اعداد /اسماعيل مرجي- عبد الله ادجنان
نظم المكتب الوطني للجمعية المغربية لأساتذة التربية الاسلامية ندوة تربوية عبر منصة زووم وعلى صفحته الرسمية يوم الاثنين 23 رمضان 1442 /26ابريل 2021 في موضوع “منهاج مادة التربية الا سلامية بعد خمس سنوات :رؤية تقويمية نقدية ” أطرها كل من السادة الأساتذة والباحثين الأفاضل:
:د. مصطفى الصادقي: أستاذ التعليم العالي ومكون بالمركز الجهوي لجهة الشرق وجدة
د. يونس محسين: أستاذ مادة التربية الإسلامية بالتعليم الثانوي التأهيلي؛
قام بتسييرها الأستاذ محمد بنكاضي أساتذة مكون بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بالعيون ، افتتحت الندوة بعد الترحيب بالجميع، بآيات بينات من سورة الإسراء، تلاها الأستاذ المتدرب بالمركز الجهوي بمدينة العيون عثمان الصافي، وذكّر المسير بعد التلاوة بالهدف من الندوة، وهو قراءة نقدية بناءة لمنهاج مادة التربية الإسلامية قصد التجويد والتطوير،وذلك بعد مرور خمس سنوات من العمل به.
كان موضوع المداخلة الأولى:” الأسس المعرفية لمنهاج مادة التربية الإسلامية نظرة نقدية”، من تقديم الدكتور مصطفى الصادقي، وهو خريج دار الحديث الحسنية وأستاذ التعليم العالي، وأستاذ مكون بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين الجهة الشرقية.
شكر في بداية مداخلته الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية لمواكبتها منهاج المادة منذ صدوره عبر لقاءات وندوات، ثم أكد أن أي نقد أو تقويم لا بد أن يستند إلى مرجعية وأساس نظري يستمد منه توجيهاته، ولا وجود لأي خلفية نظرية لتقويم منهاج مادة التربية الإسلامية إلا المرجعية المنهاجية من مبادئ المنهاج وأسسه.
وقبل أن يعرض الدكتور الصادقي معالم نظرته النقدية للمنهاج، نوه بمحاسن المنهاج، من قبيل إعطاء العناية الخاصة للقرآن الكريم حفظا وفهما وتدارسا، واهتمامه بالسيرة النبوية، وانطلق بعد ذلك في تقويم المنهاج من الأسس التي بني عليها المنهاج ، مؤكدا على أن الأدبيات التربوية تكاد تجمع على أن أسس المنهاج ثلاثة: الأول الأساس المعرفي ( يبحث في طبيعة المعرفة، ومنهجها وأجزائها…) والثاني: الأساس الفلسفي ( يبحث في هوية المجتمع وفلسفته …) والثالث :الأساس السيكولوجي ( يبحث في قابلية التعلم لدى المتعلم، والجانب النفسي..)
ونظرا لموضوع مداخلته فقد اقتصر في تقويم منهاج المادة على الأساس المعرفي، منبها أن مادة التربية الإسلامية لها علاقة بمنظومة العلوم الشرعية، ولا تنفك عنها كما تؤكد وثيقة منهاج المادة، وبسط إشكالية علاقة مادة التربية الإسلامية بالعلوم الشرعية، وأكد أنها جزء من العلوم الشرعية، وعليه فالتأسيس لمنهاج مادة التربية الإسلامية يقتضي الرجوع إلى منظومة العلوم الشرعية للبحث في أساسها الابستيمولوجي، ماهي هذه المنظومة ؟ وكيف تتأسس؟ وماهي وحداتها ومنهجها ؟
ولتقويم الأساس المعرفي للمنهاج يمكن الرجوع إلى ما يتعلق بالعلوم الشرعية، فالعلوم الشرعية تحوم حول النص الشرعي وتستهدف:
توثيق النص الشرعي كعلوم القرآن والحديث…
تحليل النص الشرعي كعلم العقيدة وعلم السلوك والأخلاق وعلم الفقه
وخلص إلى أن منهاج مادة التربية الإسلامية لم يعكس ثنائية علم التوثيق وعلم التحليل التي تستهدفها العلوم الشرعية، لكون المنهاج لم ينظر إلى العلوم الشرعية نظرة كلية، بل نظر إلى قضايا معينة ونظمها على شكل دروس، كما أنه نسي جانب التوثيق، فسجل غياب دروس تمكن من توثيق النص الشرعي كدروس مصطلح الحديث وعلومه…، منبها إلى خطورة إغفال الجانب التوثيقي فقد يدخل من هذا الجانب الخلل الكبير كدخول الأحاديث الموضوعة وغير ذلك.
