د. محمد منصف العسري
مفتش تربوي للتعليم الثانوي
إذا كانت مراجعة المناهج التربوية باعتماد نموذج التدريس بالكفايات تعتبر تجديدا متميزا شرع في تطبيقه بالمؤسسات التعليمية؛ فإن هذا التجديد جاء استجابة لضرورة الملاءمة للتحولات التي طالت عدة مجالات؛ منها حقول الثقافة والإعلام والتطور المعرفي والمجتمعي وغيرها.
ولأجل التجاوب مع هذه التحولات كان لابد من التنويه بدور المدرسة الفعال في ترسيخ القيم الأخلاقية؛ ومن ثمة نفهم مكانة القيم ـ التي يتناسب الاهتمام بها مع الاستجابة لحاجات المتعلم ـ كأساس بيداغوجي في مراجعة مناهج التربية والتكوين بموازاة مع تنمية وتطوير الكفايات.
ومن هذا المنطلق سنحاول النظر في مدى تجاوب كتاب “في رحاب التربية الإسلامية للسنة الأولى من التعليم الثانوي الإعدادي مع حاجات المتعلم النفسية والتربوية؛ بدءا ببيان مدلول الحاجات وأنواعها، والنظر في مقاربة نظام التربية والتكوين للاستجابة لها. ثم الوقوف على مدى تجاوب الكتاب معها إجمالا من خلال المقاربة التربوية المعتمدة في بناء مكوناته، ثم بيان ذلك تفصيلا من حيث مضامينه وكيفية استثمار أنشطته التعليمية ـ التعلمية.
1 ـ الحاجات وأنواعها وموقعها في مراجعة المناهج التربوية :
1 ـ 1 ـ مدلول الحاجات وأنواعها:
يقصد بالحاجات عند الإنسان تلك الأمور التي تعتبر ضرورية لدوام الحياة الإنسانية، أو لجعل هذه الحياة أكثر بهجة ورونقا واكتمالا في جوانب النمو الجسمية والنفسية والاجتماعية. وبتعبير آخر يمكن وصف الحاجة بأنها افتقار إلى شيء ما؛ إذا وجده الإنسان وتحقق له الإشباع منه أصبح في حالة من الرضا والارتياح .
وقد عالج بعض الباحثين الحاجات في علاقتها بالحوافز؛ باعتبار أن هذه الأخيرة تثير النشاط من أجل إشباع حاجة ما، فتوصلوا إلى وجود ما يناهز عشرين نوعا من الحاجات؛ تبدأ بالحاجات العضوية الأساسية، وتنتهي بحاجات ذات بعد اجتماعي ـ تربوي ونفسي .
كما ظهرت محاولات لوصف الحاجات وتصنيفها ودراسة التأثير الذي تتركه على السلوك ونمط الشخصية، وتتلخص الحاجات بناء على تلك التصنيفات في مجموعتين : الأولى : حاجات فيسيولوجية. والثانية : حاجات نفسية تربوية؛ ينحصر أهمها في الحاجات التالية : الأمن والأمان، التواد والانتماء داخل المجتمع، التحلي بروح المسؤولية والانضباط، الاستقلالية في التفكير والممارسة، احترام الذات والثقة بالنفس، تحقيق الذات والإبداع.
1 ـ 2 ـ مقاربة نظام التربية والتكوين للاستجابة لحاجات المتعلم :
اعتبارا للفلسفة التربوية المتضمنة في الميثاق الوطني للتربية والتكوين، فإن الاختيارات التربوية الموجهة لمراجعة المناهج انطلقت من مجموعة من الاختيارات والتوجهات العامة ، التي قامت بتفعيلها باعتماد مجالي القيم والكفايات كمدخل بيداغوجي للمراجعة. ومن ثمة فقد تم في مجال التربية على القيم النص على توجهات تنطلق من قيم كل من العقيدة الإسلامية، والهوية الحضارية، والمواطنة، وحقوق الإنسان. وأنه انسجاما مع هذه القيم فإن نظام التربية والتكوين يخضع لحاجات المجتمع المغربي على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وللحاجات الشخصية الدينية والروحية للمتعلمين . وهو بذلك يصرح بتوخي بتوخي عدة غايات؛ منها : ترسيخ الهوية المغربية، والتفتح على منجزات الحضارة الإنسانية المعاصرة، وتكريس حب المعرفة، وتنمية الوعي بالواجبات والحقوق، والتشبع بروح الحوار، والتمكن من التواصل، وتنمية الذوق الجمالي . كما أنه يعلن العمل بمختلف الوسائل للاستجابة لحاجات المتعلمين الشخصية ممثلة في : الثقة بالنفس والتفتح على الغير، الاستقلالية في التفكير والممارسة، التفاعل الإيجابي مع المحيط الاجتماعي، التحلي بروح المسؤولية والانضباط، ممارسة المواطنة والديموقراطية، إعمال العقل واعتماد الفكر النقدي، الإنتاجية والمردودية، تثمين العمل والاجتهاد والمثابرة، المبادرة والابتكار والإبداع، التنافسية الإيجابية، الوعي بالزمن كقيمة أساسية، احترام البيئة الطبيعية والتعامل الإيجابي مع الموروث الثقافي والحضاري المغربي .
