ذ.سعيد لعريض: محطة المجلس الوطني لأكادير مناسبة لتجديد العزم والالتزام لمواصلة أدوارنا في خدمة مادة التربية الاسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على رسول الله وعلى من اتبعه بإحسان إلى يوم الدين
كلمة المكتب الوطني في المجلس الوطني
ترحيب بالحضور الكريم:
يطيب لنا في المكتب الوطني للجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية أن نرحب بكم في هذه الدورة الثانية للمجلس الوطني في الولاية الحالية. نرحب بشخوصكم الكـريـمة باسمي وباسم كافة الأخوة في المكـتب الوطني، مستغلين هذه اللحظة التاريخية من انعقاد أعلى هيئة تنفيذية بعد المؤتمر الوطني لنتقدم لكم بفائق الشكر وعظيم الامتنان، على تجشمكم صعاب السفر عبر ربوع المملكة المغربية من جهة، وفي إنجاح أنشطة ومشاريع الجمعية من جهة ثانية، وترجمة أهدافها النبيــلة على أرض الواقع. ونخص بالذكر في هذا المجال جميع المكاتب الحاضرة، وأيضا التي تتابع أشغال هذه الدورة من المجلس الوطني عن بعد؛ والتي لم تتيسر لها سبلَ الحضور، وباقي المنخرطين والمتعاطفيـن والشـــركاء الفاعلين مع الجمعية. فقد استطاع الجميع بفضـل الله وبفضل العزيمة القوية للمشرفين على هياكل الجمعية، أن تساهم في تنزيل مشاريع المكتب الوطني ومشاريع المكاتب المحلية، على نحو من التضامن البناء والتشارك الخلاق والعمل الهادف، انطلاقا من الشعور بالمسؤولية الدينية والوطنية، واستنادا إلى الإحساس العميق بأهمية تجويد الممارسة الصفية، وتجديد الاشتغال الديداكتيكي لمادة التربية الإسلامية. فإليكم جميعا نقول تقبل الله سعيكم وعملكم المتميز، وسدد خطاكم وجعل ذلك كلَّه في موازين حسناتكم يوم القيامة.
نعقد هذا المجلس الوطني -بعدما تعذر ذلك بسبب سياق وباء كورونا-وكلُّنا آمالٌ في جعله نقطة تحول في تاريخ الجمعية بعد حضورها المتميز مؤسساتيا وميدانيا في كثير من التظاهرات الدينية والوطنية؛ الفكرية والثقافية. وبعد النجاح الكبير الذي حققه اليوم الوطني للاحتفال بمادة التربية الإسلامية؛ الذي يتزامن مع 30 أبريل في أفق اعتماده يوما وطنيا كل سنة، وهو اليوم الذي يصادف ذكرى الخطاب الملكي التاريخي المُؤطِّر لإصلاح الشأن الديني الذي ألقاه جلالة الملك بمدينة الدار البيضاء يوم 10 ربيع الأول 1425/الموافق لـ 30 أبريل 2004 بالدار البيضاء، بمناسبة تنصيب أعضاء المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية المحلية، وإعادة هيكلة الرابطة المحمدية لعلماء المغرب. والجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية باعتبارها هيئة تربوية تهتم بقضايا هذه المادة في تفاعلها داخل المنظومة التربوية الوطنية، تروم من التأريخ لهذا الحدث والاحتفال به: التذكير بأهمية هذه المادة وإبراز دورها الحيوي والأساسي في النسيج التربوي والمجتمعي المغربي، وتعلن عن انخراطها الفعال في هذا الورش الكبير الذي يروم المحافظة على مقومات هذا الوطن، وتميزِه الحضاري. وتستثمر الجمعية هذه المناسبة وهي تُطلق النسخة الأولى من الاحتفال بها لتؤكد على أهمية مادة التربية الإسلامية ومركزيتها في مشاريع إصلاح منظومة التربية والتكوين السارية، وتدعو إلى إيلائها المكانة التي تستحقها وذلك بتطوير مناهجها وتعزيز ومكانتها، من أجل المساهمة في بلوغ الغايات والمقاصد والاختيارات والتوجهات العامة للإصلاح التربوي، المؤطَّر بموجب مقتضيات القانون الإطار 17-51.
هذه الدورة من المجلس الوطني للجمعية اختير لها شعار يعكس توجهها في المرحلة القادمة إن شاء الله تعالى “تواصل-إشراك-التزام لخدمة مادة التربية الإسلامية”:
-تواصل: داخلي وخارجي؛ فالأول يتأسس على وصل أفقي وعمودي؛ أفقي فيما بين الفروع من خلال تبادل التجارب الناجحة، وعمودي فيما بين الفروع والمكتب الوطني تنزيلا وتقاسما.