وأكد الدكتور الصادقي أن المنهاج لم تهتم فقرات مجالاته بالرؤية الكاملة للعلوم الشرعية، مما أدى إلى عدم تحصيل رؤية كاملة لدى المتعلم، فالمنهاج اهتم بالتفاصيل وغابت عنه الرؤية الكلية للعلوم الشرعية، لذلك نجد المتعلم يحصل على شهادة البكالوريا ولا رؤية واضحة له للعلوم الشرعية.
كما تساءل الدكتور هل المنهاج اعتمد دراسة إحصائية لمباحث المعرفة في العلوم الشرعية لاختيار منها ما يناسب المتعلم ؟ ففقرات كثيرة من العلوم الشرعية لم تذكر في المنهاج الجديد للمادة رغم أهميتها كدروس الفرائض، فلا بد أن يكون لدى المتعلم بعض المبادئ في الفرائض ليواجه بها بعض الدعاوى والشبهات حول الإرث…
وفي مجال العقيدة سجل غياب مواضع أساسية كبرى كالإيمان بالملائكة والإيمان بالكتب السماوية… وهذه الموضوعات رغم أهميتها فلم تخصص لها دروس بالسلك الثانوي وأجملت في درس واحد ضمن حديث جبريل.
أما في مباحث الطهارة والصلاة فقد لاحظ أنها ذكرت في السنة الواحدة مجملة وهو مجال كبير يستحق أكثر من ذلك، في حين نجد الصيام خصصت له سنة كاملة رغم بساطة أحكامه مقارنة بالطهارة والصلاة.
وختم مداخلته بإشكالية اصطلاحات المنهاج، فمصطلحاته عليها ملحوظات بدءا بمفهوم المداخل والغاية منها، وعلاقتها فيما بينها وبباقي مفردات المنهاج.
تدخل الدكتور يونس محسين ( دكتوراه في الفكر الإسلامي ومناهج التربية؛ وأستاذ السلك الثانوي التأهيلي) ثانيا وعنون مداخلته بـ: “نحو مرجعية لتقويم منهاج التربية الإسلامية”.
تمحورت مداخلته حول مساءلة لفلسفة تقويم المنهاج؛ وبحث في أسسها المرجعية المعيارية: انطلاقا من اشكالات:
ما مفهوم “تقويم المنهاج”، وما المرجعية المسعفة في التقويم؟ وما وظائفها وما مجالاتها؟.
ما الأسس الناظمة لفلسفة تقويم المنهاج في الفكر التربوي الحديث؟ وهل يمكن أن نجد لها أصلا في جهود نقد مسالك التعليم الشرعي تاريخا وحاضرا ؟
ما أنهج السبل لبناء مرجعية لتقويم منهاج التربية الإسلامية، وما ضوابط بناء إطار مرجعي لتقويمه وترسيمه واستثماره؟
وقد توصل الدكتور محسين في مدارسة هذا الإشكالات، بمقاربة ثنائية قائمة على نظرين: نظر تأصيلي، وآخر تنزيلي:
يتغيى النظر التأصيلي: التعريف بالمفاهيم المركزية (التقويم، المرجعية) إفراد وتركيبا، والمحاججة عن موجب القول بمرجعية تقويم المنهاج، وبيان وظائفها والحاجة إليها.
أما النظر التنزيلي: غايته الانطلاق مما جرى التأسيس له نظريا، لترسيم أسس ذات سلطة مرجعية في تقويم منهاج التربية الإسلامية.
وقد وطن الدكتور مداخلته في محورين:
أولا: في تأصيل مرجعية تقويم المنهاج.
ثانيا: نحو ترسيم مثل لإطار مرجعي لتقويم المنهاج.
وختم مداخلته باقتراح مرجعية تقويمية ناظمة لأسس مرجعية نسقية يرجى منها الإسهام في ضبط النظر التقويمي للمنهاج نظريا وعمليا، تشمل :(تقويم المنهاج في ضوء أسس بنائه المعرفية والسيكولوجية والتربوية، وتقويم وثيقة المناهج من حيث هندسته البيداغوجية، وترتيب المداخل وما اندرج تحتها من دورس، وتقويم الممارسة الصفية وعوائق التنزيل ودعامات التفعيل، وتقويم الإطار المرجعي للممارسة التقويمية الاختبارية، وتقويم الأهدافـ، وطرق التدريس، والوسائل والأنشطة التعليمية…
وتدخل الدكتور البورقادي ثالثا بمداخلة بعنوان:” قراءة نقدية في منهاج مادة التربية الإسلامية” والأستاذ البورقادي مفتش تربوي للمادة بالثانوي التأهيلي وباحث في علوم التربية والديداكتيك.