وكما هو واضح فإن هذه الحاجات تسير وفق الحاجات النفسية والتربوية المشار إليها آنفا، وأنه يمكن ضم بعضها إلى بعض كلما اندرجت في نفس الإطار وكان بعضها مكملا للآخر، كما أن أغلبها يتلاءم مع العمر الزمني للمتعلم في مستوى السنة الأولى ثانوي إعدادي، ويتناسب إجمالا مع خصوصيات مادة التربية الإسلامية، وإن بعضها يظهر أقرب إلى المتعلم في تلك السن وألصق بهذه المادة من البعض الآخر.
2 ـ مدى تجاوب الكتاب المدرسي مع حاجات المتعلم :
2 ـ 1 ـ مدى التجاوب مع الحاجات من خلال المقاربة التربوية إجمالا :
نقف هنا على رؤية الكتاب المدرسي ـ الذي نحن بصدده ـ لتلك الحاجات، ومدى تجاوبه معها من خلال المقاربة التربوية المعتمدة في بناء مكونات ومحتويات الوحدات الدراسية؛ وأول ما يقابلنا في ذلك ما نجده في تقديم كتاب التلميذ؛ حيث يقول فريق التأليف إنه عمل ” على تطعيم الكتاب المدرسي بصور ورسوم داعمة للتعلم مرتبطة بواقع المتعلمين، تم اختيارها فنيا وإعدادها تربويا للاستجابة لحاجاتهم، وللإسهام في تقريب المفاهيم الإسلامية من مستواهم ” .
ونلاحظ هنا أنه إذا كانت بعض الصور والرسوم الواردة في الكتاب تساعد على التجاوب مع بعض حاجات المتعلم، فإنها لم تستثمر في أنشطة تعلمية تشغل التلميذ بالبحث في مدلولاتها، وإنما تم وضعها على سبيل الاستئناس؛ كما أن بعضها الآخر يبقى بعيدا عن حاجاته، إضافة إلى أن مجموعة من الحاجات النفسية والتربوية لا نجد لها في الكتاب صورا أو رسوما تستجيب لها.
ثم إن قصر الكلام عن الاستجابة لحاجات المتعلم على الصور والرسوم فيه إهمال لأمور أخرى قد تكون أكثر أهمية في الاستجابة لتلك الحاجات؛ بعضها متوفر في الكتاب وبعضها الآخر قليل أو غائب؛ نتيجة اعتماد الكتاب على سرد المضامين بكيفية تقليدية، مما جعلها تفتقد متطلبات الاستجابة للعديد من الحاجات المرتبطة بإعمال العقل واستقلالية التفكير والتنافسية الإيجابية والإبداع، التي كان لزاما أن يتم التجاوب معها من خلال صياغة الدروس في شكل أنشطة تعلمية تدفع التلميذ إلى التفكير واستخلاص النتائج انطلاقا من الوثائق المقدمة له في الكتاب؛ سواء كانت تلك الوثائق نصوصا قرآنية أوحديثية أو نصوصا أخرى أو كانت صورا أو رسوما أو جداول أو خطاطات أو غيرها، وهو أمر منعدم في الكتاب.
