تقرير ندوة”سؤال القيم في المنهاج الدراسي لمادة التربية الإسلامية -مقاربة بيداغوجية-“

0

إعداد/ إسماعيل مرجي – عبد الله إد اجنان 

ضمن سلسلة أنشطتها الماتعة خلال شهر رمضان المبارك، نظمت الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية، الندوة التربوية الخامسة، تناولت بالدرس والتحليل موضوع: “سؤال القيم في المنهاج الدراسي لمادة التربية الإسلامية -مقاربة بيداغوجية-“، أطرها المفتش التربوي للمادة بمديرية العرائش الأستاذ أحمد العبودي، ومن تسيير الأستاذ الحسين قرقب أستاذ المادة بنفس المديرية، ونقلت فعاليات هذه الندوة عبر منصة زووم وعلى الصفحة الرسمية للمكتب الوطني للجمعية مساء يوم السبت  25 رمضان 1442هـ ابتداء من الساعة التاسعة والنصف.

رابط الندوة على صفحة الجمعية على الفايسبوك:

https://web.facebook.com/110790647216096/videos/955696165246237

بعد افتتاح الندوة بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم من طرف الأستاذ  يونس الكمراوي، استهل السيد المسير الندوة التربوية بتقديم أسئلة تمهيدية لها؛ معتبرا  بداية أن سؤال القيم في المنظومة التربوية من الأسئلة التي تفرض نفسها بإلحاح لعدة أمور منها:  الأمر الأول: غياب لرؤى واضحة حول  الأسس النظرية والفكرية المرجعية التي ينبغي أن تؤطر مناهجنا التعليمية، ووضع منظومة قيمية واضحة المعالم، والأمر الثاني: وجود نوع من الصراع الكمي حول القيم التي عليها أن تسود المجتمع المغربي اليوم.

ليتساءل بعد ذلك عن  مدى حضور البعد القيمي في المنظومة التعليمية المغربية ؟ وأين تتجلى مظاهر وعوامل الاختلال القيمي في هذه المنظومة ومناهجها ؟ وأي دور لمنهاج التربية الإسلامية لخلق نوع من التوازن القيمي داخل المنظومة التربوية ؟ وما هي القيم ذات الأولوية التي ركز عليها المنهاج الجديد، وعلى أي أساس  كان هذا التركيز ؟.

بدأ الأستاذ أحمد عبودي مداخلته بشكر المكتب الوطني للجمعية لتنظيمه لهذه الندوات القيمة الماتعة النافعة، ليسلط الحديث بعد ذلك على مفهوم القيم ودلالتها معتبرا القيم:” مجموعة من المعايير التفضيلية التي تضفي قيمة على معتقد أو سلوك أو فكرة أو منهج، مع الاقتناع بها اقتناعا يقوم على أساس الإيمان بمشروعيتها”.

وأكد  الأستاذ أن المدرسة المغربية تتحمل قسطا من مسؤولية التربية على القيم، من خلال ترسيخ قيم المواطنة والقيم الثقافية والحضارية وقيم الهوية العربية الإسلامية لدى الناشئة.

منبها إلى إشكال قيمي ينتصب داخل المدرسة المغربية ويتمظهر في مستويات: فمنظومة القيم على مستوى العالمي تشهد تحولات سريعة وخاصة مع تقنيات الحديثة في الإعلام والتواصل التي أحدثت تورة عميقة على مستوى المعارف والقيم إنشاء وتغييرا وتحويلا، فكان ولا بد لمرجعيات المدرسة المغربية أن تسجل موقفها تجاه القيم، وهذا ما أكدته الوثائق التربوية بدء  بالميثاق الذي جعل التربية على القيم مدخلا أساسيا للإصلاح والتغيير في المناهج التربوية، وكذلك الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030م؛ إذ وضعت المدرسة المغربية في صلب المشروع المجتمعي المغربي المنشود، مدرجة وظيفة التربية على القيم في صلب التحقيق الفعلي للتنمية وللتغير وللإصلاح، مما سيسهم في إنشاء مدرسة جدية قائمة على الدعامات الثلاث: الإنصاف وتكافؤ الفرص، والجودة، والارتقاء بالفرد والمجتمع.