-إشراك: لكل الهيئات الشريكة؛ من مؤسسات دينية وعلمية وفكرية وتربوية وثقافية، والتي تقاسمنا نفس الأهداف المعلن عنها في القانون الأساسي للجمعية.
-التزام لخدمة مادة التربية الإسلامية: نتذَكَّر من خلالها أن الله اختارنا لحمل أشرف رسالة، وتأدية أعظم أمانة، وأن جمال رسالتِنا مستمدَّةٌ من شرفها، وبخاصة أن قدوتنا في ذلك أستاذُ البشرية ومعلمُ الإنسانية محمد صلى الله عليه وسلم. نلتزم بخدمة المادة وتجويد تدريسيتها، وتجديد مناهجها.
الإخوة والأخوات: أطر وأساتذة مادة التربية الإسلامية: نحييكم تحية إجلال وتقدير، ونكبرُ فيكم تضحياتكم الجسام وجهودِكم المبذولة، رغم قلِّة اليد، وضعف الإمكانات المادية، إلا من الإيمان برساليتكم في أداء مهمة التربية والتعليم، فقد حوَّلتم زمن وباء كورونا وتحدياته، إلى فرص ناجحة استطعتم من خلالها أن تقدموا نماذج حيَّةٍ وواقعية على صورة الأستاذ الرسالي، بقدرتكم عـلى ضمان الاستمرارية البيداغوجيـة مـن خـال التعليـم عـن بعـد، وأظهرتم علوَّ كعبكم في دمـج تكنولوجيــا المعلوميات والاتصال في المنظومة التربوية، حيث غدا هــذا الإدماج ضرورة، بالنظــر إلى فـرص التعلـُّم التـي توفرهـا التكنولوجيـا الرقميـة سـواء حضوريـا أو عـن بعـد. بل ظهر منكم من أبدع وحصل على جوائز وطنية وحاز قدم الّسَّبق في مجال يعتقد الكثير أن مادة التربية الإسلامية مادة تقليدية، تعتمد على الحفظ والتلقين، بعيدة عن العقلنة والتحديث، والإبداع والتجديد. ويمكن أن نسجل هنا أن المادة الوحيدة التي كان لها شرف إنتاج أكبر عدد من الدروس الرقمية سواء في القنوات الرسمية للوزارة الوصية، أو على القنوات الشخصية للسيدات والسادة الأساتذة، بمعية السيدات والسادة المؤطرين الذين نحييهم تحية عالية، هي مادة التربية الإسلامية. وهذا يدعونا جميعا إلى مزيد من البذل والعطاء والتجديد التربوي تجويدا للمادة، وتحديث القوم بأهميتها في النسيج المجتمعي.
وتنزيلا لتوصيات المؤتمر الوطني الأخير بمدينة أسفي، وانسجاما مع أهداف الجمعية، فقد اشتغل إخوتكم في المكتب الوطني على بلورة رؤية في توجهات الجمعية الكبرى، وتحويلها إلى أولويات في مجال التربية والتكوين والإعلام، والتواصل والإشعاع، مع إشراك هيئات مهتمة بالمجال العلمي والتربوي والديداكتيكي، مما نعتبره إضافة نوعية تستحق كل التشجيع والتنويه، واسمحوا لي هنا أن أتقدم بالشكر العميم إلى مراكز وهيئات بحتية يُشرِف عليها خبراءٌ في شتى مجالات المعرفة الشرعية والإنسانية والتربوية، غير أنهم من رحِم مادة التربية الإسلامية؛ وأخص بالذكر هنا المركز المغربي للدراسات والأبحاث التربوية الذي يديرها الخبير المقتدر خالد الصمدي، ومركز مداد للأبحاث والدراسات حيث أبان ثلة من الإلماعيين الشباب عن عطاءاتهم المتميزة في أصناف المعرفة: تأصيلا ومنهجا ومنهاجا، وهيئة رأت النور فأضاءت سماء الممارسة الديداكتيكية، فعن تجربة علوم التربية وديداكتيك التربية الإسلامية أتحدث، بمكتبها الشبابي: الأستاذ إسماعيل مرجي والدكتور مصطفى فاتيحي وباقي أعضاء المكتب المحترم. دون أن ننسى أن هناك شراكات على أرض المعرفة والممارسة التربوية، سترى النور قريبا إن شاء الله تعالى، مع عدد من الهيئات والمراكز العلمية والتربوية.