كما أن دليل الأستاذ حين تناول التعريف بالمقاربة المنهجية لبناء المنهاج الجديد للمادة، اكتفى بالتصريح بأن المنهاج الجديد اعتمد المنطلقات العامة في مراجعة البرامج والمناهج وفق مقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والتي تعتمد على مدخلي التربية على القيم وتنمية الكفايات؛ ومن ثمة ترجمت تلك المنطلقات في عدة خصائص، يهمنا منها هنا : الانطلاق من القيم والكفايات والمواصفات الواردة في مشروع الوثيقة، وتكييف المحتويات حسب الأقطاب وحسب حاجات المتعلمين. ثم قرر الدليل أنه بناء على ذلك أصبحت الوحدات الجديدة للمادة أكثر ارتباطا بسلوك المتعلم وحاجاته المعرفية والمهارية؛ باعتبارها مادة تستهدف تعديل الاتجاهات والتصورات لدى المتعلم، وترسيخ القيم الإسلامية في سلوكاته … .
وأما حين تطرق الدليل للمقاربة التربوية المعتمدة في بناء مكونات ومحتويات الوحدات الدراسية؛ اكتفى بالحديث عن الكفايات وأنواعها وأجرأتها وبيان أنواع الكفايات المستهدفة في البرنامج المقرر للمادة بهذا المستوى، ثم سرد القدرات المستهدفة من الوحدات الدراسية كما ورد ذكرها عند بداية كل وحدة في كتاب التلميذ .
وبهذا يظهر شبه تغييب في دليل الأستاذ للكلام عن مجال القيم وما يرتبط بهذا المجال من حاجات المتعلم؛ فيما يخص المقاربة التربوية المعتمدة في بناء مكونات ومحتويات الوحدات الدراسية، ومعلوم ـ كما يقرر الدكتور حمدان ـ أنه إذا لم تحدث الملاءمة المطلوبة للبيانات المنهجية مع خصائص وحاجات التلاميذ النفسية والتربوية فإن تعلمهم للمنهج يصبح شائكا، بالإضافة إلى تعثر عمليات التعليم وعدم فعاليتها بوجه عام .
ثم إنه بالإضافة إلى ما ذكرنا عن كيفية بناء دروس الكتاب والرأي الذي أبديناه في ذلك؛ فإنه كان لابد ـ لأجل وضوح الرؤية عند المدرس في تعامله مع كتاب التلميذ ـ أن يتم في دليل الأستاذ بيان الحاجات التي تمت مراعاتها في الوحدات الدراسية، وتفصيل ما يخص منها مضامين كل درس من دروس تلك الوحدات، مع ترجمة تلك الحاجات إلى قدرات دقيقة مستهدفة من كل درس، وعدم الاكتفاء بتلك القدرات العامة المستهدفة من كل وحدة دراسية.
وإذا كنا لا نقف في الكتاب على ما يفيد في التجاوب مع الحاجات صراحة وبتفصيل، إلا أننا بتتبع دروس الوحدات التي تضمنها كتاب التلميذ، وبالاطلاع على المقاربة المنهجية الديداكتيكية في بناء الدروس كما وردت في دليل الأستاذ؛ يمكن أن نستخلص بعض ما يفيد بشكل ضمني في التجاوب مع حاجات المتعلم، مع التنبيه على ما ينبغي إضافته أو تفصيله في هذا المجال.
2 ـ 2 ـ مدى التجاوب مع الحاجات تفصيلا من خلال المضمون والمنهج :
2 ـ 2 ـ 1 ـ مدى التجاوب مع الحاجة إلى الأمن والأمان :
يمكن أن نجد بعض المضامين الخادمة للتجاوب مع هذه الحاجة؛ ومن ذلك ما نلمسه في وحدة التربية الاعتقادية من الوقوف على بعض الآثار الحسنة للإيمان في السلوك والأخلاق بما يحقق الأمن الاجتماعي، مع تقديم صور عملية لذلك من خلال خصال الرسول صلى الله عليه وسلم. والوقوف عند وحدة التربية التعبدية على الغاية من العبادة؛ ومنها إصلاح النفوس وتهذيب الأخلاق، بما في ذلك آثار الصلاة في السلوك. كما أنه في وحدة التربية الاقتصادية والمالية ينبذ المتعلم السلوكات المحرمة في تحصيل المال لما تؤدي إليه من إخلال بالشعور بالأمن في المجال المالي. ولما كان فقدان آداب التواصل من شأنه أن يخل بالحاجة إلى الأمان؛ فقد جاء في وحدة التربية التواصلية والإعلامية الكلام عن آداب ووسائل التواصل مع الغير. كما أنه لما كان الحفاظ على الحقوق والواجبات من شأنه المساهمة في تحقيق الأمن فقد وضحت وحدة التربية الحقوقية ما تفرق في بعض الوحدات السابقة في هذا المجال. بالإضافة إلى مساهمة وحدة التربية البيئية أخيرا في إشباع هذه الحاجة أيضا.