متأسفا من أن هذا الطموح المقبول من الناحية النظرية، اصطدم بواقع وأفرز نتائج معاكسة، فالتقويم الأولي الذي أنجزته الهيئة الوطنية للتقييم التابعة للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي: أعطانا نتائج مخيبة للأمل، فالهيئة تناولت بالتقييم والدراسة المرحلة الأولى من الرؤية الاستراتيجية التي تمتد ما بين 2015  و 2018م  واضعة 157  مؤشرا غطى المجالات الثلاث (الإنصاف وتكافؤ الفرص، والجودة، والارتقاء بالفرد والمجتمع)  مستنتجة أن التقدم المحرز في مجال التربية في المغرب لا يزال خجولا، وان الإيقاع الذي تتقدم به التربية في بلادنا لن يحقق الأهداف المتوخاة سنة 2030م.

وأبرز المؤطر التربوي الأستاذ أحمد العبودي  بعض مظاهر الاختلال القيمي في المنظومة التربوية المغربية مجملا إياها في ما يلي:

  • إن منظومة القيم في المدرسة المغربية لم تستقر بعد؛ فهي متأثرة بالمرجعيات الدولية؛
  • غموض أو عدم وضوح منظومة القيم في المدرسة المغربية وضعف تناغمها أفضى إلى سوء تنزيل استراتيجيات تربوية وأجرأتها ضمن مقاربات منهاجية واضحة سلسة.
  • الهوة المتنامية بين الخطاب النظري في مجال التربية على القيم، وبين الواقع الذي يعيش فيه المتعلمون؛

وأوضح الأستاذ أحمد أن هذه الاختلالات والتباينات أنتجت شعور المتعلم في المدرسة المغربية بنوع من الغرابة والدهشة؛  خصوصا مع التناقض الصارخ بين التنظير وبين واقع المدرسة المغربية.

ولعل تشخيص المجلس الأعلى حول منظومة القيم في المدرسة المغربية وما تحتضنها من قيم : العنف، والغش، والاعتداء، والتهديد، والتعصب، والتمييز بين الجنسين، والانحراف، والتحرش، وعدم احترام الأدوار، والاضرار بالبيئة وبالملك العام، يوضح نتائج الاختلالات المسجلة.

فهذه الاختلالات تستوجب البحث عن حلول لها، وقدم المؤطر التربوي أسئلة معينة لتوصل إلى الحلول سماها بالاختلالات وأسئلة الكيف، حيث تساءل عن:

  • كيف يتسنى للمدرسة المغربية أن تحمي النشء المغربي من الاجتياح الواسع للقيم السلبية في ظل هذا التدفق اللامتناهي للمعلوميات ؟ وكيف تجعل المتعلم يستفيد من هذا التدفق التكنولوجي؟
  • كيف ينظر التلميذ إلى القيم التي يراد له أن يتبناها وتترسخ لديه ؟ وهل هذه القيم التي يراد لها النقل للمتعلمين قائمة على دراسات وأبحاث ؟
  • كيف يمكن للمؤسسة التربوية نقل القيم التي تلقاها المتعلم من صيغتها النظرية إلى الشكل العملي التطبيقي.
  • ما الدور الموكول إلى المدرسين في نقل القيم ؟ وهل هم مؤهلون لذلك ؟ وهل تلقوا من التكوينات ما يسعفهم على ممارسة التربية على القيم ؟
  • كيف يمكن اعتماد أساليب معينة في قياس مدى تحقق التربية على القيم ؟

مؤكدا على أن القيم السلبية آخذة في التفشي؛ مما يدل أن ليست هناك أي استراتيجية وطنية تفكر في معالجة الموضوع بالحزم والصرامة المطلوبة عن طريق تخطيط منظم محكم له أهدافه وآلياته وموارده البشرية، ومجال التكوين، وأساليب التنزيل والتقويم.

ولخص المفتش التربوي بعد ذلك الوسائط المعتمدة في تنزيل القيم في الوسط المدرسي في أسلوبين اثنين هما:

الأول: الخطاب اللغوي عبر البرامج والمحتويات الدراسية للمواد الحاملة للقيم؛

الثاني: آليات الأنشطة الموازية ( الثقافية والرياضية…) مذكرا بأهمية الأندية التربوية في ترسيخ القيم كما دلت على ذلك الوثائق التربوية الرسمية.

فالمنهاج القديم للمادة كان يتضمن حصص الأنشطة وكانت تخلق دينامية غير معهودة في المادة، جاعلة فضاءات الحياة المدرسية مفعمة بالحياة؛ غير أن هذه الحصص حذفت في المنهاج الجديد، معتبرا أن الأنشطة هي فرصة سانحة لتأطير المتعلمين وتوجيههم وحثهم على القيم، وامتصاص بعض الجوانب السلبية في اندفاعاتهم وإكسابهم قيم التضامن وروح العمل الجماعي من خلال مشروع التلميذ أو مشروع القسم أو مشروع المؤسسة.

