حرب اللغة ( الجزء الثالث)

0

oulalit 4de93

الأستاذ أحمد أولاليت

 

      ومع بداية القرن العشرين كانت خريطة الحرب اللغوية على الشكل التالي :

oulalit 4de93

      سنركز على اللغة الإنجليزية ونبدأ بأصولها حيث استطاع شعب الأونغلو وشعب الساكسون اللذين استوطنا الجزر البريطانية قادمين من أوروبا الغربية أن يستفيدوا من القاموس العربي المتداول بالأندلس ابتداء من 1229 للميلاد ( انجز- نبيل الجنابي – المنشط بقناة المستقلة بحثا للدكتوراه في الأصول العربية للغة الإنجليزية ) كما استفادوا من اللغة اللاتينية التي كانت لغة الثقافة منذ الغزو الروماني لأوروبا وبريطانيا فطوروا لغتهم لتصبح اللغة الإنجليزية مسايرة لأخواتها اللاتينية والفرنسية والألمانية الأكثر إنتشارا خاصة أنها لغة الدولة التي لا تهزم : فقد انتصرت انجلترا على الفايكينغ سنة 878 للميلادي في عهد الملك الفريد الكبير. وانتصرت على الإسبان سنة 1588 في عهد الملكة اليزابيت.وانتصرت ( بمساعدة حلفائها )على امبراطورية نابوليون بونابارت في معركة واترلو (وانتهت الحرب بين فرنسا وبريطانيا باعتقال نابليون ونفيه إلى إحدى الجزر الإفريقية القريبة من الكونغو ) فقهرت أعتى الإمبراطوريات .حتى أنها في العصر الفيكتوري ( 1837 – 1901 ) أصبحت تحتل ربع مساحة اليابسة وأصبحت تسمى بالإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.

       فكان التفكير أولا في الحرب على اللغة التركية ( حامية الإسلام وحامية ثقافة الشرق ) وبالفعل كانت الإمبراطورية التركية تخوض حروبا ضد الروس الذين سيطروا على كثير من أراضي الإمبراطورية الماغولية فقضى الروس على الكتابة الآرامية في كل المناطق التي سيطروا عليها في سيبيريا وآسيا الوسطى والقوقاز …وكان انهزام الأتراك في الحرب العالمية الأولى ( لأنها كانت ضمن دول الوفاق كألمانيا ) معناه تراجع اللغة العثمانية في أوروبا الشرقية.

       أضف إلى ذلك ما يعرف بالثورة العربية الكبرى التي قادها شريف مكة ( الشريف حسين ) بدعم من فرنسا وبريطانيا مما جعل تركيا تحارب على ثلاث جبهات فتنهار بسرعة وبعد ذلك مباشرة كانت اتفاقية ( سايس بيكو ) وبعد ذلك جاء انقلاب مصطفى كمال أتاتورك ليمنع اللغة التركية العثمانية ويفرض اللغة التركية البيزنطية ويمنع الكتابة العربية الآرامية ويفرض الأبجدية اللاتينية، كما أن تركيا فقدت الكثير من مساحتها في إفريقيا وآسيا وأوروبا ….

مع الثورة البلشوفية أكتوبر 1917 أمر لينين ( فلادميرإيليتشأوليانوف ) بتطوير اللغة الروسية وجعلها لغة للعلم والإدارة بدلا من الفرنسية التي سيطرت منذ عهد غزو نابليون لموسكو … وبالفعل بعد سنتين استطاعت الروسية اللحاق باللغات الأكثر تطورا مثل الفرنسية والإنجليزية والألمانية .

لقد استطاعت الروسية أن تنتشر في كافة الاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية إضافة إلى كونها اللغة الأجنبية الثانية في أغلب الدول الاشتراكية سابقا مثل كوبا وكوريا الشمالية …..لكن سقوط الاتحاد السوفياتي سنة 1991 م جعل كثيرا من الدول الحليفة للاتحاد السوفياتي والمهتمة باللغة الروسية تتطلع إلى اللغة الانجليزية باعتبارها لغة المنتصر( أمريكا) وباعتبارها لغة العلم والتطور العلمي والتكنولوجي…. وهكذا أصبحت اللغة الروسية منحصرة في روسيا الاتحادية وروسيا البيضاء وبعض الدول في آسيا الوسطى.

       استطاعت اللغة الإنجليزية تصفية الحسابات مع اللغة الألمانية بعد الحرب العالمية الأولى حيث أنتزعت المستعمرات الألمانية وأعطيت الكامرون لفرنسا وأعطيت الكونغو لبلجيكا، فأصبحت الألمانية لا تتعدى حدودها القديمة التي وحدها بيسمارك.