إلا أن كل ما ذكرنا بقي مفتقرا إلى دعم بيداغوجي للتطلع المتنامي لدى المتعلم إلى عالم تسوده الفضيلة وينتشر فيه الحق والعدل، خاصة أنه كثيرا ما يلحظ مفارقة بين الواقع والمجتمع المثالي المنشود؛ فيوجه انتقاداته إلى ما يراه من فساد وظلم …؛ ومن ثمة فإن التجاوب مع الحاجة إلى الأمن والأمان تقتضي اعتماد منهج إبراز المزايا والحكم الدينية في مجالات العقيدة والتشريع، مع التركيز على الطريقة الحوارية وتفصيل الكلام عن كيفية استثمارها، حيث اكتفى دليل الأستاذ بالإشارة إليها بإيجاز ضمن طرق التدريس الفعال ، خلافا لما هو مطلوب من التوسع في بيان تطبيقاتها؛ باعتبارها الطريقة المثلى في معالجة الإشكالات المطروحة، والمساعدة على إشباع هذه الحاجة النفسية عند المتعلم.
2 ـ 2 ـ 2 ـ مدى التجاوب مع الحاجة إلى التواد والانتماء داخل المجتمع :
إن المضامين المشار إليها في الحاجة السابقة تخدم في الغالب التجاوب مع هذه الحاجة؛ لارتباطها بمجموعة من الأخلاق الاجتماعية؛ ومن ثمة سنشير هنا إلى فوائد بعض تلك المضامين، مع الوقوف على بعض المضامين الأخرى المساعدة على إشباع هذه الحاجة أيضا.
ومن ذلك أثر الصلاة في تهذيب سلوك أفراد المجتمع ضمن وحدة التربية التعبدية. والبر بالوالدين، وأثر الفضائل في المجتمع؛ ضمن وحدة التربية الأسرية والاجتماعية. على أن أهم ما يخدم إشباع هذه الحاجة ما نجده في وحدة التربية التواصلية والإعلامية؛ عند تقرير أن التعارف والتواصل ضرورة بشرية، ثم الوقوف بتفصيل على آداب التواصل. ويكمل ذلك ما ورد في الكلام عن حق المسلم على المسلم من حقوق اجتماعية في إطار وحدة التربية الحقوقية. والحديث عن عناية الإسلام بجمال السلوك وأثر محاسن الأخلاق في النفس والمجتمع في وحدة التربية الفنية والجمالية.
إلا أن هذا الجانب من التجاوب مع هذه الحاجة في جانب المضامين يتطلب إبراز بعض تفاصيله في نماذج حية؛ بما يفيد في إحياء الشعور بوحدة الأمة، والإحساس بإمكانية نهوضها، ومواجهتها لجميع التحديات المعاصرة …
وأما فيما يخص طريقة التدريس فإننا نقف على بعض ما يساعد على التجاوب المطلوب مع الحاجة التي نحن بصددها؛ ومن ذلك ما نجده ضمن التوجيهات العامة في استثمار مختلف الأنشطة التعليمية ـ التعلمية، عند الكلام عن طرق التدريس الفعال؛ حيث ينص الدليل على طريقة التعلم الجماعي التي يكلف الأستاذ فيها مجموعات من التلاميذ بالبحث في موضوع معين ثم عرضه أمام زملائهم، أو أن يكلفهم ـ في إطار طريقة المشروع ـ بإنجاز أعمال كالملصقات على سبيل المثال؛ لتحسيس زملائهم بفوائد بعض المنجزات في المحيط البيئي والاجتماعي .
وواضح أن هذه الأعمال من شأنها أن تثير لدى التلاميذ اهتماما لما ينجز داخل الفصل، لتتجاوز ذلك إلى خلق مناخ من المشاركة الدائمة في الأنشطة والأعمال الجماعية؛ ومن ثمة نرى أنه ينبغي التوسع في بيان كيفية استثمارها في مختلف الوحدات والدروس.
