حرق الكساسبة من عمل الشيطان

0

harq 3ff06

الشيخ أحمد البان

 

كانت ألسنة اللهب تتحرك بشكل لولبي باتجاه قفص حديدي أحكم إغلاقه على الطيار الأردني معاذ لكساسبة، وكان الداعشي الملثم يمسك ولاعة النار بيده مشعلا بها البترول المراق على الأرض ببساطةواندفاع، وكأنه يقوم بلعبة ممتعة لا عملية قتل وحشية، ممر ناري ينتهي بدائرة من اللهيب ستلتهم في لحظات جسد الطيار الشاب، ولكنها ستشعل قلبي أبويه الجريحين وقلب كل من به ذرة إنسانية في هذا العالم المسحور، استشرت النار في جسد الأسير الطيار، قفز مرات وأخيرا سقط كومة من الفحم الأسود.

كان المشهد فاجعا وفاضحا في نفس الوقت، لم يترك التسجيل المصور بدقة فائقة أي فرصة للتعاطف مع تنظيم تفضحه أفعاله الموجعة يوما بعد يوم، لقد أحرق المجرمون كل المبادئ الإسلامية والجهود الدعوية والمشاريع النهضوية للأمة في لحظة واحدة، المؤسف أن ابن تيمية على جلاله وفقهه ووعيه السياسي كانت كلماته تحترق ـ هي الأخرى بالفهم الأعوج أو الاستغلال الفج من قبل عصابة الأمن العابر للدول المسماة تنظيم الدولة الإسلامية. قطع هؤلاء الاستشهاد عن سياقه، كما قطعوا مسيرة الأمة عن سياق النهوض الحضاري الذي كانت تضع لبناته بوعي.

كيف لأمة تبدأ كل أفعالها بـاسمي الله الكريمين “الرحمن الرحيم” أن تستسيغ فعلا هذه البشاعة، وكيف لدين جاء رحمة للعالمين أن يُقِرَّ  جريمة بهذه القسوة، لقد افتروا على الإسلام وكذبوا على نبيه الذي وضع أرقى ميثاق للحرب يقوم على مغالبة الشر واحترام الإنسان

كيف لأمة تبدأ كل أفعالها بـاسمي الله الكريمين “الرحمن الرحيم” أن تستسيغ فعلا بهذه البشاعة، وكيف لدين جاء رحمة للعالمين أن يُقِرَّ  جريمة بهذا القسوة، لقد افتروا على الإسلام وكذبوا على نبيه الذي وضع أرقى ميثاق للحرب يقوم على مغالبة الشر واحترام الإنسان، كان يوصي أمراءه ” اغزوا فلا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا “، أم كيف يدخل الله امرأة النار بسبب هرة حبستها ويقبل الإسلام حرق إنسان حي يشهد بنفسه استشراء النار في جسده حتى آخر نفس.

إنه التطرف الذي ما عانت الأمة طول تاريخها أكثر مما عانت منه، لقد جاء أمثال هؤلاء لابن عمر رضي الله عنه يسألون عن حكم قتل بعوضة في الحرم، وهم الخائضون في دماء خيرة الصحابة حتى الرُّكَب، فأجابهم رضي الله عنه إجابة العارف بفهمهم الأعوج ونفوسهم المريضة وإيمانهم الوهمي، قال”عجبا لكم يا أهل العراق، تقتلون ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتسألون عن دم البعوض!”.

قديما قيل”إن العدو العاقل خير من العدو الجاهل”، والحقيقة أن لا خير في الاثنين فكلاهما معول هدم وأداة تخريب، ولكن المعضلة الأعظم اليوم هي التباس الواقع على كثيرين من شباب الأمة وشيوخها، حيث يربطون بين ظلم الغرب للأمة وبين ممارسة الظلم باسم الإسلام من قبل بعض الأفراد، وهنا لا بد من رفع اللبس.

مرفوضة سياسةَ  لأنها منحت الحكومة الأردنية وكل من أسهم في إرسال ذلك الشاب الطيار إلى الحرب ضد داعش صك غفران ونسيان، فالحكومة المسؤولة أخلاقيا وسياسيا عن الجريمة تنعم اليوم بالتحام غير مسبوق مع شعبها الذي نسي فعلها تحت وطأة فظاعة شريط الحرق.

لقد قال ابن تيمية:” إن العدل واجب لكل أحد على كل أحد في كل حال، والظلم محرم مطلقاً لا يباح قطُّ بحال”، فالظلم لا يبرر الظلم، بل إن القرآن صريح في أن هيجان عاطفة الغضب قد يدفع لتجاوز الحد وذلك منهي عنهوَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى”، فالإسلام دين العدل والرحمة، والمسلم طبعه العدل والرحمة، فلا يكفيه أن يكون أعدل من فلان الظالم، بل لا بد أن يجعل العدل والرحمة أصلا في تصرفه وتعامله بغض النظر عن فعل الآخرين.

من هذه الزاوية، فإن إدانة واستبشاع جريمة حرق الأسير الأردني يلزم أن تكون واضحة و مستقلة و لا يستساغ أي تبرير لها،  “فهي مرفوضة شرعا وسياسة”

مرفوضة شرعا لأن الحرق بالنار منهي عنه ولأن الطريقة التي تمت بها الجريمة تصادم كل الشرائع وكل الأخلاق والقيم والمشاعر الإنسانية، ومرفوضة سياسة، لأن أثرها على صورة الإسلام سيئ من وجهتين:

ـ فهي تقول للشباب المسلم إن الدين الذي تريده لكم مشاريع الإصلاح هو القتل والذبح والحرق، ورفض الحياة واستدعاء الموت من كل طريق وبكل حيلة، فإما أن تختاروا طريق العنف وإما أن تبقوا أسيري شهوة وشبهة.

ـ كما تقول للشعوب غير المسلمة إن هذا الدين دين دم ونار، لا رحمة فيه ولا ضمير، فينفرون منه ويبتعدون عنه، فهي جريمة ستصد كثيرين عن الإسلام، الذي جاءت رسالته لإسعاد البشر لا حرقهم وذبحهم وقتلهم.

وهنا أذكر حوارا دار بين الشيخ متولي الشعراوي وبعض المتشددين، قال الشيخ لهم: من تقتلونهم إلى أين يصيرون قالوا: إلى النار، قال الشيخ: وأين يريد الشيطان أن يذهب بهم؟، قالوا: إلى النار، قال أنتم إذن والشيطان مهمتكم واحدة.

كما أنها مرفوضة سياسةَ لأنها منحت الحكومة الأردنية وكل من أسهم في إرسال ذلك الشاب الطيار إلى الحرب ضد داعش صك غفران ونسيان، فالحكومة المسؤولة أخلاقيا وسياسيا عن الجريمة تنعم اليوم بالتحام غير مسبوق مع شعبها الذي نسي فعلها تحت وطأة فظاعة شريط الحرق.

وهنا أذكر حوارا دار بين الشيخ متولي الشعراوي وبعض المتشددين، قال الشيخ لهم: من تقتلونهم إلى أين يصيرون قالوا: إلى النار، قال الشيخ: وأين يريد الشيطان أن يذهب بهم؟، قالوا: إلى النار، قال أنتم إذن والشيطان مهمتكم واحدة.      

                عن موقع إسلام أون لاين

 

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.