      اللغة الإنجليزية ستخوض حربا ذكية على الفرنسية وذلك بمساعدة العرب على (محاربة التتريك) والترويج للقومية العربية وبالفعل عجل العرب بالقضاء على اللغة التركية وعجل التعريب في القضاء على الفرنسية ( بسياسة ضرب العدو بعدو آخر ) ففقدت الفرنسية معاقلها في شمال إفريقيا ( المغرب والجزائر وتونس ) وسورية ولبنان وأما بلجيكا فأشعلوا نعرة اللغة الفلامانية كلغة أصلية للشعب البلجيكي وبثوا الأحقاد والضغائن بن الفرانكوفونيين والفلامانيين .

      وأما في كندا ففرضت الإنجليزية في المدارس كلغة أولى بالقوة سنة 2001على إقليم الكيبيك (وهو من مستعمرات فرنسا وتسكنه أغلبية ساحقة من الفرنسيين ) فحاول الكيبيك استقدام المهاجرين من الخارج وبخاصة الناطقين بالفرنسية لتغيير الخارطة الديموغرافية ولكن دون جدوى .

       وهكذا لم يعد يهتم بالفرنسية إلا بعض الدول الإفريقية الصحراوية والفقيرة مثل مالي والنيجر وتشاد (بالرغم من أن معظمهم لا زال يتكلم العربية أو الأمازيغية ) وبوركينافاسو والكامرون والكونغو ومدغشقر … ( من الدول التي تغلب عليها اللهجات الإفريقية المحلية ). في المقابل قامت فرنسا 1970 بتأسيس منظمة للدول الفرانكوفونية ( أي مجموعة الدول الناطقة كليا أو جزئيا باللغة الفرنسية ) كما أن فرنسا أصبحت تستعمل حق النقض ( الفيتو ) في تعيين أي أمين عام للأمم المتحدة إلا إذا كان يتقن اللغة الفرنسية .

      صفت الإنجليزية حسابها مع اللغة الإيطالية بتجريدها من مستعمراتها في ليبيا وأثيوبيا ( أثيوبيا الحالية وايريتيريا و دجيبوتي ) بعد هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية ( 1939 – 1945 ) بعدما انهزمت دول المحور ( ألمانيا وإيطاليا واليابان ). فأصبحت مستعمرات ايطاليا سابقا تستعمل اللغة الإنجليزية كلغة أجنبية أولى أو ثانية .

بالنسبة للغة البرتغالية فمستعمراتها صغيرة وقليلة (ثمانية دول تتكلم البرتغالية) كغينيا بيساو والموزمبيق و الرأس الأخضر …أما البرازيل والموزمبيق (المستعمرتان البرتغاليتان الكبيرتان) فلا يمكنهما الرفع من لغتهم حتى تنافس الإنجليزية. وتأسيس مجموعة البلدان الناطقة بالبرتغالية 1996م لا يهدد الإنجليزية بقدر ما يدافع عن هذه اللغة حتى لا يلحقها الاندثار.

بالنسبة للعربية حاولت فرنسا وبريطانيا تشجيع اللهجات المحلية بدعوى الحفاظ على التراث تارة وبدعوى حقوق الأقليات تارة أخرى وبدعوى الحفاظ على الهوية مرة ثالثة … فقامت الجامعات الفرنسية والبريطانية بتشجيع الأبحاث في الأمازيغية والكردية والقبطية، ــ (وهو ما يسمى باللعب على الحبلين وضرب الخصوم ببعضهم بعضا )ــ و ــ ( لأن سياسة فرق تسد تعجل بانتصار لغة المحتل ) فقد شجع على الكتابة باللهجات المحلية في الجرائد و الكتب و…( راجع مقال الدكتور مصطفى بنحمزة : الدعوة إلى العامية ــ المسار والأهداف) .

