حرب اللغة (الحلقة الثانية)

0

oulalit 4de93

الأستاذ أحمد أولاليت

 

oulalit 4de93

      ومع ظهور المعجزة اليونانية وظهور الفلسفة ( انطلاقا من عقلنة الأسطورة ) وتطور الرياضيات والمنطق والفيزياء والفنون الستة ( الشعر والموسيقى والرقص والرسم والنحت والمسرح ) وما دام الرجل الأوروبي مريض بما يسمى ( المركزية الأوروبية ) فإنه يستحيي أن يقول أن كل مفكري اليونان تتلمذوا في مكتبة الإسكندرية وأنهم تأثروا بالأبجدية الفينيقية وفلك البابليين والمصريين ورياضيات البابليين والمصريين أيضا ….وعندما توسعت الإمبراطورية اليونانية ( الإغريقية ) في عهد الإسكندر المقدوني ( الإسكندر الأكبر ) لم تنتشر لغتها لإن مدة التوسع والسيطرة اليونانية كانت قصيرة .

      وورث الرومان الإمبراطورية اليونانية من نظام حكم ( الديموقراطية ) ونمط تفكير… إلا أن تأثيرالأبجدية الفينيقية في الكتابة اللاتينية كان كبيرا وحتى الكلمات اللاتينية شبيهة الى حد بعيد بقرينتها الفينيقية ( وهو ما يشرحه بتفصيل المفكر السوري أحمد داوود في سلسلة تاريخ الحضارة(

إلا أن الرومان استفادوا من أخطاء أسلافهم اليونانيين فقسموا الإمبراطورية إلى أقاليم لضمان السيطرة الأبدية وفرضوا لغتهم بنشر قادتهم وجنودهم وولاتهم … أو باستقدام الغجر الأوروبيين وتوطينهم بمصر لتغيير التركيبة الديموغرافية وتغيير التوازن في اللغة المصرية

      ظهور الكتابة الآرامية كبديل للكتابة الفينيقية والمسمارية وانتشارها في الشام والعراق والحجاز كان له أثر على شعوب الدول التي حكمت المنطقة …كما أن ظهور الكتابة في اليمن (المعروف بخط المسند أو الكتابة الحميرية ) في القرن التاسع أو الثامن قبل الميلاد جعل منه خط الكتابة عند عرب الجنوب ووسط الجزيرة العربية … ومع كتابة القرآن بالخط الآرامي وانتشار الإسلام تراجع هذا الخط ( هذه الأبجدية ) ولم يكتب له الانتشار إلا فيما بعد بالقرن الإفريقي ( الصومال وايريتريا وجيبوتي وإثيوبيا حاليا(

      فكانت اللغات السامية في الشرق الأوسط تكتب (غالبا ) بثلاث أبجديات ( ولكن الآرامية هي الكتابة الكثيرة الاستعمال والتداول).

      ولما جاء الإسلام انتشر بسرعة في القارات الثلاث وانتشرت معه الكتابة الآرامية مع زيادة النقط على كثير من الحروف وزيادة الشكل ( فتحة وكسرة وضمة وسكون و تنوين ..) على يد أبي الأسود الدؤلي … ولكن المسلمين نشروا الدين ولم ينشروا اللغة بدليل أن أغلب الدول الإسلامية حافظت على لغتها ولا تتكلم العربية رغم تأثرها بالكتابة الآرامية مثل الأتراك العثمانيين وبلاد فارس والسند ( باكستان ) والهند وآسيا الوسطى ..

      فمنذ العصر الأموي وتوسع الدولة الإسلامية التي وصلت الأندلس غربا ووصلت بلاد الهند شرقا ثم توسعت لتصل الصين في عهد الخلفاء العباسيين فرضت اللغة العربية نفسها كلغة دين ثم فرضت نفسها كلغة علم لأن المسلمين اهتموا بالترجمة.

      ففي عهد خالد بن يزيد الأموي الذي أكرهه أهله على التنازل عن العرش ( 687 م ) بدأ يقرأ الكتب ولكنه كان لا يفهمها باللغات الأجنبية فدعا المترجمين لترجمة أعمال اليونان فكانت أول إرهاصات الترجمة ومع مجيء المنصور العباسي سيترجم أول كتاب في الفلك من الهندية الى العربية وهو كتاب (السند هند ) الخاص في علم الفلك.

