اللغة العربية والهوية :أية علاقة؟

0

الكلمة التي تقدمت بها الدكتورة نعيمة بويغرومني على إثر لقاء تواصلي مع المقرئ أبو زيد الإدريسي، نظمته جمعية أطياف للتربية والثقافة والتنمية وجمعية مودة للتكافل ورعاية الأسرة بقاعة البلدية بالقنيطرة في 20 مارس 2012 بعنوان: منظومة الغياب.

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،

      السيد رئيس المجلس البلدي، أستاذنا المحاضر، ضيوفنا الأعزاء،الأقلام الصحفية، الحضور الكرام كل باسمه ولقبه، حينما يصبح الشكر عادة يومية، حينما تصبح التعابير الرقيقة عادة يومية أيضا، حينما يصبح الكلام الجميل كلاما فضفاضا يطلق على عواهنه فلا يفي بالغرض، أرفض أن أطيل فلا أبلغ، أرفض أن أتحدث فلا أسمع، أرفض أن أصدق فلا أصدق، ولكني ومع هذا الرفض، لم أجد بدا من: شكرالأستاذ  المقرئ الذي شرف جمعيتي أطياف ومودة احتفالهما بعيد اللغة الأم، من خلال الخوض في موضوع يستبطن الإقرار بعلاقة رفيعة بين اللغة والهوية، شكرا للحضور الكرام الذي أبى إلا أن يساهم في إنجاح هذا اللقاء.

أيتها السيدات أيها السادة.

حين عقدنا  العزم على هذا اللقاء احتفالا باليوم العالمي للغة الأم، لم ننزل عند هاتفنا الوجداني، ولا عند اهتمام مناسباتي مكرور و بارد، لا ولا جريا على خطى خطابات نخبوية باهتة تخبو حماستها في اليوم الموالي، بقدر ماهو استنكار صارخ لوضع لغوي شاذ، وضع استأسدت فيه الفرنسية في كل منظوماتنا الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فاستنكفت عن أن تكون مجرد لغة لتصبح طريقة حياة ونموذج تحضر بل (إنها موضة الهرولة الثقافية للمغرب المسلم) على حد تعبير أحد الباحثين وضع، تبدو فيه مظاهر وتجليات هجرة اللغة العربية، والإمعان في احتقارها كما الأمازيغية، مقابل اختراق عجيب لسياسة الفرنسة بكل المظاهر الوطنية ضربا من التطبيع الممنهج.

وبكلمة، إداراتنا العمومية وتعليمنا وإعلامنا ومؤسساتنا الصناعية والتجارية، بل وحتى أسماء وإعلانات شوارعنا وبطاقات زياراتنا وحفلاتنا وقوائم أطعمتنا تمنح ولاءها كاملا غير منقوص للفرنسية، وتعطي إشارات طمأنة قوية لدعاة الفرنكفونية ولا عجب.

فهل ثمة تقزيم للهوية وعبث بالخصوصية الوطنية، أنكى من هذا الاستلاب الثقافي، وأشد وطأة من هذا العبث الذي يعمي نظرنا عن لغتنا الأصل أو عن أي لغة عالمية أخرى؟

الحضور الكرام.

إن كان للغتنا العربية من سوأة نسجلها، ونستحيي الإفصاح عنها فهي نحن، أنا وأنت وأنتم وهم.

أجل ، نحن المهزومون حضاريا ولغويا، ولسنا نعدم الأدلة عل صدق القول، ولكننا سنقتصر على بعض الأمثلة إذ يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق.

الحضور الكرام، دلونا على شعب ظل وزراءه حتى- عهد قريب- يتحدثون في مجلس حكومي بلغة أخرى غير لغته،

دلونا على قناة وطنية ممولة من جيوب الشعب، تؤخر نشرة أخبار هذا الشعب المسائية إلى حدود العاشرة والنصف ليلا،

دلونا على دولة تمعن في تعميق الهوة بين نخبها وشعبها عن طريق الهجرة نحو لسان آخر….

دلونا على أكاديمية سطرت في ميثاق وطني  وحصل عليها إجماع وطني منذ ما يزيد عن إثنتي عشرة سنة، لم تبارح مكانها كسطر عابر في هذا الميثاق، إنها ببساطة أكاديمية محمد السادس للغة العربية.

أيتها السيدات أيها السادة.

أنى للغة مهما امتلكت من مقومات القوة أن تفعل شيئا في عقول مهزومة وتابعة ، وألسنة معوجة ترقع ما عندها  من النقص بالنظر إلى لسان غيرها ، تتنكر للسانها وخصوصيتها وهويتها ، فلا هي لحقت بركب غيرها، ولا هي حافظت على مقوماتها وأولى المقومات لغتها.