2 ـ 2 ـ 3 ـ مدى التجاوب مع الحاجة إلى التحلي بالمسؤولية والانضباط :
هذه الحاجة تتصنف ضمن الحاجات التربوية التي ينبغي للمتعلم أن يشبعها تحقيقا لحفظ النظام داخل المحيط الاجتماعي الذي يوجد فيه. ولا يعوزنا أن نجد في الكتاب من المضامين ما يساهم في التجاوب مع هذه الحاجة؛ ومن ذلك ما رأينا آنفا في وحدتي التربية الاعتقادية والتعبدية من تنبيه على أثرهما في تهذيب السلوك الفردي والمجتمعي؛ الذي من فروعه ما جاء في وحدة التربية الأسرية والاجتماعية من بيان لأسس نظام الأسرة، وأثر الفضائل في المجتمع. ومن ذلك أيضا ما ورد في وحدة التربية الصحية والوقائية من رعاية الصحة والحفاظ عليها. وما تضمنته وحدة التربية التواصلية والإعلامية من التزام الأخلاق الإسلامية في تلقي الخبر ونقله. وما فصلت الكلام عنه وحدة التربية الحقوقية؛ من مسؤوليات يؤدي الحفاظ عليها إلى استقامة الحياة. والتي كملها ما ورد في وحدة التربية الفنية والجمالية من وجوب الالتزام بالآداب المنظمة للمظهر والسلوك. وأما الدعامات من القرآن الكريم والحديث النبوي فقد جاءت في عمومها خادمة للتحلي بالمسؤولية والانضباط في الحياة الفردية والاجتماعية.
ولما كان التحلي بروح المسؤولية يتطلب صقل هذا الشعور من الناحية العملية ببعض الأنشطة التربوية؛ فإننا يمكن أن نستخلص من بعض توجيهات استثمار الأنشطة التعليمية ـ التعلمية ما يدعم هذا التوجه ويعززه؛ كما هو الشأن في نشاط التعلم الذاتي خارج القسم، خاصة في تفويج التلاميذ إلى مجموعات لإنجاز نفس التمرين ، وتوجيههم إلى كيفية التواصل والحوار بينهم، ومقارنة أجوبتهم … .
إلا أن التجاوب مع هذه الحاجة يتطلب مزيدا من التركيز على وضع المتعلم موضع المسؤولية، وتعويده عليها بمختلف الأشكال التربوية المتدرجة؛ مما يتيح له التمرن على تقلدها، وإعطائه بالتالي مردودية دراسية أفضل مع الالمساهمة في بناء شخصيته. ولعل أكثر ما يفيد في هذا المجال هو تنويع طرق التدريس الفعال الملبية لهذه الحاجة؛ وعلى رأسها أشكال البحث التي يمارس فيها المتعلمون أنشطة متنوعة يسيرها المدرس بكيفية غير مباشرة، في سبيل توصلهم إلى إدراك المضامين وتنمية المهارات.
2 ـ 2 ـ 4 ـ مدى التجاوب مع الحاجة للاستقلالية في التفكير والممارسة :
إذا كان مجال الحاجات السابقة يتصل بالعلاقات الاجتماعية فإن هذه الحاجة مجالها فكري سيكولوجي، وإذا كانت هذه الحاجة إنما تبرز بوضوح في مرحلة الشباب فإنها تبدأ في التبلور والنمو منذ أواخر الطفولة وبداية المراهقة، وهي تتصل إلى حد كبير بالحاجة إلى إعمال العقل واعتماد الفكر النقدي. ومن هذا المنطلق نجد بعض ما يساهم في التجاوب معها في مضامين الكتاب؛ وذلك ضمن وحدة التربية العقلية والمنهجية عند الكلام عن دعوة الإسلام إلى العلم ومحاربته للجهل.
غير أن مثل هذا القدر من جانب المضامين لا يكفي في إشباع هذه الحاجة الهامة؛ فلابد من دعم عاطفة حب العلم لتنمو في هذه المرحلة من حياة المتعلم، مع إبراز تجدد المادة الدراسية؛ بما يجعل حب العلم والمعرفة متفتحا على كل ما يستجد، فيتحقق للمتعلم تكيفه مع ذاته ومحيطه، وذلك من أهم دعائم الاستقلالية.