       ثم انطلقت حركة الترجمة في عهد الخلفاء العظام (هارون الرشيد وأبنائه المامون والمعتصم والواثق) وتمت ترجمة كل العلوم التي يرونها مهمة وخادمة للإنسان والدين …لقد عهد الخليفة المامون إلى يحيى بن ماسويه بترجمة كثير من الكتب وأسس المامون بيت الحكمة التي كانت مكتبة ضخمة وكانت بمثابة أكاديمية للترجمة. تقول المستشرقة الألمانية زغريد هونكه في كتابها شمس العرب تسطع على الغرب الصفحة 378 : وقد ترجموه ليس إلى لغة جامدة غريبة عن الشعب لا يفهمها إلا الخاصة كاللاتينية في الغرب منذ القرن الثامن الميلادي بل ترجموه إلى لغة حية في كل مكان آنذاك، هي لغة القرآن، وكانت هذه الترؤجمة هي العماد الثاني الذي قامت عليه الثقافة العربية . ولكل مواطن في الإمبراطورية الإسلامية حق الأخذ بنصيب في تلك النهضة العلمية التي اتخذت شكلا رائعا في ذلك العصر والتي لم تكن وقفا على طبقة من الشعب دون أخرى.

      يقول محمد عابد الجابري في مجلة ( فكر ونقد) العدد 24 الصفحة 7 ( كانت اللغة العربية لعدة قرون لغة العلم والفلسفة في العالم أجمع ، كانت بمثابة الإنجليزية اليوم. واللغة العربية لم تتراجع ولم تتقهقر بل أهلها هم الذين لم يواكبوا التطور لأسباب لا علاقة لها باللغة. وهذا التقهقر الذي أصابنا وانعكس على لغتنا ليس قدرا لا يرتفع … اللغة إذن ممارسة: فإذا مارسناها في الأدب فقط كانت لغة الأدب، وإذا مارسناها في العلم فقط كانت لغة علم، وإذا مارسناها فيهما معا كانت لغة العلم والادب.

      بعد سقوط غرناطة سنة 1492 سيعود الأوربيون ويحاولون السيطرة على العالم لكن القوة التركية المسيطرة على البحر الأبيض المتوسط وأروربا الشرقية ومحاولتهم المرور الى غرب أوروبا والاجتياح الماغولي لآسيا وشمال شرق أوروبا جعلهم يبحثون عن مناطق جديدة للتوسع والوصول إلى الهند والصين خاصة بعد سيطرة المسلمين التاريخي على طريق الحرير والتوابل إضافة إلى انهزامهم في الحروب الصليبية …مما اضطر الأوروبيين إلى البحث عن طريق آخر وبذلك تحقق ما يعرف بالكشوفات الجغرافية …فكان الاحتلال الإستيطاني الإسباني لأمريكا اللاتينية . والبرتغالي للبرازيل. والبريطاني لشرق أمريكا الشمالية (كندا والولايات المتحدة فيما بعد ) وجنوب إفريقيا واستراليا ….فلا زالت تستعمل لغة المحتلين في كل المجالات .

      منذ القرن الثامن الميلادي واللغة اللاتينية هي لغة العلم والإدارة بأوروبا مع بعض اللهجات التي بدأت تفرض نفسها كالفرنسية والإنجليزية والألمانية ( فقد ظهرت مؤلفات كتبت باللغة المحلية …فمع ازدياد ونمو الشعور القومي والاتجاهات المحلية أخذت اللهجات تحل محل اللغة اللاتينية ( فدانتي ) منذ القرن 13م كان قد كتب الكوميديا الإلهية باللغة الإيطالية .وفي فرنسا ظهر ( مونتاني ) ( 1533 – 1592 ) الدي كتب رسائله ( محاولات في الفلسفة والأخلاق ) باللغة الفرنسية. أما في إسبانيا فقد نشر سرفنتس (1557 – 1661 )قصة ( دون كيشوت ) باللغة الإسبانية. أما الألمانية فقد بلغت كمالها مع لوثر (1483 – 1546م )في ترجمة الإنجيل إلى اللغة الألمانية .

      يقول محمد عابد الجابري في كتابه تطور الفكر الرياضي والعقلانية المعاصرة الصفحة 83 (إن ريح النهضة التي هبت على أوروبا من العالم الإسلامي مشرقة ومغربة ، خلال القرنين الثاني والثالث عشر ( الميلادي ) لم تعط ثمارها إلا ابتداء من القرن السادس عشر الذي شهد قيام الفيزياء والميكانيك على يد جاليلو والجبر على يد فييت وديكارت . أما في الفترة الواقعة ما بين القرنين الثالث عشر والسادس عشر فلقد بقي العالم الأوروبي يحاول هضم وتمثل الرياضيات اليونانية والعربية

وفي شرق أوروبا والبحر الأبيض المتوسط كانت اللغة العثمانية التركية ( من تركمانستان بآسيا الوسطى وقد تأثرت كثيرا بالعربية والفارسية ) هي لغة الإمبراطورية العثمانية.

وإلى خاطرة أخرى أخوكم : أولاليت أحمد

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.