وبعد هذه الإطلالة في الوثائق التربوية الخاصة بالمنظومة التربوية، وبعد رصد واقع القيم في المدرسة المغربية والاختلالات التي تعرفها، والأساليب التي تنهجها في ترسيخ القيم، انتقل المؤطر التربوي إلى الحديث عن التربية على القيم من خلال منهاج مادة التربية الإسلامية بالتعليم الثانوي، ممهدا لذلك بملاحظات هي عبارة عن مقدمات وهي :

  • صدور المنهاج الجديد جاء في سياق خاص مرتبط أساسا بالخطاب الملكي بالعيون الذي حث على التركيز على التربية على القيم الإسلامية الداعية إلى التسامح والتعايش والانفتاح على الآخر، وهو سياق داخلي لكنه متأثر بالسياق الخارجي في منظومة القيم.
  • وثيقة المنهاج الجديد تعتبر أن مراجعة منهاج المادة جاء في سياق الإصلاحات البناءة المتمثلة في تدبير الشأن الديني وخصوصا ترشيد الخطاب الديني.
  • المنهاج الجديد سعى للمراهنة على التجديد والخروج عن المألوف،

غير أن طموح مراجعة منهاج المادة وتجويده اصطدم بعاملين أساسين: يتمثل أولهما في ضيق الوقت فالمنهاج هندس في مدة قصيرة حوالي أربعة أشهر. وثانيهما في عدم توسيع الاستشارة وتعميقها مع المعنيين المباشرين بأمر المناهج والبرامج وخاصة الأساتذة الممارسين والمفتشين التربويين.

معتبرا أغلب الانتقادات الموجهة لمنهاج مادة التربية الإسلامية كان سببها التسرع في هندسة المنهاج وعدم الاستشارة مع المعنين بالإضافة إلى السرية التي واكبت مراجعة المنهاج، كما جاء في مذكرة الجمعية الموجهة إلى المعنيين بأمر المناهج حول كثير من جوانب الإبهام والغموض التي لفت مفردات المنهاج الجديد.

ولمقاربة موضوع التربية على القيم من خلال منهاج مادة التربية الإسلامية طرح المفتش التربوي سؤالين أساسين تتفرع عنهما أسئلة فرعية وهما:

أولا: سؤال المعنى:

  • ما معنى ترشيد الخطاب الديني في سياق مراجعة وتدقيق منهاج مادة التربية الإسلامية ؟
  • وما معنى الخطاب الديني داخل المؤسسة التربوية ؟ وهل الخطاب الديني يساوي مادة التربية الإسلامية ؟ وما معنى الترشيد ؟ هل هو التنوير أم العقلنة أم التحكم؟
  • هل ترشيد الخطاب الديني يعني أن نزيد في درجة ترشيده، أم أنه غير مرشد بالقدر المطلوب؟
  • هل المراجعة ساهمت فعلا في ترشيد الخطاب الديني داخل المؤسسات التعليمية خصوصا بعد مرور خمس سنوات على اعتماد المنهاج ؟
  • ألم يكن هذا الترشيد ممكنا ومتاحا مع المنهاج القديم ؟
  • ألا يكون من مقتضيات ترشيد الخطاب الديني تمكين المادة من الهندسة البيداغوجية بمقامات أخرى بأن نرفع من حصصها ونزيد من معاملها ونقررها في الامتحانات الإشهادية ؟

ثانيا: سؤال الجدوى:

قدم أسئلة نقدية حول جودة منهاج مادة التربية الإسلامية من أبرزها:

  • ما جدوى المنهاج الجديد مقارنة بالمنهاج القديم في سياق التربية على القيم خصوصا مع عدم إجراء أي تقويم للمنهاج القديم ؟
  • ما هي الإضافات النوعية التي أتاحها المنهاج الجديد ؟
  • هل ترشيد الخطاب الديني ينحصر ضمن إنتاج بعض وثائق محدودة ؟ أم أن ترشيد الخطاب ينبغي أن يمتد ليشمل عناصر المنهاج كلها ( الهندسة البيداغوجية، تكوين المدرسين والفاعلين…) ؟
  • هل من المعقول والمقبول أن تناط مهمة ترشيد الخطاب الديني لمادة دراسية واحدة ؟
  • هل هناك من انسجام وملاءمة حول القيم التي يراد تنشئة المتعلمين وفقها داخل المواد الحاملة للقيم ؟
  • هل سيتم تقييم مستوى ترشيد هذا الخطاب ؟ ومتى ؟ وما هي الآليات التي يمكن اعتمادها لقياس درجات الترشيد فنقول فعلا أن الخطاب الديني قد بلغ مرحلة الرشد ؟