ولما كانت التأثيرات الإيجابية للمضامين الدراسية لا تكون بمعزل عن طرق التدريس؛ فإننا نلمس أن بعض التوجيهات العامة في استثمار الأنشطة التعلمية يمكن أن تخدم التجاوب مع هذه الحاجة من خلال فضاءات التعلم وكيفية استثمارها في تدعيم التعلمات، كما يظهر ذلك في إنجاز أنشطة التعلم الذاتي خارج الفصل التي تدفع المتعلم إلى البحث معتمدا على نفسه وثقافته المرتبطة بموضوع الدرس؛ ومن ذلك استثمار المواقع التربوية الإسلامية على شبكة الأنترنيت؛ حيث يشكل التلاميذ فرق عمل ويحضرون تصميما للبحث الذي سيقومون به مع توزيع المهام فيما بينهم، ثم يجمعون المعطيات ويركبونها ويصوغون تقريرا عن نتائج البحث . ومن المؤكد أن ذلك من الطرق الفعالة في إكساب التلاميذ استقلالية في تفكيرهم وما يتبنونه من آراء وما يمارسونه من أعمال.
على أنه يلاحظ أن بعض الوسائل المساعدة على ذلك ـ كوسائل الاتصال بشبكة الأنترنيت ـ قد تفقد أحيانا في محيط العملية التعليمية وبعض الأوساط الاجتماعية وخاصة منها في البوادي، مما يدفع إلى ضرورة تفكير المدرس في كيفية استثمار ما يتوفر من الوسائل لتحقيق نفس الغرض. علما بأن أهم أمر ينبغي التركيز عليه في هذا الإطار هو الاقتناع بأنه لا توجد معرفة بشرية كاملة يمتلكها المدرس، وإنما هناك موضوعات تتوسط بين المدرس والتلميذ في عملية المعرفة؛ ومن ثمة فإن إنجاز العملية التعليمية ـ التعلمية بناء على هذا الأساس من أهم دعائم التجاوب مع الحاجة إلى الاستقلالية لدى المتعلم؛ ولهذا لابد من صياغة الدروس في أشكال من الأنشطة التعلمية التي تدفع المتعلم إلى البحث في سبيل تحصيل المعارف وامتلاك القدرات المستهدفة، وعدم تقديم تلك المعارف جاهزة للمتعلم كما هو الشأن في صياغة محتويات الدروس بالكتاب المدرسي الذي نحن بصدده حيث أفقدها الفعالية المطلوبة.
2 ـ 2 ـ 5 ـ مدى التجاوب مع الحاجة إلى احترام الذات والثقة بالنفس :
إذا كان الناظر في الكتاب يفتقد الوقوف بوضوح على ما يحقق التجاوب مع
هذه الحاجة بالمفهوم السيكولوجي؛ فإنه لابد من التنبيه هنا على أن هذه الحاجة لا تعني فقط ذلك الجانب الشخصي من حياة الإنسان، بل تتجاوز ذلك إلى ما له علاقة بحياة الأمة ومنهجها في الحياة.
ومن هذا المنطلق يمكن أن نجد في الكتاب بعض المضامين التي تساهم في التجاوب مع هذه الحاجة، ولعل من أبرزها ما جاء في في وحدة التربية الاعتقادية بخصوص مفهوم الإيمان وأثره في حياة الإنسان، واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم باعتباره المثل الأعلى الذي ينبغي الاقتداء به. بالإضافة إلى تحقيق مفهوم العبادة في الإسلام في بداية وحدة التربية التعبدية، وإن كنا نلاحظ أن التنبيه على هذا المفهوم لم يأت واضحا بما يكفي في دعم الشعور باحترام الذات التي تتحرر من جميع العبوديات وتتمسك بعبادة الله وحده. كما أن مما يساعد على التجاوب مع هذه الحاجة ما نقف عليه في بداية وحدة التربية العقلية والمنهجية من النص على حرص الإسلام على العلم باعتباره أشرف المقاصد حيث يمنح المرء عزة حقيقية تتناسب مع تكريم الله له.
ولما كان إشباع الحاجة إلى احترام الذات يتصل بالحاجة إلى الاستقلالية فإن ما رأيناه في هذه الأخيرة بالنسبة لجانب من المنهجية المقترحة في فضاءات التعلم وكيفية استثمارها، يمكن أن نلمس فيه ما يدعم إشباع الحاجة إلى احترام الذات والثقة بالنفس أيضا. كما يمكن أن نستخلص بعض ما يفيد في هذا المجال مما جاء ضمن المقاربة المنهجية الديداكتيكية في بناء الدروس؛ كما يتجلى ذلك في اختتام كل درس بنشاط للتعلم الذاتي خارج الفصل تم بناؤه على الاختيار اعتبارا لاختلاف قدرات المتعلمين واختلاف البيئة التعليمية والوسائل المتوفرة فيها؛ بغرض تنويع فضاءات التعلم واستثمار مختلف الطاقات والمهارات عند المتعلمين وصقلها .
