كيف تمارس التربية في ظروف الأمة الصعبة الحالية

0

kaifa tomarisso aeee5

تعرف الأمة الإسلامية في السنوات الأخيرة حالة من الإحباط، واليأس من تحقق الإصلاح والقطع مع أسباب التخلف والتبعية، وذلك على جميع المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية، ويتجلى مؤشرها الأبرز في  حال النكوص والتراجع عن مكتسبات ما سمي “الربيع العربي” الذي أنعش الآمال في نهضة شاملة وغد مشرق للعرب خاصة وللمسلمين عامة.

لكن ما آلت إليه مجريات الأمور في معظم الدول المنتفضة كان مخيبا للآمال، وأعادها إلى أسوإ مما كانت عليه، وهذا ما يصنع الانطباع بأن التخلف والدون والانتكاس هو قدر الأمة الذي لامحيد لها عنه.

فالبيئة العربية اليوم تكشف لكل متتبع وملاحظ عن عمق الأزمة الحضارية التي تردت فيها النخبة المتنفذة الماسكة بزمام السلط المختلفة، والمصرة على استرجاعها بأي ثمن، ولوكان هو إهلاك الحرث والنسل، وإحداث الدمار الشامل لرأسمال البلد المعنوي وخيراته ومقدراته المادية كلها، ونتج عن هذه الظاهرة الصادمة تدني قيمي وأخلاقي لم يعرف له نظير من قبل.

فأطبق على كثير من النفوس إحساس باليأس والخيبة من أية محاولة للإصلاح والتغيير نحو الأفضل، وأكثر من انعكس عليهم هذا الإحباط هم المسؤولون في مجالات الفكر والثقافة والتربية  والتوعية والإرشاد، حيث يوجد منهم من انقلب على عقبيه، فمال مع موجة الارتداد والنكوص، ومنهم من فتر عزمه وتراجع أمله في التغيير، وافتقد القدرة على أي عمل تغييري جاد، ومنهم من آثر التوقف والتربص إلى حين، فهؤلاء ومن على شاكلتهم يخلون بمسؤوليتهم التربوية إذ يسحبون ثقتهم وجهدهم من صلاحها وإصلاحها، وغالبا ما يكون موقفهم هذا على تفاوت بينهم، هو ما ينحدر بقطاع التعليم والتربية إلى الانحطاط والفشل الشامل.

وإلى جانب هذه النظرة الطاغية لدى عموم الناس، توجد رؤية أخرى للأحداث، ترى فيما حصل دليلا ساطعا على حاجة الأمة الجد ملحة للتغيير، وأن الخلل الذي حصل فيها عميق الجذور واسع المدى، ويستحق تضحيات جسام، وعملا دؤوبا، ووعيا عاليا بمدى استشراء الداء في أعماق النفوس والعقول، وفي أرجاء الواقع المشهود، ويكفي من بركات الحركية الحاصلة أن الأمة استفاقت من تيهها، وفتحت عينيها على حجم الكيد الذي يكيده لها أعداؤها وما زالوا في الداخل والخارج، وأنها غدت قادرة على التمييز بين الصادق والكاذب، والأمين والخائن، والصالح والفاسد، والأمل والوهم.

في مثل هذه الظرفية، يحاول القائمون على إدارة البلاد العربية، توجيه منظومة التربية والتعليم لدعم توجهاتهم القديمة وحماية اختياراتهم الجديدة، حتى لا تكشف وتفضح عوراتها، فتعتمد استراتيجية غايتها تفريغ البرامج من المحتوى القيمي، المعرف بالحق والمنكر للباطل، المنهض للهمم والمانع للتقاعس والخذلان، فتعظم مسؤولية المربي وتتعقد مهمته، إذا كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

ولمناقشة هذا الموضوع  نطرح التساؤلات التالية:

  1. كيف يستطيع المربي أن يؤدي رسالته من خلال مناهج رقيعة وخاوية، غايتها سلخ الأمة عن هويتها، وعزلها عن مقوماتها الدينية والحضارية، وتطويعها للتسليم بما فرض عليها من التزام الخنوع والتبعية، وتغييب الوعي بذاتها وحقوقها ومصدر عزتها وكرامتها، وشروط نهضتها وانعتاقها من نير الاستبداد والاستغلال.
  2. من المعلوم أن العمل التربوي لايتوقف مهما ساءت ظروف المجتمع الذي يجري فيه، ومهما اشتدت أزماته، لأنها تكون خير باعث على تشكل إرادة التغيير والإصلاح، ورفض الواقع القائم، والسعي لتقويض ركائز اختلالاته وإخفاقاته وفساده، فكيف يمكن للمربي توظيف الظروف السيئة لإعداد جيل التغيير والإصلاح المنشود؟
  3. لعل الإشكالية التي تواجه المربين في ظل الأوضاع المزرية والاستثنائية، التي قد تطرأ على المجتمع، هي كيف يمكنهم فهمها وتفهيمها لتلامذتهم، في إطار معطيات كلام الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، واستخدام الفهم السليم والإيجابي لها، في تأطير العملية التربوية وجعلها تستفيد منها أكبر فائدة؟
  4. عندما تصبح إمكانيات الفعل التربوي المؤثر محدودة في ظل التحكم والإملاء، ما هي مجالاته المتوفرة خارج جدران المدرسة، والتي يمكن أن تعوض نوعا ما المؤسسات الرسمية سواء في حال قيامها أو عند خرابها وتوقف نظامها، وما مدى قدرة هذه المواقع الشعبية على رفع بعض التحديات؟ وكيف يمكنها ذلك؟

 

{jcomments on}

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.