ولم تسلم وثيقة منهاج مادة التربية الإسلامية بالتعليم الثانوي من انتقادات المفتش التربوي أحمد العبودي وناقشها من خلال نقط أبرزها:

النقطة الأولى: تحديد الغاية القيمية من تدريس مادة التربية الإسلامية.  

اعتبر المؤطر التربوي أن الغاية من تدريس مادة التربية الإسلامية صيغت صياغة فضفاضة عامة يسودها الإيهام والغموض:”تحقيق التوازن في كيان الإنسان بين جوانب الشخصية كلها من خلال تلقين المعرفة والتدريب على المهارة وبناء القيم”.

وعلق الأستاذ على هذه الغاية معتبرا إياها هي غاية الإسلام وليست فقط غاية مادة تعليمية بساعتين في الأسبوع، منبها أن الحديث عن المادة في وثيقة منهاج المادة هو في الحقيقة حديث عن الإسلام وليس عن مادة دراسية معتمدة بحصتين في الأسبوع ضمن الهندسة البيداغوجية.

فالحديث عن الغاية بهذا الإطلاق والتعميم يمكن القول أننا إزاء منهاج دراسي أقل ما يمكن أن نقوله عنه؛ أنه منهاج مرتبط بتدريس الإسلام، وكأننا أمام مؤلفات منظري التربية الإسلامية، وخاصة مؤلفات ماجد عرسان الكيلاني ( فلسفة التربية الإسلامية، غايات وأهداف التربية الإسلامية، ومنهاج مادة التربية الإسلامية) فحديث الدكتور الكيلاني حديث مقبول؛ لكونه يتحدث عن الإسلام باعتباره منظومة وفي سياق عام وليس في سياق ذي صلة بالمنهاج الدراسي المعتمد ضمن وزارة معينة.

ومن بين الملحوظات أيضا بخصوص تحديد غاية المادة في وثيقة المنهاج أن الوثيقة ربطت بين تحقيق الغاية وبين تحقيق المقاصد الأربعة للمنهاج وضمن المقصد الحقوقي جعلت هذا المقصد يقوم على أربع قيم وهي : الحرية والقسط والمساواة والكرامة، ليتساءل عن الفرق بين المقاصد والغاية، معتبرا أن حديثنا عن المقاصد هو حديثنا عن الغاية لكن بصيغة التعميم والإطلاق، ومما يؤكد هذا الغموض في تناول مفردات منهاج المادة من طرف وثيقة المنهاج، نشعر عند تعريف المادة أننا أمام تعريف الإسلام وليس تعريف مادة التربية الإسلامية.

فمفهوم المقصد والغاية والأهداف العامة لتدريس منهاج المادة يلفها العموم والشمول ولم تكن واضحة.

النقطة الثانية: علاقة المقاصد بالمنهاج ومفرداته

اعتبر الأستاذ أن لفظة :” المقصد” أقحمت في المنهاج، وخاصة أنها جاءت بمعنى الغايات، معزيا ذلك إلى التوجه العلمي والمعرفي الذي غلب على اللجنة العلمية المكلفة بالمنهاج. فتكوين اللجنة هو الذي فرض هذه المفردات:” المقاصد، المداخل، التزكية، الاقتداء، الاستجابة، القسط، الحكمة…)  منبها أن المعجم التداولي  المتعلق بمفردات المنهاج ( الغايات، المرجعيات، الاختيارات، مواصفات المتعلمين، المقاصد…)  يمتاح أساسا من المواثيق الدولية، ومن ثقافة حقوق الإنسان، فالوثيقة تستمد كثيرا من مفاهيمها من مرجعيات وأطروحات لها علاقة بحوار الأديان واصطدام الحضارات ونهاية التاريخ ( تكامل النبوات، الإيمان بالوحدة البشرية، الانفتاح، التعايش، التسامح الحرية…)

ممثلا لذلك بالمقصد الوجودي الذي يرتكز على أربعة قيم كبرى، وقيمتين من هاته القيم كانتا شعارا للتورة الفرنسية وهما:” الحرية والمساواة” فالمرجيعات المؤطرة للوثيقة تمتاح من الأطروحات العالمية، ومن أمثلة ذلك أيضا قيمة الكرامة فرغم أصالة المفهوم وعمقه، سيق المفهوم في سياق ضيق، فالإنسان استحق التكريم الإلهي من غير أن يبذل جهدا أو يأتي بعمل فقد كرمه الله تعالى.