الإخوة والأخوات أعضاء المجلس الوطني: لقد انشغلت المكاتب الوطنية طيلة ولايتها بموضوع وهو من أساسياتها العلمية، ومن صلب اهتمامها التربوية، وبذلت فيه جهدا كبيرا من الرؤية إلى التنزيل وإلى التقويم واستشراف مستقبله؛ ويتعلق الأمر بموضوع منهاج مادة التربية الإسلامية. وتثبيتا لهذا الأصل في جدول المكتب الوطني، انكببنا على مدارسة المنهاج الجديد والذي رأى النور سنة 2016، وما واكب ذلك من ملتقيات ودورات وورشات وطنية كُتِب لها التوفيق بفضل من الله تعالى، مما حذا بنا إلى تكوين لجنة خاصة لتقويم المنهاج الحالي؛ ضمت مجموعة من خبراء الجمعية: أطر وأساتذة، واستكتبنا في موضوع المنهاج جميع من له القدرة على سبر أغواره، ممن خبر تضاريسه المعرفية والمنهجية، وهنا أجدد الدعوة لمسؤولي المجاليات أن يبذلوا ما وسعهم ليرى هذا المشروع العلمي/ التربوي النور.
غير أن هذا لم يمنعنا بالاشتغال على قضايا هوياتية نراها من أولويات الجمعية، إن لم يكن سبب وجودها: ويتعلق الأمر بالدفاع عن الدين الإسلامي ورموزه وقضاياه العقدية الثابتة، التي لا نسمح بالمساس بها، وهو ما جعلنا نصدر بيانات وبلاغات منددة بالتهجم عليها، وبتشويه معالمها، وعلى رأسها شخص رسولنا وحبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم. وعقدنا ندوة وطنية في موضوع بالغ الأهمية يمس جوهر تدين المغاربة، ويضرب عمق إسلامهم، وهو موضوع: “الحريات الفردية” واستدعينا له مجموعة من الخبراء، في مقدمتهم العلامة الدكتور مصطفى بنحمزة. كما لنا شرف الدفاع عن أولى القبلتين وثالث الحرمين المسجد الأقصى، واعتبرنا القضية الفلسطينية قضية عقدية بالدرجة الأولى.
وللتمكين لمادة التربية الإسلامية على أرض الواقع، قمنا بمجموعة من الإجراءات العملية: منها مراسلة الوزارة في موضوع المذكرة المشؤومة 80/21 المتعلقة بالامتحانات الإشهادية، وراجعناها فيها، واستغل المناسبة لنحيي جميع أطر وأساتذة المادة والرأي العام؛ الذين كان لهم الفضل من بعد الله عز وجل في التصدي لتنزيلها، عبر تحريك منصة التواصل الاجتماعي. كما كانت لنا اتصالات مع بعض المسؤولين بوزارة التربية الوطنية في مجموعة من القضايا ذات الشأن التربوي، وننتظر لقاء السيد الوزير لمناقشة مجموعة من الموضوعات المتعلقة بالمادة.
وتثمينا لتقرير النموذج التجديدي؛ والذي خص بالذكر مادة التربية الإسلامية، مما اعتبرنا إشادة بدورها في التغيير والإصلاح التربوي، فقد كوَّنا لجنة في الموضوع، ترصيدا لمكتسبات التقرير، ونتوفر على مذكرة في الموضوع، ضمت مجموعة من الملاحظات والمقترحات: من أهمها تعميم تدريسها في كل الأسلاك التعليمية: الأولي والابتدائي والثانوي والعالي بكافة الشعب والمسالك، والرفع من الوعاء الزمني للمادة ومعاملها، لدورها الأساس في تحقيق هدف إغناء المادة وترسيخ قيمها، مع إعادة النظر في المنهاج الدراسي للمادة لتطويره وإغنائه بما يجعله مشجعا للتلاميذ على الإقبال على مادة التربية الإسلامية والاهتمام بها، ومحققا للغايات والأهداف العامة للمنظومة. وهذه مذكرة تنتظر الطبع في كتيب بإذن الله تعالى.