لا، لسنا دعاة الانغلاق ولا التقوقع حول الذات، بقدر ما نحن دعاة لرد الاعتبار للغتنا العربية وكذا الأمازيغية، دعاة للحيلولة  دون استئساد أرعن للغة أخرى نهين بها لغتنا ونقزم بها خصوصيتنا وتاريخنا، فهل كثير علينا أن نجزع ونحزن على حالنا  أم كثير علينا أن نستنكر ونتذكر؟؟؟

أيتها السيدات ، أيها السادة.

وإلى أن نستفيق من أخذة العجب هذه،فنؤمن بأن احترام الذات ومن تجليات الاعتزاز بالانتماء، ونؤمن بأن اللغة والهوية هما وجهان لعملة واحدة، سنظل في غفلة من الدهر قابعين في منظومة الغياب الشامل، حائزين قصب السبق في غياب الوعي اللغوي والحضاري والعلمي، بالغين علو الكعب في الغياب الاقتصادي والثقافي.

الحضور الكرام.

إسرائيل هذه الدولة الفقيرة جدا جدا إلى التاريخ، تعتمد على تأسيس دولتها جنبا بجنب مع اللغة االعبرية التي لا تنطق بها أمة في العالم، أليس هذا غريبا؟ لماذا لا يتحدثون الإنجليزية أو العربية؟الجواب ببساطة، أن الصهيونية تريد وطنا حقيقيا وتاريخا حقيقيا، ولهذا كان لابد لها من استخدام اللغة التي تميزها وتعطيها الحق في الظهور في التاريخ كأمة ووطن وأرض وشعب ولن تتحقق المعادلة إلا باللغة.

الحضور الكرام.

أليس فينا رجل حكيم يفك شفرة هذه المعادلة؟

سؤال، سأترك لعلماء اللغة وأصحاب القرار وصانعي السياسة اللغوية في هذا البلد العزيز مهمة تحرير جوابه، بل لربما عدنا إليه نحن بعد فترة من الزمن قد تطول أو تقصر، وحتى ذلكم الحين نصرح مطمئنين، أن اللغة استعمال يومي في شتى مناحي الحياة، أن اللغة ترجمة وجدانية لتاريخ ضارب في العمق وتراث زاخر بنسائه كما رجاله، وكل كلمة في هذه اللغة لها تارخ وجداني وظلال نفسية لا تمحى.

من هذا المنطلق، لعل عودة ثابتة لقولة محمد مصطفى الرافعي البليغة وهو يخاطب أحد الصحفيين الداعين إلى هجران اللغة العربية قائلا:( أفتحدث أنت للناس لغة وأدبا وتاريخا ثم طبائع متوازنة تقوم عل حفظ اللغة والأدب والتاريخ، أم تحسب أنك تستطيع بمقالة عرجاء في صحيفة مقعدة أن تهدم شيئا أنت بين أوله وآخره كعود من القش يؤتى به لاقتلاع جبل من أصوله)

قلت، لعل عودة ثابتة لقولة هذا الرجل كافية لتوطين هذا الإيمان الراسخ بكل ما تقدم،وشافية للرد على مثل هذه الدعوات الواهية وما أكثرها.

الحضور الكرام.

إن قضية اللغة والهوية أكبر من بحث، وأوسع من محاضرة، وأغنى من مبادرة أطياف ومودة، وستظل مثارة إلى ما شاء الله، ولكن مطمحنا السامي اليوم هو أن نقترب من الخيط الناظم للغة والهوية، وما أظن المحاضر المقرئ الإدريسي إلا المفكر الذي سيسبر الأغوار المخفية في هذا الباب، فهو ولله الحمد ممن يكفي عن غيره، ولا يكفي غيره عنه، رجل درج على الغوص في بطون الدفاتر والمدونات المطبوعات منها والمخطوطات،فأنى له أن يكون على عهده معنا اليوم ؟

وإذا كنا لا نخفي أننا معجبون بصواب آرائه، مفتونون بنفيس مصنفاته وآثاره، متحسرون أننا لم نكن يوما في صفوف طلابه، فإننا نسعى اليوم إلى استدراك ما فات في موضوع ينضح بالخصوصيات، فلله ذرك في ما حبرته وقلته آنفا يا أستاذ، وفيما ستقوله اليوم وغدا بحول من الله وتوفيقه .

أما أنت أيها الحضور الكرام، فشكرا لأنك لبيت النداء ولم تخطئ اللقاء.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.