النقطة الثالثة: القيمة المركزية والقيم الناظمة:

من الانتقادات التي وجهها الأستاذ للمنهاج: أنه لم يبين معنى القيمة المركزية ولا معنى القيم الفرعية، فبأي معنى نعتبر قيمة معينة قيمة مركزية ؟ ولماذا القيم الأخرى فرعية ؟ وهل فعلا هذه القيم تحتل موقعا مركزيا وفرعيا في المنهاج بالنظر إلى محتوياته ومضامينه ؟ لما ذا التوحيد بالضبط هو قيمة مركزية من الناحية السيكوبيداغوجية  والديداكتيكية ؟

وخلص الأستاذ أحمد إلى أن وثيقة منهاج مادة التربية الإسلامية تفتقر إلى الحس التعليلي البيداغوجي لكثير من اختياراتها وعناصرها البنائية ومفاهيمها الوظيفية، فالتوحيد قيمة مركزية مرجعية كلية في سياق الحديث عن الإسلام باعتباره رؤية وتصور للوجود والإنسان والواقع والمصير وليس باعتبار التربية الإسلامية.

فجعل التوحيد قيمة مركزية من طرف رواد المعهد العالمي للفكر الإسلامي كطاهر جابر العلواني، وإسماعيل الفاروقي وحسن ملكاوي… قد يكون ذلك مقبولا، لكونهم يتحدثون عن التربية الإسلامية بصفة عامة، فالتوحيد يصلح أن يكون قيمة مركزية بالنسبة للمنهاج السابق وريما حتى اللاحق، فما الذي يحدد أن نجعلها قيمة مركزية في منهاج دراسي معين ؟

معتبرا أن المنهاج لم يوفق في اختيار هذه القيمة ويقترح قيمة مركزية بديلة وهي قيمة الإحسان، معللا ذلك بأمور منها:

  • الإحسان قيمة تجمع بوضوح بين الجانب الاعتقادي التصوري ( مدخل التزكية)  والجانب التعبدي الاجتماعي( مداخل الاقتداء والاستجابة والقسط) وبين الجانب العملي التطبيقي المرتبط بالحكمة، وهذه الجوانب والأبعاد تهدف إلى تكوين شخصية المتعلم في توازن وانسجام، والإحسان قيمة مركزية لصلتها الاشتقاقية بالمقصد الجودي والوجودي والحقوقي حسب التعريفات التي ساقتها وثيقة المنهاج، والإحسان غاية من غايات الخلق الكبرى قال تعالى:” تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير الذي حلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم احسن عملا وهو العزيز الغفور”(سورة الملك)
  • الإحسان قيمة ملائمة عمريا لفائدة الفئة المستهدفة ؛
  • الإحسان قيمة واضحة الدلالة والأبعاد؛
  • هو مفهوم وقيمة إيجابية بأبعاد إجرائية متعددة، فالإحسان من معانيه ضد الإساءة والقبح والإضرار بالغير، ويندرج تحت مفهوم الإحسان: إتقان العمل، ونفع الخلق، وتحصيل الثواب، واستحضار الرقابة الإلهية.
  • الاحسان قابلة للتصريف بسهولة في السياقات الاجتماعية والأسرية؛

فمفهوم الاحسان والمفاهيم ذات الصلة بيوميات المتعلم وسلوكاته ويجد لها صدى في كثير من دروس المداخل، بينما التوحيد هو مفهوم مجرد يصعب ترجمته إلى سلوكات وإجراءات.

  • الإحسان قيمة مركزية بمعاني ميسرة وقابلة للإدراك من لدن المتعلمين ويمكن ترجمتها إلى عناوين من دروس المنهاج الدراسي، من غير أن نجد حرجا وتعسفا في ربط قيمة الإحسان بكثير من الدروس.

