نحو نقد للحداثة ومراجعة مفهومها عند المفكر المغربي الأستاذ طه عبد الرحمان
إعداد: أحدو محمد
في سياق التتبع المقتضب، والتعريف الموجز حول أهم المشاريع العربية الإسلامية حول إشكالية الحداثة نقف اليوم وبكثير من الاختزال عندما قدمه المفكر والفيلسوف المغربي الدكتور طه عبد الرحمان، حيث يمكن القول مقدما، بأن اهتمامات الأستاذ طه عبد الرحمان بموضوع الحداثة الغربية، والموقف الذي اتخذه إزاءها، يعد بحق من المشاريع الهامة في الثقافة العربية الإسلامية المعاصرة التي نحى فيها نحو التأصيل للمفهوم، والعمل على تأسيس منجزات الفكر العربي الإسلامي على أصول جديدة تتميز بالاستقلالية جوهريا عن البنية الفكرية والثقافية الغربية، وهو المشروع الذي يدافع عنه طه عبد الرحمان في مقاربته لمسألة الحداثة .
نحو نقد للحداثة ومراجعة المفهوم.
يستهل الأستاذ طه عبد الرحمان تناوله لمفهوم الحداثة الغربية ، بتقديم لهذا المفهوم، في كتابه ” سؤال الأخلاق “باعتبارها حداثة وافدة جرفت كثيرا من العقول، بما نسج حولها من أوهام، فهذا التهويل لظاهرة الحداثة أوقعت المجتمعات التابعة بما فيها المجتمعات العربية الإسلامية، في تيه وتخبط فكري بارز، ففي كتابه ” روح الحداثة “، يعتبر الحداثة بمفهومها الغربي تعمل على تدمير حقيقة الإنسان لأنها لا تقوم على أساس أخلاقي، وهو بذلك يدعوا إلى تأسيس فلسفة أخلاقية إسلامية معاصرة بديلة، تعيد النظر في الجانب الأخلاقي والروحي للإنسان باعتباره الجانب المفتقد في القيم الحداثية الغربية. إن ما حدث في نظر الأستاذ طه عبد الرحمان، أن مفهوم الحداثة أدخل الفكر العربي الإسلامي المقلد في فيما أسماه ب”الفتنة المفهومية الكبرى” فهناك من يقول بأن الحداثة هي قطع الصلة بالثرات، ومن يقول بأنها طلب التجديد أو محو القداسة من العالم، أو من يقول إنها التعقيل والعقلنة، أو أنها الديمقراطية أو حقوق الإنسان أو قطع الصلة بالدين، أو أنها العلمانية، بل منهم من قال إنها مشروع لم يكتمل. إن المشكل برأيه يتطلب ضرورة التميز بين واقع الحداثة، وروح الحداثة، فروح الحداثة هي جملة القيم القادرة على النهوض بالوجود الإنساني في كل زمان ومكان، أما واقع الحداثة فهو تحقق هذه القيم في زمان مخصوص، مما يترتب عن هذا التمييز عند طه عبد الرحمان تأكيد ضمني بأن الحداثة ليست تطبيقا واحدا بل تطبيقات متعددة مختلفة، مما يستدعي معه القول أن لكل مجتمع حداثته: حداثة فرنسية، حداثة ألمانية …..فالواقع الحداثي واقع خاص تحكمه متطلبات مرتبطة بثقافة مجتمع معين، قد لا تنطبق على غيره بنفس الشروط والمحددات.
أما حول روح الحداثة، فقد اعتبر أن المرتكزات التي ينبغي أن تتأسس عليها قيم الحداثة عموما، عليها أن تتجلى في ثلاث مبادئ أساسية :
1 ـ مبدأ النقد: وهو الذي يجعل الحداثي ينتقل من حالة الاعتقاد بالشيء إلى حالة الانتقاد، ويتم ذلك عبر ركنين أساسيين هما :
– التعقيل: إي إخضاع ظواهر العالم ومؤسسات المجتمع وسلوكات الناس وموروثات التاريخ كلها لمبادئ العقلانية.
– التفصيل والتفريق: بتغليب منطق الكشف عن التغاير، بدل منطق التجانس، من خلال البنى والمكونات العامة للشيء، بحيث يتحول المتشابه إلى متباين.
2 ـ مبدأ الرشد: بإخراج الحداثي من حالة القصور والتبعية إلى حالة الرشد عبر ركنين :
– الاستقلال وقوى الذات: بتجاوز كل صاية في التفكير، وتخطي كل مظاهر التبعية .
– الإبداع في الأفكار والأقوال والأفعال: ويتم ذلك بابتكار أنماط جديدة وقيم غير مسبوقة من ذاته أو إعادة تشكيل ما سبق إبداعه بما يتلاءم مع ذاته.
3 ـ مبدأ الشمولية: ويتم ذلك بالخروج من المخصوص المجالي والمجتمعي، إلى دائرة الشمول عبر :
– الامتداد أو التوسع: أي بنفاد أفعال الحداثة في كافة مجالات الحياة النظرية والعلمية، من علم ومعرفة واخلاق دين وسياسة أو اقتصاد.
– التعميم: وذلك بوجوب انتشار الحداثة خارج دائرة المجتمع الذي نشأت فيه لتعم سائر المجتمعات دون استثناء لتشملهم بحكم القانون الطبيعي .
هذا المدخل التمييزي لمفهوم الحداثة بين واقعها وروحها، جعل من المفكر والفيلسوف أستاذ المنطق المغربي طه عبد الرحمان من الباحثين القلائل في العالم الإسلامي والعربي الذين حاولوا تأصيل هذا المفهوم في السياق الحضاري والثقافي العربي الإسلامي والعمل على تخليقه .
————————————————————————-
المراجع
•طه عبد الرحمان ” سؤال الأخلاق – مساهمة في النقد الأخلاقي لمفهوم الحداثة الغربية ” المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء – المغرب طبعة الثالثة 2006
• طه عبد الرحمان ” روح الحداثة – مدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية – المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء – الطبعة الأولى 2006
• رسالة الماجيستير في الفلسفة تحت عنوان ” موقف طه عبد الرحمان من الحداثة ” إعداد : بوزبرة عبد السلام . جامعة منتوري قسنطينة – الجزائر – السنة الجامعية 2009–