      من أهم وجوه الحرب على اللغة العربية هو ما قام به المستشرقون الغربيون من قراءة للفكر العربي الإسلامي و دراسة عادات و تقاليد الدول العربية والإسلامية وبالتالي الوقوف على نقط الضعف ونقط القوة وفهم آليات علاقات الأسرة والجماعة …. وهو ما مهد للاستعمار العسكري

ومن وجوه الحرب على العربية هو تشجيع الفرانكوفونيين ( الساهرون على حماية مصالح الاستعمار) استعمال اللهجات المحلية في وسائل الإعلام وتشجيعهم على ترجمة الأفلام المكسيكية والبرازيلية والأمريكية… باللغة العربية الركيكة أو باللهجات المحلية لتمرير العادات الاستهلاكية اليومية للشعوب المسيحية … إضافة إلى أن الصورة أبلغ من الخطاب اللغوي المباشر وأكثر تأثيرا في المتلقي…. ولأن اللغة هي شحنة وحمولة ثقافية كما يقول أهل الفلسفة . ولأن ضرب اللغة العربية باللهجات المحلية الشامية والمصرية والمغربية والسواحلية والحسانية … يفقد اللغة العربية قوتها ويجعل تداولها محدودا …لذلك تأسس بالمملكة المغربية الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية في دجنبر 2012 ميلادية ( كمثال فقط).

      تنبه الاحتلال الغربي أن من بين أهم المؤسسات التي حافظت على اللغة العربية ورسختها في عقول الناس منذ طفولتهم وعلمتهم مهارة الحفظ وربطتهم بقاموس اللغة العربية هي الكتاتيب القرآنية لذلك عمدت انجلترا مباشرة بعد احتلالها لمصر ببناء رياض الأطفال والمدارس العصرية الناطقة كليا باللغة الإنجليزية …وحتى في المعاهدات المفضية للاستفلال فرض المستعمر لغته على الإدارات المحلية إضافة إلى الاستقلال شريطة الحفاظ على مصالح المستعمر، وهو نفس ما قامت به فرنسا مع مستعمراتها العربية.

      ومن مظاهر الحرب على اللغة العربية هو مساعدة بريطانيا للشاه بهلوى على احتلال الأحواز العربي (المعروف بعربستان أو خوزستان ومساحتها تعادل مساحة الجمهورية العربية السورة) وهي دولة كانت تشغل الساحل الشمالي للخليج العربي دامت ما بين (1724 – 1925م ) فاعتقل الفرس ملكها خزعل بن جابر الكعبي ثم قتلوه بالسم وغيروا اسماء المدن العربية إلى أسماء فارسية وفرضوا على سكانها اللغة الفارسية كلغة للدراسة وكلغة للتخاطب …ثم استقدموا إليها الجنس الفارسي من الشمال لتغييرالبنية الديموغرافية .

      لما ثار محمد علي باشا على الإمبراطورية العثمانية وأراد بناء إمبراطورية العلويين في مصر والشام والسودان وضم السودان سنة 1821 م وانتصر على العثمانيين في معارك الشام ما بين 1831 و1833 اصبحت السودان جزءا من مصر إلى أن منحهاجمال عبد الناصر الاستقلال في فاتح يناير 1956 م … فأخذت الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا تتهم السودان باضطهاد سكان الجنوب المسيحيين إلى أن استقل جنوب السودان في يوليوز 2011 م فغير اللغة الرسمية من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية … إضافة إلى أن مساحة هذه الدولة تقارب مساحة تساوي 619745 كيلومتر مربع من الأراضي الخصبة الغنية بكثير من الثروات . وهكذا تتراجع اللغة العربية لصالح اللغة الإنجليزية في المساحة وفي عدد الناطقين بها .

      ومن بين مظاهر الحرب على اللغة العربية هو زرع الكيان الصهيوني في قلب الأمة العربية وفصل الجزء الإفريقي عن الجزء الأسيوي وأصبحت اللغة العبرية هي اللغة الرسمية لفلسطين بدل اللغة العربية ( العبرانية هي اللغة القديمة أما العبرية فهي اللغة التي أحياها اليهود لتكون لغتهم الرسمية وهي متأثرة بالعربية عند السافاردالمنحذرين من الدول العربية . ومتأثرة بالألمانية عند الأشكينازالمنحذرين من الدول الأوروبية).

   أما في أوروبا (القارة العجوز) وأمام محاولة فرنسا ا لسيطرة على كل أوروبا أيام نابليون ومحاولة ألمانيا توحيد أوروبا أيام أدولف هتلر فقد اهتدى الأوروبيون إلى توحيد أوروبا سلميا (بمباركة أمريكية وبتمويل مشروع مارشال ) فكان مؤتمر روما 1947 مما نتج عنه السوق الأوروبية الموحدة ثم الاتحاد الأروبي، فتبنت كل الدول الأوروبية اللغة الإنجليزية كلغة ثانية للتواصل بين أبناء الإتحاد الأوروبي .

      وأما في آسيا التي تضم أكبر تجمع بشري فإن دولها تتخذ من الإنجليزية اللغة الثانية ( كالصين واليابان ..)أو تتخذ منها اللغة الرسمية ولغة الإدارة كما هو الشأن بالنسبة للهند التي تضم أكبر تجمع ناطق باللغة الإنجليزية .