الحضور الكريم: رغم هذه الأعمال الكبيرة التي فتحنا أوراشها، ونسير بخطى ثابتة لتنزيلها، رغم
إكراهات كثيرة، فإننا نسعى على قدر الوسع والسعة التدافع السلمي بما نتوفر عليه من قيم إسلامية
تجبرنا على سلك مسلك الحكمة، ومقارعة الحجة بالحجة، والدليل بالدليل، ناهجين منهج الوسطية والاعتدال فيما نصبو إليه من تثبيت ركائز رؤيتنا لمادة التربية الإسلامية. وفي هذا الصدد نعتبر أن المنظومة التربوية اليوم في أمس الحاجة إلى التجديد وتحقيق الجودة، وفي مقدمتها الاهتمام بمنهاج مادة التربية الإسلامية، لكونها من أكبر المواد الحاملة للقيم والهادفة إلى بناء شخصية متعلمة متوازنة محافظة على هويتها، صالحة في نفسها ولوطنها، متطلعة إلى تحقيق عمران إنساني أخوي، والانخراط الفعلي في تنزيل المشروع المجتمعي، بل يمكن القول بأن التجديد والتجويد صار ضرورة ملحة للخروج من جحر الاجترار والانعتاق من قيود التقليد والجمود والغزو الفكري الذي أصبح يهدد الأمة في أمنها الروحي. ولا يمكن أن ننكر أن إصلاح مناهج وبرامج التربية الإسلامية لازال يعرف العديد من الإشكالات، نظرا للتباين الحاصل بين واقع النظام التربوي المغربي وواقع المادة الموضوعي، خاصة خلال اختيار المحتوى وتنظيمه، بالإضافة إلى إشكال تجديد البرامج والكتب المدرسية. وهو ما يتطلب منا جمعا تكثيف الجهود للوصول إلى المقصود، معتبرين أن مادة التربية الإسلامية هي امتداد لشعبة الدراسات الإسلامية بأقطابها العلمية المتعرفة عنها، وعلى رأسها شعبة التعليم الأصيل قسيم التعليم العام، والتي تحتاج منا إلى توجيه المتعلمين إليها مع بيان أهميتها في النسيج المجتمعي، وننبه هنا إلى أن هذه الشعبة تعرف تراجعا خطيرا، إن لم نتداركها.
الإخوة والأخوات: إن حجم هذه الأعمال يستدعي الجهد البشري والمادي، فبقدر ما ننوه بفروع أبانت عن جاهزيتها التنظيمية، وحركيتها العلمية والتربوية، نتأسف على كثير منها والتي أصبح في عداد الموتى، وأخرى أصابها الفتور ولم نعد نسمع لها ركزا ولا همسا، مما يضع علامات استفهام عن تواجدها جسدا بدون روح. أما الجهد المالي الذي هو عصب الحياة ومحرك الأعمال، فنسجل أن عددا كبيرا من الفروع لم يؤد ما بذمته من تجاه المكتب الوطني إن على مستوى نسبة البطاقات، أو على مستوى المساهمة الشهرية. ونصدقكم القول -وكما سيأتي في التقرير المالي-أن أعضاء المكتب الوطني يتحملون مصاريف التنقل والأنشطة، دون أن ننسى المساهمات الكبيرة لبعض الفروع التي تحتضن أنشطة المكتب، كما هو حال جهة سوس المحتضن لدورة المجلس الوطني، وفرع فاس الذي احتضن أشغال لجنة تقويم المنهاج على مدار يومين، ومن قبل فرع الداخلة ولعيون وكلميم المساهمين في رحلة الكركرات الناجحة. وندعوكم من هذا المجلس إلى بذل الجهد في عملية تبطيق الأساتذة، وطرق أبواب الهيئات الشريكة لتمويل أعمال الفروع.
وقبل أن أختم هذه الكلمة؛ نجد أنفسنا في المكتب لوطني مكبَّلين بتضحيات إخوتنا في هيئة التأطير والمراقبة؛ الذين أبانوا عن وعي جمعي في دعم أنشطة الفروع: تأطيرا وتنزيلا وتسهيلا لها على أرض الواقع، بل لا حظنا دينامية في حضور عملية هيكلة الجمعية وتحمل مسؤولية قيادتها ميدانيا جهويا وإقليميا. فجزا الله خير الجزاء السيدات والسادة المؤطرين، وهنيئا للجمعية بهم.
وفي الأخير لا يسعني باسم المكتب الوطني إلا أن أجدد الترحاب بكم جميعا؛ سواء من يحضر معنا أو من يتابعنا عن بعد لظروف خاصة، وباسمكم جميعا نتوجه بالشكر الجزيل للإخوة في جهة سوس على تيسير أشغال المجلس الوطني، والمساهمة الفعلية في إنجاحه، وكل الشكر لجنود الخفاء من تقنيين، واللجنة الإعلامية، ولكل أعضاء المكتب الوطني.