ذكّر في مقدمة مداخلته بالمقاربات التي عرفتها المادة بدءا بالمضامين مرورا بالأهداف وصولا إلى الكفايات، كما ذكّر بسياق مراجعة منهاج مادة التربية الإسلامية، وبسط بعد ذلك إشكالية مداخلته انطلاقا من التساؤل التالي:” ما أوجه القصور في منهاج المادة وما أهم المقترحات التطويرية بعد مرور ما يقارب خمس سنوات على إصداره ؟ مجملا عناصر مداخلته في أربعة :
العنصر الأول: أهمية مراجعة المنهاج وتقويمها :
وتكمن أهمية ذلك في المساعدة على تطوير عناصر المنهاج الخمسة المتمثلة في : الأهداف، والمحتوى، وطرائق التدريس، والوسائل التعليمية، وأساليب التقويم.
العنصر الثاني: نقاط القوة ونقاط التحسين في وثيقة المنهاج:
نوه الأستاذ البورقادي بمحاسن المنهاج مجملا إياها في : إعادة الاعتبار للقرآن الكريم، وحضور السيرة النبوية، وربط درس العقيدة بالقرآن، واعتماد مدخل القيم في بناء المنهاج، وبناء متصل بين الأسلاك الثلاث، ومحاولة تحقيق هيمنة النص القرآني، ووضوح البناء النسقي لمفردات المنهاج…
أما عن نقاط التحسين فقد سجل ملحوظات أبرزها: مفاهيم ومصطلحات المنهاج تحتاج تدقيقا وإعادة النظر في الصياغة، وخاصة ما تعلق بمفهوم المداخل والمقاصد والقيم والعلاقة بين هذه المفاهيم، كما لاحظ غموضا وتداخلا بين تلك المفاهيم.
كما سجل على المنهاج الحالي أنه عرف زخما معرفيا وتضخما مقارنة بالمنهاج السابق؛ مما يجعل وظيفية المعرفة ضعيفة في المنهاج، وهذا لا يتماشى مع قواعد التدريس بالكفايات، ولعل في غياب حصص الأنشطة خير دليل على تضخيم الجانب المعرفي وتغييب التطبيقات والأنشطة.
العنصر الثالث: نقاط القوة ونقاط التحسين في الكتاب المدرسي:
قدم الأستاذ البورقادي بداية تعريفا للكتاب المدرسي معتبرا إياه بالأداة الرئيسية لتصريف المنهاج، مذكّرا بالاستعجال الذي عرفه إصدار الكتب المدرسية الخاصة بالمادة، منوها بعد ذلك بمجهود لجان التأليف ومحاولتها الاستجابة للبنود الواردة في دفتر التحملات ، لكن سجل الدكتور البورقادي جملة من نقاط التحسين في الكتاب المدرسي نجملها في ما يلي:
وجود تعسف في بعض الأحيان في لي أعناق بعض النصوص القرآنية؛
ضعف الانسجام بين الكتاب المدرسي والإطار المرجعي؛
ركاكة في الأسلوب في بعض الأحيان؛
وضعيات غير مناسبة؛
وجود بعض الأخطاء المعرفية.
ضعف حضور الفقه المالكي؛
الحشو في النصوص المؤطرة والصور؛
غياب الضوابط العلمية في صياغة الأهداف؛
العنصر الرابع: مقترحات للتطوير:
استنادا إلى ما تقدم ذكره اقترح الدكتور البورقادي جملة من مقترحات التطوير من شأنها سد الثغرة وتجاوز الخلل المسجل على المنهاج، ومن أبرز تلك المقترحات:
تدقيق صياغة وثيقة المنهاج؛
تخصيص مدخل الحكمة للأنشطة؛
مراجعة الأطر المرجعية وتدقيقها.
التعجيل بإصدار وثيقة التوجيهات؛
تخصيص ساعتين في الأسبوع لتلاميذ الثانية بكالوريا المسالك العلمية؛
تنقيح الكتب المدرسية وتعديلها؛
تجديد فرق التأليف ومراجعة دفاتر التحملات؛
استثمار عملية إدماج المهارات الحياتية.
تدخل رابعا المفتش التربوي لمادة التربية الإسلامية الباشر المقدم معنونا مداخلاته بـ:” منهاج المادة وإشكالات التنزيل “.