على أنه ينبغي التنبيه هنا على ضرورة توفير توفير أنواع الأنشطة وكيفية المعاملة التي تتيح للمتعلمين الإحساس بالكرامة وإشياع هذه الحاجة؛ ليكونوا أكثر قدرة على العطاء في حاضرهم ومستقبلهم. فمن المؤكد أن ذلك من السبل التي تعزز شعورهم باحترامهم لذواتهم وإكسابهم مزيدا من الثقة بتفوسهم وقدراتهم، بما يؤهلهم إلى التشوف للإبداع في مجالات ميولاتهم وهو موضوع تلبية الحاجة التالية.
2 ـ 2 ـ 6 ـ مدى التجاوب مع الحاجة إلى تحقيق الذات والإبداع :
إن ما يميز هذه الحاجة هو كونها تأتي في قمة هرم الحاجات التي يسعى المتعلم إلى إشباعها؛ ومن ثمة لابد من الإقرار بأنه لا يمكن أن يتم التجاوب معها بصفة كاملة في هذا المستوى.
على أننا يمكن أن نلمس جانبا من ذلك التجاوب في المضامين فيما ورد ضمن وحدة التربية العقلية والمنهجية من بيان أهمية دعوة الإسلام إلى العلم وموقفه المحارب للجهل. ومعلوم أن تحقيق الذات وما يرتبط به من ابتكار وإبداع إنما سبيله العلم والتعلم.
إلا أنه كان ينبغي للكتاب أن يدعم أكثر تلبية هذه الحاجة من خلال بعض المضامين الأخرى التي تعزز تنمية عاطفة حب العلم والمعرفة منزهة عن الأغراض والدوافع غير المناسبة، مع إعطاء نماذج يقتدى بها في ذلك، وتحفيز التلميذ بشكل جلي على المثابرة والإنتاجية والتنافسية الإيجابية، والتطلع إلى الإبداع في المجالات النافعة في الحال والمآل.
وإذا كان بالإمكان أن نجد بعض التجاوب مع هذه الحاجة في أنشطة التعلم الذاتي خارج الفصل التي تفسح المجال للمتعلم للاستثمار مختلف الوسائل التي يمكن أن تتوفر لديه كالمكتبة والوسائل السمعية البصرية وغير ذلك، مما يدفعه إلى اتخاذ المبادرة في القيام بأعمال من إبداعه كما يشير إلى ذلك دليل الأستاذ ضمنيا خلال بعض التوجيهات العامة في استثمار الأنشطة التعلمية فيما يخص فضاءات التعلم وكيفية استثمارها .
إلا أن تلك التوجيهات تبقى مفتقرة إلى التصريح بالقدرات المستهدفة من الأنشطة التربوية؛ في سبيل إشباع حاجة التلميذ إلى الإبداع وبعض الحاجات الأخرى المذكورة سابقا، مع بيان ذلك وتوضيحه من خلال بعض النماذج التي تفيد المدرس في استحضار أهمية توجيه المتعلمين للتطلع إلى إشباع هذه الحاجة بالتدرج المطلوب الذي يناسب مستواهم وقدراتهم …، بالإضافة إلى ضرورة صياغة محتويات الدروس في شكل أنشطة تعلمية كما ذكرنا ذلك آنفا.
وبعد فتلك أبرز حاجات المتعلم وما ظهر من تجاوب أو عدم تجاوب معها بالنظر إلى ما جاء في الكتاب المدرسي الذي خصصنا له هذه الدراسة التقويمية، تلك الحاجات التي حاولنا من خلال ما أوردناه في دراسة هذا الموضوع التأكيد على دورها الفعال في نمو شخصية المتعلم باعتبار أن إشباعها يشكل أعمدة بناء تلك الشخصية، لتتمكن في مستقبلها من الصمود في وجه التحديات التي يفرضها العصر.
ومن ثمة فإن تخطيط المناج الدراسي بصفة عامة وما يتعلق بمادة التربية الإسلامية بصفة خاصة يقتضي استحضار حاجات المتعلم الأساسية ليتم استيحاؤه منها، باعتبار أن المتعلم هو قطب العملية التعليمية ومحورها. مع إبراز الاهتمام بتلك الحاجات والتجاوب معها في كتاب التلميذ وكيفية صياغة دروسه، وتفصيل الطرق والوسائل ومختلف الأنشطة التعليمية ـ التعلمية الكفيلة بإشباعها في دليل الأستاذ.