      وكان إعلان الرئيس الأمريكي (بيل كلينتون) عن إطلاق شبكة الانصال الدولية ( الإنترنيت ) بمثابة إعلان عن عالمية الإنجليزية للتواصل بين سكان الكرة الأرضية والتسليم بأن العالم أصبح قرية صغيرة .

      ولما كانت ألمانيا أكثر سكانا حاولت فرنسا استقطاب المواطنين من مستعمراتها لتكثير الناطقين بالفرنسية وللتقليص من العنوسة وإكثار المستهلكين لمنتجاتها و…وهو ما انتهجته اسبانيا عندما استقطبت السكان من مستعمراتها بأمريكا اللاتينية وسهلت لهم الحصول عل الجنسية الإسبانية (وفي المقابل كانت تضع عراقيل للوافدين من الدول العربية). كما أن فرنسا وألمانيا عرقلتا انضمام تركيا للإتحاد الأوروبي لأن هرمها السكاني شاب ولأن أغلبية سكانها مسلمين ولأن عدد سكانها يناهز سكان ألمانيا فإذا انضمت تركيا إلى الإتحاد الأوروبي فستختل أوروبا ديموغرافيا وسيصبح المسلمون بأوروبا أكثر من 20 في المائة (والمسلمون مرتبطون بالعربية لغة القرآن).

      الإنجليزية التي هزمت كل اللغات أصبحت اليوم لغة العلم والتواصل والاتصالات … لا زالت تهددها لغتان : هما العربية والصينية ( راجع شريط : لماذا تعلم روسيا العربية. لقناة روسيا اليوم ): فأما العربية فيتم القضاء عليها بتشجيع العزوبة والعزوف عن الزواج (تحديد النسل تحت دعوى الفقر والبطالة) وتشجيع اللهجات المحلية (الأمازبغية والكردية والقبطية والسواحلية ….وتشجيع العامية في وسائل الإعلام …وضرب كل الدول التي تسعى إلى تطويرها مثل العراق وسوريا اللتين وصلتا إلى درجة تدريس كل العلوم في كل المستويات باللغة العربية، واستطاعتا أن تجعلا منها لغة كل العلوم واللغة المواكبة للتطور العلمي والتقني … أما اللغة الصينية ( الماندرينا ) التي يتكلمها أزيد من 650 مليون نسمة وتعد اللغة الرسمية لما يقرب من مليار ونصف من السكان …وبذلك يكون سكان (الصين) هذا المنافس القوي مستقبلا يضاعف سكان الناطقين بالإنجليزية …إضافة إلى قتل الصين للإناث وإبقائهم للذكور مما جعل 30 مليون صيني بدون زواج ( 2013) وهو ما اضطر الصين إلى تصديرهم لمختلف دول العالم وبخاصة إلى أوروبا ……وظهور الصين كقوة اقتصادية وعسكرية وبشرية صاعدة سيجعل من اللغة الصينية من اللغات الأكثر تداولا في المستقبل .

       كما أن هناك مشكلا آخر يهدد الولايات المتحدة الأمريكية وهو كون أكثر من نصف سكانها لا يتكلم الإنجليزية خصوصا الولايات الجنوبية التي اغتصبتها من المكسيك فهم متعصبون للإسبانية . كما تنشط في هذه الولايات الهجرة غير القانونية من كل أمريكا اللاتينية.

      فإذا كانت أمريكا تبدأ كل حروبها بالحرب الاستخباراتية ثم الإنهاك الاقتصادي ثم التضخيم من قدرات العدو ثم حشد القوات ثم الضربة العسكرية …فإن حربها اللغوية (الأنكلوساكسونية ) تعتبرها من الإستراتيجية الضامنة للسيطرة الأبدية وبقاء الهوية الأمريكية مستنسخة في شخصية المهزومين وبالتالي تحقق نهاية التاريخ التي تكلم عنها ( فرانسيس فوكوياما).

حاولت الاختصار قدر الإمكان وفي الأخير أختم بقولة اسحاق نيوتن نقلتها من الصفحة 9 من كتاب (فلسفة نيوتن الطبيعية )للدكتور عبد النبي مخوخ( أطلب بإلحاح أن تتم قراءة كل ما قدمته هنا بنية حسنة، وأن تتجه جهود القراء لمواصلة هذا البحث ومعالجة ثغراته أكثر من التنديد بالأخطاء الملازمة لموضوع صعب من هذا القبيل).

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.