- ونظرا لأهميتها- حاولنا إظهار المهارات المستخرجة من مدرسة القرآن الكريم (منبع المعرفة)، ومن المدرسة المحمّدية(مدرسة المهارات التطبيقية الإسلامية)، لتعليم مواد الدراسات الإسلامية المستقبلية في التعليم الجامعي، انطلاقا من تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية المطهّرة، التي ستكون لا محالة إن شاء الله، خير محفّز لهمم الطلبة والأساتذة على السّواء من أجل تنمية ذاتهم من جهة، ومن أجل دفع عجلة الوطن إلى الأمام من جهة أخرى، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
1- مهارات القراءة
2- مهارات المعرفة
3- مهارة الحفز
4- مهارة الاستماع والإنصات
5- مهارة استغلال الوقت وإدارته
6- مهارات الحوار.
7- مهارات اتخاذ القرار، والتفضيل…
إضافة إلى برامج أخرى، يصعب طرحها في عبارات مقتضبة.
أدعو الله تعالى أن يوفقنا جميعا، لإعادة النظر في برامج تعليمنا، وفي طريقة تحديث معرفتنا العلمية ببرامج عقلمانية وإبداعية، وبخطط إستراتيجية واضحة المعالم.
واعظ رسمي بالمجلس العلمي المحلى بالرباط، دكتوراه الدولة في الإحصائيات المعلوماتية
حاصل على وسام التميّز الدولي للشخصيات في مجال الفكر والعلم الأكثر تأثيرا في العالم برسم سنة 2013م
من المجلس الدولي للدراسات الإستراتيجية الأمريكية وحقوق الإنسان وبتعاون مع كلية ولدنبرج الأمريكية-البريطانية
ملحوظة: المقال يعبر عن رأي صاحبه