ومثل الأستاذ أحمد بدروس لها صلة مباشرة بقيمة الإحسان من الثالثة إعدادي: أسماء الله الحسنى، العبادة غاية الخلق، العبادة صفات الإيمان ودليل خضوع، الهجرة المتجددة، أهمية التخطيط والتنظيم، التعارف والتعايش… الاعتناء بجمال البيئة والمحيط. أما بالنسبة للتأهيلي فنجد: سورة يوسف، الإيمان والغيب، صلح الحديبية وفتح مكة، الأمانة والمسؤولية…

  • قيمة الإحسان أكثر ارتباطا بالسلوك اليومي للمتعلم وبمسؤولياتهم في التعلم والتحصيل الدراسي وواجبهم إزاء فضاءات الحياة المدرسية.
  • التوحيد رغم مركزيتها العقدية والأخلاقية لا تطرح بشكل مباشر إشكالات بين أوساط المتعلمين، على المستوى الاعتقادي على الخصوص؛
  • الربط بين التوحيد باعتباره قيمة وتجلياته السلوكية عند المتعلمين، هو ربط متاح ومطلوب وسلس.

وختم الأستاذ مداخلته بإمكانية جعل قيمة المسؤولية والجزاء (ربط المسؤولية بالمحاسبة) قيمة مركزية هي الأخرى.

وفتح المسير باب النقاش فتدخل الأستاذ محمد اد حموش ناقلا لبعض الأسئلة التي طرحها المتتبعون للندوة على صفحة الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية، وتفاعل الأستاذ أحمد مع أسئلة المتتبعين ننقل بعضها لأهميتها:

  • من الإشكالات التي يعاني منها منهاج التربية الإسلامية بخصوص تدريس القيم هي: غياب صنافة تحدد القيم الفرعية المتفرعة عن القيم المحددة في المنهاج، وهي أمر مشكل ديداكتيكيا، لماذا؟ لأن عدم تحديد الصنافة أسقط الأساتذة في الاستخراج العشوائي للقيم خاصة عند التعامل مع السورة القرآنية.
  • تحديد القيم واعتبارها مركزية أو فرعية أمر تتحكم فيه الخلفية الشرعية للمادة إضافة إلى الحاجات التي يحتاجها المتعلم (ة) اليوم، لأنه لا يمكن أن نتحدث عن مركزية المتعلم ونحن لم نراعه عند اختيار القيم.
  • الإشكال ليس في تحديد القيم سواء المركزية منها او الفرعية بل المشكل يكمن في كيفة تنزيلها وتطبيقها الديداكتيكي.
  • . ما المعيار المتبع في تصنيف القيم الى مركزية وفرعية ان كنا نقصد بالمركزية القيم الاربع المحيطة بالتوحيد فقيمة الطاعة غائبة فيها علما انها هي الأهم
  • الا تعتبر قيمة الطاعة قيمة مركزية لان اعتقادنا وجميع سلوكاتنا الهدف منها طاعة الله بدليل”وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون”
  • المنهاج أغلبه مبني على منهج التصوف بتدخل من وزارة التوفيق .لذلك لايجب على كثير من إشكالات التلميذ التي يعيشها في حياته اليومية
  • ألا يمكن اعتبار التوحيد كونها تتميز بنفس الخصائص التي ذكرتها لقيمة الاحسان وبالتالي اعتبارها قيمة مركزية باعتبار انتماء الاحسان الى مجال الأخلاق والتوحيد الى مجال العقيدة وهي الأصل؟
  • ألا ترون أن القيم يجب أن تتطور وتنمو مع المتعلم حسب مستوياته الادراكية؟ ومن الخطأ تعميم نفس القيم في كل المستويات المدرسية!
  • القيم في المنهاج الدراسي مشكل المدرسة عموما وتحميلها لمادة التربية الإسلامية وحدها هو ما أضر بهذه القيم. التحدي المرفوع في وجه مؤطري ومدرسي المادة والمهتمين بها هو الرافع عن هذه القيم في الوسط المدرسي من خلال كل المواد والأنشطة بدون استثناء.
  • لذلك اسأل أستاذنا كيف نحول ديداكتيكيا القيم من موجودة بالقوة إلى موجودة بالفعل؟

وقد تفاعل الأستاذ المحاضر مع هذه التساؤلات والإشكالات مقترحا أجوبة وتوجيهات أغنت الندوة التربوية، وأثرت موضوع القيم في مادة التربية الإسلامية .

رابط تحميل التقرير بصيغة pdf

https://drive.google.com/file/d/1w4EZfsqHHTAsP0uYHbSDycfvB6g7gNm4/view?usp=sharing

من إعداد:

ذ. إسماعيل مرجي

ذ. عبد الله إد اجنان

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.