منطلقا في بداية مداخلته من طرح ثلاثة أسئلة كبرى، شكلت عناصر مداخلته وقدم إجابات لها.
السؤال الأول: لماذا الحديث عن إشكالات التنزيل ؟
أكد الأستاذ أن وثيقة منهاج المادة حاولت تجاوز إشكالات المادة المعرفية والمنهجية المسجلة على المنهاج السابق، فقدمت تصورا جديدا لكن لا قيمة لهذا التصور ما لم يقترن بشروط منها:
ضرورة إدارك واستيعاب منهاج المادة وخاصة من طرف السادة الأساتذة؛
أن يكون المنهاج قابلا للأجرة والتنزيل؛
اقناع واقتناع جميع المتدخلين والمهتمين بتدريسية المادة للانخراط؛
متأسفا أن هذه الأمور لم تتحقق في المنهاج الحالي لعدة أسباب ذكرها عند الإجابة عن السؤال الثالث.
السؤال الثاني: ما هي أهم هذه الإشكالات ؟
إن عدم تحقق الشروط السالفة الذكر هي التي أدت إلى بروز جملة من الإشكالات مثل لها بأربع على سبيل التمثيل لا الحصر وهي:
الإشكال الأول : إشكال التعامل مع المداخل استيعابا لفلسفتها، من حيث مفهومها ووظائفها وطرق تنزيلها ،كما دلت على ذلك بعض البحوث التربوية الميدانية، وبعض الممارسات الصفية لأساتذة المادة تخطيطا وتدبيرا وتقويما.
مذكرا بأهمية استحضار منهجيات تدريس المداخل بمراعاة خصوصياتها الابستمولوجية والتربوية، ومراعاة وظيفتها في المنهاج، والنظر إلى المداخل وفق نظرية نسقية.
الإشكال الثاني: التدريس بالوضعيات:
لاحظ الأستاذ الباشر أن مقاربة التدريس بالكفايات على المستوى النظري لا زالت غامضة لدى الكثير من أساتذة المادة، وخاصة مع مجيء المنهاج بالوضعية الدامجة، مما انعكس سلبا على الممارسات الصفية الديداكتيكية.
الإشكال الثالث: بناء القيم:
واجهت منظومة القيم في منهاج المادة إشكالات كبرى تدريسا وتقويما، كما دلت على ذلك بعض البحوث التربوية الميدانية.
الإشكال الرابع: التدريس بالمفهوم:
رغم تركيز المنهاج الجديد على التدريس بالمفهوم ، فإن أساتذة المادة لم يتلقوا تكوينات بخصوصه ولا يعرفون كيف يدرسون به.
وغيرها من الإشكالات كإشكالية الكفايات العرضانية وإشكالية الانسجام مع باقي المواد الأخرى .
السؤال الثالث: ما سبب هذه الإشكالات؟
أجمل المفتش التربوي الباشر المقدم سبب الإشكالات السابقة في ثلاثة، مقترحا اقتراحات ضمنية لتجاوز هذه الأسباب وتلافي الإشكالات مستقبلا، فمن الأسباب ما يرجع إلى الوثائق الخاصة بالمادة، سواء في التأخر في إصدار التوجيهات والبرامج الخاصة بالمادة، أو في عدم تفصيل وثيقة المنهاج ومذكراته في مفرداته وتعليلها، مقترحا أن تصدر وثيقة المنهاج متضمنة لجميع تفاصيل مفرداته.
ومن الأسباب ما يرجع إلى التكوين سواء التكوين الأساس أو المستمر، مسجلا شبه غياب التنسيق بين هيئة التكوين والتأطير والتدريس.
والسبب الثالث يرجع إلى غياب التواصل بين أساتذة المادة ومختلف الفاعلين في تقريب المنهاج ومفرداته.
وبعد الانتهاء من المداخلات الأربع، تم فتح باب النقاش وطرح التساؤلات التي همت مختلف المجالات المعرفية والبيداغوجية والديداكتيكية حول المنهاج، وما يطرحه ذلك من إشكالات، وقد تم التفاعل معها من قبل السادة المؤطرين، حيث قدموا إجابات وإفادات أغنت الندوة التربوية، والتي دامت أشغالها لما يقارب ثلاث ساعات.
واختتمت الندوة التربوية بتجديد الشكر والثناء للمحاضرين الأفاضل، والسادة المشاهدين المتفاعلين.
إعــــــداد
ذ. اسماعيل مرجي ذ. اد اجنان عبد الله