عبد السلام الأحمر: كل الناس بهم ميل قوي لإشباع بطونهم بما لذ وطاب من الأطعمة،
وقلما يختارون الجوع ويدركون فوائده الصحية جسديا وروحيا، بل لانكاد نجد أكثرية منهم تلزم نفسها بالاعتدال في المأكل والمشرب كما يرشدنا رب العزة في كتابه {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31].
كما أننا إذا تأملنا حياة رسول الله الواقعية وتوجيهاته العملية ألفيناها طافحة بمعاني التقلل من الدنيا سواء في صورة المأكل والمشرب أو المسكن والملبس لترسم لنا النهج الأقوم في الأخذ من الدنيا باقتصاد واعتدال ودون تجاوز حد الحاجة والضرورة إلى الاستزادة الغير محسوبة العواقب فتعيق الجسد والروح عن بلوغ تمام العطاء والإشعاع والنشاط الدائم.
فعن أَبُي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:”لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا لَسَرَّنِي أَنْ لَا تَمُرَّ عَلَيَّ ثَلَاثُ لَيَالٍ وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا شَيْئًا أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ” (البخاري).
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبِيتُ اللَّيَالِي الْمُتَتَابِعَةَ طَاوِيًا وَأَهْلُهُ لَا يَجِدُونَ عَشَاءً وَكَانَ أَكْثَرُ خُبْزِهِمْ خُبْزَ الشَّعِيرِ( الترمذي وقال حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ).
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:”مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ حَتَّى قُبِضَ” (ابن ماجه).
عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ:”كَانَ يَمُرُّ بِنَا هِلَالٌ وَهِلَالٌ مَا يُوقَدُ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَارٌ،قَالَ: قُلْتُ يَا خَالَةُ فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تَعِيشُونَ، قَالَتْ: عَلَى الْأَسْوَدَيْنِ التَّمْرِ وَالْمَاءِ” (رواه أحمد).
وقال صلى الله عليه وسلم ” إن الله تعالى يباهي الملائكة بمن قل مطعمه ومشربه في الدنيا يقول الله تعالى انظروا إلى عبدي ابتليته بالطعام والشراب في الدنيا فصبر وتركهما اشهدوا يا ملائكتي ما من أكلة يدعها إلا أبدلته بها درجات في الجنة” (أخرجه ابن عدي في الكامل).
وقلة الطعام تزيد شفافية الروح وتخفف عليها ضغوطات الجسد فتصير مبصرة للحق مؤثرة لرضى الله والدار الآخرة.
والجوع يضيق مسالك الشيطان في الجسم عن علي بن الحسين قال (ص): ” إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ” (متفق عليه).
وكثرة الطعام تميت القلب كما يميت كثرة الماء الزرع، وكثرة الطعام تزين الدنيا للإنسان فيزداد الحرص عليها والتعلق بها فتحجبه عن المغيبات عن البصر فينسى ربه ويوم المثول بين يديه فتقتصر همته على الدنيا وينشغل بها عن عظائم الأمور.
وقد هجا الحطيئة الزبرقان بن بدر بقوله:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فأنت الطاعم الكاسي.
أحس الزبرقان بشناعة هذا الهجاء حيث وصف بأنه موفور الطعام واللباس وهو ما حال بينه وبين المكارم والسعي في طلبها، فشكاه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فسجنه في بئر ثم استعطفعه فأخرجه منه على شرط إذا عاد فهجا أحدا أن يقطع لسانه” (غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب).
ونجد شهادات بعض العلماء والأطباء متزايدة حول أهمية الصوم في حفظ الصحة وتجديد النشاط؛ فقد أكد العالم الروسي”نيكولايف بيلوي” في كتابه “الجوع من أجل الصحة” سنة 1976 أن على كل إنسان وخاصة أهل المدن أن يمارس الصوم لمدة 3إلى4 أسابيع كل سنة كي يتمتع بالصحة الكاملة طيلة حياته.
ومن الكتب التي ظهرت في الغرب حول الصوم كتاب ” التداوي بالصوم” لشلتون وكتاب ” الصوم الطبي، النظام الغذائي الأمثل” لآلان كوت و”الصوم إكسير الحياة ” لهنريك تانروأبرز” آلن سوري” حالات كثيرة من المسنين الذين تجاوزوا السبعين واستطاعوا بفضل الصوم استرجاع حيويتهم ونشاط أجسامهم وتحسنت حالتهم النفسية.
وذكر بعض الباحثين أن تخزين المواد الضرورية في البدن من فيتامينات وأحماض أمينية يجب ألا يستمر زمنا طويلا فهي مواد تفقد حيويتها مع طول التخزين لذا أحسن وسيلة لإخراجها وتجديدها هو الصوم.
وهذه فائدة صوم يسمح فيه بتناول الماء أو عصير الليمون أو التفاح، فما بالك بصومنا الذي نمتنع فيه عن الطعام والشراب والجماع ونتطلع به إلى رضى الله تعالى؟
والصوم يجعل المسلم أبعد عن أضرار الشبع من أمراض السمنة الخطيرة ومن أهمها أمراض المعدة والقلب والعمود الفقري ويجعله أقدر على ممارسة الحمية عندما يصاب بأمراض لا علاج لها إلا بالتطبيق الصارم لنظام في التغدية، ومن الكتب المشهورة في هذا الصدد كتاب الدكتور قباني” الغذاء قبل الدواء”.
فما أكثر فوائد الجوع صوما لله التي يحصلها الصائمون وما أكثر أضرار الشبع التي يجنيها متبعوا شهوات البطن الفاتكة.
وإن ترفع الوضعاء يومـا على الرفعاء من إحدى البلايا
إذا استوت الأسافل والأعالي فقـد طابت منادمة المنايـا