ولعله من المفيد التأكيد هنا على أن تحقيق تلك الملاءمة في التجاوب مع حاجات المتعلمين تعتبر من أهم الأسباب التي تخلق عندهم دافعية لحب العلم والتعلم وكل ما يتصل بهما؛ بما في ذلك المادة الدراسية والمدرس والمدرسة. ومن المعلوم أن كل ذلك من أهم العوامل المساعدة على اكتساب التلاميذ للنضج النفسي والتربوي، الذي يتطلبه التكوين الصحيح لشخصياتهم والبناء السليم لعلاقاتهم الاجتماعية. كما أن ذلك من أبرز الأسباب المؤدية إلى تحقيق التعليم لأغراضه المتنوعة، واحترام المجتمع له ولأطره ولمؤسساته
الهوامش
[1] التدريس والصحة النفسية للتلميذ : د. عمر بشير الطويبي ص 75 ـ 76، وانظر معجم علوم التربية : عبد اللطيف الفاربي وآخرون ـ سلسة علوم التربية 9 ـ 10؛ ص 31، والقيم والمواقف : محمد أيت موحى وعبد اللطيف الفاربي ـ سلسلة علوم التربية 8؛ ص 45، والمراهق والعلاقات المدرسية : د. أحمد أوزي ـ منشورات مجلة علوم التربية 2؛ ص 171، وعلم النفس التربوي ـ قضايا ومواقف تربوية وتعليمية ـ: د. أوزي ـ منشورات مجلة علوم التربية ط 1 : 2000؛ ص62.
[2] القيم والمواقف ص 47.
[3] انظر تلك الاختيارت والتوجهات العامة في : مراجعة المناهج التربوية ـ الكتاب الأبيض (مشروع منقح ومزيد) : لجان مراجعة المناهج التربوية المغربية للتعليم الابتدائي والثانوي الإعدادي والتأهيلي؛ نونبر 2001؛ ص 5.
[4] مراجعة المناهج التربوية ـ الكتاب الأبيض (مشروع منقح ومزيد) ص 6.
[5] انظر مجموع تلك الغايات في : مراجعة المناهج التربوية ـ الكتاب الأبيض (مشروع منقح ومزيد) ص 6.
[6] مراجعة المناهج التربوية ـ الكتاب الأبيض (مشروع منقح ومزيد) ص 6 ـ 7.
[7] في رحاب التربية الإسلامية ؛ السنة الأولى من التعليم الثانوي الإعدادي، كتاب التلميذ ـ ط : 2003؛ ص 2.
[8] في رحاب التربية الإسلامية؛ السنة الأولى من التعليم الثانوي الإعدادي ، دليل الأستاذ ـ ط : 2003؛ ص 13.
[9]انظرفي رحاب التربية الإسلامية؛ السنة الأولى من التعليم الثانوي الإعدادي ، دليل الأستاذ ص 24 ـ 26 وقارن بكتاب التلميذ عند بداية كل وحدة.
[10] تخطيط المنهج ـ كتاب للدارسين والمشتغلين في الصناعة المنهجية ـ : د. محمد زياد حمدان ـ سلسلة التربية الحديثة 12؛ ص 55.
[11] انظرفي رحاب التربية الإسلامية؛ السنة الأولى من التعليم الثانوي الإعدادي ، دليل الأستاذ ص 42.
[12] انظرفي رحاب التربية الإسلامية؛ السنة الأولى من التعليم الثانوي الإعدادي ، دليل الأستاذ ص 43.
[13] انظرفي رحاب التربية الإسلامية؛ السنة الأولى من التعليم الثانوي الإعدادي ، دليل الأستاذ ص 37.
[14] انظرفي رحاب التربية الإسلامية؛ السنة الأولى من التعليم الثانوي الإعدادي ، دليل الأستاذ ص 40 ـ 41.
[15] انظرفي رحاب التربية الإسلامية؛ السنة الأولى من التعليم الثانوي الإعدادي ، دليل الأستاذ ص 29.
[16] انظر في رحاب التربية الإسلامية؛ السنة الأولى من التعليم الثانوي الإعدادي ، دليل الأستاذ ص 40 ـ 41.